تُعد صلاة التهجد واحدة من أعظم العبادات التي تغذي الروح وتقرّب المسلم إلى خالقه، وتتحقق فيها أبرز معاني الإيمان والخشوع. في الحرمين الشريفين، مكة المكرمة والمدينة المنورة، تتجلى هذه العبادة برونق خاص، حيث تصطبغ ليالي التهجد بروحانية فريدة، خاصة في العشر الأواخر من رمضان، ما يجعل القلوب تخشع والألسن تدعو طلبًا للرحمة والمغفرة.
أهمية صلاة التهجد في الحرمين الشريفين
صلاة التهجد ليست مجرد سنة مؤكدة عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل هي مناجاة خالصة لله في أحلك ساعات الليل. وقد أثنى الله عز وجل على المتهجدين في قوله تعالى: ﴿ تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ یَدۡعُونَ رَبَّهُمۡ خَوۡفࣰا وَطَمَعࣰا ﴾.
أما في الحرمين الشريفين، فإن لهذه العبادة طابعًا روحانيًا مختلفًا، حيث تجتمع قدسية الزمان والمكان. المسلمون من أصقاع الأرض يأتون إلى هنا ليغسلوا قلوبهم بذكر الله، ويجدوا السكينة بين يدي ربهم. تكتسب التهجد هنا رمزيتها الكبرى، خاصةً في أواخر رمضان التي ترتفع فيها الأيدي بالدعاء والرجاء لمغفرة رب كريم.
مواعيد صلاة التهجد في الحرمين الشريفين
تبدأ صلاة التهجد في الحرمين الشريفين خلال العشر الأواخر من رمضان، وهي الأيام التي كان النبي ﷺ يوصي فيها بالاجتهاد في العبادة. تُقام الصلاة عادةً بعد التراويح بفترة قصيرة، حيث تُعلن الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي عن المواعيد الدقيقة. وتستمر غالبًا من منتصف الليل وحتى الثلث الأخير، وتنتهي قبل أذان الفجر بفترة تكفي لأداء السحور.
على سبيل المثال، وفي معظم الأعوام، تُقام صلاة التهجد بين الساعة 12:30 والساعة 3:00 فجرًا. هذا التوقيت يوفر للمصلين فرصة عظيمة للتقرب إلى الله في أقدس الليالي.
روحانية صلاة التهجد في الحرمين وفضلها
لا شيء يضاهي شعور أداء صلاة التهجد في الحرمين الشريفين. الكعبة المشرفة في مكة والمشاعر القدسية في المدينة تبثُّ في النفوس الطمأنينة والتقوى. مع تلاوة الإمام للقرآن، تتعالى الدعوات وتنساب الدموع، وتغمر القلوب رغبةً في مغفرة الله. حضور آلاف المصلين، متّحدين في هدفهم الروحي، يضيف لمسة فريدة من الجمال والوحدة.
أهم ما يجعل التهجد مميزًا هو إمكانية مصادفة ليلة القدر، وهي الليلة التي وصفها الله بأنها “خير من ألف شهر”. أداؤك للتهجد في هذه الليلة قد يعني تغيّر مصيرك للأفضل، بفضل الله ورحمته.
- نصائح لأداء صلاة التهجد:
- هيّئ نيتك مسبقًا، واستعد نفسيًا وروحيًا لهذه العبادة العظيمة.
- خصص وقتًا للراحة خلال اليوم لتضمن تركيزًا أفضل خلال الصلاة.
- التزم الهدوء واحترم قدسية المكان.
- استخدم التهجد كفرصة للدعاء والتضرّع إلى الله من أعماق قلبك.
ختامًا، فإن أداء صلاة التهجد في الحرمين الشريفين هو تجرِبة روحانية لا تُنسى. إنه وقتٌ تتجسد فيه معاني الإيمان بصفائها، ويدرك فيه المسلم أن التواصل مع الله في أقدس أماكن الأرض هو زادٌ حقيقي لمسيرة الحياة. مع قدوم رمضان، اغتنم هذه الفرصة، وكن من أولئك الذين ينالون رضا الله وفضله في ليالي الرحمة العظيمة.