رواية غوى بعصيانه قلبي الجزء الثالث للكاتبة نهال مصطفى الفصل السابع

رواية غوى بعصيانه قلبي الجزء الثالث للكاتبة نهال مصطفى الفصل السابع
ثمة الانتصار الحقيقي هو ذاك الذي تعبر من خلاله تلك الطرق الشائكة وتجد نفسك هادئًا رغم تلك الجروح الدامية:- مبروك عليك مناقصة مراسي يا هندسة. كده أنتَ حبيبنا.
يتطاير الغضب من بين ثنايا وجهه إثر فعله واستسلامه لجملة التهديدات المتتالية التي انهالت فوق رأسه، تجنب الأذى المهني والعاطفي الذي كان يحاصر زوجته وصغيرها منفذًا أوامرهم حتى ولو كانت تخالف مبادئه، فتحت عالية باب الغرفة التي يقطن بها منذ ساعات والسخط يحاوطها، وهتفت صارخة:-أنت عملت كده؟ انطق يا مراد، اللي قاله تميم ده صح؟
فارق مقعده الهزاز واضعًا يده بجيبه وقال مبررًا: -عملت الصح. وأهدي يا عالية وأنا هفهمك.انفجر بركان غضبها بوجهه بصرخة مبطنة بالعجز والذهول: -صح أيه! أنتَ بتقول أيه؟ ومين فهمك أن ده الصح؟ أنت مصدق نفسك!حاول الإمساك بذراعيها لتهدأ ولكنها ثارت أكثر بوجهه لتتهمه: -أنت معملتش الصح، أنت رجعت لأصلك واللي كنت مخطط له من الاول! بان وشك الحقيقي اللي حاولت شهور أنساه يا مراد.
ثم رمقته بنظرات السخط والاستنكار: -أنا ازاي اتخدعت فيك للمرة التانية! أنت عملت كل ده عشان الفلوس؟ بتحارب أخواتي بدل ما تقف معاهم! بتجر عداوتهم ليه، كفاية اللي هما فيه، حرام عليك.ثم انفجرت مشدوهة وهي تضرب صدره بانفعال: -أنتَ ازاي طلعت كده! ليه تعمل فيا كده!
أمسك بمعصمي يدها كي تكف عن حالة الانهيار التي انغمست فيها بدون سيطرة: -عالية أنتِ مش فاهمة حاجة. متعمليش فيا كده. أهدي أهدي عشان ابننا! أهدي عشان نعرف نتكلم.تصرخ متوسلة متضرعة له كى يصمت: -بس بقا كفاية كذب. أنتَ واحد كذاب يا مراد، أناني مش بيفكر غير في نفسه وبس.
ثم أخذت تهذي في كلمات انطوت في ثنايا صراخها: -ومتقولش ابننا دي! ده ابني لوحدي وهربيه لوحدي، أنت مجرد اسم وبس! فاهم، اسم وبس ويارب ابني يسامحني على الغلطة دي. غلطة إني مخترتش رجل ينفع يكون له أب.كانت الكلمات سكاكين حادة تنهش بقلبه نهشًا. دخلت سوزان إثر صوت صراخ ابنتها متسائلة: -في ايه؟ مالكم. في ايه ياعالية. ما تتكلم يا مراد.
انفلتت من أمامه وفتحت خزانة الملابس والحقيبة الكبيرة وأخذت تلملم ملابسه بجنون وهي تهذي مع نفسها: -قولها! قولها إنك خدعتني للمرة التانية. قولها أد أيه أنت ندل وحقير!ثم رمت بعض ملابسه بالأرض ووجهت الحديث لأمها: -البيه اللي بينام على سريري راح رفع دعوى عليا أنا وعاصي، بيطعن في نسبنا عشان يورث خالته. شوفتي البجاحة وصلت لفين!
ضربت الأرض بقدميها في حالة من الغضب والعجز: -أنت ازاي تعمل فيا كل ده! هونت عليك طيب؟واجهته سوزان بأعينها المتسعة التي تحمل التوبيخ: -صحيح الكلام اللي عالية بتقوله ده يا مراد! أنت عملت كده! لا آكيد في حاجة غلط!لم تمهله الرد اندفعت نحوه وانهالت عليه بالضربات الجنونية وهي تدفعه للخارج: -اطلع بره. بره، مش طايقة اشوفك! مش عايزة اشوفك تاني.
ركضت سوزان خلفهم تحاول منع ابنتها عما تفعله: -استنى يا عالية نسمعه.ردت بصراخٍ: -مش عايزة اسمع حاجة ولا عايزة أشوفه قُدامي بره يا مراد بره. عمري ما هسامحك.وصلوا الثلاثة إلى الطابق الأسفل حتى وقف مراد مستجمعًا شتاته ووقف أمامها بأعين يحاصرها الحزن وقال مبررًا: -أنا مقدر رد فعلك، بس أنا عمري ما جرحت ولا هقدر أجرحك يا عالية. بس الريح المرة دي أقوى مننا كلنا ف كان لازم.
قاطعته صارخة بنبرة قوية اخترقت طبقات السحاب: -كان لازم تفضحنا وتكشف سرنا قدام الناس وتخلي رأسنا في الأرض، أنا رفضت اتكتب على اسم بابا عشان عاصي وتميم مفيش حاجة تمسهم ولا حد يستغل موضوعي ويعكر عليهم حياتهم.ثم فاض الدمع من عينيها: -يا خسارة يا مراد، يا خسارة.فأشارت ناحية الباب بسبابتها وقالت بحرقة: -اطلع بره ومش عايزة أشوف وشك تاني مهما حصل. أنت انتهيت بالنسبة لي.
عارضها بحسم: -مش رايح في مكان غير لما نتكلم وتسمعيني يا عالية، أنا مقدرش اسيبك كده. ولا هقدر أبعد عنك.رن جرس الباب في تلك اللحظة التي جاءت الخادمة ركضًا لتفحه فظهر منه كريم بوجهه المبتسم وقال بترحاب: -وحشتوني يا جدعان والله! فينكم من زمان.؟جففت عالية عبراتها بسرعة وقالت بندم: -كنت عاملالك مفاجأة مع كريم. وليا أسبوع بجهز تفاصيل اليوم ده، بس أنت خربتها وخربت كل حاجة. عاجبك كده؟
أحس كريم بأن هناك شك بالأمر، فأقبل إليهم بعيون جاحظة: -مالكم يا جماعة، هو في حاجة ولا أنا متهيألي!تنهدت عالية بألمٍ: -أقول لك، خليك أنت هنا، أنا أصلا مش طايقة البيت كله. أنا راجعة لأخواتي يا مراد. وأول واحدة هتقف في وشك هي أنا. فاهم!وقف كريم أمامها كي يمنع رحيلها: -ماتستنى يا عالية! آكيد في سوء تفاهم. ما تتكلم يا مراد. مراتك مالها؟
تجاهلت حديث كريم وانصرفت من أمامه ركضًا، كاد مراد أن يلحق بها فأوقفته سوازن بحزم وأشارت لكريم: -روح ورا عالية يا كريم. وأنت يا مراد تعالى عايزاك. أنا لازم أفهم في أيه.‏هذه الحياة خُلقت من ضلع حربٍ طاحنة تحتاج إلى قوة جبارة من الصبر، إلى طاقة عالية تعين المرء على البقاء فيها، تلك الحرب تحتاج للمزيد من الحيل والحلول كي يصل الإنسان لمبتغاه.عودة إلى الفندق.
قلبي في الحب صادق جدًا وجميل للحد الذي يمكن أن تغار منه الفراشات، أشعر بأن ذلك القلب خُلق ليعطي الحُب واللحن وكل الأشياء التي تمد الحياة بالسعادة، ولكن مَعك فقط أحببت طريقتي في إعطاء هذا الحُب. معك بات الحُب حُبين. والقلب قلبين أحدهما أن غضب رق الثاني فورًا، ألا أخبرك بأنني أحببت الحُب معك!
انتهت حياة من لف الضماد الطبي حول مرفقه بعناية بعد ما وضعت الكريم المُسكن فوقه حتى تلاقت أعينهم وسألته: -تمام كده! لسه بيوجعك!هز رأسه متبسمًا ليطمئنها: -ياستي متكبريش الموضوع بقا. عادي بتحصل.عاتبته بعينيها التي يتقاذف منها الخوف: -أنتَ اللي حملت عليها طيب ومُصر تتعب نفسك بزيادة، تاني مرة تخلي بالك. مش كل شوية هتخض عليك كده.لمعت عيناه بلائلئ حبها وهو يداعب وجنتها: -وأنا معاكي بنسى الدنيا بحالها.
ثم انكمشت عينيه متسائلًا بتخابث: -أحنا بقينا الضهر، أنت نسيتي شغلك! مش عندك ميعاد بردو!أرجعت خصلة من شعرها وراء أذنها بتوتر وأخذت تلملم في حقيبة الإسعافات الأولية: -هااه! ااه منا لغيته، مش هقدر اسيبك في الحالة دي وانزل.ابتسامة ماكرة اندلعت من شدقه وهو يراقبها بعينيه الصقرية ويراقب تصرفاتها العشوائية عندما تريد أن تخفي شيئا، اتكأ على مسند الأريكة وبسط ساقيه واضعا واحدة فوق الآخرى وقال بخبث:.
-أول وآخر مرة تعملي كدا! لو عايزة تنجحي في البزنس يبقى مشاكلك الشخصية متأثرش على مواعيدك وشغلك فاهمة. الشغل شغل!وضعت صندوق الاسعافات بمكانه وعادت إليه بعد ما لملمت شتات فوضويتها قليلًا وقالت بتوجس: -اللي حصل حصل. أوعدك المرة الجاية هعمل كده.ثم جلست على طرف الأريكة بجوار لتكون أمام مرمى عينيه بالضبط وقالت:.
-غريبة! بقيت متحمس لشغلي أكتر مني وبتديني نصايح كمان! مش شغلي ده كان مسبب لك أزمة من يومين اتنين بس.اعتدل في جلسته واقترب منها قائلًا بنظرات مشحونة بالتحدي:-بصراحة لما فكرت فيها، قلت ليه لا؟ أنا كعاصي مش بحب اشتغل في مكان من غير منافسة. فيها أي لو المنافس بتاعي بقا بالحلاوة دي. كده هحب الشغل أكتر.
ثم غمز لها بطرف عينه بعمزة ساحرة: -المهم الخصم ميستسلمش من أول جولة ويكون نفسه طويل زيي. عشان يحلو اللعب. ويحلو المكسب.‏كل يوم أتأكد أن رغبتي فيك صادقة جدًا لم أكن عندهاتحت تأثير أغنية أو فترة اضطرابية، كنت بكامل قوايا العقلية والقلبية أريدك بطريقة أعمق مما أظن، وتظن وأي حد يظن. تأرجحت عينيها بريبة وشك وهي تحاول إدراك ما يشر إليه بكلماته العذبة، فسألته بشفاة مرتجفة: -ومش هتزعل مني لما أخسرك!
ارتسمت ابتسامه واسعه على محياه والتف ذراعه حول خصرها العارٍ وهمهمَ بثبات: -هرجع بالليل وأخد حقي منك، وأعوض خسارتي. نبقى كده خالصين 1: 1، والصبح نبدأ من جديد!فتلك المرة حالت نظراتها من القلق الى الحماس ؛ فسألته: -طيب على فكرة في دي كمان أنا ممكن أغلبك ؛ كده هنبقى 2: 0 يا عاصي بيه. قول لي هتعوض خساراتك الكتير إزاي.
أصدر صوتًا اعتراضيًا وهي يتذوق ملاذ الشهد من كلماتها وقال: -تؤ. خسارة الشغل شطارة منك، أما الحاجات التانية مستحيل، بس لو حصل هيبقى بمزاجي.ختم جملته بتذوق ثمرة ثغرها المرتعش بقُبلة خفيفة وأخذ بعدها نفسًا طويلًا ثم قال: -موبايلي فين، نشوف شغلنا بقا.تلعثمت شفتيها التي طُعمت بسكر الحب وقالت بخفوت: -زهقت مني بالسرعة دي!-اسمها بهرب منك عشان عمري لو خلص جمبك مش هحس بيه.
وضعت أناملها فوق شدقه ليصمت، متوسلة له: -ما تقولش كده تاني. بعد الشر عنك.تعانقت الأعين للحظات ثم انصرفت من أمامه وركضت نحو حقيبتها وأخرجت هاتفه، أخذت تبحث بالغرفة عن شاحن كهربائي حتى وجدته. وضعت الهاتف بجواره وأخبرته بهدوء: -هاخد شاور وجاية، تكون شوفت شغلك.
فتح عاصي هاتفه الذي انهالت عليه الإشعارات الصوتية واحدة تلو الآخر، والرسائل النصية التي تخبره بهوية المتصل. انكمشت ملامحه متعجبًا: -أيه الاتصالات دي كلها!دارت إليه وهي تحمل المنشفة القطنية وقالت: -كلم تميم طيب، اطمن عليهم الاول. بالمناسبة، كلمت البنات الصبح وقولتلهم إني راجعة بالليل.تجاهل جملتها ورفع حاجبه مندهشًا: -شيرين بتتصل!
رمت ما بيدها وتبدلت ملامحها فجأة واندفعت نحوه: -والله! ودي بتكلمك ليه! رد.ابتلع ابتسامته المندلعة من نيران غيرتها الحارقة، وكان أن يُجيبها، فأشارت له بحدة: -افتح المايك.لبى طلبها مطيعًا، أجاب بنبرته الخشنة التي لا تميل إلا مع حياته: -شيرين! خير.اتاه صوتها المرتجف من شدة القلق وقالت بلهفة اشعلت حقلًا من النيران بجوفها: -عاصي أنتَ كويس أنت فين! أنا عايزة اجيلك اطمن عليك.
كادت أن تنفجر بوجهه ولكنه حدجها بنظرته الحادة وقال: -جات سليمة ياشيرين.أصرت بإلحاح: -أنا لازم اشوفك عشان اطمن، أنت في أي مستشفى؟رد برسمية: -مفيش داعي، أنا ساعة وهكون في القصر.انخفضت نبرتها بحنو: -هستناك.
شدت حياة الهاتف من يده وأنهت المكالمة بغلٍ: -ايه المسخرة دي! عاصي البنت دي عينها منك و مش ناوية تجيبها لبر، ولحد دلوقتِ أنا ساكتة بس عشانك. ياما تنهي المسخرة دي، يااما هنهيها أنا. اتفضل اعملها بلوك حالا.عارضها بإصرار: -ليه ليه يا حياة، معاكي أن ابوها وعمها مش ناويين على خير، لكن البنت معملتش حاجة وحشة عشان أعاديها زيهم.أقفلت جفونها بتحدٍ وعناد وبنبرة غير قابلة للجدال: -اعملها بلوك يا عاصي.
-لا يا حياة، واتفضلي اجهزي عشان السواق هيوديكي المطار.شدت الهاتف من يده بعنفوان وابتعت عنه وحظرت رقم شيرين من عنده وهي تتمتم: -انا بتكلم معاك ليه اصلا. طيب أهو.ثم اقبلت إليه: -ولو البلوك اتلغى يا عاصي ورحمة قنديل المصري ما هتشوف وشي تاني. فاهم!حدجها بذهول: -أنتِ اتجننتي خالص. يالا يا حياة خليني اشوف المصايب اللي مستنياني.ردت بنبرة منهية للحديث: -يلا على فين؟ أنا رجلي على رجلك،!
‏تحولت لقطة شرسة تحمي حبيبها من أي خطر، قررت ترافقه كظله لا تود أن تفارقه أبدًا كفتاة تشارك حبيبها معطف صوف يحتميان فيه من برد الشتاء، أن تستمد الدفئ والحنان والحب من قربه و أن يبقى دومًا هنا في بقعة بين قلبها وعيّنها كي يطمئن قلبها المتيم…
قصر دويداريتحدث تميم مع العسكري القادم من قسم الشرطة يطلب بحضور المجنى عليه عاصي دويدار للأدلاء بأقواله، زفر تميم بغضب:-يعني الحادثة طلعت بفعل فاعل ومدبرة، مش قضاء وقدر.أجابه العسكري: -لازم عاصي بيه يجي عشان نقفل المحضر.ربت تميم على كتفه: -اول ما اوصله هبلغه، حاليا محدش فاهم حاجة وبكلمه مش بيرد. اتفضل انت.انصرف العسكري ف جاءت شمس التي تراقبهم بعيد وسألته بقلق: -وصلت لحاجة؟ عاصي كويس؟
-كلمته وجاي…انضمت لهما نوران باضطراب: -صحيح الكلام اللي قالته البنت الصفرا دي! عاصي عمل حادثة؟أومأت شمس بالإيجاب، فأردفت نوران بحماس: -طيب هو وحياة فين؟ حصلهم حاجة؟توقف السيارة الأجرة أمامهم فدلفت منها عالية المنهارة التي اندفعت بكل قوتها ناحية تميم، دفع كريم الأجرة وتابع خُطاها، فتمتمت نوران بحنق: -كريم!تحاشت النظر إليه تمامًا واقترب من عالية التي تتضور حزنًا وهي تمسك بيدي تميم وتقول باستياء:.
-أنا أسفة يا تميم. والله ما كنت أعرف حاجة، معرفش أنه خاين وكذاب كده. انا مستحيل أرجع له.كارثة الإنسان الحنون هو إعتقاده بأن الجميع مثله، الجميع صادق لا يكذب، لا يبخل ولا يخدع حينها يفوق على صفعة مثل التي فاقت عليها عالية. تدخل كريم مدافعًا عن أخيه: -يا جماعة أكيد في حاجة غلط. مراد مستحيل يعمل كده. وانتِ كمان يا عالية اهدي، المفروض إنك أكتر حد عارف مراد.
انفجر تميم بوجهه بعد ما ضم عالية لحضنه وقال: -أخوك هيفضل طول عمره ندل وعمره ما هينهي بحور العداوة ما بينا. وديني ما هرحمه.تدخلت شمس لتلطف الموقف بإحراج: -كريم ذنبه أيه بس يا تميم!ثم دارت بأعينها المعتذرة إليه: -معلش يا كريم، اعصابهم تعبانة شوية، حمد لله على سلامتك.رد مرغمًا: -الله يسلمك يا شمس…عادت شمس لعالية وأخذتها من حضن تميم لعندها وعانقتها بحنان: -اهدي يا حبيبتي عشان صحة البيبي. كله هيتحل.
تجاهلت نوران الغاضبة وجود كريم ونظراته المتوقة إليها وقالت لعالية بحنق: -متزعلش يا عالية، واضح أن العيلة كلها ناقصة. ومش عند كلمتها.اقتحمت سيارات عاصي برجاله القصر في تلك اللحظة فتشتت شمل الجميع، هبط عاصي من سيارته وتابعته حياة التي رفضت العودة قطعًا بدونه. أشار لرجاله بنظرة لم يفهمها سواهم. أسرعت حياة لعالية الباكية، فضمتها لتهون عليها عناء الخذلان:-روقي يا عالية، سوء تفاهم وهيتحل.
خرجت عائلة شاهين من القصر عند سماعهم لصوت الضوضاء بالخارج. ركضت شيرين ناحية عاصي بلهفة:-عاصي! سلامتك كنت هتجنن لو حصل لك حاجة.عادت حياة لعند زوجها الذي لم توجه له بنت شفة طول الطريق، تغلغلت أصابعها بفراغات يده وطالعت شيرين بغضب: -سلامتك من الجنان، عاصي حبيبي بخير وزي الفل. متقلقيش.
ثم تدخلت نوران لتنتقم منهن وقالت بدلالٍ يحمل الكيد: -سلامتك يا باشا، معلش العين فلقت الحجر، ودي كانت عين تنين أصفر وقصير.ثم مالت لعنده بصوت مسموع وأكملت: -وبعدين بلاش الحركات الحلوة دي في الجنينة، أديك شوفت عنيهم بتوصل لفين!أنهت حديثها بغمزة بسيطة لحياة التي أكملت قائلة بخبث: -عندك حق يا نوران والله. أنا مش عارفة الناس الوحشة عايزة مننا أيه!هتفت شمس بامتعاض من ألاعيب اختها وقالت بحدة: -نوران!
زمجرت رياح غضب عاصي وقال لأحد رجاله: -مراد المحلاوي يكون عندي النهاردة. لو كان في بطن الحوت تجيبوه، يلا اتحركوا.تدخل كريم موضحًا: -عاصي مش كده، سيبني أنا هتكلم مع مراد وافهم منه.رد باختصار: -أخوك جاب أخري اللي ما ينفعش فيه كلام!ثم دار ليلتقى بشاكر وشاهين الأخوين وافقين بجوار بعضهم البعض. تحرك عاصي بخطواته الواسعة واتبعه الجميع إلا نوران وكريم الذي أردف قائلًا:-مفيش حمدلله على السلامة يا كريم؟
تمتمت بإمتعاض: -هي فين السلامة دي! أنت جاي بمصايب الدنيا في أيدك ولا مش شايف!عقد حاجبيه مندهشًا: -ليه بس، وأنا كنت عملت أيه. أنا سايبهم مولعين في بعض ورجعت بردو لقيتهم على ده الحال.ثم مال هامسًا: -أنا سبت الدنيا كلها ورجعت عشانك يا نوران. وحشتنى نار الجماعة اللي عايشين هنا.
دارت إليه فدار معها شعرها المعلق على هيئة ذيل حصان وقالت: -ارجع مكان ما جيت يا كريم. لو راجع عشاني ف أنت رجعت متأخر، راجع بعد ما بطلت استناك.كادت أن تنصرف ولكنه وقف أمامها ليمنع خُطاها: -نوران استنى، أحنا لازم نتكلم.احتشدت العبرات بمقلتيها: -مفيش ما بينا كلام ممكن يتقال بعد ما دموعي خلصت عليك.
ثم بللت شفتيها التي جفت من حرارة الذكرى وقسوتها عليها: -أنت سافرت وسبتني في أصعب وقت، وأكتر وقت محتاجة لك فيه. بس دلوقتِ أنا مش محتاجة لك ولا عايزة أشوفك تاني.ثم تأرجحت عينيها الباكية، تردف بصوت متهدج: -ابعد عن طريقي قبل ما حد ياخد باله. كفاية أوي لحد كده.-ليه كل ده يا نوران! أنا أهو رجعت. ليه القسوة دي؟
‏مرارة أن تشرح لشخصٍ أن موقفك الجاف كان دفاعًا عن قلبك وعن قسوة ما عانيته خلال فترة غيابه. والعلقم المرير أن يكون هذا الشخص شخص تحبه كثيرا ولا يمكنك البعد عنه! غزا قلبه صداع عنيف من صمتها ودموعها وسألها بمرارة: -يعني بطلتي تحبيني! بطلت أجي على بالك كل يوم قبل ما تنامي؟ دانتي حتى بطلتي تردي على اتصالاتي. أنا وعدتك إني عمري ما هسيبك. بتسيبني أنتِ!
أسقط قلبه بين يديها، اغرورقت عينيها وسرعان ما التقمت عبراتها إثر رؤيتها لشهد، فابتعدت عنه جبرًا: -خلاص يا كريم…في ساحة القصر.جهر عاصي مُعلناً وهو ينزع سترته السوداء ويرميها على المقعد، أخذ يثني أكمامه بهدوء يبث القلق برؤوس الجميع: -ال 48 ساعة خلصوا. كده عداني العيب!قهقهه شاكر باستهزاء: -نعم، سبق وقلت لك أحنا مش هنمشي من هنا غير لما الحق يظهر والمال يرجع لصحابه!
أصدر إيماءة قوية وهو يقترب منه بتحدٍ: -بمناسبة المال وصحابه. البيت اللي شهاب دويدار خلاني اشتريه من 17 سنة مع المحامي، عشان يعملكم قيمة بين الناس. بيتهد حاليا. ده لو مكنش بقا كوم حجارة،!ارتفعت الهمهمات وتعالت النفوس المشوهه ب داء التمرد إثر ما سقط على مسامعهم، فجهر واثقًا: -زي ما سمعتوا. البيت مكتوب باسمي وهديته، وناوي اسيبه كده. بس أحنا دلوقتِ قدام مشكلة بسيطة.
ثم مال على أذني شاهين وأكمل: -لما تطردوا من هنا هتروحوا على فين،! قصدي لو فشلتوا أنكم تاخدو شبر واحد من أملاك دويدار هتعملوا ايه! نصيحتي كلموا للأخر عشان لو مخدونش البيت ده هتقضوا باقي عمركم فالشارع.تدخلت شيرين صارخة: -عاصي! أنت هتطرد أهلك م.
أخرسها بإشارة واحدة من يده لتتحول كلماتها لعبرات مترقرقة. تدخلت شهد التي ثارت من نظرات نوران الشامتة: -ما تقول حاجة يا عمو.؟ ده بيبجح فينا كده قدام اللي يسوى واللي ما يسواش!هز شاكر رأسه ب غضب مدفون ولكنه قرر بنصب فخه بوجه عاصي، وقال بعد ما أخرج دفترًا من حقيبته السوداء:-ده كان زمان، قبل ما…ثم أخرج الورقة التي تثبت تنازل تميم عن نصيبه: -شوف دي! دي ورقة تنازل تميم عن نصيب. بيع وشرا لعبلة.
بدأت علامات النصر ترتسم على ملامح آل دويدار، أكمل شاكر موضحًا: -ودي الورقة اللي تثبت أن عبلة عمرها ما هتخلف، لانها شايلة الرحم من قبل ما تتولد…تمددت ابتسامة شاكر بشر دفين واخرج ورقة آخرى: -ودي ورقة كمان ثبت أن عاصي ابن تحية، تحية اللي مفيش بينها وبين شهاب أخويا ألا…ثم غمز بطرف عينه: -كلنا عارفين.
ثم أخرج آخر ورقة وقال: -ودي صورة من المحضر اللي عمله مراد المحلاوي صاحب المصلحة اللي بيطالب بنصيبه في ورث خالته. ومن بكرة هيطلبوا عالية ويتعملها تحليل DNA.ثم تدخل شاهين بحوارهم المشحون: -أنتَ اللي طلبت عداوتنا يا ابن أخويا. أحنا بس عايزين الحق. بس أنت اللي غاوي محاكم وفضايح.تدخلت شيرين الباكية وهي تتوسل لأبيها: -بابا أنتوا بتعملوا أيه؟ على أخر الزمن ولاد دويدار بيقطعوا في بعض!
شدت سميرة ابنتها كي تفسح مجالًا لأبيها للحديث. تدخل شاكر قائلًا بدهاء: -بس في حل وهنعيش حبايب طول عمرنا وعيلة وعزوة.تبادلت الأعين الحائرة حتى هتف تميم قائلًا: -عايز تقول أيه! حابب اسمع. يمكن يعجبناتأرجحت عيني شاكر بتردد: -طيب ما نتكلم لوحدنا من غير حريم! عشان الكلام اللي هقوله هيزعل.اتسعت الأعين المتجولة والحائرة بينهم، تمسكت حياة بيد زوجها لتتحامى به، فأجابه عاصي: -هات اللي عندك.
هتف شاكر بحماس: -نتراضى ونحط ايدنا في ايدين بعض، المحاضر تتلغى والفضايح تتلم. في سبيل وواقترب خطوتين منه وأكمل بتخابث: -شاهين أخويا كده كده كل فلوسه هتروح لبناته، وأنا زي ما أنتو عارفين لا عيل ولا تيل. هاخد بس الشركة والمصنع اللي ف الشرقية وكده مرضى، وكل واحد فيكم يتجوز واحدة من بنات أخويا ويأمن مستقبلها، ونعيش أسرة سعيدة مع بعضينا. أيه قولك؟ من غير شوشرة وفضايح. ونخلط الزيت في الدقيق.
شهقة مرتفعة اندلعت من أفواه الجميع وملأت الهواجس أعينهم. ثار الجميع إلا عاصي وقف ثابتًا يطالع كل من حوله بأعين حازمة، تمسكت شمس بزوجها كإعلان ملكية، واقتربت حياة من زوجها أكثر وهي تنفجر بوجه شاكر:-أنت مجنون! جواز أيه اللي بتتكلم عنه؟ ما تقول حاجة يا عاصي.أجابها شاكر: -شرع ربنا يا مدام، وكله بالشرع. وأهو بدل ما تطلعوا بجرس وفضايح بحاول نفكر بصوت عالي ونلم الموضوع.
تدخلت سميرة ساخطة: -وانا مش هجوز بناتي لولاد دويدار، على جثتي.لمع بريق الأمل بأعين شيرين وقالت بحماس: -عمو شاكر بيتكلم صح، بدل العداوة والكراهية وولكزتها شهد لتصمت فابتلعت بقية الكلمات بجوفها. هبت الكلمات من فم الجميع كل منهما يعبر عن اعتراضه بطريقة مختلف حتى حسم صوت الرعد الامر وجهر بجبروت رُجت له الجدران:-خلصتوا!هتف شاكر متحمسًا منتظرًا رد عاصي الذي غمغم بهدوء ما يسبق العاصفة: -هجاوبك متستعجلش.
ثم أشار لبكر إشارة فهم مغزاها جيدًا، عاد عاصي لعمه وقال: -بصراحة ديل ما يترفضش. لو فكرت بالعقل هنطلع أحنا الكسبانين منه، هدوان سر وفلوس وبنتين حلوين!تمتمت حياة بتوجس: -عاصي!ضغط على كفها وكأنه يخبرها بأن تثق به. زفر بضيق ثم قال: -ومن اللحظة دي لحد ما تثبتوا أن ليكم حق هنا، محدش يقعد في بيتي.ثم طالع محشد الرجال بالخلف وآمرهم بنبرة لا تقبل نقاشًا: -نضفوا البيت من اللي فيه بالقوة…