في تصريح هام، أكد الدكتور نظير محمد عيَّاد، مفتي الجمهورية ورئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، أن الخلافة الإسلامية ليست غاية بحد ذاتها، بل هي وسيلة لتحقيق الحكم الرشيد والعدل. جاء حديثه ليضع النقاط على الحروف حول الجدل الدائر بشأن نظام الحكم في الإسلام، موضحًا أن الدولة الوطنية الحديثة يمكن أن تمثل امتدادًا شرعيًّا لما دعا إليه الإسلام، إذا التزمت بمبادئه الجوهرية مثل العدل ورعاية المصلحة العامة.
الخلافة الإسلامية: وسيلة للحكم الرشيد وليست غاية دينية
أوضح الدكتور نظير عيَّاد أن الخلافة الإسلامية نشأت كأداة سياسية في سياق تاريخي محدد، ولم تكن تستند إلى نصوص دينية تفرض شكلاً موحدًا للحكم. واستدل بغياب أي نظام سياسي محدد وضعه النبي صلى الله عليه وسلم خلال حياته، حيث ترك أمر الحكم لاجتهاد الأمة وفق متطلبات العصر والمصلحة العامة. هذا النهج المرن يعكس رؤية الإسلام التي تركز على الأسس الأخلاقية للحكم مثل العدل والأمانة، كما ورد في قول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء: 58].
أشار المفتي إلى أن نماذج اختيار خلفاء الراشدين جاءت بناءً على الشورى والتوافق، سواء ببيعة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، أو تعيين عمر بن الخطاب رضي الله عنه. ومن خلال هذه النماذج، يتضح أن الهدف لم يكن التمسك بشكل معين للحكم، بل إيجاد نظام إداري يضمن حقوق المسلمين ويحفظ استقرار الأمة.
الدولة الوطنية الحديثة: امتداد مشروع لنظام الحكم الإسلامي
أكد مفتي الجمهورية أن الإسلام لم يشترط نموذجًا سياسيًّا جامدًا للحكم، بل وضع المبادئ الضامنة لتحقيق الحكم الرشيد. ومن هذا المنطلق، يمكن اعتبار الدولة الوطنية الحديثة امتدادًا طبيعيًّا لمنظومة الحكم الإسلامي، بشرط أن تلتزم بتحقيق مقاصد الشريعة مثل حفظ الحقوق، إقامة العدل، وتعزيز المصلحة العامة.
وفيما يتعلق بتطور مفهوم الخلافة عبر العصور، سلط الدكتور عيَّاد الضوء على كيفية تحولها في العهدين الأموي والعباسي إلى نظام وراثي، مع حفاظها على مقاصد الحكم الإسلامي. ورأى أن الجمود على النموذج التاريخي للخلافة دون مراعاة السياق المجتمعي الحالي لا يتماشى مع روح الإسلام التي تدعو إلى المرونة والابتكار بما يخدم مصالح الأمة.
مقاصد الشريعة: الأساس الذي يُبنى عليه نظام الحكم
شدد الدكتور عيَّاد على أن الإسلام يركز على مقاصد الشريعة في الحكم، من تحقيق العدالة إلى صيانة الحقوق العامة والخاصة. وأكد أن التعاون بين الدول الحديثة لتحقيق المصالح المشتركة لا يتناقض مع مبادئ الإسلام، طالما أن الهدف هو خدمة البشرية وتحقيق الخير للناس.
واختتم حديثه بتأكيده على ضرورة إعادة النظر في بعض الفهوم الجامدة حول نظام الحكم الإسلامي، ودعا إلى توظيف المبادئ الإسلامية في تطوير نظم عصرية تخدم تطلعات الشعوب. وأشار إلى أن الإسلام لم يفرض تسميات معينة للحكم، بل منحنا إطارًا أخلاقيًّا ومقاصديًّا لبناء مجتمع متقدم ومستقر.