رواية عذرا لكبريائي للكاتبة أنستازيا الفصل السابع والخمسون

رواية عذرا لكبريائي للكاتبة أنستازيا الفصل السابع والخمسون
رفعت حاجباي فوراً وقد طمأنته بلطف: أنا هنا يا جيمي.ولكنه نفي بتوتر وقد علم بوقوفي على بعد مسافة منه لبعد صوتي فبادرت أقترب متجاوزة كريس الذي يقف متسمراً في مكانه بثبات!، جلست بجانبه أداعب شعره بحنان: لماذا تبدو مضطرباً هكذا!؟ لا شيء يدعو للقلق يا عزيزي.بدى مستغرباً كثيراً وقد همس بتلعثم: أمي من هنا؟ يوجد شخص آخر اليس كذلك؟
أردف باستيعاب فوراً متجاهلاً الأمر وقد سلكت أمارات السعادة والبراءة طريقها نحو وجهه متذكراً أمراً: حليب الشوكولا؟
ابتسمت بلطف قبل أن أضحك بخفوت ومررت أناملي على وجنته بحبور، لكم هو مؤلم هذا التخمين المتواضع والطفولي يا جيمي، أنا حقاً بالكاد أتمالك نفسي أمامك، لا بأس، لحظات قصيرة تفصلك عن تحقيق ما رغبت به طوال الفترة الماضية. لتسمع صوت من كنت ترجو دائماً تواجده إلى جانبك، طلبك البسيط الذي لا يتجاوز رغبتك في الشعور بحضوره وحسب.
شعرت بخطى كريس خلفي وقد كانت خطوات بطيئة متقاربة، كما لو كان يماطل الزمان والمكان، أو. كما لو كان يرغب في التقدم وفي الوقت آنه يشعر بالخوف من فعل ذلك!، اكما لو كان يجسد للحظة التي نتقدم فيها ونعتقد أننا من الممكن ألا نصل إلى وجهتنا. التفت أنظر إليه بتشجيع في حين كان ينظر إلى الصغير بتعبير أثار استغرابي وقلقي!
بدايةً من عسليتاه اللتان تلمعان بشدة كلمعة النجوم المتربعة وسط الظلام الحالك وكأنها تعزز من تواجدها للناظرين! وكأن في لُبِها خفايا عظيمة سئمت الكتمان وترجو تحريرها من كوامنها، مروراً برجفة طفيفة في شفتيه وكأن عشرات الآلاف من الكلمات تنتظر في صف طويل لتتخلص من أسر الصمت بل وكأنها تتمنى من ثغره أن يكون مِكثاراً ومهذارا ويصفي شوائب عالقة في جوفه من مشاعر متزاحمة بشكل فوضوي!
أخفضت ناظري إلى قبضتيه اللتان يكورهما بقوة ويشد عليهما حتى ابيضت وبرزت عروقها.فتح فيّه يريد التفوه بشيء ولكنه تراجع وأطبقه بقوة، ومع ذلك لا زال يقترب، ابتعدت بدوري عن جيمي لأمنحه فرصة الجلوس مكاني ولكن الأخير شعر بابتعادي وقال بحيرة: أمي. إلى أين ستذهبين؟
اتجهت إلى الأريكة المقابلة لسريره والبعيدة قليلاً، لتجلس أولين بجانبي وتمسك بملابسها بيد مرتجفة وقد نضح جسدها بالتوتر والإضطراب الذي يغلفها ليبث بي الإرتباك أنا أيضاً، فها هو ذا قد وقف أخيرا بجانب جيمي مباشرة. ضل الأخير ينظر بمقلتيه في الفراغ بتشتت: أمي؟! سيدة أولين؟عبس ومط شفتيه محتجاً: أنا أعلم أنكما هنا.
ازدردت ريقي عندما جلس كريس على السرير حيث كنت أجلس للتو، فابتسم جيمي بحماس وأسرع يمد يده يمسكه بإنفعال يجوبه مرح: ها قد أمسكتكِ.
لا يدري بأنه يمسك بيد كريس الذي لا يتوقف عن التحديق إليه كأعين شخص على وشك الولوج إلى غيبوبة لا أدري كم تدوم! أعين تائهة وبشدة! يوجد انقباضات مزعجة في قلبي، توتر. خوف، سعادة وترقب. من الصعب وصف زحام المشاعر المنهكة هذه، ولكن كل ما أعرفه أن السرور الذي ينتابني قد تغلب على كل خوالج دخيلة تحاول الإطاحة بي.
الصمت يسود المكان، لا شيء يُسمع سوى اصوات خطوات خافتة في الممر خارج الغرفة، كنت أنتظر في أي لحظة سماع مبادرة كريس ولكن. ما سمعته كان الصوت الطفولي المتسائل باستغراب وشرود: هذه الرائحة.طرفت بسرعة وتساءلت دون شعور: أي رائحة؟عندما نطقت بهذه الكلمة نظر فوراً إلى مصدر صوتي وأدرك أنني بعيدة عنه، وكردة فعل طبيعية ترك يد كريس بسرعة وبعدم فهم ولكن الأخير ظل ممسكاً به!
ظهرت تقطيبة صغيرة بين حاجبيه ولا يزال يريد تحرير يده، ولكن كريس رفع يده الأخرى ليضعها على رأسه راغباً في مداعبة شعره وما ان فعل حتى أبعد جيمي رأسه بارتياب ونظر إلى الفراغ محاولا تحرير يده هامساً بقلق: من هنا!هيا يا كريس. تفوه ولو بحرف واحد ليسمع صوتك!ما الذي تنتظره؟!
ومع أنني كنت أنتظر مبادرته، ولكنني لمحت ارتخاء ملامح جيمي بشدة فجأة، بالكاد طرف بعينه وهو يحرك شفتيه بإضطراب: هذه الرائحة. تشبه رائحة عطر أبي كثيراً.تقوست شفتيه للأسفل وأضاف هامساً والرجفة تسري في صوته وجسده لتهز أوصالنا: رائحة العطر التي تعلق في ملابسه دائماً!
ابتسمت بإستياء بينما ارتخت يد كريس مبعداً إياها عن رأسه، وكذلك أرخى يده الأخرى ليتركه فاستنكر جيمي الأمر للحظة قبل أن يشد الغطاء بيده بتوتر وقلق، ولكن ما هي إلا ثواني حتى همس بصوت ضعيف: كعطره تماماً.
رفع يمناه باحثاً في الهواء حتى أمسك بيد كريس واتسعت عينيه قليلاً قبل أن تتقوس شفتيه بإستياء شديد وعلى وجهه بوادر الذهول. ثم عدم التصديق!، نظر كريس إلى يد جيمي قبل أن يعض على شفته وقد سلك تعبير محاولة تمالك رباطة الجأش الطريق إلى ملامحه.ظل جيمي ممسكاً بيده، ليمررها على أنامله الواحدة تلو الأخرى وقد لمس عروق يده البارزة هامساً والغصة تصعد إلى جوفه بوضوح: هل هذا أنت. أبي؟
دمعت عيناي قليلاً ونظرت إلى السقف لعلها تجف وقد رسمت على ثغري ابتسامة أمل وسرور، ولكنني تفاجأت بوقوف كريس وابتعاده دون سابق إنذار ليقف في منتصف الغرفة ويواجه ظهره إيانا، ليرفع يده نحو ثغره والأخرى يضعها على خصره للحظة قبل أن يتنفس بعمق وبصوت مسموع! لوهلة بدى كمن وجد نفسه في مكان لا يوجد به ذّرَّة هواء واحدة!وكأنه يواجه اختناق مفاجئ ويرغب في وضع رأسه في منفذ للهواء بشكل فوري.
ترددت في الوقوف كثيراً وتساءلت في نفسي لما لا يزال يكبت الحروف ويمنعها من التحرر! لماذا لا يبوح ويفصح عن تواجده هنا لجيمي! بدى الأخير مهفوتاً وحائراً ليحرك عسليتيه الواسعتان من حوله بضياع وقد بدأت مقلتيه تظهران انكسار شديد ليهمس: أبي.! تلك كانت يده. يد أبي دائماً باردة، ملابسه عالقة فيها رائحة عطره. إنه هو. أمي هو هنا اليس كذلك؟!
أضاف معتدلاً في جلسته وقد علا صوته بحزن وشجن عميق: هل عاد أبي؟ أمي. إنه هنا اليس كذلك!شعرت بالضياع وقد أحكمت قبضة يدي ونظرت لأولين التي لا تدري ما تفعل أيضاً! هل نتدخل ونقول بأنه هنا؟ أم عليه أن يبادر من نفسه! يا الهي ماذا أفعل؟!
لا زال يقف يتنفس بعمق وينظر إلى الحائط مخفياً وجهه وقد مرر يده في شعره، بدى يحاول جاهداً تمالك نفسه وتهدئة أعصابه، وقفت بلا شعور متجهة إليه بقلق، وقفت أمامه لأتسمر في مكاني محدقة إلى التورد الطفيف الذي اعتلى وجهه وقد برزت عروق عنقه دلالة على تلف أعصابه تقريباً!
ما أن نظر إلى عيناي مباشرة حتى بادرت أتقدم إليه وأعانقه بقوة مهدئة و مربتة على ظهره، بادلني العناق بقوة وأحنى ظهره ليهمس في أذني بصوت مرتجف مبحوح: شارلوت. لا أستطيع! أكاد أختنق. لا يمكنني رؤيته هكذا! الأمر أصعب مما توقعت. لا أستطيع! أنا حتى لا يمكنني التفوه بحرف واحد أمامه. أخشى أن أنفجر. أخشى أن أبدو مثيراً للشفقة أمامه! كيف بحق الإله أقف محدقاً إليه بينما يكون عاجزاً عن إبصار ما حوله! كيف أقف وهو عاجز عن تحريك ساقه؟! لا يمكن أنكِ تتوقعين مني الوقوف ببساطة! أشعر بصعوبة في التنفس. تجتاحني رغبة في الصراخ والإعتذار ولكنني فقدت كل بأسي فجأة. خارت قواي ولا أدري كيف أتمالك نفسي!
واصلت التربيت على ظهره بلطف، ظل جيمي على السرير وبدى يحاول التركيز في همس كريس، ما هي إلا ثواني حتى دمعت عينيه بعدم تصديق: أبي.ابتعدت عن كريس الذي ظل يقف منكمشاً على نفسه، اعتدل جيمي ليجلس وقدميه متوجهتان نحو الأرض و التي لا تزال قدميه لم تلامسها، وقفت أولين والحزن يسيطر عليها ونظرت إلى نافية برأسها وكأنها تخبرني بأنها لا تستطيع النظر إلى وضعهما أكثر وتفضل الإنتظار في الخارج!
خرجت بالفعل وأغلقت الباب خلفها تجر قدميها بصعوبة وتمسح دموعها المتمردة، وجدت نفسي أهمس لكريس بهدوء وتحفيز: أنا أثق بك. لو كنت أعلم أنك لا تستطيع مواجهته لما أحضرتك الآن، أنا لن أحملك فوق طاقتك، هنا ينتهي دوري يا كريس، أنت والده، أنت أكثر من يحتاجه.نفيت عينيه بما أقوله ورفض ذلك بصمت تام، ومع ذلك ابتعدت لأعود إلى الأريكة أجلس عليها بصمت، عليه أن يتولى زمام الأمور منذ الآن.
منذ هذه اللحظة التي ستجمعه بابنه الوحيد، عليه أن يتحلى بالقوة لأجله.أن يكون له كل شيء.نظرت إلى جيمي الذي سالت دموعه على وجنتيه وبدأ يبكي بخفوت: أنتَ هنا. أبي هل تم إجبارك على العودة لأجلي؟! لقد اشتقت إليكَ كثيراً. ولكنني لا أريد إجبارك أبداً. أنا أعلم أنك غاضب علي، أدرك أنك تلومني على ما حلّ بي.
أطبقت شفتاي بقوة في حين استمر كريس في التحديق إلى الفراغ ومع ذلك أدار جسده نحو جيمي، أكمل الأخير بصوت أجش يجبر نفسه على التبسم ونبرته تفضح بكائه: لو لم أعصيك في ذلك اليوم لما أصبت، أنا السبب فيما حدث، لذا أعلم أنك تعاقبني. أنت لم تكن مشغولاً في العمل. أبي أنا حقاً آسف، ولكنني أعدك أنني سأنصت إلى كل كلمة تقولها! أعدك بأنني سأكون مطيعاً دائماً. ولكن لا تعاقبني بغيابك عني!
انزعجت من حرارة الدموع على وجنتي وأسرعت أمسحها بأكمام قميصي وابتلعت ريقي كما أبتلع اللقمة الغير ممضوغة، نظر كريس إليه بعدم تصديق نافياً برأسه بصمت! ليكمل جيمي ببكاء: لو أردت معاقبتي بأي شيء آخر فسأنفذ ما تريده، لو أردت مني عدم الخروج واللعب فلن أفعل، ولو رغبت في حرماني من تناول الطعام فسأمتنع، لن أذهب إلى الرحلات مع زملائي ولن أطلب أي العاب أو أقلام تلوين.
أعقب بسرعة والدموع تبلل وجهه وأهدابه: أبي أنا لا أستطيع التحرك بساق مكسورة، ولا أستطيع الإبصار ومعاقبتي ستكون أسهل!اتسعت عيناي بذهول وكذلك كريس الذي همس أخيراً ببطء: ما الذي تقوله بحق خالق الكون!
اندهش من سماع صوته أخيراً وبردة فعل طبيعية صمت قليلاً قبل أن يقول بنبرة مترعة بالحزن: أنا أعلم أن جدي توفي بسببي أيضاً، وأعلم أنك مرغم على تحمل مسؤوليتي، العمة كلوديا حزينة جداً، وأمي تسهر دائماً هنا ولا تعود إلى المنزل، الآنسة تيا تحاول التظاهر بالسعادة أمامي ولكنني أعلم أنها متعلقة بك كثيراً وغيابك يحزنها. أبي أنا حقاً مستعد لأي عقاب ولكن لا تتركني، إن كنت تشعر بأنني مزعج وأضايقك فس.!توقف!
صاح بها برفض تام وأعقب بصوت مبحوح أجش منكسر: لم أكن يوماً لألومك على أي شيء! أتيتك مستعداً للتوبيخ ولكنك تعاتب نفسك! ما الذي تقوله. أنا لست في حالة جيدة لأحتمل كلمات مماثلة، من سمح لك بلوم نفسك؟ من سمح لك بفرض العقوبات على نفسك كما يحلو لك! ومن أعطاك الحق لتقرر أنك مجرد مزعج بالنسبة لي!
نفي جيمي بسرعة وصرخ منفجراً بحزن: ولكنك لطالما كنت تكره الجلوس معي أو حتى التحدث إلي! كنت دائماً تمنعني من الخروج والذهاب إلى الرحلات مع زملائي، كنت دائماً ترفض رغبتي في الخروج إلى المتنزهات، كثيراً ما تذهب إلى المنزل المطل على الشاطئ دون أخذي معك! ستيف أخذني هناك مرتين فقط وعندما تدرك أنني هناك كنت تنزعج وتغضب كثيراً.
رفعت يدي نحو ثغري بعدم تصديق أنصت إلى الكلمات المبعثرة ذات النبرة الغير موزونة بسبب تقطع أنفاسه!لم تكن دهشتي أكثر من كريس.فالأخير يحدق إليه بضعف.بندم، بألم وضياع!أخفض جيمي رأسه وهمس بضيق: أبي.لم يهمس سوى بهذه الكلمة، حتى عندما بدى يبتدر كريس ليتحدث وساد الصمت المكان فجأة في وضع غير ملائم لفوضى المشاعر هنا!
ما الذي على فعله؟ ماذا أقول؟! كريس لا يعي كيفية التصرف معه، ولا يدرك أي كلمة عليه انتقائها في موقف كهذا! إن كان طيلة الوقت مشتتاً تائهاً ومهزوزاً فكيف يتعامل مع جيمي الذي وقع أسيراً بلا رحمة للإحساس بالوحدة وهو مجرد طفل يكاد يبلغ السادسة فقط.
شعرت بحركته على السرير، رفعت ناظري إليه لأجده ينزل قدميه الصغيرتان الحافية على الأرض ويستند على المنضدة بصعوبة بسبب الجبيرة على ساقه، تاهت عيناه في الفراغ وردد بحزن: أبي!؟دفع بيده دون قصد المزهرية الموجودة على المنضدة والممتلئة بالأزهار المختلفة لتسقط على الأرض وتنكسر لتتهشم قطع الزجاج!
وقفت بقلق عندما رأيته يتجاهل الأمر وينوي السير أكثر ولكنني لم أكن أسرع من كريس الذي أسرع يحمله قبل أن تطأ قدميه العارية على الزجاج!
حمله ليدفن الصغير رأسه في كتفه ويتشبث به بقوة بالغة ويحوط عنقه كمن يخشى اختفائه مجدداً! شعرت بالضعف في قدمي وقد تهاوى جسدي على الأريكة مجدداً، ظهر الألم في عينا كريس وهو يسند نفسه على الحائط ولا يزال يحمله، شيئاً فشيئاً أرخى جسده وانزلق على الحائط ليجلس على الأرض ويضم جيمي إليه بقوة.
تعالى صوت بكاء الأخير رافضاً الإبتعاد عنه قيد أنمله، اهتز كتفا كريس وكذلك شفتيه قبل أن يدفن وجهه هو الآخر في شعر جيمي ويده على ظهره يضمه إليه بقوة أكبر! ثنى إحدى قدميه وفرد الأخرى وهو يحرص على ألا يثني جيمي ساقه المكسورة لئلا تزعجه الجبيرة.يا الهي. الدموع لم تعد تحرق وجنتاي فقط، بل تكاد تفقدني بصري كذلك! بدأ تنفسي يختفي بسبب البكاء الصامت!
جيمي. لا أدري ما هي الطريقة الأنسب للإعتذار إليك، ولكنني أعلم جيداً أن حتى الإعتذار مجرد هراء لا يوفيك حقك، الأمر الوحيد الذي قد تكون محقاً فيه هو فشلي الذريع في تحمل المسؤولية! أنا بالفعل مجرد جبان لا أجيد سوى الهرب فقط. ولكنني أقسم لكَ أنك لم تغب عن ذهني يوماً منذ ولادتك، أقسم لك أنني لطالما شعرت بالألم لرؤية السد الهائل بيني وبينك. سد لم ينتج سوى عن جهلي في كيفية معاملتك والعناية بك! غيابي في الفترة الماضية لم يكن سوى خوف وذعر سيطر علي. لم أحتمل رؤيتك تحدق إلى الفراغ بلا وجهة. لم أحتمل كونك غير قادر على الإبصار بسبب إهمالي وبسبب إقحامك في مشاكلي الخاصة! ظننت أن الهرب سيحميك. ولكنني كنت مخطئ! لقد كنت ولا زلت أؤذيك. كلما نويت حمايتك أجد العكس يصيبك! كلما أردت التقرب إليك أعود للوراء.
أغمضت عيناي بقوة أبكي بخفوت ليكمل يدفن رأسه بقوة في شعره: أنتَ الهدية الوحيدة التي رغبت في حمايتها، الهدية الوحيدة التي لا أدري كيف أصونها من أي سوء! أنا لا أحاول التبرير لنفسي كل ما اقترفته في حقك، كما لا أعلم كيف أنزل لمستوى فهمك! لا أدري كيف أتحدث بصيغة يسهُل فهمها. لم أكن يوماً طفلاً. لم أولد طفل صغير. نضجت مبكراً رغما عني ولا فكرة لدي عما يكون عليه تفكير طفل في الخامسة وكيفية التعامل معه! أكره أن تشعر بالوحدة كما شعرتُ بها ولكنني أذقتك إياها! أكره أن أشعرك بالألم ولكنني فعلت. أنا مجرد أب فاشل!
ابتلع غصة تكاد تحيل الهواء عن جوفه وأكمل: أب لا يعي كيف يفهم نفسه قبل أن يفهم طفله! أنا بحاجتك أكثر من حاجتك إلي. ولكنني لا أدري كيف أعبر عن كل هذا! أخشى عليك من نفسي. أخشى أن ألوثك بأفكاري وبعالمي! أخشى أن أمحي يوماً براءة تفكيرك. عندما أحاول التحدث إليك أُصاب بالتوتر والجزع! أفكر بما على قوله. بالنبرة التي ينبغي لي استخدامها، بالبسمة التي يجب أن تعلو ثغري! أفكر كثيراً إلى درجة التراجع فوراً والإكتفاء بمراقبتك من بعيد. أنا حتى لا زلت عاجز في هذه اللحظة عن النزول إلى الأسفل. النزول إلى مستوى تفكيرك لتفهم ما أحاول قوله!
أعقب والنبرة الباكية تتسلل إلى حنجرته لينهار كياني ويتقطَّع فؤادي بقسوة: آسف. أنا حقاً آسف على كل ما شعرت به بسببي وكل ما تعرضت له، أريدك أن تفهم أنني كنت أبالغ بخوفي عليك وحسب! لم أكن أمنعك من الرحلات سوى لتفكيري المفرط بوقوع احتماليات كثيرة لا يتوقف عقلي عن نسجها! لم أكن أرفض مجيئك إلى المنزل المطل على الشاطئ سوى للأوهام المريضة التي تأكل عقلي! كنت أخشى مجرد وقوفك أمام الأمواج في لحظة لا يراك فيها أحد. في لحظة تغيب فيها عن الأعين! أنا أعلم أن مبالغتي وافراطي في التفكير مرض تعاني أنت منه، ولكن يمكنني التغير. يمكنني التوقف عن كل هذا لأجلك. أتذكر الوعد الذي قطعته لك؟ ألم أعدك أن أكون أفضل؟ أنا حقاً لا زلت أرغب في تنفيذه! أريد ولو لمرة أن أفي بوعدي لك! كل ما أحتاجه هو فرصة واحدة فقط. فرصة أخيرة.
ابتسمت بلطف من بين دموعي التي بدأت تختفي وتعود إلى وكرها أخيراً، شبكت يداي على حجري بهدوء وإسترخاء أحدق إليهما بشرود.طريقته التي يتشبث فيها بجيمي، وعناق جيمي القوي له رافضاً الإبتعاد ولو قليلاً. فيضان مشاعر والده أخيراً. لا زلت أنصت وشيء أشبه بالجروح أشعر بها تلتئم في روحي. فكيف بهذا الصغير المسكين؟!
أبي. أريدك أن تبقى معي، لا أريد منك الرحيل بعيداً مرة أخرى، أريد أن نبقى أنا وأنت وأمي معاً دائماً.استرسل عاجزاً عن إيقاف الشهقات الخافتة المتواصلة بسبب البكاء: عِدني أن نبقى معاً.أبعد كريس رأسه قليلاً عن شعر جيمي وقد نظر إلى بعسليتيه الدامعة.!لأول مرة.
لأول مرة يعرض على بنفسه رؤية دموعه وهي لا تزال في مقلتيه! لأول مرة أسمع صوت تحطم حاجز زجاجي رقيق في أذني! ولأول مرة أرى ابتسامة كهذه على ثغره وقد أظهرت نفسها بشق الأنفس من بين زحام الدموع.وكأنه يخبرني دون تحريك شفتيه أن أقترب. وكأنه قد تحرك بنفسه وأمسك بيدي يقودني إليه! وقفت كالمخدرة المغيبة عن الوعي أتجه إليهما بلا وعي. جلست على الأرض مقابلهما ليجذبني بيده ويقربني إلى حضنه!
اتسعت عيناي بدهشة طغى السرور عليها، تدفقت الدماء نحو وجهي وأنا أسند رأسي على صدره بجانب رأس جيمي الذي عدل من وضعيته ليكون رأسه مجاوراً لي لأحدق إليه بينما تسرح عيناه في اللاشيء، ومع أنني أعلم جيداً أن أكثر من يكون بحاجة إلى العناق في وقت كهذا هو كريس وابنه ولكنني لم أستطيع منع أنانيتي من الظهور قليلاً وقد استمتعت بدفء صدره وفي الوقت آنه رفعت يدي أداعب شعر جيمي الذي يتنفس بصوت مسموع جراء بكائه ومحاولته للتوقف.
كما تريد يا جيمي. أنا أعدك، أعاهدك على أن نبقى معاً، دعني أعوضك عن الكثير. كل ما سأطلبه منك هو أن تعلمني كيف أكون أباً وحسب. كيف أكون الأب الذي تريده حقاً، كيف أكون والدك الذي لا يبالغ ويفرط في التفكير ويؤذيك دون قصد. اتفقنا؟أغمضت عيناي ولا يزال رأسي على صدره لأسمع جيمي يهمس محاولاً التخلص من بحة صوته: حسناً. اتفقنا.
ثم أضاف بتردد واضح: أبي. لقد قلت لك للتو أن تعاقبني بمنعي من تناول الطعام، ولكنني أخشى أنني لن أستطيع فعل هذا. لا يمكنني العيش دون طعام!
ضحكتُ بخفوت وربَتُ على ظهره الصغير بخفة في حين شعرت بكريس يبتسم: توقف عن التفكير بالعقاب، لا يوجد عقاب تستحقه. عليكَ أن تكون مستعداً وحسب، سنجري لك العملية لتستعيد بصرك ونعود إلى المنزل. لا يمكننا البدء بأي شيء بينما لا تزال هنا. عليك أن تجريها في أقرب وقت وتبصر من جديد.
ثم رفع يده ليضعها على ظهر جيمي، ولكنه لامس يدي فأبعدتها لأفتح له المجال إلا أنه أمسك بها وأعادها إلى مكانها وظل ممسكاً بها يسندها على ظهر جيمي وهمس: عليكَ أن تكون ممتناً لوالدتك، لها الفضل في عودتي دون التأخر أكثر. يبدو أنها قادرة دائماً على الوفاء بعهودها ولاسيما لك.أومأ جيمي فوراً: شكراً جزيلاً أمي.ابتسمت بلطف: لا تشكرني يا جيمي. كل ما فعلته هو تحقيق رغبتك البسيطة وحسب.
بدى يفكر قليلاً قبل أن يتساءل باستغراب وهو يمسح دموعه التي جفت تقريباً على وجنتيه: أبي. أنتَ أيضاً تحب أمي وترغب في بقائها معنا دائماً، اليس كذلك؟ هي لن تعود مرة أخرى إلى منزلها؟تحب أمي.؟يا له من تساؤل متواضع قد انتزع عضلة قلبي بكل بساطة من مكانها. يا الهي كم أنا هشة من السهل التلاعب بمشاعري بأبسط كلمة.ولا سيما عندما تتعلق الكلمات بكريس.!
مررت يدي في شعري رغماً عني لأبعد التوتر الذي تبدد وتحول إلى ذهول حين وقع على أذني الكلمات الهادئة الموزونة: أخشى أن يزعجكَ هذا. ولكنني أحبها أكثر بكثير مما تحبها أنت.الأصوات.تبتعد!المكان يصبح واسعاً فجأة!عيناي تتسعان بذهول وفكي قد تصلب من الدهشة!ابتعدت ببطء راغبة في التحديق إليه والنظر إلى التعبير على وجهه لعلني سمعت خيالاً ظننته واقع!
لعلني أبحرت بعيداً عن المكان الذي يجلسان فيه بسبب أفكاري ورغباتي.أو ربما فارقت الحياة بالفعل! فأنا أكثر من تعلم أنني لن أسمع كلمة كهذه من كريس إلا بعد مماتي بوقوفه على قبري ووضعه لباقة أزهار لطيفة.ولكن.الإبتسامة الهادئة على ثغره، والكسرة الجذابة في أطراف جفنيه والتي كانت تجعلهما ناعستان باتت تجعل عيناه لطيفة فجأة إضافة إلى البريق الجاد فيهما!
لامست يدي صدري الذي يعلو ويهبط محاولة التخفيف من دوامة وزوبعة التوتر والفوضى الجياشة التي على وشك القضاء علي!غصت في لون عينيه أكثر. طالبة النجدة دون جدوى!ولكنني نجوت من الغرق على صوت جيمي المحتار: ولكنني أحبها كثيراً! اعتدت على تواجدها معي دائماً. أبي أنا حقاً أحب أمي كثيراً ولا أريد منها الرحيل أبداً.يا الهي.يوجد إغماءه في طريقها إلي.
ولكن حتى الاغماءه لم تُرحم وقد حدق إلى بتمعن وتركيز قبل أن يهمس: أنا أيضاً لا أريدها أن ترحل، لا تقلق لن أسمح لها بذلك لأجل كلينا، انتظرتها طويلاً لسنوات عديدة ولكنها لم تُظهر نفسها، اضطررت لجلبها بنفسي وحكمت عليها أن تبقى معنا كعقاب على تجاهل وجودي في هذا العالم، مكانها معي. إلى جانبي، أحتاجها كثيراً. فكيف أتركها ترحل.؟همست بإسمه بدهشة وعدم تصديق!
لينظر إلى جيمي قليلاً قبل أن يعاود النظر إلى بشرود، ثم عاود يبعد عينيه محدقاً إلى الفراغ: أريد التوقف عن ترديد حاجتي إليكِ. لا يجب أن تشعري بثقل بالمسؤولية على عاتقيك بسببي، ولا يجب أن تشعري بالضغط فطلباتي أنانية ولا تنتهي، لذا بدلاً من ذلك. أنا الشخص الذي تتكئين على كتفه دائماً، وأنا الشخص الذي ستلجئين إليه في أي معضلة، كما لا أدري إن أوضحت امتناني أو لا. ولكن شكراً.أعقب بصوت خافت: على الكثير.
فغرت فاهي بذهول أتمسك بالواقع بكل أطرافي وبقوة بالغة! ليبتسم بهدوء ويقول: جيمي. إنها تفتح فمها على أقصاه.ابتسم جيمي وضحك بخفوت فأسرعت أطبق شفتاي وعيناي لا تزال تحدق إليه.عندما غابت ملامحه عن عيني أدركت أنني أبكي والخجل يعتريني، أبكي والسعادة تطرق باب خوالجي وتدخل دون انتظار إجابتي. ، لقد اعترف! اعترف قبل أن أهرم وأشيخ، اعترف قبل أن أفقد الأمل تماماً!
لا يمكن أن كل هذا حلم سعيد، قرصت نفسي لثواني قبل أن تتقوس شفتاي للأسفل واقتربت منه على حين غرة لأعانقه بإندفاع وقد جعلت ظهره يصطدم بالحائط بقوة.بادلني العناق في حين بدى جيمي منزعجاً من تواجده في المنتصف وحاول ابعاد نفسه حتى نجح وجلس متشبثاً بمعطف كريس بجانبه.
إن كان هناك من يظنها مبالغة فليكن. فلطالما انتظرت هذه اللحظة! لطالما كنت أرغب في سماع هذه الكلمة منه! هل يوجد أجمل من العثور على مفتاح قفل لطالما كان المرء يبحث عنه مستعيناً بكل الخرائط والتوجيهات بلا جدوى؟هل هناك أجمل من سماع الطرف الذي وقعت في حبه يعترف أخيراً بأنه كان ولا زال يبادلني مشاعري هذه!هل نجحت أخيراً في تحريره من قيود كثيرة؟! هل أستطيع الاحتفال أخيراً؟!
ابتسمت من بين دموعي وقلت ضاحكة بخفوت أضرب كتفه بخفة دون أن أبتعد: أنت حقاً تجيد مفاجأتي. أيها الأحمق.جينيفر:كنا نسير إلى مدخل المشفى عندما نظر إلى بطرف عينه بإنزعاج وأنا أمسك بمعطفه بقوة أحثه على التقدم وقال مغتاظاً: أظن بأن هذا يكفي! أريد أن أفهم لماذا أنا هنا في المشفى في وقت كهذا؟ ألم تكوني تتحدثي مع شارلوت قبل أن نخرج؟ لماذا؟ ما الذي أخبرتكِ به. ولماذا أنا معك!
تنهدت معترضة وقد وقفت بنفاذ صبر: يا الهي يا رين أنت حقاً شخص يكره عنصر المفاجآت، حسناً إذاً إجابةً على سؤالك للمرة العاشرة. شارلوت هنا برفقة كريس.طرف بزرقتيه قبل أن تتسعا بحيرة: أعادته حقاً!أومأت بفخر: هذه الفتاة تبهرني باستمرار، ليست سهلة أبداً.نظر إلى الأرض مطأطأ الرأس لوهلة، ثم نظر بعيداً بهدوء. ولكنه سرعان ما تكتف بحزم: ولماذا أنا هنا؟رفعت حاجباي باستغراب: حسناً هذا السؤال إجابته ليست عندي.
قطب جبينه بعدم فهم وقدى بدى ضجراً ليقول بتبرم: لقد طفح الكيل، حسناً هنيئاً عودته سالماً ولكن هنا ينتهي دوري وعلى العودة إلى المنزل، يمكنكِ أخذ سيارة أجرة أو البقاء معهم إن أردتِ.استدار ليبتعد ولكنني أوقفته متشبثة بذراعه بقوة فزفر بفتور ورمقني بترقب، ابتسمت بهدوء: شارلوت تريد التحدث معك، لم تخبرني ما تريد التحدث بشأنه ولكن من يدري ربما يكون أمراً مهماً، اليس كذلك؟ هل حقاً لا تشعر بالفضول!
اعتدل قليلاً ليقف مواجهاً لي، حدق إلى بلا تعبير محدد قبل أن يرفع حاجبه الأيسر: وما الذي قد تقوله تلك الثرثارة الأخرى ويكون مهماً؟ هل حقاً ليست حيلة منكِ مجدداً!سأكتفي بالحيلة السابقة يا رين، إن أردت اجبارك على الاعتراف بمشاعرك لي فلدي طرق لا تعد ولا تحصى ولكن طاقتي لليوم قد نفدت. نحن هنا لأجل شارلوت بالفعل، ثم هل حقاً لا تريد لقاء كريس والإطمئنان عليه؟لماذا على أن أطمئن عليه!لأنه ابن خالتك مثلاً؟
لم اختار أن أكون جزءاً من عائلته.لأنك صديق طفولته؟بدأت أفقد صبري.زفرت وقد عبست واضعة يدي على صدره دون أن أبتعد: كم أنت ممل.أبعد يدي بحزم فابتسمت بشيء من الخبث وتركت ذراعه لأرفع كلتا يداي نحو كتفيه وهمست: لا أصدق كم أنت عنيد! تبدو لطيفاً حقاً عندما تتظاهر باللامبالاة! لمسة واحدة مني كفيلة بشن غارة من التوتر والإرتباك عليك، كم هذا ممتع!
أظن بأن الوقت قد حان لتتوقفي عن التفكير بي بهذه الطريقة، جينيفر. لقد حذرتك بكل جدية. لا يمكن أن نخوض نوع كهذا من العلاقات إلى أي مدى على ترديد هذا!لماذا على الإنصات إلى كذبك مرارا وتكرارا؟! طالما أنك تبادلني مشاعري فاعترف واترك الباقي لي وحسب. أريدك أن تثق بي!الأوهام ستقضي عليكِ يوماً.
تجاهلت تعليقه الساخر وقربت وجهي من أذنه لألمح الرجفة الطفيفة التي سرت في جسده توتراً من حركتي، ولكنني أغمضت عيناي هامسة بلطف وقد لا مست وجنتي وجنته: في جميع الأحوال سأعود إلى عملي. وسأرى إلى أي مدى ستبقى عنيداً. إن طرقت باب شقتي في المدينة التي أعمل بها فأعدك أن أبدأ معك في خوض هذه المعضلات والمشاكل التي تخشاها، بدءاً ممن يرفضون علاقتنا وانتهاءاً بالظروف التي قد تعكر صفو الأجواء.
بدى يحافظ على توتر أعصابه ليرسم ابتسامة استخفاف على ثغره: الحُراس يحدقون إلينا أمام المدخل، إن أردت التعرض لأي مسائلة فلا تقحميني في حبك للمشاكل. نحن هنا في المشفى، للتذكير فقط.عبست مبتعدة عنه بحزن: أنتَ قاسي القلب أكثر مما توقعت! على أي حال لنصعد بسرعة إلى شارلوت وكريس.قلّب عينيه بنفاذ صبر ولكنه في النهاية تحرك وسبقني بخطى سريعة!
عقدت حاجباي أتبعه حتى وصلنا حيث الردهة، عبرنا القسم المؤدي إلى المصعد لأحدق إليه وقد ضغط على زر إنزال المصعد متمتمة على مضض أحدث نفسي: أنظروا إلى من يتظاهر بعدم الإكتراث بعودة كريس. كما لو كان مستعداً لتجاهل المصعد والصعود عبر السلالم.
في النهاية ولجنا إلى المصعد حيث كنت معه بمفردنا، نظرت إلى انعكاس صورتي على المرآة مرتبة مظهري وشعري الذي ألف خصله منه حول إصبعي محاولة جعلها تلتف ليبدو مظهرها أفضل، حتى سمعته يتمتم بإنزعاج واضعا يديه في جيب معطفه: صِدقاً، توقفي عن المبالغة دائماً، وتوقفي أيضاً عن وضع هذا الهراء على وجهك! صباحاً ظهراً مساءاً وحتى عند الخلود إلى النوم. لن أستبعد هذا أبداً.
عضيت على شفتي بقهر ووكزته في خاصرته بقوة: كيف تتحدث إلى آنسة تعتني بأناقتها وجمالها بهذه الطريقة المشينة، فلتعتذر إلى جميع نساء العالم.من قال أن جميع نساء العالم يعانين من هوس المظاهر.!اتسعت عيناي بدهشة أستنكر وقاحته بينما ابتسم ابتسامة جانبية ممازحة وضرب رأسي بخفة: حتى قدميك قد بدأت تتورم وتتورد بسبب هذا الكعب العالي.
نظرت إلى قدماي متمتمة ومقتربة منه بخبث: لما لا تحملني إذاً؟ فلتحمي هذه الأقدام الجميلة يا رين!كفاكِ جنوناً.ماذا عن أحمر الشفاه الذي أضعه؟ اليس مثيراً؟عقد حاجبيه بعدم تصديق ينظر إلى ثغري ثم تنهد نافياً برأسه: متلازمة الجرأة المفرطة.رفعت حاجبي الأيسر بإستخفاف: ماذا عن هذه الأقراط اللطيفة في أذني؟أعقبت هامسة بمكر: ألا تريد النظر إليها عن كثب؟
زفر بضجر ليبعدني عنه في اللحظة التي فُتح فيها باب المصعد فتبعته بسرعة أختلس النظرات إلى قدمي التي تكاد تنطق لتصرخ بالفعل مطالبة بخُفين مناسبين، مشيت على مقربة منه لأحتضن ذراعه.لم يبعدني عنه وانما اكتفى بالسير معي.صدقاً. أحيانا أشعر بأنه من المفترض أن يكون شاكراً ممتناً وسعيداً لكون امرأة مثلي واقعة في حبه! هذا الخطل.
وصلنا حيث القسم الذي تقع فيه غرفة جيمي، أثناء عبورنا الممر لمحت من بعيد أولين التي تجلس على أحد الكراسي متكتفة لتحتضن نفسها وتسند رأسها على الحائط وبدت شاردة الذهن تماماً! اقتربنا منها وما ان وقفت أمامها بحيرة حتى أحنيت ظهري قليلاً لأحدق إلى وجهها بتمعن واستغراب، استوعبت وجودي ونظرت إلى ثم إلى رين.
بدى وجهها متورد بعض الشيء وأهدابها رطبة، إضافة إلى ارتخاء جفنيها وبحة صوتها حين قالت: جينيفر! رين. ما الذي أتى بكما في وقت كهذا؟! هل أخبرتكما شارلوت بتواجد كريس هنا؟أومأت لها محتارة: نعم، هل كل شيء على ما يرام؟ أكنتِ تبكين؟أضفت باستيعاب وقلت بتهديد: هل أطربك كريس بكلمات قاسية؟ أخبريني لأتعامل معه بطريقتي!نفيت بسرعة لتشق ابتسامة حانية ثغرها وقالت: أبداً.
ثم نظرت إلى رين وتساءلت بلطف: كيف حالك يا رين؟أومأ برأسه بهدوء: بخير.ثم بدى وكأنه استوعب أمراً وهو يرمقني بطرف عينه بإنزعاج: أو ربما لست كذلك.تنهدت أضع يدي على كتفه وتجاهلت قوله متسائلة: لماذا تجلسين هنا؟ تتسترين على جريمة يقترفها كريس في الداخل؟!أعقبت بعبوس: أريد الدخول بسرعة ورؤية هذا النذل!
ابتسمت لي نافية: شعرت فقط أن جلوسي في الداخل سينتهي بي منفجرة لأبكي وأزعجهم لذا فضلت الإنتظار هنا، ولكن. أظن الوقت قد حان لندخل.وقفت وأشارت لنا أن ندخل معاً فأمسكت بيد رين أشبك أناملي بين أنامله، ولم يبعد يدي.طرقت أولين الباب ودخلت فتبعتها أحترق شوقاً وحماساً وأنا أحاول النظر أحرك رأسي يمينا وشِمالاً باحثة عنه بعيناي.
طرفت ببطء أحدق إلى الجالس على السرير بجانب جيمي الذي يبتسم بسعادة وعلى ملامحه تجسيد حقيقي لمعنى الراحة والطمأنينة.!اشتقت حقاً إلى رؤية هذا الصغير وهو يبدو صافي الذهن، مرتاح البال، مطمئناً ويشعر بالأمان.وجهت عيناي فوراً إلى كريس الذي كان لا يزال يحدق إلى جيمي، شيئاً فشيئاً قطع سير تأملاته ونظر باتجاهنا.تركت يد رين واسرعت نحوه وقد تقوست شفتاي رغماً عني والعبرة تخنقني.
وقف ليواجهني ولكنني فاجأته بعناق قوي كاد أن يفقد توازنه.ضربت ظهره بقوة بيدي، وكذلك دفنت وجهي في صدره لأهمس بصوت مرتجف: عليك اللعنة يا كريس وأخيراً أظهرت نفسك.ومع أنني كنت أحمل خطاباً طويلاً يتضمن عتاباً وتوبيخاً قاسي، كنت أريد حقاً عذله ومعاتبته ولكنني لا أستطيع السيطرة على نفسي. القلق والخوف والشوق الذي كان يسببه لنا اختفى لمجرد رؤيته!شعرت بيده التي رفعها ببطء، لتستقر على رأسي ويربت عليه.
أبعدت وجهي عن صدره ولا أزال أعانقه لأنظر إله بضيق، قابلت عسليتيه التي أعلم جيداً كيف كانت قادرة على أسر شارلوت طوال الوقت في حضوره أو حتى غيابه. سُحقاً أشعر أنني عدت إلى سنوات عديدة إلى الوراء! هذه المسافة التي تقلصت بيننا فجأة لطالما تمنيت أن تعود كما كانت في السابق. تنهدت بإستياء وعاودت أضرب ظهره مغتاظة: أريد توبيخك على ما فعلته بشارلوت وجيمي ولكنني سأتغاضى عن الأمر.
وعلى ذكر شارلوت أسرعت أبتعد عنه قليلاً ابحث عنها بعيناي لأجدها تجلس على الأريكة وتبتسم بهدوء، وما ان التقت أعيننا حتى تظاهرت بالجفاء: أرجو أنكِ انتهيت من معانقة زوجي يا جينيفر.ابتسمت بخبث واقتربت منه أكثر، لأهمس في أذنه بحزم: إياك وتركها مجدداً، كانت صبورة وقوية إلى حد من الصعب وصفه لأجل جيمي فقط، حافظ عليها يا كريس وإلا تصرفت معك تصرفاً آخر.
شعرت به يبتسم بهدوء: من قال أنني في انتظار تعليماتك السخيفة. وفريها لنفسك.ابتعدت عنه بحيرة أحدق إليه بتمعن: إنه كريس بالفعل! عدى أنه يبدو ألطف قليلاً.!ضحكت أولين بخفوت ولم تُخفى عني نغمة السعادة في صوتها وقد اتجهتْ إلى رين ودفعته برفق ليتقدم، بدى وكأن كريس انتبه أخيراً لوجوده.وقف رين منزعجاً من دفع أولين: سأكتفي بالوقوف بعيداً.
تنهدت بلا حيلة ورفعت يدي مشيرة بعدم اكتراث: دعيه، لا يجرؤ على الاعتراف بمشاعره لي فكيف سيعترف بسعادته بعودة هذا الأحمق.رمقني ببرود وعاد ليقف في المكان الذي كان يقف فيه متكتفاً ويسند كتفه على الحائط، اقتربت بدوري من شارلوت وجلست بجانبها أمسك بيديها بقلق: شارلوت هل أنتِ بخير؟ ألم يصبكِ بأي أذى؟ هل حاول إيذائك بطريقة أو بأخرى؟ هل حاول التصرف معكِ بإنحراف وعدم مراعاة لمشاعرك المرهفة عزيزتي؟
علق متنهداً وهو يجلس على السرير بجانب جيمي مجدداً: كفاكِ سخفاً.لوت شارلوت شفتيها هامسة: وكأنه لم يحاول.اتسعت عيناي بدهشة فأسرعت تدفع كتفي بقوة لأصمت!يا الهي. بدأ الخيال الصخب يداعب رأسي ويضع احتمالات لما كان على وشك فعله بها! هذا المنحرف ما الذي كان ينوي فعله حقاً؟ أو تراه قد اقترف الخطيئة وسامحته شارلوت؟
عقدت حاجباي محتارة وغصت في أفكاري أكثر حتى وكزتني بإنزعاج وهمست بصوت خافت: جينيفر، اعلم أنكِ تفكرين بأمور غير ملائمة، لا تقلقي لم يفعل شيء. عاد إلى صوابه وهذا هو المهم!أضافت وقد اختفى التعبير المنزعج وتبدّل بابتسامة امتنان وعينيها الخضراء تلمع ببريق لطيف: شكراً جزيلاً على تعاونكِ معنا، كنتِ خير دليل يا جينيفر. لولاكِ لما استطعت الوفاء بوعدي لجيمي.
زميت شفتي بلا اكتراث: ليس من الصعب إحضار عنوان أي شخص على هذه الكوكب.التواضع لا يليق بكِ.قالتها ضاحكة ثم اقتربت مني أكثر وهمست في أذني بصوت مرتجف مرح: ولولاكِ لما سمعته يعترف لي أخيراً.طرفت بعدم استيعاب فأكملت تسند يدها الأخرى على كتفي: قالها مباشرةً قبل لحظات أحبها أكثر مما تفعل أنت ، القى بها على مسامعي أنا وجيمي.شهقت بعدم تصديق وذهول فأومأت برأسها مهدئة، كريس. اعترف أخيراً لهذه المسكينة؟!
بالفعل. لكل زمن معجزات!ولكنني حقاً سعيدة بهذا التطور! وأخيراً أدرك هذا الأحمق ضرورة أن يبوح بمشاعره، شارلوت بالفعل كالمفتاح لعدة صناديق محكمة الإغلاق.! لم تنجح بإعادته وحسب أو إعادته إلى صوابه فقط، بل انتزعت هذه الكلمات منه. لا يمكنني كبح سعادتي أريد معانقته مجدداً ولكنني سأكتفي بالجلوس هنا وأرى ما سيفعله رين!أشعر بالغبطة، أتمنى لو أسمع من رين كلمات لطيفة مشابهة!
هذا النذل. أخشى أن أبلغ الخامسة والثلاثين بعد بضعة أشهر دون أن نتزوج.ماذا لو فضحت إحدى أسراره علناً في المجلة التي أديرها، ثم هددته بشأنها مقابل أن نتزوج وننهي كل هذا الهراء.!تنهدت بأسى ولم أشعر بنفسي وقد أسندت رأسي على كتف شارلوت بحزن، لتهمس بإسمي باستغراب.أبقيت رأسي على كتفها ونظرت إلى العيون الزرقاء المنزعجة التي تحدق إلى العسليتان الهادئة!
بللت شفتي واعتدلت في جلستي أنظر إليهما، لا زال يقف يسند كتفه على الحائط والآخر بجانب جيمي الذي يصف سعادته لأولين. ألن يبادر أحدهما؟ صحيح! ألم تقل شارلوت أنها بحاجة للحديث مع رين؟ ما الذي كانت تريده!نظرت إليها بفضول وفتحت فاهي لأسألها. ولكنها بدت مذهولة كما دُهشت أيضاً لسماع تلك الكلمة!
أدرت وجهي ببطء وإستنكار أراجع ما تهاوى على مسامعي، ولكن بمقلتا أولين اللتان تطرفان بسرعة وبالصدمة التي تعلو وجه شارلوت أدركت أنني لم أتخيل.آسف.قالها كريس بالفعل قبل ثواني فقط!قالها لرين الذي قطب بينه وظهرت تقطيبة عدم استيعاب صغيرة بين حاجبيه، نظرت إلى كريس الذي كان يجلس بهدوء تام، يحدق إلى رين بثبات.
ساد الصمت المكان للحظة، تكهربت ذرات الهواء بطريقة غريبة وباتت مشحونة إلى حد غريب، حتى استرسل يخفض نظراته إلى الأرض: توقف عن النظر إلى بهذه الطريقة، كان على قولها.ثم أطبق شفتيه بقوة والتزم الصمت لبرهة، ليكمل وقد رفع مقلتيه نحوه: كان طلب أبي الأخير.
عقدت حاجباي بحيرة بينما ظهر السرور على وجه شارلوت التي شبكت أصابعها ببعضها وقد بدت منفعلة متوترة وهمست لي ولا تزال تحدق إليهما: لم أتوقع أن يقولها أمامنا.شارلوت. هل هذا كريس حقاً؟!إنه كريس الذي يجب أن يكون عليه في الواقع، لقد طفح الكيل معه. تعلم الكثير يا جينيفر، اكتفى من خسارة من حوله بسبب الماضي الذي يلاحقه، إنه يرغب وبشدة في وضع حدود لكل هذه المهزلة.
ثم ابتسمتْ وبدت بالفعل سعيدة جداً! حسناً أنا أيضا لا أنكر سعادتي ولن أفعل ولكن. كان هذا مفاجئاً حقاً!تنهد رين بصوت مسموع ووضع يمناه في جيب بنطاله: تفعل هذا لأجل والدك؟أعقب يقلّب عينيه بتبرم: ألم تتأخر كثيراً؟! ولماذا تعتقد أن اعتذارك الرخيص سيكون مقبولاً؟
عضيت على شفتي قبل أن أصرخ بإسمه محذرة! رمقني بحدة وكاد يتفوه بالمزيد لولا أن تدخل كريس مميلاً برأسه إيجاباً: قد تكون محقاً، إنه أرخص اعتذار قد تسمعه. ولكن.
صمت كمن يحاول جمع شتات نفسه، نظر إلى جيمي الحائر وتأمله قليلاً ثم نظر إلى شارلوت التي أجفلت بعض الشيء. ظل يحدق إليها حتى أغمض عينيه وعاود يوجه اهتمامه إلى رين: يوجد دائماً فرصة. يوجد فرصة أخيرة ولكنها تحتاج من المرء أن يجتهد قليلاً. أو ربما كثيراً، هذا ما تعلمته واستوعبته مؤخراً فقط. ، لا يمكنني تبرير فعلتي، ولا يكنني الإتيان بالأسباب والأعذار، ولست أفعل هذا لتحقيق مبتغى أبي فقط.
أضاف وفي صوته رجفة طفيفة: ولكنني لطالما أردت الاعتذار عما فعلته. إن كنت ستسألني عن الأسباب، فلا يوجد ما أقوله.هل حقاً لا تشعر بكونكَ وقحاً لتعتذر وكأن شيئاً لم يكن! ما الذي تنتظره مني تحديداً في هذه اللحظة؟ أن أبتسم بلطف وأقول قبلت اعتذارك؟! إلى أي مدى أصابك الغرور لتظن أفعالك ستمحيها الكلمات فقط؟!
قالها بعصبية وحزم مبتعداً عن الحائط وينوي الاقتراب منه! انتفضت لوقوف شارلوت على حين غرة، اتجهت فوراً نحو رين وأمسكت بمعصمه بجدية وأشارت لكريس برأسها أن يخرج ثم نظرت بعينيها إلى جيمي لتنبهه أن المكان ليس ملائماً.
معها حق، لا يجب أن يتجادلا. أقصد يتحاورا هنا! نهضت بدوري واتجهت إلى كريس الذي ينظر إلى شارلوت التي تسحب رين بصعوبة لتخرجه من الغرفة، بدى للحظة يرسم تعبيراً غريباً على ملامحه أشبه بالتشتت ومراجعة النفس، شجعتني أولين على أن أخرجه كذلك وهي تشير لي بصمت فلم أتردد للحظة وأمسكت بذارعه لأوقفه ونخرج.
إنتهى الأمر بنا في حديقة المشفى. كان رين يجلس على المقعد الخشبي فجلست بجانبه، بينما شارلوت تقف بجانب كريس الذي دس يديه في جيب معطفه وانكمش على نفسه بسبب برودة الطقس، ومع أنني بدأت أرى درة الحرارة ترتفع ويكاد الشتاء ينقضي ولكن لا بد وأنه أكثر من يعاني الآن من هذه الأجواء. ابتسمتُ بهدوء وبادرت بشكل تلقائي عفوي: إذاً. وأخيراً اجتمعنا معاً، لا أدري إن كنتما تنويان الشجار ولا يهمني، أردت دائماً أن نجتمع هكذا! رين لا داعي للعبوس وإظهار هذا الوجه المزعج!
قلتها ممازحة لأخفف من حدة الوضع، ولكنه وضع ساقاً على الأخرى وأشاح بوجهه بعيداً عنا، لو كان لا يريد حقاً الإستماع إلى كريس لغادر فوراً، ولكنه لا يزال هنا!عندما لم يتحدث أحدهما علقت شارلوت بمرح تضرب كفيها ببعضهما: كريس لما لا تكمل ما كنت تقوله في الأعلى! أنت آسف على ما حدث اليس كذلك؟ رين هيا فرغ عما تشعر به لا تبدو فكرة سيئة!
لو قالت هذه الجملة قبل شهر ونصف من الآن أراهن على أنها كانت ستكون آخر جملة تتفوه بها وبعدها ينهي حياتها بيده، ولكنه الآن تقبل تكرارها لكونه قد اعتذر بالفعل ويبدو هادئاً جداً! بل أنه نظر إلى رين بجفنين مرتخيان متثاقلان وأخرج يده يوحوح فيهما ليهمس: أنت تبحث عن الأسباب.عقد رين حاجبيه ونظر إليه بحدة: لربما يكون هذا من حقي، اليس كذلك؟
أضاف بإزدراء: لنخرج بسرعة ونذهب إلى مكان ما اليس هذا ما قلته في تلك الليلة قبل أن تدفعني إلى ذلك المخزن وتغلق الباب خلفك؟!
أنزل ساقه واعتدل في جلسته ليعقب بحزم وصوت أجش وقد أنكفأ لونه: صرخت راجياً لتعود ولكنك تجاهلتني، بأي حق تعتذر عما بذر منك! بسببك لست قادراً على البقاء أكثر من خمس ثوانِ في مكان مظلم! لست قادراً على النوم بعد إغلاق الإنارة في الغرفة! بسببك تراودني الكثير من الكوابيس!، ما الذي قد تتعذر به أصلاً؟! ما الذي قد تحمله في جعبتك تقدر به على اخراسي!؟
انهى جملته بأعصاب تالفة فاستأت مطرقة رأسي ولم أجد ما أقوله!أخشى أنني أؤيده في بعض كلماته. فما مر به لم يكن أمراً بسيطاً من السهل تجاوزه.رين.
همست شارلوت بإسمه بتردد، وبدت الحروف متذبذبة وهي تردف بتقثر يجوبه إستياء: كريس لا يريد خداعك! لا يريد أن يكذب ويأتيك بأعذار لا تمت للواقع بأي صلة لمجرد أن يحل المشكلة، ولكن لديه أسبابه حقاً. لديه حقاً تسويغات ملائمة، جميعنا نتفق على أن ما مررت به صعب. ولكننا نتفق أيضاً على أنه لم يكن ليرتكب أمراً كهذا في حقك دون سبب مقنع.
ظل كريس يحافظ على هدوئه منصتاً إلى كلماتها تماما كرين، نظرت إلى الأخير بإضطراب ووضعت يدي على كتفه مربتة: تحدث كما تشاء أنت تعلم أننا هنا للتفاهم.تسمرت عينيه على شارلوت بغيض: عفواً.؟ من اللذين اتفقوا على هذا؟ من أين لكِ هذه الجرأة! فتاة مثلك واهمة وواقعة في حبه بالطبع ستقف في صفه، أنا لست هنا لسماع هذا الهراء.
نفيت شارلوت مجادلة: ولكن. اليس هذا مقنعاً حقاً؟ هو لا يريد الكذب بشأن أسبابه، ولكنها أسباب مقنعة حقاً يا رين حاول ان تثق بنا قليلاً! كنت في ذلك الوقت صديقه المقرب. بل شقيقه! بالطبع لن يتعمد فعل هذا بك وهو ي.لا بأس.قالها كريس يستوقفها، عدّل من معطفه وتنهد بعمق يرفع رأسه قليلاً ويحركها ليرخي عنقه ثم نظر إلى رين بجدية بالغة: إن أخبرتك بجزء من أسبابي. فلا تطالبني بما هو أكثر من ذلك. لأنني لن أفعل.
عقدت شارلوت حاجبيها بإستنكار في حين ابتسم رين بإستخفاف: يا للثقة المفرطة.زميت شفتي ووكزته بخفة موبخة فطرف وأغمض عينيه لبرهة ثم قال: أطربني.
بلل كريس شفتيه وحرك قدمه اليسرى يضرب الأرض بحذائه بخفة وبدى يحاول ترتيب الكلمات في عقله، أما الآخر فظلت عينيه متسمرة عليه يرفض أن ينتزعها عنه ولو لثانية! وشيئاً فشيئاً تُرجمت الكلمات على لسان كريس ليقول: كُنت أعتقد أنني بطريقتي تلك سأحميك. ولكنني استوعبت متأخراً جداً أنني أذيتك.يحميه؟!مما!فغرت فاهي بعدم فهم واستغراب، ولم أكد أسأل وأستفسر حتى بادر رين بعين ضيقة: تحميني؟!
نفي الآخر: لا يمكنني توضيح الأمر. لن أفعل.أومأت شارلوت لتؤيده بإلحاح: صحيح، أراد حقاً حمايتك. ولكنه سلك الطريق الخاطئ فقط! إنه نادم بلا شك ويرغب في أن تعود المياه إلى مجاريها فلماذا لا تستغلان الوقت يا رين! من فضلك فكر قليلاً فقط.قلّب زرقتيه بنفاذ صبر ووقف ليصرخ بوجه شارلوت التي أجفلت بفزع: ما رأيك أن تطبقي فمك المهذار أيتها الثرثارة المزعجة!
عبست شارلوت بإنزعاج مماثل لتجادله على مضض: لماذا تبدو عدائياً فجأة بحق خالق الكون!لهذا أقول أنكِ مجرد هائمة واقعة في الحب! من وكلكِ محامية للدفاع عن معشوقك!أعقب ساخراً بغضب: يبدو أنه أخبركِ بالكثير من أسراره فلماذا يفعل هذا معكِ فقط؟ لماذا لا يخبرني بأسبابه التي تدعين أنها مقنعة! هاه؟! تحدثي!أنا زوجته!
قالتها بحزم لينظر كريس إليها بتعبير هادئ، رفع يده يضعها على رأسها ليبعثر شعرها بخفة وكأنه يطلب منها أن تصمت، ولكنها أكملت منزعجة: أنا لا أخبرك أن تسامحه مباشرة على ما فعله! كل ما نريده هو أن تمهله فرصة فقط! هل هذا صعب إلى هذه الدرجة؟ هل هذه الطريقة التي تجازي فيها من حاول يوماً حمايتك؟! لقد كنتما مقربان كثيراً فلماذا ترفض محو الماضي التعيس؟!
آه نعم فرصة لأجل بداية جديدة وأستمر فيها بكوني مجرد أبله مغفل جاهل لما حدث! أنتِ أيتها المدللة التي ترعرعت في كنف عائلة لطيفة لن تفهمي شيئاً مهما شرحت لذا لا تحاولي أن تظهري نفسك كالمنصفة!
أنا لست مدللة كما لست أحاول التصرف كالقاضية هنا! إن كنت ترفض مسامحة كريس دون سماع أسبابه فنحن أيضاً لدينا أمور لا يمكننا مسامحتك عليها! أم تُراك فقدت ذاكرتك وترغب في أن أسرد قائمة أفعالك الدنيئة! إن كنت نسيت فأنا قادرة على تذكيرك. اسمح لي بسردها من فضلك لعلك تعي أنك لست الضحية الوحيدة هنا أيها الرجل العاطفي.
كانت منفعلة وقد تسارع نسق تنفسها ولم تشعر بنفسها وهي تبعد يد كريس بعنف وبدت بالفعل غاضبة! أعتقد. أنني لأول مرة أرى شارلوت تتصرف بهذه الطريقة!بدى أن هذا استفز رين كثيراً فلقد كور قبضته وهمس محذراً بحدة: أنا أكره محاولتك الدائمة للتصرف بعقلانية في حين أنكِ اكثر من تمشي في الأرجاء بعقل فارغ.آه نعم فأنت الراهب الحكيم هنا. من فضلك طهر خطيئتي بقليل من الماء المقدس.
لا تحاولي استفزازي أكثر، صدقيني لستِ نداً لي.عندما تتوقف عن معاملتي بعدائية فسأتوقف!اللعنة يا امرأة مما خُلق لسانك!هذا ان اخبرتني مما خلق عقلك العنيد!ارتفع حاجباي وأدركت أنه حان الوقت لإيقافهما عند حدهما، ولكن كريس سبقني وقد أمسك بذراعها ليوقفها بجانبه مهدئاً وبدأ الغضب يجتاحه وهو يجز على أسنانه بتحذير: المسألة بيني وبينه لذا هذا يكفي.نفيت برأسها معترضة بإنزعاج: ولكنه من بدأ ب.
قاطعها رين بسخرية لاذعة واضعاً يده على خصره بإستفزاز: لا بأس أكملي ما أردتِ قوله، اسردي لي قائمة أفعالي الدنيئة لعلني أتذكر من فضلك! ما الذي ارتكبته ومن الصعب مسامحتي عليه يا ترى!أردف يتظاهر بالحيرة: هل قمت بحبسكِ في مخزن بعيد يا ترى؟
عضت على شفتيها بقهر وبدت على وشك الإنفجار حتى أغمضت عينيها الخضراء وجفنيها يرتجفان هامسة: أيها الأشقر الكريه، أنا حقاً سأجعلك تندم وتعي أهمية وجود عقلك الذي تحميه جمجمتك المتحجرة! كنتُ متعاطفة معك ولكنني لن أهتم بأي أمر يخصك فلتذهب إلى الجحيم.زفر كريس واحتد صوته يحدق إليها بإنزعاج: شارلوت هذا يكفي! ظننتكِ ستساعدينني.! ما الذي حدث لكِ بحق الإله!
تنهدتُ بلا حيلة وتكتفتُ أنتظر حفنة الحمقى لينهوا هذه المهزلة، ومع أنني اعتقدت أن تدخله سينهي الأمر ولكن تفاقم الوضع فهو ورين يتشاجران الآن. أنا قادرة على إنهاء هذا السخف ولكنني سأرى إلى أي مدى عقولهم متحجرة. ، على أي حال أنا مسرورة لإعتذار كريس. الموضوع لا يمسني بشكل مباشر، ولكنني مسرورة لأن يقدم على هذه المبادرة الجيدة. أعتقد أن ما خاضه من حوار مع شارلوت لم يكن يقتصر على بضعة جمل، أشعر بالفضول حيال ما تحدثت عنه معه، كما أستغرب حقاً أن يخبرها بما دفعه لفعل ذلك برين في السابق!
أظن هذا الخطل من هو واقع في الحب حقاً، إلى درجة البوح بأمور قديمة ظن أنه لن يفتح ابوابها مجدداً أبداً. كم هذا غريب.ولطيف.أخذت نفساً عميقاً جداً، ثم زفرته ببطء. وقفتُ بثبات في المنتصف أحيل بينهم وقلت متنهدة بلا حيلة أصفق بيدي: حسناً هنا ينتهي العرض السينمائي الفاشل، والحوار المبتذل، والشخصيات الحمقاء إضافة إلى الموضوع الشيق.
نظروا إلى بأعين مستنكرة منزعجة، ولا سيما رين الذي لوى شفته بغيض. ولكنه في الوقت آنه بدى ممتناً لتدخلي فهو بالكاد يلتقط أنفاسه في حرب المجادلة والإهانات معهما ولا سيما شارلوت التي تبدو مندفعة كثيراً!تكتفت أنظر إلى كريس بتمعن فاستنكر نظراتي ليسأل: ماذا! هل سأكون المُلام على كل شيء كالعادة؟!نفيت مبتسمة بهدوء: من قال هذا! أنا فقط معجبة بك إلى حد كبير، أشعر بالفخر حقاً لتجرؤك أخيراً.
أضفت أنظر إلى شارلوت بتوبيخ: أما أنتِ. فحسابكِ سيكون عسيراً!
ارتفع حاجبيها وكادت تسأل لولا أن أكملت بلا حيلة: أخشى أن أؤيد رين في قوله عنكِ هائمة واقعة في الحب، مشاعرك تجاه كريس لا يجب أن تطغى على موقفك تجاه الموضوع برمته، تبدين مندفعة وعصبية بشكل غريب، تحيزك له ليس بيدك. أعلم هذا جيداً، ولكن عليكِ أن تكوني واعية جيداً إلى أن هذا الموضوع قديم جداً يا شارلوت، وليس من السهل أن يتم حله بمجرد أن يعتذر كريس.
ارتخت ملامحها تحدق إلى باستيعاب، وشيئاً فشيئاً بدأت تفكر بعمق حتى أومأت برأسها بفهم على مضض!
أصدر رين زفرة ساخرة فقلت موجهة حديثي إليه: وأنت يا رين. لا يعني كون ما فعله بك أمراً كبيراً أن ترفض اعتذاره! أولاً هو ليس معتاداً على الاعتذار لك او لغيرك، كما أنك أكثر من يعلم. أنه لن يقدم على فعلة كهذه دون مبرر، قال بأنه أراد حمايتك ولكنه يرفض التعليل أكثر. ان كان قد اعتذر لك. وإن كانت رغبة ماكس قبل وفاته، فأرجوك فكر بالأمر ملياً لعلها تكون الفرصة الأخيرة وانت تطمسها! اتضح أنه أراد حمايتك من أمر ما. أو حتى من شخص ما، ولكنه لا يستطيع التوضيح أكثر! ان كان الأمر كبيراً إلى درجة عجزه عن البوح به فحاول ان تتقبل الواقع وحسب!
تسمرت عينيه الزرقاء على وجهي، ومع أنه بدى منزعجاً حقاً ولكن شفتيه قد تحركتا كما لو كان يرغب في قول الكثير! أن يعترض. أن يجادل ويصرخ ولكنه أطبق فمه بقوة للحظة قبل أن يهمس متسائلاً ينفي برأسه: تبعته وكُلي ثقة به، كنت أسير معه بثقة عمياء ولكنه غدر بي! مما أراد حمايتي؟! هل حقاً قولها صعب إلى هذه الدرجة؟!
أضاف يوجه حديثه إلى كريس معترضاً بإزدراء: ما الذي كنتَ تفكر فيه حينها، لا أظن التلميح أيضاً ممنوعاً؟!نظر كريس إليه مباشرة، أخفض عسليتيه إلى الأرض ينتقي الكلمات في عقله ثم رسم على ثغره ابتسامة مضمرة يجوبها إستخفاف: لم أكن أفكر. كان عقلي متعطلاً بشكل كُلي عن التفكير.بدت شارلوت ترغب في قول شيء ما ولكنها نظرت إليه بإستياء والتزمت الصمت، زم رين شفتيه مردداً: لم تكن تفكر؟
أومأ الآخر متنهداً وتمتم على مضض: كنت هلعاً ومذعوراً، أضف إلى ذلك كوني أحمقاً. لو كنتُ قادراً على التوضيح وإخبارك بأسبابي. لفعلت هذا بعد الحادثة مباشرةً، بعد أن عُثِر عليك، بعد أن فتحت عينيك فوراً. لكنت أخبرتك بكل شيء كما كنا نفعل. أنت لن تفهم ما يعنيه أن تضطر لحفظ بضعة أسرار وتكتمها لنفسك، بل تخشى أحياناً أن تفضحك نفسك وتخذلك فتدفنها في أعماق لا يمكن الوصول إليها، تتوغل إلى داخل روحك حتى تُطمس. بل وتبدأ في تصديق كذبة أوهمت فيها نفسك طوال الوقت.
غريب. غريب ما تحمله نظراته! الأغرب ما يقوله. ، ما الذي اضطر كريس لطمسه واخفاؤه إلى هذه الدرجة؟! يمكنني أن أفهم السبب الذي دفعه للبوح بالأمر لشارلوت، ولكن. هل هذا ما يجعل شارلوت مندفعة أيضاً؟ هل هذا ما يجعلها ترغب لو تجبر رين على قبول اعتذاره؟!عضضت على شفتي وقد بدأ شيء من التوتر يجتاحني، ومع ذلك تجاهلت الأمر وتمالكت رباطة جأشي وابتسمت مربتة على كتف كريس: أنظروا إلى من بات ناضجاً ويتحدث بالألغاز.
علق رين بجمود واضعا يديه في جيب بنطاله: أنت لم تبرر أي شيء، لم تكن تتفوه بالأسباب يوماً لأي شيء ترتكبه. أتحدث بشكل عام بغض النظر عن هذا الموضوع، كخيانتك وتقبيلك لفتاة كنت قد بدأت مواعدتها منذ فترة قصيرة فقط، والكثير.عبست معترضة وقد تدخلت فوراً: مهلاً!
أضفت أرمق كريس بنظرات متقطعة: الأمر لم يكن قراره وحده، كنتُ من حرضته على ذلك، اكتشفت أنها تتلاعب بك، كانت تحاول التقرب إلى هذا الأحمق دون معرفتك فاتفقنا على أن نوضح الأمور لك ولكن. حسناً بعدها ارتكب كريس هذه الحماقة وقبلّها أمامك عمداً ولكن ان عدت بذاكرتك جيداً وتذكرت ما حدث بالتفصيل الممل فستكتشف أنها من بادرت بذلك بنفسها.
أغمض رين عينيه وزم شفتيه قبل أن يتنهد مزمجراً: ليس هذا ما قاله، قال بأنني مجرد مغفل ولا أجيد الحفاظ على ممتلكاتي وليس خطؤه أنني فقدتها وفشلت في مواعدتها! ماذا؟ ستنكر الآن ما قلته؟
نفي كريس بفتور: بالطبع لن أنكر، ولكنك كنت غاضباً متحابقاً على وفقدت أعصابك ولكمتني بقوة، أنت حتى لم تسمع ما أردت قوله لك وابتعدت من تلقاء نفسك، كنتُ غاضباً لما فعلته فكان هذا ما أخبرتك به في اليوم الذي يليه ولي كامل الحق أن أغضب.امتعضت اضرب كتفه بإنزعاج: هل هذا ما قلته حقاً! أيها الوغد، وأنا التي ظننت رين قد جن جنونه وكان واقعا في حبها إلى حد العشق!
اعترضت شارلوت متدخلة: مهلاً ما كل هذا أنا لا أفهم شيئاً! ما هو الترتيب التسلسلي لكل هذا تحديداً؟!أجبتها بلا حيلة: رأيت الفتاة تتلاعب برين، فأخبرت كريس وكنت أخفي سعادتي بذلك، اتفقنا على ايضاح حقيقتها، فتصرف زوجك الأحمق من تلقاء نفسه، ثم اكتشف رين الخيانة المزيفة، غضب من كريس كما سمعتِ ولكمه فانزعج الآخر أيضاً واستفزه بالكلمات ليظهر نفسه كمجرم حقيقي.
لوت شفتيها ترمق كريس بإمتعاض: مشهد بطولي فاشل بِحق!قلّب عينيه بلا اكتراث فأضافت باستفزاز وخبث: بالطبع لن تقدم بنفسك على تقبيلها، فلقد كنت تفكر بي طيلة الأعوام السابقة، كم هذا مثير للضحك!اتسعت عيناي في حين بدى مدهوشاً كذلك لما قالته قبل أن يضرب جبينها بخفة فتأوهت تفرك المكان مخففة الألم ومتمتمة مستمرة في الممازحة: أعتذر لأسر عقلك وحرمانك من مواعدة أي فتاة تحوم حولك.
شهقت بدهشة وأشرت إليهما بعدم تصديق: يا له من تطور مذهل!أومأت برأسها بثقة وغمزت لي بإستخفاف فتنهدت بلا حيلة واتكأت على كتف كريس بحزن مشيرة إلى رين: الفترة التي كنت مختفياً فيها اكتشفت أنني لطالما أحببت هذا الأشقر الوسيم، ولكنه يا كريس لا يكف عن جرح مشاعري المرهفة، بل ويرفض الاعتراف لي!أعقبت أهمس في أذنه: لقد قبلني مرتين على حين غرة ويطالبني بنسيان الأمر.ابعدني عنه بإنزعاج: لم أطالبكِ بالتفاصيل.
احتدت عينا رين بشك يرمقني بتفحص قبل أن يزفر بفتور: على أي حال أنا مُغادر.استدار بالفعل فأسرعت استوقفه وكذلك شارلوت التي تساءلت بإهتمام وقلق تمسك بمعطفه بقوة: رين، هل هذا يعني أنكَ سامحته؟!
ظل واقفاً يدير ظهره نحونا، أبعد يدها بخشونة و لم يكلف نفسه عناء النظر إليها وقد تمتم ببرود: لا تقرري من تلقاء نفسك. كما لا تلمسيني وابقي بعيدة عني لمسافة لا تقل عن عشرة أمتار، أنا جاد. إن اضطررت يوماً لإيساع امرأة ضرباً فلا أستبعد أن تكون أنتِ.
تحرك بعصبية فتبعته بسرعة ولكنه سرعان ما توقف مجدداً وقال بحدة ينظر إليهما شزراً: وحتى ان سامحته فهذا ليس من شأنكِ، كما لن أفعل هذا لأجل معشوقك، قد أفكر في رغبة السيد ماكس الأخيرة. لأجله وحسب وليس لشخص آخر.شارلوت:.
يفكر في رغبة السيد ماكس! ألا يعني هذا أنه سيفكر بالأمر أصلاً ويقبل اعتذاره؟ هذا الخطل الذي يظهر عكس ما يخفيه. لماذا لا يكون واضحاً وحسب! ولكن. بغض النظر عن كل شيء، فهذا يبشر بالخير حقاً، أشعر أنه يوجد فرصة لتعديل الوضع بينهما وإعادة المياه إلى مجاريها.
قد تكون جينيفر محقة، أنا حقاً مندفعة كثيراً! ربما يعود هذا إلى سعادتي أولاً وإلى رغبتي في رؤيتهما يسيران في اتجاه معاكس لرغبات فيكتوريا التي لا زلت أشعر حقاً برغبة في خوض معركة معها، ولكنني أدرك أنه ليس لي أي دخل في هذا الموضوع وعلى أن ألزم حدودي. بصراحة. كلما أردت المساعدة في شيء فأنا أزيد الوضع سوءاً دون قصد.
نظرت إلى رين الذي تتبعه جينيفر وقد ابتعدا ليسيران بإتجاه المخرج، تنهدت بعمق ولم أكد التفت نحوه حتى ضرب رأسي بخفة فزمجرت بإنزعاج: كَفى يا كريس لا زال جبيني يؤلمني!ولكنه بعثر شعري بقوة: ما الذي كنتِ تحاولين فعله قبل قليل؟مساعدتك بالطبع!أشك في هذا.قالها بإستخفاف فزفرت بلا حيلة أبعد يده مقتضبة: يا الهي. لم أقصد حقاً أنا أتجادل معه ولكنه من استفزني بردوده!
أضفت أومئ بفهم: ولكن جينيفر محقة. ليس من السهل أن ينتهي كل شيء في ليلة وضحاها وكأن شيئاً لم يكن. كما أنها معجزة حقاً. لم أتوقع أن تعتذر دون مقدمات، لقد فاجأتني كثيراً.طرف ببطء ينظر بعيداً ثم عاود يوحوح في يده، ومع ذلك لم يعلق. ابتسمت بهدوء وجلست على المقعد الخشبي بصمت.
حتى وإن لم يقبل رين اعتذاره، فربما جينيفر قادرة بالفعل على تولي أمرهما، من المستحيل أن يخبره بأسبابه التي دفعته لفعل ذلك به. ليس وكأنه سيقول أمام أي شخص أن والدته كانت مجرد امرأة خائنة كإضافة جديدة إلى كونها مخبولة. هذا صعب حقاً. لا أعتقد أنه يوجد من لا يواجه صعوبة في البوح بأمر كهذا! لا أستبعد أن يشعر بعدم الإرتياح لإخباري بهذا حتى. ولكن لا بأس لقد وعدته ألا أفتح هذا الموضوع أو أتوغل فيه. وعدته أنني سأنساه وإن كان هذا مستحيلاً طبعاً.
سأحرص على ألا أتفوه بأي حرف بشأن هذا الأمر حتى لا ينزعج، يكفي أنه قال الكثير ولم أكن أتوقع نصف جملة تخص ما يدفنه في أعماق نفسه. والآن والأهم. الجميع في المنزل، أمي وأبي لا يعلمان لماذا هما هنا، كما أن تيا تشعر بالفضول والقلق بلا شك، حتى كلوديا التي أراهن على أنها ضاقت ذرعاً من المفاجئات السيئة التعيسة. على أن أعيد البسمة إلى وجوههم.
رفعت رأسي أنظر إليه لأفتح فمي وأخبره بضرورة أن نذهب إلى المنزل ليقابلهم ولكنني لم أجده أمامي، انتفضت مجفلة ليده التي جذبت رأسي لتستقر على كتفه وقد أحاطني بيده وجلس بجانبي دون أن أنتبه! همست بإسمه باستغراب وتوتر، ليتمتم: أشعر بالبرد.إن كان من يشعر بالبرد فلماذا أكون من تحصل على التدفئة هنا؟!ثم ما هذه النبرة؟ رفعت رأسي نحوه قليلاً ولكنه دفع رأسي بيده ليعيدها مكانها على كتفه: ما الخطوة التالية؟خطوة؟
يفترض أن لديك قائمة ما ينبغي فعله لتعود الأوضاع إلى طبيعتها.ضحكت بخفوت: أنا؟! حسناً لنرى. التقيت بجيمي، اعتذرت لرين، وها قد حان وقت لقاء الجميع في المنزل. نسيت أن أخبرك أن الجميع هناك بلا استثناء. حتى أمي وأبي.أبعدني عنه يعقد حاجبيه بإستنكار: متى!طلبت من سام أن يحظرهما عندما كانت الجدة هيذر تذيقك طعم أفعالك. المهم أنهم يتسائلون بلا شك عن سبب وجودهم هناك. سام الوحيد من يعلم بالأمر!
لا يمكنني العودة الآن.لماذا!جيمي. لن أتركه وقد عدت للتو فقط!اعتدلت في جلستي بحيرة مفكرة بالأمر: ماذا عن لقائهم ثم العودة إلى جيمي؟ أخبره بأنك تنوي الذهاب إلى المنزل للقاء الجميع وأيضاً لجلب القليل من الأمتعة، ألن تبيت معه؟أومأ بهدوء: نعم.أنا أيضاً على أن أخبره بأمر عودتي إلى منزلي لأجل الاختبارات. لنصعد إذاً، سأباشر في الدراسة غداً صباحاً لذا سأحاول قدر الإمكان أن أعود مبكرة اليوم.
لنصعد، لا زلت بحاجة إلى الحديث مع الطبيب، سأحاول ألا أطيل معه.أومأت مؤيدة وأسرعت أقف ولكنني تفاجأت به يمسك بيدي ويجبرني على الجلوس مجدداً!عقدت حاجباي باستغراب وهمست بإسمه بترقب، نظر إلى بهدوء ثم طرف ببطء ينظر إلى الأمام وبين حاجبيه تقطيبة صغيرة تنم عن التفكير العميق.ما خطبه؟!
نظرت بدوري إلى الأمام أنا أيضاً، أنظر إلى الحديقة التي باتت خالية عدى من أحد الأشخاص على بعد مسافة، يقف بجانب إحدى الأشجار ويجري مكالمة ويبدو منهمكاً فيها، كما أن مدخل المشفى لم يعد مكتظاً نظراً لإنتهاء وقت الزيارات الرسمية. نظرت إلى الساعة في هاتفي ووجدتها تشير إلى العاشرة. أعدته إلى جيبي ثم تساءلت بإهتمام: ما الأمر يا كريس؟نفي برأسه وضيّق عسليتيه ولا يزال ينظر إلى الأمام: أريد فقط فهم أمر واحد.
أرجو أنني أستطيع إجابتك.تستطيعين. أنتِ خصيصاً قادرة على الإجابة على تساؤلاتي.ابتسمت بإحراج وأخفضت رأسي أسند كلتا يداي على المقعد بجانبي وأحرك قدماي بتوتر، ليكمل بعدم فهم وبصوت منخفض: لست أفهم. هل حقاً مجرد التفوه بكلمة واحدة للإعتذار سيعود بالنفع؟!
أضاف نافياً وفي عينيه نظرة عميقة: لم أعتد على الإعتذار لأيِ يكن. ولكنني لست أفهم حقاً، لماذا أشعر بثقل في لساني عند الرغبة في الإعتذار. أو حتى في قول كلمات لطيفة؟ عندما اعتذرت للسيدة هيذر انتابني شعور وقوع شيء من على عاتقي! أشبه بالتأنيب والمسؤولية. وعندما اعتذرت لجيمي شعرت باسترداد شيء فقدته! وحين اعتذرت للتو لا أدري كيف شعرت بالعكس تماماً. كما لو انتابني يأس أو. شعور مزعج!
أعقب هامساً: أشعر بالضيق. ولا أدري لماذا.!
أنهى كلماته ونظر إلى بترقب، بضياع وبدى تائه وهو يحدق إلى بإهتمام وكأنه واثق جداً أنني سأجيبه ببساطة على سؤال كهذا! ي. يا الهي. أشعر أنني تحت ضغط غريب. أتحمل مسؤولية لم أكن يوماً مؤهلة لتحملها، كيف يكون متأكداً من كوني قادرة على الإجابة على كل ما يتساءل عنه! الهذه الدرجة يرى بي كتاب يقلب صفحاته بحثاً عن تساؤلاته في الحياة؟ هل هذه نظرته العميقة حقاً وهل كان دائماً يرى بي بئراً تخفي ما يبحث عنه. منذ الطفولة؟، هذا ما كنت أتساءل به في نفسي قبل أن أشعر بيده الباردة على يدي.
ابتسمتُ بهدوء ولطف وقد تصاعدت الدماء نحو وجنتاي لتتوردا، نظرت إلى الأمام وقلت احافظ على ابتسامتي: كريس. أتذكر ما قلته عندما كنت غاضباً بسبب جدال نشب بينك وبين السيدة أولين؟ هل تذكر انفعالك على وصراخك لتصيح بتلك الكلمات. أخبرتني أنه يوجد جريمة يدفع ثمنها الشخص الذي لم يرتكبها. الخيانة! بطريقة ما، أجد الأمر منطقي تماماً. وفي المقابل أعتقد أنه يمكننا أن نربط الاعتذار بمثل هذه الحالة أيضاً، رفض الاعتذار جريمة أبشع. يدفع ثمنها الطرفين! الشخص الذي أخطأ ويرفض الاعتذار لا يدري أن كيانه سيبقى مهزوزاً وإن كان يعتقد أن الترفع عن التأسف سيحفظ كبرياؤه، والطرف الآخر سيبقى جريحاً عاجز عن إيقاف نزيفه الذي من السهل إيقافه فوراً لمجرد الاعتذار. الاعتذار برأيي. كلمة قيّمة ولكنها قد تكون معقدة بعض الشيء. من يصدق أننا قد نواجه صعوبة بالغة لمجرد التفوه بكلمة كهذه، بل من يصدق أنها كلمة قادرة على انهاء سوء فهم، خلافات، بل حروب! إنها تماماً كالماء الذي يُسكب على اللهب الساخط. ، دعنا نفكر بالأمر سوياً. اعتذارك لهيذر تقول بأنه أوقع شيئاً من على عاتقك. اليس كذلك؟
أومأ بإندماج وهو ينصت بإهتمام بالغ، فاسترسلت مستمرة في النظر إلى الأمام: كنت على وشك التحول إلى كائن لا يعرف شيئاً عن العائلة، الحب، الأبوة. لا يعرف سبب وجوده أو ما يريده، ارتكبت أخطاء كثيرة. اقترن زمانها بوجودك بجانب منزل هيذر، لمجرد الاعتذار عما فعلته في حقها. شعرت للحظة أن ذلك الكائن قد تبخر تماماً. شعرت أن القلق الذي ينتابنك وخوفك من عودته قد طُمس تماماً! بأنك قادر على أن تمضي قدماً لمجرد الاعتذار لها. والأهم هو عفوها عنك! كل هذا أسقط من على عاتقك ما كنت تخشاه.
ابتسمت متنهدة وأكملت بلطف: أما عن اعتذارك لجيمي الذي جعلك تشعر أنك استرجعت شيء فقدته. فربما ينحصر في مخاوفك يا كريس. أقصد. كنت تفكر طوال الطريق إلى هنا باحتمالات كثيرة، كنت تخشى أن تعود إلى جيمي وتكتشف أنك تأخرت كثيراً ولم يعد اعادة الأمور إلى المجرى الطبيعي ممكناً، كنت خائف من فقده كما فقدت الكثير. ولكن اعتذارك إليه وإن كان طفل لم يبلغ السادسة بعد. جعلك تشعر أنك انتزعته مجدداً وأعدته إليك. جعلك تشعر أنك قادر على أن تضمه إليك وتحكم كلتا قبضتيك عليه بقوة. بأبوة. كما كنت ترغب دائماً.
أعقبت أعبس بلا حيلة: أما رين. فالأمر واضح جداً. أنت لم تشعر بالراحة التامة بعد اعتذارك له، شعورك باليأس دليل على أن في أعماقك قناعة تامة. أن الموضوع لن يُحل لمجرد أن تعتذر له، وليس من السهل أن يعود كل شيء كما كان بينكما، في داخلك قناعة وثقة. أن العلاقة بينكما ستأخذ وقتاً طويلاً لتعود إلى ما كانت عليه. وهذا ما جعل شيء من اليأس يتسلل إليك مفكراً بالمستقبل.
أنهيت كلماتي وفكرت بعمق بكل حرف تفوهت به، هذا غريب حقاً. لساني يتحرك من تلقاء نفسه دون أي تفكير مسبق.
وجدت نفسي أردف بشرود: الكثير منا يظن أن الاعتذار ينقص من قيمتنا، نعتقد أنه محرج. مهين. يهوي بنا إلى القاع. يقلل من شأننا. أنا حقاً لا أدري لماذا المرء يستمر في التفكير بهذه الطريقة ويتجاهل حقيقة كون الاعتراف بالخطأ مفتاح نادر لباب الرقي وعلو الشأن. أنا أيضاً أكره أحياناً الاعتراف بأخطائي. أعتقد أن هذا ما يعنيه أن نكون ضعفاء. نشعر بالخجل من اعترافنا بالزلل، نشعر بالإهانة لمجرد أن نظهر مخطئين، نشعر بالقهر لمجرد ان يشعر الطرف الآخر بنخوة الانتصار علينا.
زميت شفتي وأكملت مفكرة بعمق: هل هذا كبرياء حقاً؟ هل رفض الاعتذار كبرياء! ثم ما فائدة الاعتذار لو كان سطحياً. بارداً. جافاً وعقيماً؟! أظن الموضوع أعمق بكثير يا كريس. أقصد، بطبيعة الحال نحن لن نقبل بكلمة آسف لمجرد أنها قيلت لنا مباشرة دون أي اكتراث بالنبرة. بالأسلوب. وبالظروف! ماذا لو كان الاعتذار متأخراً جداً، تماماً كمن أحضر هدية لزواج زميله بعد مرور خمسة أعوام! أو كمن قدم لضيفه قهوة باردة!؟ وماذا لو كان لا يكفي. الن ينتقص هذا من قدره!
أوقفت تساؤلاتي عندما سمعت ضحكة خافتة ساخرة فلتت من بين شفتيه فأسرعت أنظر إليه باستغراب.ما خطبك!لا أدري.أعقب نافياً: أنتِ تدخلين متاهات لا نهاية لها.أومأت مؤيدة: معك حق. سأتوقف عن التفكير بهذا الشأن، ولكن لنتفق على أن الاعتذار ضروري لإعادة الحق إلى من نؤذيه.
أخذ نفساً عميقاً ورفع رأسه ينظر إلى السماء للحظة قبل أن يتمتم: حسناً. ويحدث أن يكون بعض الأشخاص ككتاب دروس تستحق التأمل والفهم لتجنب الاختبارات المفاجئة.فهمت ما يرمي إليه فابتسمت بخجل أخفيته وأنا أوكزه بخفة: لنصعد يا زوربا. لربما تتحول إلى شخص يشبهه من يدري.وقفت أحثه على أن نسرع ولكنني تفاجأت مجدداً بيده التي تجبرني على الجلوس بجانبه فتنهدت بلا حيلة وقد كنت مستعدة لأعترض. ولكنني.!
سافرت بلا إرادة مني إلى عالم آخر. كريس الوحيد القادر على إرسالي إليه دون أي تذاكر. دون أن تعب أو جهد! السفر إلى أرض خالية. عالم يسعني وحدي! أمتلكه وأشعر أنه خُلق لي. لكم افتقدته! كم اشتقت إليه! كنتُ لا شيء. وبِتُ أملك كل شيء. ، أغمضت عيناي ببطء أبادله القبلة العميقة. والرجفة تسري في جسدي طوعاً ليده الباردة التي استقرت على عنقي وتصعد إلى شعري ليمرر أنامله بنعومة وخفة، رفعت يدي أسندها على صدره أمسك بمعطفه بقبضة مرتجفة.
فصل القبلة ببطء وابتعد لمسافة قصيرة وأنامله لا تزال تداعب شعري، فتحت عيناي بلا حيلة أنظر إليه بوهن، ليهمس بعين ناصلة: شارلوت.همهمت ومقلتاي تائهتان في عسليتيه الآسرة ليكمل: أنتِ سيئة جداً في التقبيل.ارتخت ملامحي التي سلك الإنزعاج مجراه نحوها، بدى يعلم انني سأنفجر معترضة مغتاظة فابتسم بخفة ثم همس محدقاً إلى ثغري: دليل ملكيتي الخاصة. منذ الطفولة.
اتسعت عيناي بدهشة وقد اندفعت الدماء في سائر جسدي وتزاحمت على وجنتاي! اللعنة. ما خطب هذه الكلمات الجريئة فجأة! عليه مراعاة مشاعري قليلاً. صحيح بأن هذا يسعدني ولكن. أنا فاشلة في إبداء ردود أفعال مناسبة!أبعدت يدي المرتجفة عنه لأعيد شعري خلف أذني لعل هذه الحركة تسيطر على ارتباكي، ليقول بنبرته الهادئة وصوته الهامس: لدي سر صغير.
طرفت بسرعة ونظرت إليه مباشرة، بدى وكأنه رأى علامة الاستفهام المعتادة على وجهي وقد عاود يرسم ابتسامة جانبية: ألم تتساءلي يوماً. عن سبب فشلك الذريع في الحصول على صديق حميم؟هاه!م. ما هذا الآن؟! هل يعايرني بحق الإله؟!
لمع البريق المستمتع في عينيه وقد وضح من تلقاء نفسه: لستُ متفرغاً للمراوغة وسأقولها مباشرة، الأشخاص المعدودين اللذين كنتِ على وشك مواعدتهم أو حتى التفكير بمواعدتهم تغيرت نظرتكِ لهم وبتِ مجرد فتاة مكروهة بالنسبة لهم.عقدت حاجباي بعدم استيعاب وفكرت عشرات المرات بكلماته ولم أفهم!تغيرت نظرتهم لي؟! لماذا!
نفيت وابتدرته ليوضح أكثر: لم تصلني رسالتك يا كريس لذا وضح ما تحاول قوله! نعم كان هناك نوايا في مرات معدودة لأواعد أشخاص في المراحل الدراسية والعام الأول والثاني في الجامعة ولكنني لم أفلح. الا يعود هذا لسوء حظي وحسب؟!رفع حاجبه الأيسر لمهية قبل أن يزفر كمن لو كان يكتم ضحكة متمردة: كنتُ واعياً تماماً لخطواتك أيتها اللعوبة، في كل مرة تفكرين فيها بالمواعدة كنت أقف بالمرصاد لتمردك. هذا كل شيء!
شهقت بذهول وقد غزت المعاني رأسي أخيراً وصرخت بعدم تصديق: بربك لا تقل أنك السبب في هذا! هل تقصد. أنهم غيروا من نظرتهم لي بسببك! ما الذي أقدمت على فعله! ما الذي ارتكبته أيضاً؟!رفع كتفيه بلا حيلة: لجأت إلى تشويه صورتك وحسب.
أنت حقاً. غير معقول! ثم لحظة واحدة. أتذكر جيداً أننا خضنا حوار مماثل في منزلك على الشاطئ في بداية زواجنا وقلت بكل ثقة أنني لم أحصل على صديق حميم أبداً! هل هذا ما كنت تعنيه، اللعنة أنت مخيف ولا يمكنني الوثوق بك! أ. أقصد. تدخلت كثيراً في مجرى سير حياتي ألا تظن هذا كثير جداً.غمز بعينه اليمنى بإستخفاف هادئ: كنتُ أحرص على أن تركزي على دراستك.سبب مبتذل سخيف! مخادع!
يا الهي لن أنسى أبداً. كان مستفزاً جداً وهو يلعب بأعصابي في منزله على الشاطئ!عادت لمحة في رأسي من مشهده المستفز وهو يبتسم بثقة وقد كنت كالحمقاء المغفلة لا أعي ما بين سطور كلماته متحدثاً عن قبلتي الاولى!ممن كانت؟ أعلم جيدا بأنك لم تحظي بصديق حميم طوال حياتك. ليس وكأنه يوجد من يود مواعدتك يا شارلوت.
انتابني سخط وانا اعتدل في جلستي معترضة بشدة: ما الذي تقصده! وما الذي ينقصني! ليكن في علمك أراد الكثيرون مواعدتي ولكن الأمور لم تكن تسير بشكل طبيعي وحسب.هذا يعني أنها كانت قبلة عابرة.صرخت بحزم: أنا لست فتاة رخيصة! انتبه جيدا لما تقوله.لا أصدق. كم كان ممثل بارع!
ضربت كتفه بإنزعاج وابتسمت رغماً عني نافية: أنت مجنون. عليك أن تعلم أنك السبب في هز ثقتي بنفسي فلطالما اعتقدت ان الخلل بي ولا أحد يريد التقرب إلي. ظننت أنني سأعيش وحيدة إلى الأبد! وعندما حصلت على قبلتي الأولى تمسكت بفارس أحلام وهمي واتضح أنه الشخص نفسه الذي يمسك بزمام الأمور كما يحلو له. يا الهي أشعر بأنني سأفقد عقلي.رفع يده ليدفع رأسي مبتسماً بإستفزاز: كوني شاكرة أنني فارس احلامك الغامض.
عاودت أضرب كتفه معترضة بضحكة فشلت في كبحها: سحقاً يا كريس دعني أشجعك على تقديم أداء مسرحي ليروا قدراتكم في التمثيل. أرى الآن من أين اكتسب جيمي القدرة على تقليدي وتقمص أدوار الشخصيات التي أذكرها في قصص ما قبل النوم.ما ان ذكرت اسمه حتى طرف باستيعاب وقال فوراً: لنسرع إليه. كما لا زال على التحدث إلى الطبيب أيضاً وأرى ما سيقوله بشأن عمليته.ستيف:.
عقدت حاجباي باستنكار شديد وعيناي ترتكز على شاشة التلفاز وقلت بإنهماك: هكذا إذاً. أنت تلجأ إلى حماية نفسك عند الوصول إلى هذه المرحلة، بالمناسبة فريقك ليس بهذه القوة حقاً.ابتسم من تفوق على في الحيّل والغش والمراوغة وقال بفخر: متى ستفهم أن لكل لاعب طريقته الخاصة في الفوز على أعدائه؟!سحقاً لك أنت لم ترحمني حتى عندما كنت في فريقك.
علق إيثان المستلقي على سريري بتبرم وهو يحدق إلى الشاشة: ألم أخبرك؟ كان يلجأ إلى زيادة عدد نقاطه مستغلاً أعضاء الفريق، والآن أنظر إليه حتى وهو في فريق منافس لا يكف عن التصرف بخبث وقذارة.تنهد سام متظاهراً باليأس: الغيرة.لويت شفتي بإنزعاج ولكنني تمالكت نفسي بصعوبة، لم أتوقع حقاً أن مستواه أفضل مني! وأنا من كنت أفخر دائماً أنني حصلت على المركز السابع عالمياً. هذا الوغد بلغ المركز الخامس.
تحرك إيثان مغتاظاً وابتعد عن السرير ليجلس بجانبي ويهمس بتحذير: ظهره مكشوف. فلتقضي عليه بسرعة.أومأت هامساً بحقد: أعلم. ولكن زميله يحميه، أنظر هناك.بدى منزعجاً كثيراً وقد بعثر شعره ونظر إلى برجاء كما لو كنت الأمل الوحيد في التخلص من سام الذي لم يمت حتى الآن ولو لمرة واحدة في جميع المراحل!
لا أدري حقاً كيف انتهى الأمر بنا نحن الثلاثة في غرفتي! لقد صعدنا بعد ان طلبت من الخادمة أن تعلمني فوراً بوصول شارلوت التي كنا ننتظرها في غرفة المعيشة، ولكن السيدة ستيفاني والسيد مارك يجلسان هناك برفقة أمي التي بدأت تنخرط معهم في الأحاديث قبل فترة قصيرة، يسعدني حقاً أنها باتت متزنة أكثر وقادرة على تخطي كل ما حدث. أظن السيدة ستيفاني ستكون صديقة مناسبة ولطيفة دائمة فبمجرد وصولها إلى هنا انقلبت أمي مئة وثمانين درجة!
كما أكره الاعتراف بهذا ولكن. هذا الخطل سام وشقيقه إيثان. بطريقة ما أشعر أنني لا أريد منهما العودة إلى منزلهم! لا يمكن أنني مثير للشفقة إلى هذه الدرجة البائسة!ضربني إيثان بغيظ على ظهري وكذلك صرختُ من تلقاء نفسي بغضب لخسارتي المفاجئة بسبب الغوص في عمق افكاري! وها هو ذو الشعر الأسود يضحك كملك مختل.تنهدت والقيت بذراع اللعبة بسخط: لن أكمل اللعب معه.
اخذ إيثان الذراع والقى على سام نظرة بطرف عينه: هيه أنت. اجعلني أفوز وإلا أخبرت أمي أنكَ تريد مواعدة فتاة سوابق.اتسعت عيناي بدهشة في حين رفع سام كتفيه بلا اكتراث: من يهتم بالسوابق التي ارتكبتها في الماضي إن كانت خارقة الجمال! لكل شخص فرصة في التغير لا تقلق.هل هذا ما ستقوله حقاً إن علمت أمي؟ماذا الآن؟ ستلجأ إلى ابتزازي لتفوز فقط!
أردف بسخرية وهو يحتضن الوسادة في حجره ويبدأ اللعب معه: على أي حال أنا لا أواعدها وإنما أشبع عيناي فقط.اشمئزت ملامحي وتمتمت على مضض: أنت مقرف.لعق شفتيه بخبث وقال بكلمات بطيئة وعينيه الداكنة تحدق إلى الشاشة بثقة: لقد ازداد عدد أعضاء فريقي. لنرى ما بجعبتك يا شقيقي المدلل.
نظرت إلى الوراء لأرى من طرق الباب ثم دخل، لم تكن سوى تيا التي أطلت برأسها باستغراب، نظر إيثان نحوها بنظرة خاطفة ثم عاود ينهمك في اللعب.تقدمت بدورها وأغلقت الباب خلفها لتقترب وتجلس على سريري: سام. ألن تخبرنا لماذا نحن هنا؟لم يخبرني وقد كنت أسأله بلا توقف، وكأنه سيخبرها.
وكما توقعت نفي برأسه ولم يكلف نفسه عناء اجابتها، أنا حقاً لا أفهم. لماذا يرفض اخبارنا سبب جمعنا هنا! عاودت تيا تردد سؤالها بضجر وإنزعاج فقال بإستخفاف: لا تحاولي معاونة زوجك ليفوز علي، لن تفلح خطتك. أعلم أنكِ تحاولين تشتيت انتباهي.زفرتْ متكتفة: من يفكر بهذا السُخف أصلاً!علقتُ بهمس أستلقي على بطني وأتابع لعبهما: لم يصبح زوجها بعد.
أتى سؤال تيا التي استلقت هي الأخرى على سريري: ستيف. لماذا تأخرت شارلوت؟!تنهدت بلا حيلة وأخفضت رأسي أنظر إلى هاتفي: لا أدري حقاً. قالت أنها ستكون هنا في غضون ساعة تقريباً. ليس في وسعنا فعل شيء سوى الانتظار، وأيضاً ان نرى ما يريده هذا الأحمق منا في جمعنا هنا.أعقبت أكتم ضحكتي: ربما قرر أن يبني عائلة محبة يحصل منها على الأمان والحب وأراد اخبارنا جميعنا أن نتوقف عن التنمر عليه.
علق بابتسامة جانبية: هل تتحدث عن رغباتك؟رفعت حاجبي الأيسر بحزم في حين زفر إيثان يقلب عينيه الخضراء بعدم تصديق واقتضاب: اللعنة يا سام أنا حقاً لا أفهم ما الخدعة التي تلجأ إليها! أتقسم أن حسابك نظيف ولم تقم في أي إضافة تزيد من قوتك أو نقاطك دون عناء؟!أومأت بشك: لا أستبعد هذا.ولكنه نفي برأسه مبتسماً بلا حيلة: الغيرة مجدداً.
طُرق الباب ولم تكن سوى الخادمة التي قالت: سيد ستيف. الآنسة شارلوت قد وصلت. وأيضاً.بدت الخادمة تبتسم بسرور ولطف حتى اتسعت ابتسامتها وأكملت: طلبت منكم أن تتواجدوا في الأسفل. الجميع بلا استثناء!ارتفع حاجباي وكذلك إيثان الذي أوقف اللعبة بحيرة: الجميع؟وقف سام فجأة وأشار برأسه لنا: لننزل.ما خطبه!في النهاية وقفنا وتبعناه، مررت بجانب الخادمة التي كانت لا تزال تبتسم فهمست لها باستغراب: ما الأمر؟
نفيت برأسها وأسرعت تكمل طريقها نحو الجناح الآخر فخمنت أنها ستذهب إلى ابي الذي يعمل في مكتب كريس ويحاول بكل جهده إنهاء الأعمال المتراكمة. لا أستبعد ان تطلب منه النزول أيضاً. على أي حال شارلوت هنا، أتمنى أن أجد اجابات لأسئلتي.
نزلنا وقد كان سام أمامي وأمامه إيثان وتيا التي شبكت أناملها بأنامل زوج المستقبل، دفعت سام بيدي دون سبب محدد ربما لازعاجه وحسب فدفع إيثان بلا قصد. ولن أخبركم طبعاً عن الشجار الذي نشب بينهما منذ بداية الدرج وحتى وصولنا إلى غرفة المعيشة.تنهدت تيا تستوقفهما بلا حيلة: هذا يكفي. إيثان أخبرك أنه لم يقصد دفعك!جادلها يرمق سام بغيض: كان على وشك قتلي!
نظر سام إلى بحقد فابتسمت بلا اكتراث وتقدمتهم لأدخل قبلهم، رأيت شارلوت تقف على بعد مسافة كافية من الباب أمامي مباشرة وتنظر حيث والديها وأمي.لحظة. من الذي يجتمعون حوله!
السيدة ستيفاني ظهرها مواجه لي وتبدو منفعلة قليلاً وهي تحيي شخص ما! وكذلك زوجها الذي كان وجهه مقابلاً لنا ويبدو غير مصدقاً. سعيداً. مستغرباً! ل. لحظة. أنا. لست بحاجة لأتقدم أكثر وأكتشف من يقفون حوله! أرى شعر بلون العسل وقامة طويلة. إ. إنه يقف في المنتصف! أنا. لست محموم ولست ذو خيال خصب. ما خطبي إذاً؟
هل بدأت أفقد عقلي وأراه في كل مكان الآن رغبة مني أن أكون ذو نفع وأعيده؟ هل المسؤولية على عاتقي لاكتشافي مكانه بدأت تؤرقني؟! لا يمكن. ولكنني في جميع الأحوال سأذهب للقائه مجدداً فلماذا بدأ عقلي يهذي بالخيالات الغير معقولة؟! لا زال الحوار معه قائماً وسيكون لي رغبة في إعادته إلى رشده ليتعقل ويترك الهراء الذي.كريس؟!
همست تيا بإسمه بذهول وهي تقف بجاني، نظرت إليها أعقد حاجباي باستنكار، لأرى عينيها التركوازيتين تحدقان إلى من ينتصفهم! ظلت مذهولة ومقلتيها متسعتان على أقصاهما. انتفضت في مكاني لرؤيتها تطلق العنان لقدميها لتركض بإتجاهه وترمي بنفسها عليه لتعانقه بقوة! ما الذي. يحدث هنا بحق خالق الكون؟!مهلاً. مهلاً!
شعرت بيد على كتفي فأجفلت ولا أدري لماذا. لم تكن سوى شارلوت التي تبتسم بلطف وتحدق إلى بعين هادئة. وتميل برأسها بإيماءة إيجاب كما لو رأت التساؤل على وجهي!هذا ما كنت ترجو إخفاؤه عن الجميع.؟ لا بأس يا ستيف لقد عاد أخيراً. أظنني استطعت انتزاعه من الجنون الذي كاد يسيطر عليه.قالتها وعاودت تربت على كتفي ثم نظرتْ إلى الأمام تجاهه!
أتى صوت من خلفي وقد تنهد صاحبه بفتور: توقف عن إظهار هذا التعبير المقرف! طلبت مني شارلوت تجميعكم هنا لنختصر الأمر برمته. لذا ارحمنا قليلاً من هذا الوجه المريع بربك.نفيت برأسي بعدم تصديق وعقدت حاجباي أنظر إليه بضياع: ما الذي تقوله! متى أخبرتها بعنوانه؟ متى حدث كل هذا!
نفي برأسه واضعا يديه في جيب بنطاله: بالطبع لم أفعل أيها الأحمق. لا أدري كيف اكتشفت الأمر ولكنها اتصلت بي وأخبرتني بأنه برفقتها وكل شيء على ما يرام، لذا ربما السؤال موجه إليك. هل تصرفت بحماقة وأفشيت عن مكانه!تدخلت شارلوت مبتسمة بسخرية: أظن بأن الوقت قد حان لنوقف هذه المخاوف طالما الوضع طبيعي الآن، لو لا السيدة هيذر لما علمت بأنكما تخفيان الأمر عني.
لوى سام شفته وقلّب عينيه متمتماً: أياً يكن. ثم لا تقحموني في هذه الأجواء اللطيفة الوردية.أعقب يرمق كريس بإنزعاج: قد ألكمه حقاً لو تقلصت المسافة ووقف أمامي.شارلوت كانت مع كريس؟! كانت هناك وتعلم بالعنوان مسبقاً؟! كيف انقلبت الأمور هكذا؟!طرفت بعدم فهم: من أين لكِ بعنوانه؟!أجابتني ببساطة: جينيفر.
ضربت جبيني بعدم تصديق ثم أرحت يدي بجانبي أنظر إلى تيا التي انفجرت باكية وعلا صوت بكائها وهي ترفض الابتعاد عنه.
يا الهي. أنا. تحت تأثير الصدمة حقاً! ظننت بأنه على العودة واقناعه والتحدث معه مجدداً ولكنه يظهر فجأة برفقة شارلوت! كيف آلت الأمور إلى هذا الطريق! كما ليس وكأنني سعيد ولكن أعتقد أن دهشتي قد طغت على ما ينتابني من سرور. كم هذا مفاجئ! ثم هل هذا يعني أنها أدركت ما قد انغمس فيه وأمضى به وقته؟ هل تدرك كل شيء؟! كيف تصرفت معه إذاً؟! كيف عاد إلى رشده؟! لماذا أنا عاجز عن الاستيعاب بسرعة!
ستيف. سام، أعلم أنكما أخفيتما الأمر قلقاً علي، شكراً جزيلاً للتفكير بمشاعري.قالتها مبتسمة بإحراج وأطرقت برأسها لتردف هامسة: سام أنت الأفضل حقاً.فغر الأخر فيّه بذهول وأشار إلى نفسه بعدم تصديق: أنا؟أومأت ونظرت إلى بإمتنان: ستيف أنت أيضاً أفضل شقيق قد يحظى المرء به، أنا حقاً ممتنة ومسرورة لكلاكما. كنت منزعجة من اخفاء الامر عني ولكنني فكرت بتريث وادركت أنكما خشيتما على وحسب.
بدى سام بالكاد يصدق أذنه وقد ضيق عينيه: هل أنا. على قيد الحياة؟تنهدت بلا حيلة ورمقته منزعجاً لأضرب كتفه بقوة: وكأنها ستقول لك هذا بعد مماتك، أفق يا رجل!أومأ بسرعة والدهشة متربعة على وجهه، ضحكت شارلوت بخفوت ثم أشارت نحو كريس: ما الذي تنتظره يا ستيف؟
ولكننا أجفلنا لعلو بكاء تيا أكثر وقد قالت بصوت مبحوح: تقول بأنك لن تختفي مجدداً ولكنك تكذب يا كريس! لا فكرة لديك كم كنت قلقة عليك! لا تدرك كم كان الوقت بطيئاً دونك! متى ستفهم بحق الإله أنك عائلتي. متى ستعي أنك تتركني خلفك في كل مرة؟! لماذا تستمر في فعل هذا بي؟!رفع يده يربت على رأسها وقد ارتخت ملامحه بهدوء ولطف قبل أن يطأطأ رأسه لهنية ثم يتنهد: لن أفعلها مجدداً.
ولكنها نفيت برأسها تبكي وتدفن وجهها في صدره وظلت تتمسك به لتقول السيدة ستيفاني مهدئة بلطف وممازحة: يكفي يا تيا ستكسرين عظام صدره! المهم أنه قد عاد اليس كذلك؟ توقفي عن التفكير في المستقبل لا شيء نجنيه بالتوغل في أفكار مماثلة يا عزيزتي.أيدها مارك يبتسم بحبور: تماماً. هيا يا بُني عِدها وحسب أنك لن تفعلها مجدداً لتطمئن. اليس هذا ما تريدينه؟
أومأت تيا وهي تبعد وجهها المتورد بشدة عن صدره قليلاً وقالت بصوت متقطع: نعم.أضافت ترفع رأسها تنظر إليه والدموع تجري كالنهر الذي لا يعي نهاية وجهته: عدني أنك لن تتركني مرة أخرى، وأنك لن تبتعد مهما كانت الظروف. عدني أنك ستحاول ولو قليلاً أن تفرغ طاقتك وأحزانك لئلا تفكر في الانزواء وعزل نفسك مرة أخرى، عدني أنك ستكون الأخ الذي أجده كلما بحثت عنه. عدني!
اسندت شارلوت رأسها على كتف سام الذي أبعدها متمتماً بملل: لا تطلبي مني طلب مماثل لن أفعل.امتعضت شارلوت مبتعدة بغيض: لم أكن لأفعل!نظرت خلفي حيث يقف إيثان، لأراه يقف بهدوء ويحدق إليهم والراحة قد سلكت طريقها نحو ثغره الذي رسم ابتسامة اطمئنان، ولكنه ما ان لمحني حتى محى تلك الابتسامة ولوى شفته بلا اكتراث متظاهراً بالنظر إلى الساعة حول معصمه.عاودت أنظر للأمام حيث أمي التي تقف منزوية عنهم قليلاً!
تنظر إلى كريس بتعبير غريب!عقدت حاجباي باستغراب واقتربت منها بخطى هادئة، لأقف بجانبها وأبرهن وجودي وحسب، لم تلتفت نحوي وإنما ظلت تنظر إليه بأعين ناصلة واهنة و. شيء آخر؟!انتزعت عيناي عنها ووليت اهتمامي لكريس الذي أومأ برأسه: أعدك. والآن توقفي لقد تبلل قميصي بالكامل. أنا مضطر لتغييره.
ابتسم لها مهدئاً فرفعت عينيها المتوردة إليه بتردد قبل أن تهمس بصوتها المبحوح: احرص على أن تفي بوعدك دائماً. أنا لن أسامحك ان.قاطعها مربتاً على كتفها: أجّلي كل ما تريدين قوله فلا زلت أريد التحدث معك.
رفعت يديها تمسح وجهها الذي ابتل بدموعها وأومأت له وهي تحاول أن تعيد الهدوء إلى رئتيها لتنظم أنفاسها المتسارعة والمتقطعة، ثم نظرت بسرعة للخلف تبحث عن شخص ما، لتستقر عينيها على شارلوت التي ارتفع حاجبيها باستغراب. اسرعت تتجه نحوها حتى وقفت أمامها وعانقتها دون سابق إنذار! رفعت شارلوت يديها بتوتر وقد توردت وجنتيها بخجل وهي تنظر إلينا بعدم فهم وجفنيها يرجفان وهي تطرف بسرعة، لتسند تيا رأسها على كتف شارلوت وتعقد حاجبيها محاولة التوقف عن البكاء: شكراً جزيلاً.
ابتسمت الأخرى بإرتباك: آه! لم أفعل أي شيء يذكر أيتها الحمقاء توقفي عن البكاء حالاً، متى مخزن دموعك بحق الإله؟عجزت عن كبح ابتسامتي أنا أيضاً في حين التفت سام نحو إيثان بإمتعاض: أظنك ستواجه أيام عصيبة، هيئ نفسك من الآن لدموعها في كل حدث.أومأ ممازحاً: أعتقد أنني بحاجة إلى تجهيز كل سبل الدفاع والحصول على مناعة أمام دموعها.لفت انتباهي من لم تنبس بكلمة حتى الآن.لم تبتسم.لم تتجاوب.!
أمي. ما خطبها تحديداً؟ اليست سعيدة بعودة كريس وقد كانت تردد دائماً أن لو أصابه مكروه فستفقده كما فقدت خالي ولن يكون هناك دافعاً للعيش وما إلى ذلك من كلمات؟! الن ترحب به؟ كما أنه ينظر إليها بنظرات مترددة وبدى الاضطراب واضحاً في عينيه وتحركاته.اقترب منها بينما الجميع يولون انتباههم لشارلوت وتيا، وقف أمامها بتعبير مضطرب ونظر بعيداً للحظة قبل أن يعاود النظر إليها مجدداً.
اقتربت بشكل تلقائي لأقف على مقربة منهما، لأسمعه يهمس بصوت منخفض ناصل: عمتي. أنا حقاً.ولكنه لم يكد يكمل حتى اتسعت عيناي ليدها التي ارتفعت فجأة واستقرت على وجنته!ادار الجميع رؤسهم تجاههما وقد ساد الصمت المكان! بل واكتسح التوتر والهواء المشحون محيطنا ليثقل أنفاسنا.!، تقدمت بخطى واسعة وقلت بعدم فهم وقلق: أمي؟
ولكنها زمت شفتيها بقوة وهي تحدق إليه بصمت، رفع يده يمررها في شعره بهدوء ثم انزلقت نحو وجنته يتحسس مكان الصفعة!، اقتربت شارلوت الأخرى مهدئة بقلق: مهلاً، عمتى كلوديا أعلم أنكِ.
ولكنها بترت كلماتها حين منعت أمي شهقتها من الهروب من بين شفتيها وهي تقترب لتعانقه وتجبره على الإنحناء إلى مستوى طولها لتقبل وجنته الأخرى بشجن وانفعال: لا تمتحن صبري وقوتي. أنا أنهار يا كريس أنهار! أنت الوحيد من تركه أخي خلفه. أنت من تبقى لي من أثره. أرجوك لا تحرمني من وجودك! لا تفعل هذا مجدداً أنا لن أحتمل أكثر.
لانت ملامحه ورفع عسليتيه لتلتقي بعيناي، ترددت قليلاً قبل أن ارفع كتفاي له بلا حيلة وأبتسم بهدوء، أخفض ناظريه قليلاً ثم عانقها وبدت يده ترتجف قليلاً: عمتي. أعلم أنك احتملتِ الكثير، يمكنك لومي وعتابي كيفما شئتِ. أستحق أكثر من هذا.
تحركت السيدة ستيفاني نحوهما ووقفت تضع يدها على ظهره مربتة بحبور: وأخيراً يا بني عدت إلى أحضان عائلتك، لن تجد مكانا أفضل من هنا مهما بلغ حزنك ومهما كبُرت همومك وتعاظمت المشاكل والعقبات. سعيدة حقاً بعودتك، لم أملك أدنى فكرة أنني هنا للقائك. إنها أجمل مفاجأة حقاً.أعقبت ترمق سام: وأخيراً فائدة ترجو منك.
اتسعت عيناه بصدمة ثم أغمضهما بسرعة ورفع يده يستوقفها: آه نعم لا شكر على واجب، أكملي حوارك اللطيف أكملي.نظرت أمي إلى كريس ورفعت كلتا يديها نحو وجهه تلمسه بشرود وحزن، ثم تسمرت عينيها على وجنته التي توردت قليلاً إثر صفعتها وتمتمت على مضض: تستحقها. لن أشعر بالأسف.ابتسم لها بسخرية: ليس وكأنني سأعترض، وجنتي اليسرى قد نالتها كفايتها بالفعل.
ثم القى نظرة خاطفة على شارلوت التي نظرت إلى السقف بفتور وقالت: أنت من يجلب هذا إلى نفسه لا تنظر إلى هكذا. كما أنه سلاح المرأة الوحيد وما عساي أفعل غير ذلك؟!ضحكتُ على تعليقها وكذلك تيا التي جفت دموعها أخيراً وقالت بصوتها المبحوح: لا تقلقي أنا أيضاً صفعته ذات مرة عندما كان ثملاً قبل ثلاث أعوام وعجزت عن إعادته إلى وعيه.ابتعدت أمي عنه معددة وممازحة: أولين فعلت ذلك أيضاً عندما أفقدتها أعصابها.
ابتسمت بإستخفاف وملل مشيراً إلى اليمين: تفضل على المنصة لتستلم جائزة الوجنة الأكثر صبراً وتحمل.ضحك السيد مارك يرفع كلتا يديه بجانبه: أخشى أن تكون الجائزة صفعة أخرى.في النهاية جلسنا وقد استقر كل منا في مكانٍ وهو ينتصفنا، لتعود الرجفة إلى يديه وهو يشبك أنامله في كل حين ببعضها وبدى يحاول السيطرة على نفسه طالما يكون محور الحديث!
يا الهي. رؤيته قد عاد سالماً وعاقلاً جعلت من غضبي وانزعاجي الداخلي يتبدد! عودته وقد ظننت أنها ستكون شبه مستحيلة جعلت شيئاً غريبا ينتعش في روحي! أعترف أنني افتقدته. وأعترف أن الوضع كان تعيساً. فوضوياً ومشتتاً إلى حد كبير. وكأن كل شيء قد انتظم فجأة. طابور طويل من التوترات والمشاكل قد تم تنظيمه في لحظة واحدة!
لم أشعر بنفسي وأنا أحدق إليه بشرود، ممتن لعودته. ممتن لتواجده! كما أنه بخير. بأفضل حال. هل سيكون أبي قادراً أخيراً على الحصول على القليل من الراحة الآن؟ وهل ستكون أمي بأحسن حال وتتحسن نفسيتها التي كانت على وشك الإنهيار تماماً؟ هل ستتوقف تيا عن الشرود بذهنها والتزام الصمت طوال الوقت.؟ والأهم من هذا. هل سأكون قادراً على التوقف عن لوم نفسي على كل ما حدث؟
استوعبت أمر عيناه التي ترتكز على فارتفع حاجباي بحيرة، أشار لي خفية أنه بحاجة إلى الحديث مع فلم أمانع وأومأت له. وما أن نويت أن أقف لأجهز للأمر حتى رمق سام بنظرة خاطفة ينبهني لأمره فأدركت أنه يريد التحدث إلى كلينا معاً.
لم يكن الأمر صعباً التملص من الجميع وقد خرج ثلاثتنا لنتجه إلى غرفة الجلوس الأخرى، أو لنقل المكتبة ذات الجدران العازلة للصوت في نهاية الممر. استقر سام على الأريكة المنفردة واضعاً ساقاً على الأخرى بفتور، بينما كريس على الأريكة بجانبي وقد ابتدرته: ما الأمر؟! لماذا نحن الإثنان؟
وقف ليغير مكانه ويجلس مقابلاً لنا، احنى ظهره يتقدم قليلاً ويسند كلا مرفقيه في حجره واستغرق في أفكاره مفكراً حتى بدى وكأنه رتب الكلمات في عقله ليتحدث فجأة وبسرعة: أعتقد بأنني تصرفت بجنون معكما وأتذكر جيداً أنكما كنتما هناك ولكنني لا أتذكر حرفاً واحداً تفوهت به! ومع ذلك أدرك جيداً أنني تعاركت معكما. ما الذي قلته حينها؟ سام أنا أعلم أنني تصرفت بحماقة. هذا واضح من تصرفك معي الآن وإن كنت تحاول ألا تظهر أي شيء للجميع. ستيف أنت أيضاً تبدو غريباً!
رفعت يدي بسرعة وقد نفيت بصدق: ولكنني لم اعد أفكر بالأمر حقاً. المهم هو عودتك وحسب أيها السخيف لذا لا تهول الموضوع!رفع حاجبيه بعدم اقتناع وقد ألحت عينيه أن أتحدث، ليبادر سام ببرود: ولما لا؟ أخبره أنه انتقى تعبيراً لفظياً لطيفاً وقال أنك واقع في حب فتاته.جزيت على أسناني بانزعاج ورمقته بتحذير بينما ظهرت الدهشة على وجه كريس الذي طرف بعدم تصديق: ماذا؟
أومأ الآخر بحزم: حتى وإن كنت ثملاً آنذاك. حتى وإن كنت تعاني. لم يكن عليك قول هذا كما تعلم، جعلت من شقيقتي تظهر وكأنها فتاة لا تعني لك شيئاً! جعلتها تتحمل الكثير، انتظرتك وكانت تأمل دخولك المشفى في أي لحظة لتعود إلى ابنك. وبماذا جازيتها أنت؟ بالتسكع في ارجاء الحي اللعين مع العاهرات.
استوقفه كريس بهدوء: مهلاً. شارلوت تعلم جيداً أنني لن أقوم بخيانتها، الأهم ما قلته قبل قليل. ما الذي تقصده؟ هل تفوهت بأمر مماثل؟ هل قلت لستيف ا.نعم قلت هذا.أكمل بحدة: ما الذي كنت تفكر به تحديداً!تدخلت مهدئاً: كفى أيها المغفل لقد انتهى كل شيء!
رفع حاجبه الأيسر وأسند مرفقيه على طرفا الأريكة: حقاً؟ وماذا لو وقع في مشكلة أخرى؟ ماذا لو واجه عقبة أخرى؟ سيبحث عن عنوان آخر ويثمل ويحطم قلب أختي مراراً وتكراراً؟ شارلوت ألطف بكثير من التعرض لمواقف مشابهة! أنا حتى لا أدري كيف كانت قادرة على اقناعك بالعودة في غضون ليلة واحدة! ولكنني أعلم أنك قد تتصرف بجنون مرة أخرى.
ظل الإثنان يحدقان إلى بعضهما، زفرت الهواء الثقيل من رئتاي قبل أن أقول بإنزعاج: هذا يكفي يا سام، ما حدث قد حدث وانتهى. انه ابن خالي وأنا أدرك أكثر منك أنه يفي بوعوده التي يقطعها، لا حاجة للمزيد من القلق والخوف لنتوقف عند هذا الحد.
أردفت أومئ للكريس بجدية: نعم قلت لي أمام هذا الخطل أنني واقع في حب فتاتك، همست في أذني بنبرة شيطانية وتساءلتَ ما إن كنت أستغل غيابك للتقرب إليها، كنت في موقف صعب ومحرج ولكن. أعترف أنني مذنب أيضاً.ظهرت تقطيبة صغيرة بين حاجبيه وبدى منزعجاً بالفعل وعسليتيه لا تستقران في مكان واحد! بل بدى الإستنكار على ملامحه واضحاً جداً وكأنه يرغب في تكذيب ما نقوله.
وجدت نفسي أكمل مخفضاً رأسي: لقد أذنبت بوقوعي في حب زوجتك، وأنا أدرك جيداً أنك حُرمتَ من أشياء كثيرة ولم تكن لتقدم على الزواج بها إلا ان كانت تعني لك الكثير، ومع ذلك كنت وقحاً بالسماح لمشاعري بالتحكم بي. أنا أدين لك بالإعتذار، لذا نحن الآن متعادلان. اليس كذلك؟رفع يمناه يضعها على جبينه واستغرق في أفكاره مشتتاَ وتائهاً، بل ونفى برأسه كمن سمع امراً مخجلاً وهمس: اللعنة.
انزلقت يده إلى أنفه ليحكه بإضطراب واحتد صوته: أنا لا أتذكر. ولا أريد تذكر أمر مماثل.أضاف ينظر إلى سام بجدية: ولكنني لن ألجأ إلى طرق كهذه قد تؤلم شقيقتك، لا زلت.
بتر كلماته بتردد وقد تبخرت الكلمات من على لسانه حتى استجمع قواه وأضاف: لا زلت أتعلم الكثير منها. أنا بحاجة إلى تعلم أمور لا تعد ولا تحصى. شارلوت كانت مقدرة لي منذ الطفولة، ليس وكأنني سأكون مستعداً يوماً لخسارتها، عليك أن تفهم أنني بدأت أحاول فهم ما على فعله لأستحقها.ثم زفر بلا حيلة: ثم ألا يكفيني الخلاف بيني وبين شقيقك الآخر! لست بحاجة إلى خلاف آخر معك أنت أيضا كما تعلم.
أومأت ممازحا: محق. حينها سيكون الزوج المكروه والمرفوض من قبل أشقاء زوجته، هذا تعيس ويهيج المشاعر.لوى سام شفته وهو ينظر بعينه الداكنة بعيداً ملتزماً الصمت لثواني قبل أن يتنهد: سأجري في نهاية كل أسبوع تقييم لتحسن علاقتك بأختي وسأطرح عليها أسئلة لأتأكد من كونك تفي بوعدك.وقف كريس بسخرية: وكأنني سأسمح لك بالتدخل إلى هذا الحد.
ثم نظر إلى ورسم ابتسامة هادئة وسرعان ما قام بمحوها وتمتم واضعا يديه في جيبه: ان كنتما تنتظران اعتذارا مني وما شابه فأنتما تحلمان، فعلت هذا ثلاثة مرات اليوم واستهلكت كل طاقتي.علق سام واقفا بإستهزاء: حقاً؟ وكم ستستغرق لشحن قواك يا ترى؟رفع كتفيه مجيباً: خمس أعوام إضافية.اتسعت عيناي باعتراض: خمس أعوام! ثم هل أنت واثق أنه لا يوجد شخص آخر لتعتذر إليه حقاً؟ ماذا عن جيمي!
أردفت بسرعة باستيعاب: مهلاً لقد كانت شارلوت في المشفى اليس كذلك؟ هذا يعني أنك قابلت جيمي مسبقاً.اقتربت منه وربت على كتفه بفخر: كريستوبال ماكس إفليك. هنيئاً لك شهادة القبول في عالم الأبوة، سأنتظر أن تحرز تقدماً أكثر بعلاقتك معه.تمتم مفكراً: على العودة إلى المشفى، ولكن قبل ذلك سأحزم بعض الأمتعة. وكذلك جوش الذي على أن أقابله بسرعة.
أضاف يتجه إلى الباب محدثا نفسه: أتساءل إن كان على أن أخذ معي بعض الملفات لأنهيها في المشفى، قد يساعد هذا في التخلص من الأعمال المتراكمة ولو قليلاً حتى يجري جيمي عمليته.أغلق الباب خلفه فهمس سام باستغراب وبلاهة: يبدو. مختلفا.أومأت ببلاهة مماثلة: ألطف؟أوضح؟آه. تقريباً.