رواية بين الرذاذ للكاتبة أنستازيا الفصل الأول

رواية بين الرذاذ للكاتبة أنستازيا الفصل الأول
كائنات مفترسة.يحركها الجوع الديقوع وتأكل بنهم دون اللجوء إلى التذوق، تشعر بالعطش على مدار الأربعة وعشرون ساعة وتروي نفسها برشفة واحدة كما تبتلع الأرض مياه الغيث. صوتها حاد على المسامع، نظراتها تكسر الأجنحة الطموحة. ومخالبها تكسر ما صنفته الفيزياء غير قابل للكسر. ولعابها يحرق ويصهر ما صنفته الكيمياء غير قابل للذوبان.ليست كائنات خيالية. ليست ذو مظهر بشع أو موحش. لا تمشي على أربع.
البَشر الذين تحركهم المشاعر!جنس البشر الذي يعيش بالتغذي على الآخرين، حيث يصبح كل منا محامي دفاع عن أخطائه التي يقترفها، وقاضياً على الناس من حوله، وحاكماً على الأحداث في محيطه، حيث نقرر رؤية الواقع بالصورة التي نرغب فيها نحن فقط.مهما بدوت مختلفاً، لا مهرب من حقيقة كَوني ضمن هذه الفصيلة كذلك ولكنني أبدو كمن أعفى نفسه تماماً، أو لنقل لم يحظى بنصيب المشاعر بعد!
لا أحد هنا كامل ومثالي. ولا أحد مستثنى. ولكن هناك تلك الفئة.التي تعيش في دائرة النُدرة وتتغذى على المزيد من النقص في مكنونها.جميعنا نخوض حرب، إما حرب مباشرة، أو حرب بالوكالة.! يحارب البشر بعضهم البعض بتهكم. بتهجم. بترفع وتكبر. لم يصنعوا مجالاً مسالماً على هذه الأرض.
هؤلاء البشر وجدوا ضالتهم برفع شؤونهم الاقتصادية بتناول الممتلكات اللذيذة للدول الضعيفة أو المستعمرات المثيرة للشفقة، جورج أورويل كان محقاً عندما قال أننا نُزور السياسة بتصميم مثالي حيث يبدو الكذب حقيقة، الاحتيال وسيلة، القتل ليس إلا دفاع عن النفس والنهب استرداداً لحقوقنا المزيفة. وكذلك نهدم المجتمعات بتشكيل الناس كالدمى وتحريكهم بالطريقة الملائمة حيث نصل إلى هدف محدد، لنصبح كالمسوخ التي تلتهم بلا رحمة وتتحدث بلا وعي. حيث يكون المجتمع مغيب. منافق. يسيرون معاً كالقطيع الضال.
مجتمع يلهث خلف الكماليات، المظاهر. والشهرة.تأملتُ تحديث المدونة مراراً وتكراراً بتمعن وتركيز، زميت شفتاي حائرة أغوص في أفكاري متسائلة لماذا قد يختار الكاتب هذه الألفاظ القاسية؟ لماذا مدونته مليئة بذم البشر إلى هذه الدرجة كما لو يكون كائناً نزل من الفضاء أو كائن لا يتضمن قاموسه معنى الخطأ أو حتى أميراً خرج من أعماق البحار؟
كل ما يجيد فعله هو الذم واللوم! يصور البشر كما لو كانوا مخلوقات متوحشة! نبدو حقاً وكأننا نجسد الوحوش في أفلام الرعب لكائنات أخرى تشاهدنا بينما تجلس في صالة عرض الأفلام وتتناول الفشار بإنهماك وإندماج.الا ينتمي الينا؟يفرض سيطرته على ويجعلني أتخيل الناس من حولي هائجين كالزومبي أو فاقدين للسيطرة جراء التعطش للدماء تماماً كدراكولا.
الأهم من هذا. لماذا أستمر في قراءة كتاباته الغريبة الفريدة من نوعها؟ لماذا أنتظر بنفاذ صبر أن يقوم بتحديث صفحته!تنهدت بعمق واعدت ناظري إلى أظافر أصابع قدمي أكمل طلائها بصبغ الأظافر الأحمر.لقد استغرقت في أفكاري طويلاً بدلاً من العثور على حل للكارثة التي اواجهها في العمل، هذا ما يحدث عادة عندما يُحدّث كاتب المدونة صفحته.
يا ترى كم يجني من مدونته هذه؟ صفحته مليئة بالإعلانات ولا يسعني إغلاق كل إعلان ينبثق في وجهي في كل حين، مدونته هي الأكثر زيارة دائماً وكثيراً ما يتحدث الناس عن محتواها لاثارتها الجدل.وجهت ناظري إلى شاشة الحاسوب مجدداً على الطاولة اقرأ التعليقات لزوار المدونة ونقاشاتهم.
زفرت حين وجدت بعضهم اختلفو في خانة التعليقات فأغلقت حاسوبي المحمول وتركت علبة الطلاء جانباً حذرة الا ألطخ الاثاث الأبيض في شقتي متجهة إلى بعض التسالي التي وضعتها على طاولة التلفاز كرقائق البطاطا والشوكولا، أحضرتها وعدت لأجلس على الأريكة ورفعت كلتا قدماي على الطاولة ممسكة بالمجلة التي ينضح غلافها بالحيوية ويصدح بالحركة.
لمحت بطرف عيني المرأة التي تأتي إلى هنا يومياً للتنظيف في الصباح الباكر ثم تعود وقت الظهيرة بعد اعداد الغداء، لقد خرجت من غرفتي ممسكة بسلة الثياب واتجهت إلى الحمام المخصص للغسيل، هذا أفضل قرار قد اتخذته. فمنذ أن انتقلت للعيش هنا وأنا أتعامل مع شركة تنظيف ترسل العاملات بجداول منتظمة وبخبرة كافية. تأتي لتنظف الشقة كلها وتعد الغداء الذي يتبقى الكثير منه وأتناوله للعشاء.
مع أنني رغبت في إحدى المرات في منحها واجب التنظيف فقط، ولكن فشلي الذريع في الطبخ جعلني اتراجع فوراً، أولاً لست بارعة وثانياً في كل مرة أقطع فيها الخضار إما أجرح أناملي أو أكسر أظافري التي أمضي وقتاً طويلاً في العناية بها!أعدت تركيزي إلى المجلة، أنظر إلى صورة الغلاف بينما أمضغ رقاقة البطاطا المُملحة.
ليست إلا صورة لأحد العارضين بهيئة حَربية من العصر الأوروبي القديم، مظهره جذاب وقد تم وضع المكياج السينمائي الإحترافي له ليبدو مصاباً في جبينه وأنفه، إضافة إلى بعض الخدوش والغبار على وجهه وفي يده سلاحاً عسكرياً مميزاً من الطراز الكلاسيكي القديم، وكذلك النظرة الجادة الحازمة التي تنم عن الإنتقام في كلتا عينيه. إضافة إلى الخلفية الإبداعية حيث يمشي وسط كومة من الفوضى وخلفه ساحة للقتال ينتشر على أرضها القسطل الذي يضفي أجواءً غامضة سوداوية أكثر.
لا عجب أنني أركز كثيراً في هذه التفاصيل الصغيرة الدقيقة ولا أتوقف عن سردي لتفاصيل الغلاف، ففي الحقيقة أنا من التقطت هذه الصورة.لست مصورة مستقلة، وإنما أعمل لصالح إحدى أكبر المجلات المختصة بألعاب الفيديو والتسالي الشبابية وما شابه. ولم يكن هذا الغلاف إلا ترويجاً للعبة جديدة تم طرحها في الأسواق قبل شهر ونصف وها هي ذا المتاجر مكتظة بالمراهقين وكذلك الشبان الهاوين لهذه الألعاب.
بالطبع لم ألتقط هذا النوع من الصور فقط، فأنا ألتقط معظم صور المجلة تقريباً، وبصراحة لا يمكنني الهرب من شعور الفخر لإنتمائي لمجلة معروفة ذات سيط واسع حول العالم وخاصة هنا في هذه البلاد.
مجلة قيميرز كامب. التي عملت جاهدة ليتم قبولي فيها بمجهودي الخاص محاولة التخلي عن الفائدة التي يقدمها لي اسمي العائلي ومكانة أبي في عالم الأعمال الرائجة. أو حتى معرفته القديمة بالرئيس كوفمان مدير المجلة. ومع أنني لا أنتمي إلى المجلة منذ زمن بعيد جداً ولكنني نجحت في تحقيق الكثير من الإنجازات الملموسة خلال فترة وجيزة!
نظرت خلفي بضجر نحو باب الشقة حيث تعالى صوت رنين الجرس ثم تلاه طرقات سريعة على الباب فأسرعت لأتفقد هوية الطارق وقد استوقفت الخادمة لأشير لها أنني سأفتحه بنفسي فعادت إلى الحمام لتكمل الغسيل، وبالطبع لم أكن بحاجة للسؤال عن هوية الطارق خلف الباب أو النظر عبر الشاشة الإلكترونية فأنا أعلم جيداً من قد يطرق الباب بهذه الطريقة المُلحنة بإتقان، ففي كل مرة أسمع مقطوعة مجانية إما لبيتهوفن أو موزارت. أو حتى لشوبان!
ابتسمت انظر إلى بينديكت الذي خرج من غرفتي يهز ذيله بمرح وحماس ويقف بجواري ينتظر أن أفتح الباب كعادته كلما زارني أحد ما في شقتي.فتحت الباب واتكأت عليه بملل أنظر إلى من رسمت ابتسامة واسعة على ثغرها ودخلت تتجاوزني بحيوية تتأبط مغلف بني. أغمضت عيناي بإنزعاج حين تعمدتْ دفع كتفي بكتفها بقوة لأزفر أزفر متمالكة نفسي: سأخلع هذا الكتف النحيل الأشبه بلوح الخشب يوماً ما.
قهقهت عالياً بثقة وقالت ملوحة بيدها بسخرية: إن كان كتفي لوح خشب فحُري بكِ حشو الصدرية التي ترتدينها أيتها المسطحة. أنصتِ كتاليا لا وقت لنهدره أكثر فبقي على اقصاؤك أقل من اثنان وسبعين ساعة فقط.
جزيت على أسناني بغيض وقد رغبت في سكب القليل من الحمم المتدفقة من جوفي فوق رأسها، ومع ذلك تمتمت بإستنكار أنظرا إليها بينما تجثي لتداعب فرو بينديكت الذي نبح بحماس: لن تكفي انتِ او ديفيد وجاك عن الشماتة بوضعي وتذكيري بمصائبي في العمل، اتصل قبل نصف ساعة ظناً منه أنه يواسيني ولكن انتهى الأمر بي أغلق في وجهه!
رمقتني بتهكم وترقب فصفقت الباب خلفي بقدمي وقلت بحيرة استوعب الوقت وانا أنظر للساعة على الحائط حيث تشير إلى العاشرة فقط: مهلاً. ما الذي اتى بكِ؟ هل هربت من العمل!تجاهلتني ووقفت لتسرع إلى مطبخي لتحضر لها زجاجة عصير من الثلاجة، عادت على عجل وبمرح لتسير نحو الأريكة بينما ترتشف من العصير دفعة واحدة ثم دفعت الهواء من فمها بقوة وقالت بإنفعال وسعادة: لدي أخبار سارة!
قلّبت عيناي بيأس وقنوط وقد بدأت غيمة الإحباط تحوم فوق رأسي: آخر مرة قلتِ فيها هذا خرجنا بلا فائدة، كافة المقابلات مع العارضين الجدد لم تأتي بأي نتيجة ولا زلتُ قيد الإيقاف حتى هذه اللحظة.بدت وكأنها تذكرت الأمر وأسرعت تعترض: كفاكِ سخفاً قلت أن بحوزتي أخبار سارة بالفعل لذا توقفي عن التشاؤم.
أعقبت مفكرة وهي ترفع كلتا قدميها على الطاولة وتنظر إلى المجلة المستقرة بجانب قدمها والقت نظرة على التسالي التي كنت أتناولها: سيزداد وزنك بلا شك فكلما أتيت إلى شقتك وجدت عشرات اكياس الاطعمة السريعة قم تم افتراسها!قالتها وقد عقدت حاجبيها بإنزعاج واضح تشيح بناظرها عن التسالي فتمتمت ببرود: أتيتِ للشجار معي؟ انا في مزاج سيء غادري روز.
أخرجت لسانها بعبث: أنا مفعمة بالطاقة وحسب. حسناً اجلسي لنتحدث على أن أغادر بسرعة.جلست مقابلها واحتضنت الوسادة متثائبة، ثم تمعنت النظر إلى طلاء أظافر يدي وقدمي: أتمنى أن أسمع أخبار سارة حقاً.
قفز بينديكت ليجلس بجانبي على الأريكة، في حين غمزت لي بثقة وهي تناولني المغلف البني فتساءلت: ما هذا؟ قرار ينص على ضرورة زجي إلى السجن قبل نهاية الشهر؟ أو مطالبة العارض بتعويض مادي الآن؟ لا بأس سأتكفل بفواتير علاجه في المشفى.عبست نافية: السيد كوفمان ليس قاسياً إلى هذه الدرجة ليرسل لكِ أمور مماثلة! بربكِ ألا يمكنكِ التفاؤل قليلاً؟ مشكلتك ليست بهذه الخطورة حقاً. لكل داء دواء كما تعلمين.
استنزفت كل الأدوية بحوزتي.سنخترع آخر.أردفت بمرح وعينيها البنية الفاتحة تشعان حيوية وحماس: ما الذي تنتظرينه!أخذت شهيقاً عميقاً لأملئ رئتاي بالهواء ثم اسندت مرفقي على طرف الأريكة بلا حيلة وأنا أفتح المغلف وأتفقد ما يوجد بداخله.
وبينما أقلب الأوراق قالت تحرك يديها بتأثر وتضايق: لم أحتمل فكرة أن يتم فصلك من العمل لذا بادرت بنفسي بالبحث عن العارضين اللذين تنطبق عليهم المواصفات. أحضرت ثلاث بيانات في المغلف لثلاثة منهم، مكتوبة أرقام التواصل مع مديري أعمالهم لذا سيكون الأمر أسهل بكثير من البحث هنا وهناك مع الوكالات الفنية التي تجبرنا على الإنتظار لفترات طويلة. بدأت أرى بصيص أمل في إنقاذك وتجاوز الأمر لإستئناف العمل.
اتسعت عيناي بدهشة وقد شعرت بشيء أشبه بالحياة يعود إلى جسدي وروحي ترتوي بالماء البارد بعد طول انتظار وظمأ! أيعقل أن المشكلة سيتم حلها أخيراً؟ سأجد العارض الذي ستتوفر فيه المواصفات المطلوبة؟عضضت على شفتي بتوتر والحماس قد بدأ يغمرني، شيء في داخلي يخبرني أن المأساة والتعاسة التي كنت أعيشها مؤخراً ستختفي وتنجلي أخيراً لأعيش في سلام وأحافظ على سمعتي الممتازة في مهنتي!
ارتجفت يدي وانا أخرج الصور، مهلاً! أعرفهم جميعهم. أحدهم عارض فرنسي يعيش هنا في هذه المدينة وأتذكر أنني التقطت له صور في بداية عملي، والآخران شهيران جداً ولكن.رفعت عيني إليها بشك وحزم: روزالين. أشتم رائحة غدر!طرفت بعينيها ببلاهة: ما الأمر!العارض الأخير مُصاب إثر حادث ومن المحال أن نستطيع إبرام العقد معه.
بدت مدهوشة وهي ترفع يدها نحو ثغرها نافية: لم أعلم سوى الآن! ولكنها خسارة كبيرة. المواصفات تنطبق عليه حقاً!زفرت بيأس وأنا أنظر إلى السقف والغصة تنتابني: والآخر لديه مدير أعمال معروف عنه مبالغته في الأسعار التي يحددها. سوف أقتل على يد الرئيس، كنت أعلم أن نهايتي ستكون مأساوية.مررت يدها في شعرها الأشقر القصير والمموج بتفكير وإرتباك: ولكن. ماذا عن العارض الفرنسي؟
زمجرت بغضب: لديه ملامح لطيفة وهادئة لن يكون مناسباً أبداً إلا إن كان سيُعلن عن لعبة باربي الجديدة ليروج لشخصية كين يا روز! هل يمكنك تخيله يؤدي دور الجندي الذي يقود كتيبة كاملة حقاً!بالرغم من جديتي وغضبي إلا أنها انفجرت ضاحكة وهي تضرب الوسادة بيدها!
عقدت حاجباي بأسى قبل ان أبتسم بلا حيلة وأنفي برأسي بإنهاك: أمضيت اليومان الفائتان في الإتصال بجميع من كانوا في القائمة التي أحضرها لي ديفيد. ولكنني لم أتلقى أي فائدة، إما أن العارض جدوله مزدحم أو يطالب المدراء بأجور مبالغ بها.لوت شفتيها المزينتان بأحمر شفاه رسمي بإقتضاب شديد وتمتمت: إذاً. هل هي نهاية أخرى مسدودة؟
ارتفع حاجبيها وارتخت ملامحها مردفة: سيُقضى عليكِ حتماً! لم يتبقى الكثير. يا الهي يا كتاليا.
ثم بدت متوترة وهي تنظر إلى المجلة على الطاولة حتى أخذتها ونظرت إلى الغلاف تستطرد بضيق: هل سنخسرك حقاً؟ لا يمكن أننا سنتخلى عن فتاة بموهبتك. لمجرد النظر إلى هذه الأغلفة المبهرة أشعر أن الرئيس سيندم على قراره بشأن هذه المهلة أصلاً. آه وليكن في علمك يا عزيزتي. السيد كوفمان يلح على الجميع في المجلة لمساعدتك في البحث عن عارض بديل، ولكنه شخص يرفض إظهار مشاعره الحقيقة كما تعلمين. من الواضح أنه لا يريد خسارتك.
رفعت كتفاي باستسلام ولم أعلق، يبدو أن أبي كان صادقاً في كل كلمة قالها. لقد تحداني في قدرتي على ان أمضي قدماً وحدي بعد ان تركت منزل العائلة! لقد حلت على لعنة الإله جراء كل أفعالي المتمردة.!وجدت نفسي أتنهد متمتمة: سيغضب أبي حتماً.
طرفت روز ببطء ثم شهقت فجأة واقتربت مني لتجلس على الأريكة ذاتها لتصرخ: والدك! لماذا لا نلجأ إليه؟ لديه نفوذ قوية وسيستطيع مساعدتنا بلا شك، عليك أن تعودي إلى المنزل وتقنعيه ب.أغمضت عيناي بهدوء: مستحيل.وقفتُ بملل ظاهري واتجهت لأخذ جهاز التحكم من على الطاولة الزجاجية أمام التلفاز فاعترضت بصوت عالي: لماذا! لقد برهنتِ له إماكنياتك وموهبتك ولا بد وأنه سيكون فخوراً بكِ بعد كل هذا!
ضحكت بسخرية أرفع حاجبي الأيسر بإستهزاء أخفي جاهدة رجفة كادت تخرج في صوتي: فخور بي.؟ عندما أعود للمنزل بعد هذه الفترة الطويلة وأطلب منه إخراجي من هذه الورطة! بربكِ كوني منطقية ولو قليلاً! أنا على وشك الطرد يا روز. الطرد من العمل. هل تفهمين هذا؟
بدت مستاءة أكثر وهي تنظر للشقة من حولها حتى همست بحقد: ذلك الرجل اللعين هو السبب. عليكِ أن توقفيه عند حده ما الذي تنتظرينه؟ لماذا لا تبلغين الشرطة عنه! ثم من يعتقد نفسه تحديداً ليتدخل إلى هذا القدر كات! ألم تقولي انكما انفصلتما؟
سرت قشعريرة مزعجة في سائر جسدي وروحي لمجرد ذكر أمره، شعرت بانكماش شديد ونظرت إلى هاتفي محاولة تجاهل الأمر ولكنها استمرت في الحديث مغتاظة: أشك في قدرته على منع نفسه من التطفل عليكِ بوقاحة، ان كنتما قد انفصلتما فلماذا يتمادى إلى هذا الحد؟ ماذا لو.روز.حسناً حسناً.اللعنة أنا أرتجف حقاً.
أناملي لا تتوقف عن الإرتجاف بسخط وغضب! كابوس. سيظل كابوس مرئي ومسموع أثناء اليقظة. لا أعتقد أنني سأجد مهرباً يوماً! حكمت على نفسي بالهرب والإختباء. كما حكمت على نفسي من قبل بخسارة الكثير بسبب مرحلة تمرد وطيش أندم عليها كل يوم وأعض على أناملي قهراً وحزناً.
لم أشعر بنفسي وأنا أرخي جفناي لأحدق إلى الفراغ بشرود متألمة من جراح قديمة فُتحت بعد أن جفت دمائي تقريباً، ولكن على من أكذب! أنا في ورطة جديدة بسببه. فبسببه أواجه مصير إنهاء مسيرتي المهنية التي تعبت لأجلها طيلة هذه الأعوام.في الوقت الحالي لا شيء لدي عدى وظيفتي!إن خسرتها.فسأكون حينها قد خسرت كل شيء مجدداً!روز. أعتقد أنني سأتواصل مع الوكالة الفنية التي أوصتني بها جانيت.
قلتها بعزم فضيقت عينيها البنية هامسة بعدم اقتناع: ولكن تلك الوكالة سمعتها ليست جيدة مقارنة بالوكالات الأخرى، تعلمين ان السيد كوفمان يهتم كثيراً بسمعة شركائنا!إذاً. طريق مسدود آخر هاه؟كتاليا.تفوهت بإسمي بعدم رضى وحزن واسترسلت: تقترحين حلاً آخر؟أقترح أن نذهب لتناول الغداء في المطعم الذي أوصانا سايمون به ونفكر هناك كما يحلو لنا.أكملت بإستيعاب: لم تخبريني بعد. لماذا خرجت من العمل في وقت مبكر كهذا!
أخبرت رئيس القسم أنني سأخرج لأعطيك هذه القائمة الجديدة ولم يمانع بل أخبرني أن أسرع، لا أحد يريد خسارتك أيتها الحمقاء.شقت ابتسامة راحة ثغري وشعرت بالدفء يحتويني، يا له من شعور جميل وعميق. أن أشعر أنني لست الوحيدة التي تناضل هنا بل ويوجد من يهتمون لأمري ويسعون لإبقائي إلى جانبهم!مع أنني في الواقع. ربما لا أستحق كل هذا الجهد الذي يبذلونه لأجلي. ففي النهاية.أنا ذلك النوع من الأشخاص.
كل ما أفكر به هو نفسي.نفسي وحسب.
أتى النادل ليحمل الأطباق ويستبدلها بأطباق التحلية وكوبان من الشاي الأخضر المزين بالأعشاب العطرية ذات الرائحة الزكية، أشرب الشاي الأخضر لتغطية جريمة السعرات الحرارية التي تناولتها للتو، في الواقع هي أكثر من حاجة جسد الإنسان الطبيعي حتى! كنت منهمكة بالبحث من خلال حاسوبي الذي أحضرته معي ووضعته على الطاولة وكذلك روز التي تبحث عن طريق هاتفها بتركيز.
وبينما نحن نبحث بإنهماك وصمت قالت بصوت مرح تكسر الصمت التام على طاولتنا: سأعطي لسايمون مكافأة يستحقها.أيدتها دون ابعاد عيناي عن الشاشة بابتسامة متثاقلة: ذكريني بمنحه تذكرة مجانية إلى فيلم نهاية الأسبوع في قاعة العرض التي افتتحت مؤخراً، سأخبره أن يدعو زوجته إيلينور برفقته. إنه ألذ طعام تذوقته منذ مدة طويلة بالفعل.لديه ذوق ممتاز ورفيع عندما يتعلق الأمر بالطعام.
أنفه قادر على استنشاق رائحة كل مطعم يتم افتتاحه في المدينة.لذا تجدينه أول الزائرين.ولذا يحتاج إلى خسارة بعض الوزن أيضاً.ضحكنا بخفوت ثم عاودنا الإنهماك في البحث حتى وجدت أحد أرقام التواصل وبادرت لأتصل وأجريت المكالمة التي انتهت بالآتي.العارض سيسافر قريباً خارج البلاد لأداء بعض الأعمال وسيعود بعد أسبوعين، سنكون مسرورين جداً لو انتظرتم حتى ذلك الوقت، كما نفخر للعمل مع مجلتكم.وكأنني سأنتظر أسبوعين!
سيكون الأوان قد فات حتى ذلك الحين!نظرت إلى روز التي تجري مكالمة وهي تسند يدها على الطاولة وتنفي برأسها بلا حيلة لتنهي المكالمة: حسناً. شكراً جزيلاً واعتذر على الإطالة.أغلقت الهاتف وأعادت خصلات شعرها الأشقر خلف اذنها هامسة تلوي شفتيها: أراهن على أننا نكاد نتواصل مع كل العارضين في البلاد!ضيقت عيناي بتفكير: أقترح أن نختطف أحدهم.اتسعت عينيها بذعر: إلى أي مرحلة من اليأس قد وصلتِ.؟فليكن.
أعقبت بتفكير: لحظة لا زال أمامي إحدى الوكالات في القائمة! لدي وقت للتحاور معهم.بل لا زال أمامك وقت كافي للتفاهم مع والدك واقناعه أيتها العنيدة!تجاهلت اقتراحها وأكملت البحث بينما أتذوق الحلوى، لا زال على البحث. وإن كانت كلماتي لا تدل سوى على التشاؤم ولكنني في الحقيقة أكره فكرة التخلي عن عملي الذي تعلقت به ورفع من شأني كثيراً!
أنا في مرحلة تصحيح الأخطاء التي ارتكبتها في الماضي فكيف أسمح له أن يعيدني إلى الوراء ويجرني معه إلى عالمه القذر المليء بالظلام الدامس.لن أستسلم. سأتمسك بهذه الوظيفة وإن اضطررت لرشوة أي عارض!لن أسمح لكتاليا القديمة أن تعود إلى الحياة مرة أخرى.أبداً.لقد دفنتها في مكان لن يصل إليه أي أحد. لا أحد ممن أعرفهم اليوم بعد تكوين علاقات قوية معهم. ولا أحد ممن قد يقتحم حياتي ويدخل كلتا يديه في صندوق أسراري.
أضعت المفتاح.أضعت مفتاح الصندوق ولا أنوي البحث عنه.ولكن روز محقة. ان استمر في مطاردتي أينما أذهب واللحاق بي لإفساد حياتي ومحاولة جري إلى الهاوية. فقد يعثر بنفسه على المفتاح وحينها سيحدث ما لا يحمد عقباه.ما الحل!المشكلة أنني لا أجيد سوى الهرب. الهرب وحسب!أنا الأسوأ في المواجهة.الأسوأ في اتخاذ خطوة حازمة تجاهه!
وما النتيجة؟ أتى إلى مقر عملي حيث كان لدي جلسة تصوير مع العارض. افتعل المشكلة هناك وحدث ما كان يحدث دائماً.نعم. كسر كرامتي أمام زملائي والموظفين وحتى العارض الذي تدخل ليبعده عني. كسر صورتي المثالية التي عملت جاهدة لأكونها أمامهم!ليتني صرخت وطلبت من العارض ألا يتدخل، ليتني أخبرته أنني اعتدت على تلقي الإهانات والضرب والذل منه، ليتني أوقفته عند حده قبل أن يتدخل ويتعرض للضرب هو الآخر ويُكسر أنفه.
بسببي تم أخذه إلى المشفى.بسببي شنت وكالته حرباً علينا وتولى الرئيس كوفمان كامل المسؤولية، ومع أنه استمر في حمايتي أمامهم. إلا أنه أمهلني أسبوعان للحصول على عارض تتوفر فيه المواصفات الملائمة. ولم يتبقى الآن سوى ثلاثة أيام فقط!
أين عساني أجد عارض بتلك المواصفات بحق خالق الكون! أين سأجد من يتمتع بالجاذبية والمظهر الحسن وفي الوقت آنه النظرة الحادة والوجه الحازم الصارم.! بالطبع هذا ما يجب أن يتوفر عندما يتعلق الأمر بإعلان ترويجي للعبة جديدة أخرى سيتم إصدارها بمحتوى يتضمن القليل من الرعب، وفي الوقت آنه تصدح بالأكشن والإثارة. قصة لعبة سيتم تطويرها حول هروب مجموعة من أطفال المختبرات من مصحة قديمة سرية على جزيرة معزولة غير مأهولة ويتسببون في فوضى تستدعي تدخل القوات العسكرية. والعارض سيُروج لدور البطل. الذي يرأس قوة عسكرية بنفسه لكتيبة حربية كاملة!
يجب أن يكون عارض سنضمن العمل معه لفترة طويلة، لن يكون العقد لمجرد الترويج فقط لذا يجب أن يكون قادراً على تولي المهام دون التعذر بالجدول المزدحم والأعمال الأخرى.كتاليا.نادت بإسمي فنظرت إليها باستغراب لتكمل مقترحة بتفكير: كنت أفكر للتو فقط. لماذا لا نستعين بشقيقك؟عقدت حاجباي: ريتشارد!أومأت برأسها فضحكتُ بخفوت واضعة يدي على ثغري ومحاولة السيطرة على نفسي.
تذمرت بشك: ما المضحك؟ لديه قامة مناسبة ولا بأس بوضع القليل من المكياج السينمائي ليبدو وجهه حازماً وجاداً أكثر!لديه ملامح تليق بلعبة تربوية وليست لعبة بتصنيف إثارة ورعب أيتها الساذجة!صحيح أنه يبدو رزيناً ومهندماً دائماً ولكن. لما لا نجرب!أضافت باستغراب: الم تقولي انه لن يتردد في مساعدتك؟كوني جادة من فضلك! كيف أورط ريتشارد في هذه الأعمال المنهكة بينما لديه كُتب عليه اصدارها قريباً.
أعقبت بهدوء: نحتاج إلى شخص يعوض عن غياب العارض السابق، شخص ذو مظهر وهالة ملائمة للعمل الذي سيتم إصداره. ستكون مجرد دعاية في البداية ولكن قد يتطور الأمر لاحقاً، ألم تسمعي ما قاله رئيس التحرير؟ قد يتم عقد اتفاق مع شركات إنتاج الألعاب ليتم استخدامه في أداء دور بطل اللعبة إن حظي بالإهتمام ولقيت الدعاية ما نريده. مصمم اللعبة وضح أنه سيطور اللعبة من الأجهزة اللوحية إلى أجهزة الألعاب المُطورة. هذا إن نجح الترويج وهذا ما يجب أن يحدث فهذا ما اعتدنا عليه في المجلة.
نظرت حولي للمطعم وأكملت مبتسمة: هل آن الوقت لنغادر؟أومأت برأسها: لنذهب.قبل ان اغادر تناولت القطعة الاخيرة من التحلية في حين تجهم وجه روز واشاحت بعينيها. ها هي ذا ستشعر بالاشمئزاز المعتاد عندما تركز عينيها على اطباق التحلية! هل هناك شخص طبيعي يمقت الحلويات والسكريات الى هذا الحد بحق الإله؟
خرجنا من المطعم الذي كان أفضل التجارب على الإطلاق، وهنا كان موقع ذهاب كلٌ منا إلى وجهتها، فلقد تلقت اتصالاً من رئيس القسم لتعود إلى العمل، بينما لا زلت أنوي فعل المستحيل والبحث عن العارض المطلوب. تصوعنا عند إحدى إشاراة المشاة، اتجهت روز إلى اليمين وغادرت على عجل متخطية الإزدحام وهي تحرص على الحفاظ على أناقتها وتسريحة شعرها الأشقر القصير المموج.
هذه الحمقاء. لم تتوقف عن محاولة مساعدتي بشتى الطرق، لا هي أو جانيت ترددتا في تقديم العون النفسي والمعنوي لي.لا أدري كيف تشكلت بيننا رابطة الصداقة حقاً.امرأة بشخصيتي الصعبة التي لا أحب الحديث عنها حتى، وامرأة بشخصية روز المرحة والعفوية، وجانيت ذات الطباع الباردة الهادئة.! لا أحد منا يشبه الآخر ولكنني على وفاق تام، من كان سيصدق أنني سأبني صداقات حقيقية يوماً!
نظرت إلى الأمام حيث فًتحت إشارة المشاة فأكملت طريقي.
وبدلاً من سلك الطريق المؤدي إلى شقتي قررت الذهاب إلى مركز تجاري قريب أولاً لشراء بعض اللوازم النسائية وبعض التسالي. من يدري ربما ستأتي روز وجانيت مساءً فعادة ما نتناول العشاء معاً إما في شقتي أو شقتهما، نجتمع في شقة روز حين لا يكون معشوقها ديفيد متواجداً. ولكنني لا أظنه سيكون متواجداً طالماً أنهما متخاصمان وينتظر كلٌ منهما أن يعتذر الآخر إليه. أما جانيت. فشقتها هي المكان الأخطر بالتأكيد. المكان الذي لا يجب ان أتواجد فيه بسبب الزير الأحمق جاك الذي لا يتوقف عن استغلال فرص التودد إلى بكل الطرق!
خرجت وبرفقتي المشتريات وقد كانت ثلاثة أكياس صغيرة، كل ما سأفعله الآن هو العودة إلى شقتي والتواصل مع إحدى الوكالات في المدن القريبة. سوف أوسع دائرة البحث لعلي أجد مخرجاً.
مشيت بخطى متزنة حتى وصلت إلى العمارة التي أسكن فيها، عمارة شاهقة مجاورة لفنادق فخمة، كما ان العمارة تتضمن بعض المكاتب والشركات الصغيرة وأفرع لمؤسسات معروفة، بل ويوجد طابق كامل يضم مطاعماً مختلفة. بالطبع لم أكن من اختارت العيش في هذه الشقة.لقد كان قراراً من أبي في النهاية بعد خروجي من المنزل لبعض.
توقفُ قليلاً قبل ولوجي إلى المدخل أنظر إلى أحد الإعلانات على حافلات النقل الجماعي الذكية، أتأمل الدعاية وشعار المحطة الإعلامية على الحافلة للترويج عن أحد البرامج الترفيهية في إحدى المحطات. والتي تكون إحدى المحطات التابعة لمدينة أبي الإعلامية.
ابتسمت بهدوء وفخر قبل أن أكمل طريقي، صعدت الدرجات الصغيرة التي تلي الرصيف ثم دخلت العمارة وصعد درجات أخرى يليها أربعة مصاعد، دخلت أحدها ونظرت إلى انعكاس صورتي في المرآة أرتب شعري الأسود الذي تبعثر قليلاً.بقيت واقفة أنتظر وصولي إلى الطابق وعندما فٌتح باب المصعد. حدث ما جعل الهواء ينفذ فجأة!جحظت كلتا عيناي بذهول، شعرت بوقوف كل شعرة على رأسي وبتخدر أصاب قدماي.إنه.هو.!
أرى ظهره وأمامه إمرأة سكنت مؤخراً أمام شقتي!هل حقاً لم تريها؟قالها بصوته الذي كرهت سماعه! الصوت الذي يجلب لي الشعور الخانق.!أجابته المرأة محتارة وهي تفكر: لم يمضي على انتقالي إلى هنا سوى أسبوع فقط ولا زلت لا أعرف أياً من الجيران في هذا الطابق.
أسرعت ارفع اناملي المرتجفة نحو زر إغلاق المصعد وقد أخفيت نفسي خلف الزاوية التي استقرت عليها الأزرار، كنت على وشك أن أصرخ وأرجو المصعد ان يغلق بسرعة. ولكنني شعرت هذه المرة بأن التخدر الذي أصاب قدماي قد وصل إلى لساني. بات ثقيلاً جداً! بات ثقيل وكأنه يعود إلى الوراء. وكأنني على وشك ابتلاعه وأختنق!أغلق.أغلق بسرعة أرجوك.
رفع يده يمررها في شعره الأشقر والأخرى يضعها في جيبه ليجادلها بصوته الذي انخفض قليلاً ليحتد بشك: واثقة أنكِ لم تريها؟ لديها شعر أسود متوسط الطول، آه. عينيها رماديتان واسعتان، تميزها شامة عند طرف عينها اليمين! لا بد وأنكِ لمحتها على الأقل.اللعنة. أغلق. أغلق بسرعة!
وقع أحد الأكياس من يدي التي أُنهكت بسبب الرجفة المتواصلة، تجمدت في مكاني حين انتبه للصوت وأراد أن يستدير في اللحظة التي بدأ باب المصعد يُغلق فيها.كانت.أبطأ ثوانٍ مرت على في حياتي كلها!بدى وكأن الباب يماطل الزمن. وكأن الكهرباء بالكاد تصل إليه!
أراه يستدير نحوي كما تسير الأسود ببطء خلف فريستها وتترصد لها! أراه على وشك أن يلمحني في اللحظة آنها التي توشك أعضائي الداخلية ان تتمزق الواحدة تلو الأخرى نتيجة الفزع والذعر الذي جعل الدماء بالكاد تتدفق في جسدي.!ما أن أغلق الباب حتى سمعت صوت احتكاك أسناني ببعضها البعض إضافة إلى صوت خُنين خافت كنت على وشك أن أفلته من بين شفتاي. كل الأصوات التي اختفت قد عادت فجأة!
نزلت إلى الطابق الأرضي حاملة الأكياس وبالكاد تحركت لأخرج من العمارة.ابتعدت.ابتعدت كثيراً ولا أدري إلى أين وجهتي.كنت مسرعة في خطواتي وفي كل حين التفت للوراء بإرتباك والاضطراب قد نال مني، تعثرت أكثر من مرة ولكنني وقفت بسرعة لأكمل طريقي. الذي لا أدري أين نهايته، أو حتى بدايته!لا أعلم كم مضى من الوقت. ولكنني أدرك أنني ابتعدت عن شقتي كثيراً.حتى لو أغلق باب المصعد قبل ان يلمحني ولكنه لا يزال في الجوار!
تنفست بصعوبة ووقفت لأرتاح وأنا لا أزال أتلفت من حولي.نظرت إلى يميني حيث يوجد مقعد خشبي عريض، اتجهت إليه لأجلس ووضعت الأكياس بجانبي، يا الهي. أنا أتخيله في كل المارّة أمامي! أتخيله يقود كل سيارة تقع عيناي عليها. هذا حقاً.صعب وكثير علي.!لا أفهم. أنا حقاً لا أفهم لماذا يظهر نفسه مجدداً فجأة…إن كان قد عثر على مكان عملي وتسبب لي في المشاكل هناك. فلا بد وأنها خطوات قليلة حتى يكتشف مكان شقتي كذلك.
لا أفهم إلى متى سأهرب!إلى متى سأختبئ.!اللعنة عليه.اللعنة. كيف يستطيع معرفة كل التفاصيل المتعلقة بي رغم انقطاع كل السُبل!ثم كيف لا أتلقى من أبي اتصالاً يلمح فيه على الأقل إلى خروج هذا الوغد من السجن؟لا يعقل أن لا تصل الأخبار الى أبي.! ليس وكأنني سأطلب منه حمايتي وأورطه في شؤوني مجدداً ولكنني فقط. لا أفهم كيف قد يفوته أمر كهذا!
أخفضت رأسي وقد هدأت أنفاسي أخيراً بعد أن ارتاح جسدي من الركض في هذه الأجواء الحارة. رفعت رأسي أنظر للمكان ثم أخرجت منديلاً من حقيبتي لأمسح العرق عن جبيني.القيت نظرة على الأكياس التي اشتريتها ثم أغمضت عيناي أتنهد بعمق شديد. لحسن الحظ أنني اشتريت مجموعة من العصائر لذا اخرجت أحدها لأرتشف منه القليل وأروي عطشي.
مررت يدي في شعري الذي أوقعت ربطته الصغيرة بينما كنت أركض كممثلة هاربة من قاتل متسلسل في أحد أفلام هوليود. عاودت ارتشف من العصير ببطء أنصت إلى إزعاج حشرة السيكادا التي تصدر صوت الزيز المعتاد في فصل الصيف. وكذلك أصوات الأطفال اللذين يلعبون بمرح وحيوية في ملعب كرة السلة الصغير خلفي والتابع للمتنزه العام. إضافة إلى صوت ألواح التزلج في الساحة القريبة من هنا وتشجيع مجموعات الشباب والمراهقين للمتسابقين.
هل يوجد أسوأ من هذا؟ وظيفتي مهددة بالخطر. أهرب بعيداً في وقت كهذا. والآن أجلس ولا أدري متى من المفترض أن أعود إلى شقتي. وما إن كان على العودة أصلاً. أنا أرجو من كل قلبي ألا تفتح الخادمة الباب ولو صدفة، حتى وإن كان لا يعلم أي شقة هي لي، ولكنه لن يمانع أن يطرق الباب ويسأل كل من يواجهه في طريقه. على كل حال إنه وقت الظهيرة وستغادر الخادمة قريباً، أتمنى أن تخرج بعد أن يغادر!
إنها مسألة وقت حتى يكتشف أمري. هل أنتقل إلى شقة أخرى؟ ولكن، هل سيكون هذا ذا فائدة. وهو يعلم بمكان عملي أصلاً؟نظرت إلى علبة العصير التي انهيتها وأمضيت وقتي في قراءة المكتوب عليها لمجرد قضاء الوقت وقتل الشعور المميت في داخلي ثم وقفت لأرميها في حاوية القمامة الصغيرة بجانبي وعدت لأخذ المشتريات ووضعت حقيبتي على كتفي لأكمل طريقي.
لا زال على كسب المزيد من الوقت لأضمن مغادرته، سأتمشى في الأرجاء قليلاً. لساعة على الأقل!مضت نصف ساعة بالفعل وأنا أمشي حول المتاجر، نظرت إلى أحد المتاجر الصغيرة الذي يبيع الإكسسوارات يدوية الصنع ولم أتردد في شراء ثلاثة أساور متشابهة لي ولروز وجانيت.أكملت السير وحينها وقفت بحيرة وكذلك بعض الناس من حولي.أعتقد أنه يوجد شجار هناك!
ارتفع حاجباي لعلو أصوات كثيرة في المنتصف وحول هذه الأصوات تجمهر كبير، وشيئاً فشيئاً بات الصوت أوضح لشخص زمجر بغضب وصوت مرتجف: سوف أقاضيك أيها الوغد، سأعلمك كيف تتصرف كما يحلو لك مع زبائنك. ل. لا تنظر إلى بهذه الطريقة أيها الجانح عديم التهذيب!
اقتربت باستغراب وحيرة لأسمع الطرف الأخر يقول بتثاقل وملل شديد بصوته الرجولي العميق: وما هو عنوان القضية؟ زبون بات أصلعاً لأنه وضع السماعات في أذنه بينما يسأله المُصفف عن التسريحة التي يريدها؟وتسخر مني أيضاً!أضاف بسخط أفزع الناس من حوله: وتجرؤ على تسمية نفسك بالمصفف! لست سوى احد افراد عصابة جانحة خارجة عن القانون في نظري! أين هو مديرك أيها الوقح المحتال.!تنهدت بلا حيلة وأكملت طريقي بلا اكتراث.
وأثناء سيري لمحت بطرف عيني من يقفان في المنتصف ويتشاجران، رجل بدين أصلع. م. مهلاً! لنقل نصف أصلع.!فالجهة اليمنى من رأسه قم تم حلاقتها، واليسرى لا زال فيها شعره البني، يا الهي سأحاول ألا أضحك. سأحاول جاهدة.
والآخر لم أرى وجهه لأنه يعطيني ظهره، ولكنه يضع حول خصره حزاماً بداخله أدوات الحلاقة كالمقص والموس والمشط وما إلى ذلك!، لا بد وأنه المُصفف المتهور. أراهن على أنه سيطرد من عمله، بات طرد الموظفين سهلاً جداً هذه الأيام. أسهل من التنفس بكثير.أقدم له التعازي الحارة. وأعلم كيف سيكون شعوره حقاً.
انتفضت وقد هربت الأفكار من رأسي عندما رفع المصفف الرجل الأصلع من ياقته وهدده بنفاذ صبر ينحني قليلاً نحو قامته: مضت أكثر من نصف ساعة على لغوك ولا زلت أحتملك ولكن رأسي سينشطر بسبب الصداع الآن، يكفي أنني لم أتناول فطوري جيداً لا تعكر صفو مزاجي أكثر!، سأكتب لك أسماء بعض مستحضرات الشعر التي ستساعد على نموه ولكن أغرب عن وجهي! آه. اسمع ماذا عن هذا. ضع قبعة فرنسية على جانب رأسك الأيمن وستحل المشكلة ببساطة!
علق بعض المتجمهرين ضاحكين بسخرية بتعليقات تنمر تهكمية في حين بدى الرجل الأصلع غاضباً ومرتبكاً محرجاً في الآن نفسه.أبعد يد المصفف عن ياقته بعنف وصاح بحزم: ستندم. أنا أريد المالك حالاً، لن أذهب قبل أن أتحدث معه بنفسي وأخبره عما فعلته ل.أنا المالك. لماذا كل هذه الجلبة؟تدخل رجل أسود الشعر وبدى في نهاية عقده الخامس، طرفت ببطء اتأمل ملامحه بشيء من الحيرة والتعجب، هذا الرجل.رغم كبر سنه الا انه جذاب بحق!
حدق إلى المتجمهرين واللذان ينتصفان الحشود بعين زرقاء حادة قبل أن يردف: تحدث!قالها قاصداً المصفف الذي زفر بلا حيلة ممرراً يده خلف عنقه وقد ظهر شيء من الإرتباك في صوته: كنت كالعادة أؤدي عملي بأكمل وجه بجهد واخلاص واراعي متطلبات الزبائن واحرص على تلبية رغباتهم بينما هذا الأصلع المزعج يلومني على.
تدخل الرجل بصوت عالي وعين حاقدة: أنظروا كيف تحول فجأة الى شاب مُهذب! لقد طلبت منه ترتيب شعري وقص أطرافه ولكنه حلقه بالكامل! أنا أطالب بالتعويض حالاً. أنت لا تريد للمحل الذي تديره أن يتعرض للمشاكل وتسوء سمعته اليس كذلك؟رفع المالك حاجبيه للحظة قبل أن يقلب عينيه بجفاء: ما الجديد، سمعته سيئة مسبقاً والفضل يعود إلى شخص ما.
قالها يرمق المصفف بطرف عينه، ابتسمت رغماً عني وتحركت لأسير ولكنني وقفت مجدداً حين لمحت رجلان من الشرطة يقفان خلفي ويحدقان إلى التجمهر بتمعن وحزم. بل وقال أحدهما الذي كان أسمر البشرة متذمراً: لقد مللت القاء القبض على هذا الفتى.مازحه زميله الشرطي الآخر: لا تستبق الأحداث جيمس، قد لا يتشاجر هذه المُرة ويتعلم ضبط أعصابه.
رفعت حاجباي باستغراب بينما وقفا يتكتفان يتابعان ما يحدث كما لو كان أمر اعتيادي هنا! وهذا ما دفعني للوقوف قليلاً وقد أدركت أن الزبون الأصلع قد فقد أعصابه بالفعل وبدأ يتشاجر مع المالك بدلاً من الموظف، وما أن تجرأ وأمسك بالمالك من قميصه حتى تدخل المصفف يبعده عنه بعنف ليطيح به أرضاً!
اتسعت عيناي وقد بدأ الناس بالتهامس، ظل المصفف يلكم الرجل الذي يصرخ متألماً والمدير يحاول مساعدته مغتاظاً ومحذراً: هذا يكفي لا تزيد الأمر سوءاً أيها الأحمق! دعه وشأنه! الا تسمعني! انا حقا سأبرحك ضربا ان لم تبتعد عنه.!لقد كان على وشك ضربك!قالها بغضب وعاود يلكم الرجل!تقدم الشرطيان بسرعة ليبعداه عنه! وحينها فقط.رأيته يزمجر بحدة: ابتعدا. أنا من يتعرض للظلم هنا!م.ما.هاه!
تسمرت في مكاني أحدق إليه بذهول بينما يصرخ عليهما ويعترض بإنزعاج.هذا غريب.اختفت الأصوات من حولي تماماً! لا أسمع شيئاً من التجمهر، أو من الصراخ والفوضى. كما لا أرى أي شيء من حولي. سواه!عدى من جعلني اتخشب في مكاني وقد تخدرت أطراف جسدي كلها!حتى الهواء. لا أدري إن كان في لحظة كهذه يكون خفيفاً أو ثقيلاً. ولكنني. بطريقة ما نسيت كيف اتنفس!
تقدمت دون شعور ومشيت متجاوزة الحشد لأقف أمامهم وعلى مقربة منهم مستمرة في التحديق إليه!أوقعت الأكياس من يدي وعيناي معلقتان على وجهه دون أن أطرف!لا أصدق.أنا حقاً. لا أصدق! هذه الملامح الجذابة!
شعره الفاحم بلون الكهرمان الأسود، عيناه الزرقاء الزمردية ذات النظرة المهيمنة والمتمردة تزينها أهدابه السوداء الكثيفة. أسلوبه الجانح. قامته، تلك الندبة القديمة الصغيرة تحت حاجبه الأيسر مباشرة.! جسده الذي لا أحتاج إلى التمعن به أكثر وقد كانت لياقته وقوته البدنية واضحة.بعد كل هذه التأملات.والتركيز.والتمعن الشديد.
رأيت مقابلي وأمامي مباشرة عينان زمردية متسعة تلمعان ببريق الذهول! لأدرك أنني قلصت المسافة فجأة و وقفت على أطراف أصابعي أجذب رأسه بكلتا يداي أحدق إليه عن قرب بعدم تصديق ألمس وجنته وأمرر سبابتي على أنفه قبل أن تنزلق إلى فكه أمررها على حدود ذقنه!بات الجميع يتهامس أكثر. استغرب الشرطيان الأمر وكذلك المدير الذي تسمر في مكانه بعدم فهم ودهشة.أما أنا.
فأنا على وشك أن أنجو من الفشل والطرد المحتم! على وشك أن أعود إلى الرئيس بأخبار سارّة!كل شيء سيكون بخير! كل شيء سيكون على ما يرام بل وأفضل من المتوقع!هذه الملامح وهذه المواصفات. الجاذبية التي يتمتع بها والقامة الطويلة، كل هذا. كل هذا كالحلم الذي بات حقيقة!أنا. أنا أريدك.!
قلتها بإنفعال ورجاء فسلكت الدهشة مجراها على ملامحه لترتجف شفتيه قليلا! كما بدأ تورداً طفيف يعتلي وجهه وفتح فمه ليقول شيئاً ولكنه ضل مذهولاً يحدق إلى بعدم استيعاب أو فهم!عذرا يا آنسة، ابتعدي حالاً!
قالها أحد الشرطيان بحزم وهو يحاول ابعادي عنه، ولكنني تشبثت بقميصه بقوة أكبر وقلت راجية: أنا حقاً بحاجتك، سأفعل المستحيل. سأنفذ ما تطلبه ولكن. فلتأت برفقتي من فضلك! أنت الوحيد القادر على مساعدتي وتلبية رغباتي.شهق المدير بعدم تصديق قبل أن يزمجر بحدة: ما الذي يحدث دانيال! من هذه؟ ما الذي تورطت فيه الآن أيضاً!اسمه دانيال إذاً.!أنا حقاً شاكرة لكل رجل سُمي بدانيال على وجه البسيطة!
نفي برأسه بعدم فهم وهو يحاول ابعادي عنه بإنزعاج وتدارك ولم تفتني اللعثمة في كلماته وقد حاول السيطرة على إرتباكه بوضوح: ا. ابتعدي يا امرأة ولا تتحدثي وكأنكِ تعرفينني!جادله المدير بشك: هل حقاً لا تعرفها! يا الهي لا أصدق. هل. تخلصت من عقدتك بالمصادفة ولم تخبرني!ما الذي تقوله! أقسم أنني لا أعرفها يا أبي. اللعنة يا امرأة اتركيني وشأني! قلت لكِ ابتعدي.!
أضاف يرمق الشرطيان بغيظ شديد وقد ازداد تورد وجهه بوضوح ولسانه يستمر في اللعثمة: ما فائدتكما بحق خالقكما؟ اللعنة حاولا مساعدتي على الأقل! أ. أبعدا هذه العَلقة عني!وجدته. أخيراً وجدته! المواصفات المطلوبة تتوفر كلها فيه! كلها.!وجدته كما أريده تماماً! بل أفضل مما رسمته في مخيلتي.أفضل بكثير!إلى درجة تجعلني أسيرة للخوف. خائفة أن يكون ما أراه مجرد وهم!
نجح الشرطي في ابعادي عنه وقد كنت صامدة وأنا أرجوه بينما يبعدني: اعطني رقمك على الأقل، عنوان منزلك. أو. هل أزورك هنا؟بدى غير مستوعباً وهو ينظر إلى بإرتياب وقد رفع يده يحك عنقه بدهشة وإضطراب ثم سرعان ما نظر بعيداً يطرف بسرعة، عاودت اقترب منه مبتسمة في محاولة للإقناع: لدي عرض مغري لك، ستحصل على الكثير من المال. ستجني ثروة كبيرة صدقني! هل تريد عنواني ليسهل الأمر عليك؟
طرف الشرطيان ببطء يحدقان إلى بعضهما قبل أن يقول الأسمر المدعو جيمس هامساً بلا حيلة: يا آنسة. توقفي عن التحدث بأمور غير أخلاقية على الملأ.تجاهلته ونظرت إلى المدعو دانيال وقد اتسعت ابتسامتي: ما رأيك؟ ماذا عن الليلة؟ هل الوقت مناسب لك؟
فغر فمه بعدم تصديق ثم نظر إلى الشرطيان بحذر: بربكم! أنا أتعرض للتحرش هنا اليس هذا واضحاً! هل يبدو الوضع طبيعي بالنسبة لكما؟ هيه أنت جيمس! لماذا تقف مكتوف الأيدي؟ لن تتردد في القبض على إن عطست بالخطأ في الشارع ولكنك تتجاهل ما يحدث الآن أمامك! مبادئي ونقائي يُنتهكان في وضح النهار أمام الجميع!نفيت برأسي بسرعة: غير صحيح. لقد أسأت فهمي حقاً، أنا أعمل مصورة وأريد أن أسألك عن العمل في.
قاطعني بإشمئزاز: هل بات مصورو الأعمال الإباحية أكثر جرأة إلى هذه الدرجة؟ مثيرة للغثيان. فليكن، هل ستأخذانني إلى مركز الشرطة أم ستسمران في مشاهدة هذه المهزلة؟ أسرعا ما الذي تنتظرانه!تحرك يسبقهما من تلقاء نفسه بل واتجه إلى سيارة الشرطة ودخل ليجلس متكتفاً بتبرم وإقتضاب قبل ان يخرج هاتفه وينظر إليه!مهلاً! لقد. أساء فهمي بالكامل.!حينها فقط.استوعبت الأمر ونظرت من حولي بسرعة.
لأرى النظرات المشمئزة والمتهكمة، عيون الناس تلاحقني وهمسهم لا يكف عن اختراق مسامعي!سحقا. لقد تهورت حقاً!لويت شفتي بإحراج شديد ونظرت إلى الشرطيان اللذان نظرا إلى بعضهما ببلاهة قبل ان يتجها إلى السيارة هما أيضاً بل ووقف الشرطي المدعو جيمس ليقول لي ببرود: يا آنسة هذا الشاب لن يكون ذا فائدة لكِ، كل ما يفكر فيه هو الشجار هنا وهناك، غادري.
اتسعت عيناي بعدم تصديق ولم أكد ابرر موقفي حتى ابتعد، في حين تنهد المدير وتكتف بلا حيلة: الإحتجاز للمرة الرابعة في شهر واحد. هذا لا يُطاق!أعقب بصوت عالي ينظر إلى سيارة الشرطة بإنزعاج: لم يعد هناك مال بحوزتنا لأدفع الكفالة، يمكنك الصبر بضعة ليالي اليس كذلك؟ ابقى في مركز الشرطة دانيال لا أحد مستعد لإهدار وقته.
رمقه المدعو دانيال بإقتضاب ثم زفر ورفع نافذة السيارة مشيراً بيده للشرطيين كما لو كان يخبرهما ان يتحركا بسرعة!كفالة؟ سيحتاج إلى من يدفع كفالته ليخرجه! اليست هذه فرصتي؟ ولكن. ماذا لو اقتصر الأمر على توقيعه لتعهد فقط بعدم الاعتداء بالضرب مجدداً! لا يهم. المهم أنني وجدته!عضضت على شفتاي بحماس وأسرعت أركض متجاوزة الناس، بل وتجاهلت أمر المشتريات وقد تركتها لأعود إلى شقتي.
كل شيء سيكون على ما يرام، أنا بحاجة لترتيب أفكاري وحسب!وبينما كنت أركض أخرجت هاتفي واتصلت فوراً بروز التي ما أن فتحت الخط حتى قلت بأنفاس متقطعة: لقد وجدته.هاه؟ من هو! ولماذا تتحدثين هكذا هل أنت بخير؟العارض يا روز. أتحدث عن العارض!شهقت بدهشة وحماس: حقاً! من هو؟ ما اسمه؟ من أي وكالة فنية! في أي أعمال تلفزيونية عمل مسبقاً؟ ما مدى شهرته؟
سأخبرك بكل شيء لاحقاً، عليك أن تأتي إلى شقتي في أسرع وقت ممكن اتفقنا؟دقائق معدودة وسأكون عندك.وأخيراً.يا إلهي.شكراً جزيلاً يا الهي!
إنها حقاً إشارة إلهية. إشارة لأكمل طريقي دون توقف أو استسلام!، شعرت بخفة وزني وقد بدوت أخف من طفلة في السادسة! وصلت إلى العمارة ولم تقضي سعادتي على حذري، فلقد أبطأت قليلاً أنظر من حولي بحيطة وحذر وترقب، وحتى عندما ولجت إلى المصعد وخرجت منه، لم أدخل إلى شقتي إلا بعد التأكد من خلو المكان تماماً. من كابوس يقظتي.
أغلقت الباب خلفي وأسرعت إلى غرفتي باحثة في الصندوق الصغير في المنضدة عن بطاقتي الإئتمانية التي أخذتها من أبي وبينديكت يتبعني في مكان أخطو إليه يبنح منادياً بصوته الحاد، أظنني سأحتاجها الليلة، سأذهب إلى أقرب آلة للصرف لأسحب بعض المال لكفالته وإخراجه من المركز.نعم. سأقدم له خدمة وأسدي له جميلاً لأحظى بالمقابل.لن يرفض. لا يجب أن يرفض مساعدتي أو عرضي.
إنه مصفف في مركز حلاقة متواضع جداً، أنا واثقة أنه بحاجة إلى المال.سيوافق.بل عليه أن يوافق. وكأنني سأترك له خيار آخر!غمرني الحماس وعجزت عن التفكير بتأني، لذا جلست على الأريكة أنظر إلى هاتفي أهز كلتا قدماي وأعض على شفتي بسعادة. نظرت إلى بينديكت الذي يقف أسفل الأريكة ينظر إلى بترقب فأمسكت به اعانقه بقوة والسرور والتفاؤل يغمرني.لا أدري حقاً ما الذي على فعله. هل.هل أنتظر روز؟
أو أذهب لدفع المال اللازم لإخراجه؟هل أتصل بالرئيس وأخبره أن المشكلة قد تم حلها أخيراً!آه لا. لا يجب أن أتسرع لمجرد شعوري بالسعادة.ولكنني حقاً لا أصدق. هو ليس جذاب وحسب بل لديه الهالة الجانحة والنظرة المتمردة الإجرامية المطلوبة تماماً! مع بعض الاجتهاد ستتغير نظرته من رجل عصابة متمرد الى رجل عدالة في الجيش كما هو المطلوب للاعلان!
لا أظننا سنجد شخص أنسب منه للغلاف! لن نجد شخص ملائم أكثر منه من بين كل العارضين الآخرين. هو حتى أفضل من العارض السابق الذي دخل المشفى بسببي.! أراهن على أن مصمم اللعبة سيطلب منه لعب دور الشخصية الأساسية ولن يكتفي بمنحه فرصة الترويج للعبة فقط. بلا تفكير! و بلا أدنى شك.
كبحت صرخة سرور تحاول الخروج من جوفي ولكنني لم أستطع منع نفسي من التنفيس عن كل هذا الهيجان وقد أغمضت عيناي بقوة وضربت الأرض بقدماي. توقفت عن هذا الجنون عندما تعالى رنين هاتفي، رقم غريب. غير مسجل!لم أتردد في الإجابة فعادةً ما تردني اتصالات من جهات مختلفة وعروض كثيرة.أجبت بهدوء: مرحباً؟
استغربت الصمت التام الذي سيطر على المكالمة. ومع ذلك يمكنني سماع أنفاس الطرف الآخر! ولهذا جعلت من نبرتي جادة وحازمة قليلاً: مرحباً. من معي؟اشتقتُ إليكِ. إلى حد الجنون.