رواية عذرا لكبريائي للكاتبة أنستازيا الفصل السادس والخمسون
جينيفر:
هه.
أحمقان. لقد وقعا في الفخ.
من كان يصدق أن خطتي ستنجح! ها هو ذا كما خططت تماماً يحملني على ظهره ويسير بي إلى الخارج.
علي أن أقف وقفة احترام بالغ لذكائي وعبقريتي الخارقة للطبيعة.
احسنتُ استغلال ستيف، وتوظيفه جيداً ليحضر رين إلى كما أريد.
أخفيت ابتسامتي الشيطانية وأنا أدفن وجهي في عنقه وأكمل التظاهر بالثمالة لأدندن بأغنية أتقنت جعل لحنها غير موزون البتة.
إنه انتقامي منه، استردادا لكرامتي، تقديراً لجمالي وجهودي، حماية لكبريائي، وتنفيذاً لرغباتي.
أعلم جيداً أنه قادر على مبادلتي الشعور لذا أنا مضطرة للتعامل معه بهذه الطريقة وقد أجبرني على اللجوء إلى هذه الحيلة.
صار المكان هادئاً جداً وقد خرجنا من الحانة، سار نحو مواقف السيارات فتعمدت شد شعره قائلة بتلعثم وثمالة: ما الذي تفعله هنا؟! ألم أقل لك أنني سأعود لعملي وأنسى أمرك تماماً؟ أنت تحاول اختطافي!
ولكنه لم يتوقف أو يعارضني بل أكمل طريقه فحاولت التملص منه لأبتعد، إلا أنه قد وصل بالفعل إلى سيارته وأنزلني ممسكاً بذراعي ليثبتني بسبب ترنحي وعدم اتزاني، كم أنا معجبة بتمثيلي هذا. حتى أنا بدأت اشعر بالثمالة حقاً وأخوض في هذا الدور بجدية بالغة.
أخرج المفتاح من جيبه فقلت بنصف عين وبنبرة عالية معترضة: لماذا أخرجتني من الحانة! لماذا أنت هنا أصلاً؟!
لم يجبني، فتح الباب وحاول إجباري على الولوج إلى السيارة فأبيت ذلك مبتعدة وسرت مترنحة بعيداً ولكنه عاود يمسك بكتفاي بحزم: إلى أين من المفترض أنكِ ذاهبة الآن!؟
أجبته بتثاقل أزم شفتاي: لشراء سعادتي.
ومع أنني أنهيت جملتي بإبعاد يديه عن كتفاي ولكن.
أمسك يدي يجرني خلفه بخطى سريعة نحو السيارة إلا أنني تفاجأت وكذلك فعل حين شعرت بيد أخرى توقفني من الجهة الأخرى فأسرعت التفت اتظاهر بقدر الإمكان بعدم الإتزان، هاه.! من هذا الأحمق الآن؟!
رجل يبدو في نهاية عقده الخامس، لا تبدو ملامحه مألوفة ولكن الأمر لا يحتاج إلى وقت للتفكير فمن الواضح أنه مجرد سكِّير عابث وملامحه توحي ببساطة بالمكر والإنحراف.
هل تحاول إجبار هذه الجميلة على الذهاب معك أيها الصغير؟
تساءل وهو يبتسم بخبث ويده لا تزال تمسك بيدي، حسناً بدأت أشعر بالإنزعاج حقاً. لقد أفسد على الخطة هذا الخطل المزعج!
حركت يدي بخفة لعله يفلتني ولكنه زاد من قوة إحكامه على يدي وقد أردف محدقاً إلى بتمعن وعين منحرفة تكاد تنزع كل جزء من ملابسي عن جسدي: اليس يزعجكِ؟ يمكنني اصطحابك إلى المنزل، سيارتي قريبة من هنا.
دعها.
لا بأس يا جينيفر لا تصرخي بسعادة لأنه يطالب الرجل بأن يتركك عليكِ السيطرة على مشاعرك، أنتِ ثملة. تذكري هذا جيداً.
هاه!
لحظة.
لماذا لا أستخدم هذا الكهل لصالحي؟
منعت تلك الإبتسامة الماكرة من شق طريقها نحو ثغري وقد قلت بتلعثم: صحيح، إنه يجبرني على الذهاب معه، لقد كنت اقضي وقتاً ممتعاً في الداخل. هذا اللئيم يظن بأنه يستطيع العبث بمشاعري بعد أن رفضها وحطمني.
أكملت أحاول انتزاع يدي من رين بإنزعاج شديد وجفنين مرتخيان: اتركني. لا أريد العودة معك، أخبرتك أنني سأتوقف عن حبك وسأجعلك تدفع الثمن، سترى أبنائي يصفعون مؤخرتك بقوة ألم أكن واضحة فيما قلته؟!
قلّب زرقتيه بنفاذ صبر في حين أيدني الرجل وقد بدأ يشعر بنخوة الإنتصار: أرأيت؟ هيا يا صغير ابتعد قبل أن تورط نفسك.
أومأت برأسي إيجاباً أعقب على ما قاله: تماماً، أبعد يدك عني قبل أن أصرخ طلباً للنجدة أنا أعلم أنك تحاول اختطافي.
ولكنه تجاهلني وحدق إلى الرجل بثبات يجوبه حزم وكأن صوتي بمثابة الذبابة المزعجة التي تصدر طنيناً مزعجاً حوله ومن الضروري تجاهلها!
لقد أخبرتك للتو. بأن تدعها!
هيا يا هذا ابتعد من هنا بسرعة، اليس من الواضح أنها لا تريد الذهاب معك!
زم رين شفتيه للحظة قبل ان يتنهد بعمق: صدقني أنت لن ترغب في التورط مع لسانها الثرثار أو بما قد تفعله بك عندما تستعيد وعيها، من الأفضل ان تتراجع عما ترغب به لأنك اخترت المرأة الخطأ. ستندم لاحقاً على التورط معها اعتبرها نصيحة مني وحسب.
شهقة داخلية مكبوتة.! شهقة تنم عن الغضب والرغبة العارمة في القتل فجأة!
اللعنة.
بدأت أفقد الرغبة في التمثيل، أظنني أريد الآن تفريغ غضبي حقاً! كيف يجرؤ؟!
عضيت على شفتي محاولة تمالك نفسي ولكنني سرعان ما نظرت إليه بدهشة وقد أمسك بيد ذلك الرجل بقوة وأرغمه على تركي: لست متفرغاً لخوض شجار معك، الإطاحة بك من لكمة واحدة فقط أمر سهل لذا انصحك بالإبتعاد.
أردف بصوت قد احتد فجأة: لذا أغرب عن وجهي ولا تفكر بعرقلتي مجدداً.
جرني معه كالبلهاء غير مراعياً لسرعة خطواته أو لتذمر الرجل وتهديده وشتمه.
فتح باب السيارة بحزم ودفعني لأجلس، وضع حزام الأمان حولي وأغلق الباب فوراً، طرفت بعيناي بسرعة أستوعب الأمر حتى أسندت ظهري على المقعد أمرر يدي في شعري أتظاهر بالصداع والإعياء.
دخل وحرك السيارة مباشرةً دون أن ينبس بحرف واحد، ما أريده حقاً هو سحب كلمات معينة منه فقط. أريد حقاً العبث قليلاً ليتسنى لي فهم ما يحاول فعله، لقد قبلني مرتين ولن أسمح له أن يتجاهل الأمر ببساطة وكأن لا قيمة لما حدث!
كنت أتمتم بكلمات مبعثرة وغير مفهومة فسمعته يزفر بإنزعاج، لمحته يرمقني بنظرة سريعة قبل أن يعاود التركيز على القيادة حتى تمتم: وتدّعين أنكِ امرأة ناضجة، لم تتركي للأطفال الحمقى ما يمكنهم فعله حتى.
تعمدت أن ابتسم بسخرية وأنا أحدق إليه بلا وعي لأرفع يدي نحو وجهه هامسة: هل تحاول جعلي اتراجع عن قراري؟ لقد فات الأوان. سأعود إلى مقر عملي خلال أيام معدودة وسأتزوج في القريب العاجل.
أمسك بيدي وابعدها برفق: هذا أفضل لكلينا.
أفضل.؟!
من الصعب حقا التظاهر أن هذا لم يحطمني.
هل حقاً سأستمر في التظاهر أكثر؟! أخشى أنني سأنصت إلى كلمات لا أتمنى سماعها منه. أخشى أنني سأعود للوراء خائبة!
أنزلت يدي أخفي ترددي، عاودت أبعثر شعري ببطء ثم بدأت أدندن لحناً سخيفاً.
رفعت قدمي اليمنى أرفعها إلى الأمام بل وفتحت النافذة أخرج قدمي وقد علا صوتي وأنا أغني، لم أكد أخرجها أكثر حتى زمجر: هل جننتِ!
بدى مشتتاً وهو يحاول ايقافي وادخال قدمي في حين ضحكت متلعثمة: يا له من شعور رائع! أشعر بالحرية الحقيقية. مضى زمن منذ أن تصرفت بهذا التحرر الكبير.
أضفت امد يدي اليسرى نحوه لأشد شعره الأشقر: رين عليك أن تجرب هذا أيضاً. ، أتعلم ماذا! زِد سرعتك أكثر حينها سأشعر بالتحليق. سيكون هذا أكثر متعة. ما رأيك أن أطبق المشهد العاطفي من فيلم سفينة التايتنك! ألم يكن مشهداً مؤثراً عندما شعرت روز أنها تحلق فوق السفينة؟
أبعد يدي عن شعره بل وأوقف السيارة على جانب الطريق بعيداً عن خط السير، استدار نحوي بوجه غاضب: وكأن امرأة ثملة ستُجيد لعب دور مؤثر.
رفع نافذتي وأغلقها من ناحيته فلا أكون قادرة على فتحها. ، ليس بعد. على أن أذيقه الكثير حتى ينفذ صبره.
استأت معترضة: لماذا أغلقتها! كنت في ذروة العاطفة!
دفعني برفق لأعدل من وضعيتي واقترب ليسحب حزام الأمان ويضعه حولي، يا الهي. هذه المسافة الصغيرة بيننا. أرجو أنه لم يلاحظ توتري.
ولكن المصيبة الأكبر أنني أرفع يداي الآن بلا شعور. نحو وجهه!
بالرغم من شعور بالإرتباك، وبالحرج. إلا أنني أرغب حقاً في أن نوقف هذه المهزلة فوراً ونتواعد ونمضي قدماً وحسب!
حدقت إليه عن قرب، تحديداً إلى عيناه اللتان ينظر إلى بهما ولا زال غضب طفيف يلمع فيهما. ظل يحملق بي في حين انزلقت يدي من وجنته إلى كتفه، أشاح بوجهه بعيداً يزدرد ريقه قبل أن يبتعد بسرعة ويعتدل في جلسته، حرّك السيارة ليقود بصمت، فلم أجد سوى العودة للغناء مرة أخرى. ولكن هذه المرة احتضنت ذراعه بقوة فاضطر ليقود بالأخرى.
نعم.
عليه أن يشعر بتناقضي إذ هددته وتظاهرت بالإستسلام والرغبة في الرحيل والمباشرة بالعمل، وفي المقابل ثمالتي التي تظهر مشاعري الحقيقية ورغبتي في بقائه إلى جانبي.
ولكن السؤال الآن. لماذا لا يحاول ابعادي وانتزاع ذراعه كالمعتاد؟
هل استسلم مؤقتا ليتخلص من ازعاجي أم. أم أنه يعتقد أنني لست في وعيي حقاً ولا ضير من التصرف بأريحية ولو قليلاً؟!
أيهما!
لا أدري كم مرّ من الوقت وأنا أزعجه بتصرفاتي وهو يسايرني بلا حيلة وبملل، بصراحة ظننت أنه سيعيدني إلى منزلي ولكن.
سلك منعطفاً مختلف، ليس طريقاً مؤدية إلى منزله حتى. إلى أين نحن ذاهبان!
ضيقت عيناي محاولة النظر إلى الشارع بتمعن دون أن يدرك أو ينتبه، لأجد أننا نسلك طريقاً مؤدياً إلى حي مخصص للعمارات والشقق السكنية التي تعلو الكثير من المتاجر والأسواق المختلفة لعلامات تجارية منوعة.
عقدت حاجباي باستغراب وكدت اعتدل في جلستي متسائلة ولكنني تمالكت نفسي وقلت أغمض عيناي: أين نحن؟ هل كنت تنوي اختطافي من البداية!
أجاب بتبرم: المجنون فقط من سيفكر في اختطاف ثرثارة تعجز عن إطباق فمها و تجبر شفتها العُليا على الإشتياق إلى شفتها السفلى.
أوقف السيارة أمام إحدى المباني وقال بهدوء: لننزل.
أغلق المحرك وترجل منها ثم اتجه ناحيتي، فتح الباب لي فتمسكت بالحزام وقلت نافية: لن أنزل، لن تنطلي على حيلك، أنت تحاول استغلال امرأة جذابة خارقة الجمال بينما هي ثملة.
أضفت أغمض عيناي مجدداً وأهمس: أنت لا تختلف عن باقي الرجال، جميعكم ضعفاء أمام النساء المثيرات، لا أحد منكم يفكر في التقرب إلى المرأة وهي في كامل وعيها لأجلها ولأجل شخصها، تعتقد أنني لا أدري ما تريد فعله حقاً؟ ثم لماذا احضرتني إلى هنا. هيا أسرع أعدني حيث كنت. لقد كنت مع ذلك الطفل ستيفانو.
اسمه ستيف.
أياً يكن.
لوى شفته بنفاذ صبر وقد اقترب فجأة لينحني ولم أعي الأمر سوى بإيجاد نفسي أحمل فوق ظهره وقد أمسك بكلتا يداي يجذبها حول عنقه، وما أن استقر جسدي فوق ظهره حتى عدل من وضعيته وثبتني جيداً! تورد وجهي رغماً عني ومع ذلك كنت مضطرة لإكمال هذه المسرحية، بالرغم من أنني أرغب للحظة في إغماض عيناي واسناد رأسي على كتفه لأصمت تماماً. ولكنني اعترضت محاولة النزول: ماذا تفعل! ابتعد عني أيها المنحرف.!
تباً لي. أقول هذا بينما أكون من تتشبث به وتتمسك به بقوة.
ولكنه تجاهلني ودخل إلى العمارة وضغط بصعوبة على زر المصعد، كنت أواصل أمره بالابتعاد عني ولكن المضحك انني كنت لا زلت أستمر بإحاطة كتفيه بيداي أنافي طلبي منه.
حركت قدماي كمن تحرك قدميها على ضفة النهر وعندما فُتح باب المصعد أنزلني وأجبرني على الوقوف بجانبه، بحث في جيبه عن شيء ما وظل يفتش جيوب بنطاله ومعطفه حتى وجد مفتاح ما، أعتقد بأنها شقة تملكها أسرته في هذا المبنى، ربما مجرد شقة للضرورة وحسب.
لماذا أحضرني إلى هنا! لماذا لم يذهب بي إلى المنزل مباشرة؟
عندما فُتح باب المصعد أمسك بيدي لأتحرك معه، تأبطت ذراعه بقوة أنظر للمكان خلسة بتمعن وتركيز.
لا شيء مثير للريبة أو الشك، ولكنني لا زلت أتساءل. لماذا أنا هنا؟ عبرنا الممر الذي تضمن شقتين يمينا واثنتين أيضا شِمالاً. اتجه إلى الأخيرة على اليمين.
فتح الباب بالمفتاح الذي أخرجه ولم يدخل، وإنما أدخل يده فقط وأدركت فوراً أنه يتحسس الحائط باحثاً عن مقبس الكهرباء ليضيء الأنوار قبل أن يدخل.
كما أنه لا ينظر إلى الظلام في الداخل. وإنما يشيح بوجهه بعيداً عن المولج.
استطاعت يده ان تدرك المكان فأضاء الشقة، دخل فتبعته وقد تأففت بضجر وتبرم أمرر يدي في شعري وأترنح: أنا أمشي معك بكامل إرادتي. ربما لو تم قتلي أو إيذائي هنا فلن يُلقى اللوم كاملاً عليك، أو ربما.
قاطعني مغلقاً الباب: تمنيت أن تنسي كونكِ مِهذارة وأنتِ ثملة. ولكن لا أمل، على أي حال اذهبي واستلقي في الغرفة أو أي مكان.
أردفت مستديراً متجهاً نحو الباب: سأعود في الصباح، أو قد لا أعود. لا أدري إن كنت تعين حقاً ما أقوله الآن ولكن فليكن. المكان آمن هنا و.
شهقت أستوقفه بسرعة وأحيل بينه وبين الباب: تريد تركي هنا وحدي! سيتم اختطافي من شخص آخر إذاً؟ ثم لحظة.
أعقبت ابتسم بلا حيلة: لماذا لم تأخذني إلى المنزل؟! أنا أيضاً لدي عائلة قد تقلق بشأني.
قلّب عينيه بإنزعاج وعقد حاجبيه وقد ظهرت تقطيبة صغيرة بينهما: أعيدك إلى المنزل؟ لتعلم والدتك أنني من أعدتك وتنشر الخبر في كافة أنحاء البلاد وتدرك أمي بأن.
زفر بنفاذ صبر وأبعدني عن طريقه: لن أهدر ثانية واحدة، يكفي أنني هنا بسببك. ابتعدي.
كما توقعت، لا زال مصراً على موقفه هذا! لا يريد التوغل معي والاعتراف بمشاعره بسبب تلك الساحرة الشقراء. من يظنني لأستسلم بسرعة! هه. لو كان الأمر سهلاً لما جرّته قدميه إلى هنا. هو من حفر قبره بنفسه. أقصد. سيعترف عاجلاً أم آجلاً.
إن كنت أحبه ويحبني أو على الأقل لا زال هناك مشاعر قديمة باقية فلماذا عليه طمسها لسبب أو لآخر! بالطبع لن أقبل بهذا. إن لم تنجح الخطة ألف فلدي باء. وإن فشلتا فلازال لدي قائمة الخطط حتى آخر الحروف الأبجدية.
بصراحة أكره الخسارة أمام نفسي، كما لن أتقبل خسارة أمر أريده! ليس خطئي أنني لم أستوعب مشاعري نحوه سوى قبل أيام. أقصد ربما هو خطئي منذ زمن ولكن لا يهم.
المهم هو الحاضر وحسب.
كنت أقف أمام الباب بتثاقل أمنعه من الخروج ولكنه كان عنيداً أيضاً.
احتدت عيناه بإنزعاج وقد نجح تقريبا في إبعادي عن طريقه، تصرفت كالثملة وأنا أوصد الباب بالمفتاح ثم فاجأته برفع المفتاح ودسه في قميصي مبتسمة بنعاس وكسل: مخبأ النساء.
اتسعت عينيه ينظر إلى وإلى قميصي تارة، أشاح بوجهه بغضب قبل أن يزمجر بحدة: أعيديه.
أنت تعلم بمكانه!
أنا لن أكرر كلماتي.
سيكون المفتاح دافئاً بطريقة ما. أخشى أن هذا سيجعلك تفكر بإنحراف. لذا على أن أتجنب أي خطورة منذ البداية.
أنصتِ. لا يعني أنكِ ثملة بأنني سأتغاضى عن هذه الحماقة، أنا أقسم بأنني سأ.
ولكنه بتر كلماته وقد اختفى صوته تدريجياً عندما اقتربت منه ببطء، تراجع للخلف بحذر فاقتربت أكثر أرسم ابتسامة لعوبة وماكرة!
ظل يتراجع للخلف حيث كان يبتعد عن الباب، أحمق. يمكنني رؤية محيطه كاملاً ويمكنني الإيقاع به بسهولة، في المقابل من الواضح أنه متوتر. حقاً. لا زال واضحاً بعد كل شيء، وأنا التي ظننت أنه بات شخصاً غامضاً. أنا أسحب كلماتي!
همست بينما لا أزال أقترب بخطى واثقة حاولت جعلها مترنحة في الوقت آنه: ما الأمر؟ لماذا تتراجع! نحن على أي حال لا يمكن أن نكون معاً أليس كذلك؟ لقد رفضت مشاعري. وأنا أتفهم هذا. ولكن مما أنت خائف!
لمعت عيناي بالنصر حين تعثر بالأريكة خلفه وجلس عليها دون قصد فأسرعت أحاصره مبتسمة بعين ناصلة: رين. لما أنت فزع إلى هذه الدرجة!
اللعنة يا امرأة أنتِ حقاً. مجنونة بوعيك أو بدونه! ما الذي تفعلينه!؟
قالها ينظر بعيداً وبالكاد تستقر مقلتيه في مكان واحد، حسناً أنا مضطرة للجوء إلى بعض الجرأة بسببه! لم يترك لي خياراً آخر. على أي امرأة ان تفهم هذا. عندما تُحاصر من كل الجهات فعليها المراوغة بقوة. وأن تدوس على خجلها للحظات معينة وتظهر شجاعتها في الوقت المناسب. أياً يكن لن تفهموا ما أحاول قوله فالأمر أعمق وأذكى بكثير.
شعرت بمدى دهشته حين مررت أناملي في شعره، تسارع تنفسه بوضوح وهذه المرة دفعني بيديه بعيداً فابتعدت رغماً عني ولم أكد أتوازن حتى انتفضت لصراخه الحازم: يكفي جنوناً يا جينيفر!
زميت شفتاي بإستياء: يا للقسوة!
هذا يكفي. أنا جاد هذه المرة، أعطني المفتاح بسرعة. لن أردد كلماتي هذه أنا أقسم بهذا!
أملت برأسي نحو اليمين أحدق إليه بحيرة واستغراب متمتمة: كيف تبدو جذاباً أكثر عندما تغضب! رين لدي نصيحة لك. التعبير الغاضب المنفعل قد يبدو لائقاً بك أكثر ولكن التبسم طوال الوقت سيجعلك أصغر سناً، أنظر إلي. كل من يراني يظنني بالكاد بلغت العشرون من عمري! لا بدو أنك تعلم السر. أنا لا أضيع أصغر الفرص لأبتسم فيها.
ثم رسمت ابتسامة واسعة مرحة: هكذا.
أغمض عينيه ومرر سبابته وإبهامه بين حاجبيه بحزم، ثم نظر بعيداً قبل أن يرمقني بهدوء بقدر إمكانه: ترددين الهراء وكأنني بالفعل أنوي استغلالك، في الواقع أنا من يتم الإعتداء عليه هنا.
عبست مقتربة منه: هذا مهين جداً.
ولكنه بدى كمن تعرض لتماس كهربائي فجأة وقد ابتعد عني فوراً واتجه للباب، كنت أعلم هذا. إنه يحاول جاهداً أن يكبت حقيقة عواطفه، والأهم. هو يظنني ثملة. ولهذا يبدو حذراً كثيراً!
أكره أن أصل إلى مرحلة كهذه، ولكن لا أنكر أنني استمتع أيضاً.
هل سأرى رين المرح والمندفع والخجول كذلك؟! أنا لن أنسى أبداً كم كان يبدو متوتراً وحرجاً في كل مرة يراني فيها.!
هذا سيء. يوجد شيطان آخر قد انضم إلى الحفلة، بدأ الإثنان يحرضانني أكثر، وجدت نفسي أتجه نحوه وقلت متنهدة أتظاهر بالتعثر والتوازن بسرعة: حسنا حسنا لا داعي للخوف والقلق.
أشرت إلى الأريكة بنعاس: سأستلقي هنا كما تريد.
طرف بترقب وشك: ماذا عن المفتاح!
رفعت كتفاي أستدير بلا اكتراث وفتور، اتجهت نحو الاريكة والقيت بجسدي عليها بقوة متمتمة: أغلق هذه الأنوار الغبية.
صاح بغيض: لن أفعل. ثم ما الذي تظنين نفسكِ فاعلة! على العودة إلى المنزل أنا لن أجلس هنا في المكان ذاته معكِ وتحت سقف واحد!
أغمضت عيناي بتعب: توقف عن الصراخ علي.
جينيفر!
صرخ باسمي بسخط وهو يقف في مكانه فتجاهلته وانتظمت أنفاسي، ارتخي جفاني كثيراً. كما هدأت تماماً وانسدل شعري على وجهي بعشوائية، حتى أنا كدت أنام خطئاً لولا تذكرت أنني في دور لا زال على تأديته بإتقان.
ظل ينادي باسمي في حين أتجاهله أحياناً، واتمتم بكلمات مبعثرة أحياناً أخرى.
لا أدري حقاً كم مر من الوقت، ولكنني أعلم أنه استسلم تقريباً وقد توقف عن محاولة إيقاظي.
بعدها سمعت خطاه تبتعد، فتحت عيناي قليلاً ورفعت رأسي بخفة أسترق نظرة إليه فوجدته يدخل إحدى الغرف حريصاً على ان ينيرها قبل الدخول إليها.
أين ذهب تحديداً!
لا يهم.
أسرعت استلقي مجدداً ورسمت الملامح المتعبة على وجهي، انتظرت قليلاً حتى سمعت خطاه تقترب.
ولكنني سرعان ما كدت أفتح عيناي ما ان شعرت بالدفء على جسدي وقد وضع فوقي فراش دافئ وناعم.!
يا الهي. قلبي لا يتوقف عن النبض بجنون! و. ويطلب مني التوقف عن محاولة التقرب إليه! هذا يصبح مستحيلاً أكثر فأكثر.!
ابتعد مجدداً وماهي إلا لحظات حتى عاد وهذه المرة جلب قناعاً للعين ووضعه على عيني برفق.
سمعته يهمس متسائلا: اليست قديمة ومغبَرَّة!
استغربت قليلاً حتى أدركت ما يقصده وقد عاود ينزع القناع مبعداً إياه عن عيني، آه. هكذا إذاً، يبدو أنه استسلم بالفعل وأدرك أنه لن يستطيع البقاء في مكان مظلم فجلب لي هذا القناع لأنام بأريحية تامة.
أكاد أبكي من السعادة.
أجفلت لسماع شهقة استغراب ودهشة خافتة وتمالكت نفسي لئلا افتح عيناي وأسأله عما حدث!
توترت كثيراً عندما طال الصمت ولم أشعر به يبتعد ولكنني حينها استغربت يده التي تضرب كتفي محاولاً إيقاظا وهو يقول بدهشة يجوبها اشمئزاز: اللعنة ما هذا!
أضاف بصوت قد تغير وبات ساخراً يميل إلى الإستنكار: رموش مزيفة. هل كنتِ بحاجة إليها حقاً!
لا.
لا!
لماذا يا الهي. لماذا؟!
يمكنني الشعور بالدموع في جوفي، أكاد أختنق من الغصة التي ستقتلني حتماً في أي لحظة! لماذا تسقط الرموش الآن من بين كل الأوقات؟ كان على أن أكون جذابة بينما انا نائمة أمامه.
هذا كثير علي.
هذا يحطم ثقتي بنفسي.
انتابتني الدهشة حين سمعت ضحك خافتة فلتت من بين شفتيه!
تصلبت مشاعري للحظة وتخشبت جميع حواسي الخمس، في حين همس وقد شعرت بأنامله تدفع الرموش إلى جفني مجدداً: كيف أعيدها إلى مكانها بحق الإله، وماذا لو التصقت بطريقة خاطئة؟!
أرجوك. أزلها وأزل الأخرى.
أزلها!
ولكنه تنهد باستسلام ولم يزلها كما تمنيت!
كان محقاً.
كان محقاً عندما قال أن لدي الحظ الأسوأ. لا. أنا لم أولد سيئة حظ ولكن هذه الحوادث السخيفة المحرجة لا تحدث سوى معه فقط!
سحقا لكل شيء.
هنيئاً فلقد ضاعت جهودي كلها هباءً منثوراً الآن، أهدرت زجاجات النبيذ وشربتها كلها متمسكة بوعيي ومستغلة قدرتي على مقاومة الكحول، استخدمت ستيف في خطتي كما أيقنت التمثيل. ثم تتحرك هذه الرموش السخيفة من مكانها عليها اللعنة!
ولكنه السبب. ما كان عليه وضع هذا القناع!
حسناً لا بأس. لدي حركة ذكية ستقدم دعم كافي.
تقلّبت في مكاني بإنزعاج أغمض عيناي بقوة وأتمتم بكلمات عشوائية غير مفهومة أنا نفسي لم أدركها، اسندت مرفقي على عيناي أتظاهر بالتضايق من الإنارة، في حين ما كان يحدث خلف كواليس مرفقي اللطيف هو إزالة سريعة للرموش وأنا أزيحها خلسة.
حينها شعرت بالرموش تسقط بالفعل، وأيقنت ذلك عندما وصلني إحساسه بالإستغراب الممزوج بالذعر والتقاطه لشيء ما من على الغطاء فوقي.
جيد، بقي الرمش الآخر فقط وكل شيء سيكون على ما يرام.
لا أظن لهذه الرموش المزيفة أي داعِ.
همس بتلك الجملة. وهو لا يدرك عن الإرتباك الذي انتابني لقرب صوته الشديد من أذني.
أظنني. لأول مرة أعي ما يعنيه أن تسري قشعريرة السعادة في الجسد!
لستِ بحاجة إلى مساحيق التجميل أو تلك الأقنعة السخيفة على وجهك. ولا إلى المبالغة بأزيائك وارتداءك للأحذية العالية. أنتِ حقاً. مُصابة بالغرور.
هل كان بحاجة إلى التفوه بجملته الأخيرة!
هذا الوغد الذي أحبه.
لا بأس لا بأس. فأنا الآن سعيدة.
هاه! أظنه يسند رأسه على الأريكة بجانب رأسي مستعيناً بمرفقيه، على أن أستمر في النوم بهدوء كما أتمنى أن لا يصله صوت خفقات قلبي الذي بدأ يطالبني بالتعقل وإيقاف كل هذا والا انفجر في أي لحظة.
أتذكر أنني كنت معجباً بمظهركِ كثيراً.
صرخةُ سعادة وخجل داخلية.!
ولكن. هذا ليس أمراً جديداً، عليه أن يقول أمور أكثر أهمية. على سبيل المثال. أن يتعمق أكثر ويتحدث عن.
كنت أخبر ذلك الأحمق كريس ألا يسمح لكِ بالدخول إلى المنزل عندما أكون متواجداً، كنت أشعر بالتوتر الشديد. مع أنكِ كنت ترضين غرورك وحسب، كنتِ تستمتعين برؤيتي محرجاً. كان هذا يزعجني كثيراً. ، ولكن الأيام التي تتوقفين فيها عن زيارة المنزل كنت أفقد السيطرة وأسأله فوراً عن سبب غيابك المفاجئ. عندما علمتِ أنني معجب بكِ تماديتِ كثيراً وبدوت مستمتعة بإبراز جمالك أكثر وقد زادت زياراتك إلى المنزل سواء كان كريس هناك أو لا. أو حتى في وقت فراغك أو انشغالك. كان من الصعب وصف تقلّب مزاجي وبداية سيطرة شعور الغضب علي.
حسناً كل شخص يتغير بمرور الوقت! عليه ان يتوقف عن تذكيري بالماضي التعيس.
ثم ليس وكأنني أجرمت في حقه.
لاحقاً استوعبت أنكِ لم تكوني تمتلكين جاذبية المظهر فقط، أظنني ومنذ البداية. كنت معجباً بالهالة الحيوية التي تحوم حولك في كل مكان وتجعل لكِ حضوراً قوياً أينما ذهبتِ. كنتِ ولا زلتِ براقة كمن تستعين بأضواء خفية لتسلطها عليها.
ها هو ذا قلبي قد جن جنونه تماماً.
لا يمكنني السيطرة على الدماء التي اندفعت نحو وجنتاي.
هاه!
شعرت بالدهشة والخجل ما أن لامست أنامله وجنتي.
كانت الرجفة الطفيفة في أنامله واضحة!، في لحظة كهذه. تمنيت ولو لأقل من ثانية أن أفتح عيناي وأتعمق النظر إليه. لأجعلهما تجوبان على وجهه وبكل تفاصيله. يا الهي، لم أتخيل يوماً أن تأسرني مشاعر غريبة كهذه. وتجاه من؟ تجاه رين الذي كنت استمتع بمضايقته طوال الوقت.
والآن. ما الذي على فعله! أنا لا زلت بحاجة إلى سماع أمر أهم بكثير.
كل هذه الخطة والوقت الذي أهدرته لكلينا لأجل سماع تلك الكلمة وحسب أو حتى أي أمر يدل عليها لأرتاح وأتوقف عن هذه الخطط والحيّل التي يجبرني على السير نحوها.
همس بإسمي وقد كانت شفتيه بجانب أذني، يمكنني الشعور بحرارة جسده القريب، اللعنة. لا تخبروني أن رين سيستغل الأمر لصالحه لمجرد أنني ثملة في رأيه!
رصيت على أسناني رغماً عني ولكنني سرعان ما ذُهلت بالثقل على صدري. م. ما الذي يفعله؟
حاولت فتح عيناي بحذر وببطء ولكنني شعرت بخطورة رغبتي فانتظرت حتى أدركت يقيناً.
أنه القى برأسه على صدري بينما لا يزال جالساً على الأرض بجانبي، وما زاد يقيني هو موقع صوته الهامس: مرّ وقت طويل منذ أن ثرثرت هكذا. ومع ذلك لا زلت أريد التحدث أكثر دون توقف.
انتابني الإستياء والحزن وتمنيت لو يتحدث ويفرغ طاقته كما يرغب.
عليكِ أن تبقي بعيدة عني، سيُكتب عليك العناء إن خطت قدميك حدود العائلة، لا تجرئي على اقتحام عالمنا المجنون.
أضاف بصوت منخفض بدى شارداً: أرغب بكِ. أريدك إلى جانبي حقاً. ولكن طفح الكيل أنا متعب ولم أعد أحتمل، لم أعد أصبر على رؤية المزيد من الناس يتأذون بسبب أفراد هذه العائلة المختلة. ، أنظري إلى ذلك الأحمق الذي تزوج بشارلوت. ليس وكأن أمراً جيداً حدث لها بعد ان أصبحت جزءاً من العائلة، أعلم أنها نالت كفايتها من أفعال أختي أو تهديداتها، ليت الأمر يقتصر على أوليفيا فقط. يوجد حرب باردة بين عائلتي وعائلة السيد ماكس. أظنها ستطول. قد لا تنتهي أصلاً! هل تريدين حقاً التعرض لما تعرضت له شارلوت أو لما قد تتعرض له لاحقاً؟! إن كانت أوليفيا الآن تحاول استعادة وعيها والمداومة على العلاج النفسي فأنا واثق بأن هذا لن يأتي بنتيجة. لو كان هذا ممكناً. لتعافت خالتي باتريشيا عندما حاول ماكس الصبر عليها ومعاونتها لتتخطى أزمتها النفسية، ولكنها لم تتغير. ازدادت سوءاً وحسب، من الصعب حقاً ترجمة أفكاري، بطريقة ما. أعترف بإعجابي بقدرة كريس على تحقيق ما كان يرغب فيه منذ الطفولة. تلك الفتاة. لم يكن يمزح بشأنها. ولم تكن مشاعره مؤقتة او نزوة عابرة. إلى أي مدى كان بحاجة إليها وإلى متى ظل يفكر بشأنها. أو أنه لم يتوقف أصلاً.! أتذكر المرة الأولى عندما حدثني عنها. لم أراه في حياتي يرسم تعبير مُحرجاً ومتوتراً كتلك المرة.
أردف ببطء وقد شعرت به يغوص في شروده وعمق أفكاره أكثر: أنا أيضاً مللت. أرهقتني الأجواء الجامدة والجافة العدائية في العائلة، أشعر بالغيرة من وضعك وظروفك التي لا يمكن مقارنتها بظروفي، لديكِ عائلة مثالية بحق. جميع أفرادها لا يهدرون أصغر الفرص للتعبير فيها عن حبهم لبعضهم البعض. الأمر ليس بيدي. أشعر بالغيرة، أعترف بحاجتي الماسة إلى هالة مشابه للتي تحوم حولك في كل مكان، الظلام الدامس الذي أعيش فيه سيخنقني حتماً. ليت الوضع كان مختلفاً، ليتني كنت قادراً على العودة إلى ما كنت عليه وليتني أتغلب على عجزي ومخاوفي واتخلص من الكوابيس التي تلاحقني بينما أكون يقظاً.
رين.
عليك ان تتوقف عن الضغط على نفسك أكثر.
فلتعطي ظهرك لكل هذه الهموم وحسب! خذ بيدي وقدم لي دعوة إلى عالمك وسأكون قادرة على انتزاعك من كل هذه المخاوف!
أنا أيضاً بحاجة إليه، بحاجة إلى البقاء إلى جانبه. أرغب حقاً في تعويضه عن أمور كثيرة، بل وأريد وبشدة إذابة هذا القناع السخيف الذي لا يليق به. والأهم من هذا. عليه أن يتوقف عن تكبير الأمور والتفكير بمبالغة. لا يجب أن يخشى ان يتقدم كلانا في العلاقة لسبب أو لآخر طالما هذه المشاعر متبادلة!
استوعبت أمر الصمت الذي ساد المكان والهدوء الشديد الذي غلفني من كل جهة، لماذا صمت فجأة؟!
لا زلت أشعر بثقل رأسه على صدري.
تنفست ببطء وهدوء مفكرة بكلماته قبل قليل.
أشعر بأن هذا يكفي.
وإن لم أسمع منه كلمات مباشرة ولكن هذا لم يعد يهمني، ما قاله للتو كان كفيلا بإيصال التعاسة واليأس الذي يعيشه.
شقيقته أوليفيا، ووالدته فيكتوريا. هاتين الإثنتين اجتمعتا في منزل واحد وعائلة واحدة فما المصيبة الأكبر من هذه على هذا الكوكب!
لن أتردد أكثر.
علي التعقل والتفكير بتأني، كلماته تصدح بالرغبة في الهرب من امور يعجز عن تحملها. عليه أن يهرب إلي، أن يجعلني أمسك بيده ولا يفلت أحدنا يد الآخر!
ثم أنني من الضروري أن أفهم موقفه تجاهي فما هي إلا ليالي معدودة سأكون فيها في العمل بعيداً عن هذه المدينة. فتحت عيناي وقد حزمت أمري، رفعت يدي لأنزع الرمش من على عيني الأخرى فشعر بحركتي وابعد رأسه فوراً ينظر إلى بفضول ولكنه سرعان ما استنكر جلوسي وقد اعتدلت فجأة ورتبت شعري.
نظرت للمكان باحثة عن حقيبتي التي حملها معه، كانت على الطاولة أمامي فأخذتها فوراً وأخرجت منها المرآة الصغيرة لأعدل من مظهري فهمس بعدم تصديق: أنتِ لن تهتمي بمظهرك في ثمالتك أيضاً.
أضاف بشك وقد ضاقت عيناه: ما الذي يحدث هنا!
تنهدت بعمق وأمسكت بالمرآة أنظر إليه بهدوء: اليس هذا واضحاً الآن؟ كنت أدعي الثمالة.
بدى مذهولا قليلاً قبل أن يعقد حاجبيه يحدق إلى بتمعن وابتعد للخلف هامساً: تدعين.
نظر من حوله ثم عاود ينظر إلى وهو يفكر بغضب، احتدت ملامحه أكثر ولم يكد يفتح فاهه حتى قلت مبتسمة بلطف: ومع أنني كنت قلقة بشأن خطتي، ولكنني لست نادمة إطلاقاً.
أغمض عينيه بسرعة وجفنيه يرتعشان دلالة على محاولته للسيطرة على نفسه، تساءل دون ان يفتحهما: إذاً جررتني من منزلي إلى الحانة لأخذك بينما تدعين وحسب، أتيت إلى هنا بسببك ولا زلت تدعين. ثرثرت وتفوهت بالهراء وأنت مستمرة في لعب دور الأميرة النائمة، متى ستتوقفين عن هذه الحيّل بحق خالق الكون! هذا حقاً يكفي. لقد اكتفيت من أفعالك الطفولية. عليكِ أن.
تجاهلت الغضب الذي فجره متمتمة بتفكير: والآن وبعد أن أدركت حقيقة مشاعرك تجاهي وقلقك على ورغبتك في حمايتي، كيف أعبر عن سعادتي!
كان من الصعب عليه استيعاب كلماتي المناقضة لغضبه، ظل ينظر إلى بعدم تصديق فأحنيت ظهري قليلاً لأنزع الكعب العالي عن قدمي مردفة: اجلس لنتحدث يا رين، أنت الوحيد الذي تبذر منه التصرفات الطفولية.
أعقبت محذرة: لم أنسى تقبيلك لي مرتين على التوالي، هذا أمر أنت من فضحت فيه نفسك دون أن يتم إجبارك. هل ستنكر هذا!
ثم توردت وجنتاي رغماً عني وتلعثمت هامسة: من الصعب حقاً نسيان ما شعرت به آنذاك!
مرر يده في شعره بنفاذ صبر وزمجر بغيض: ألهذه الدرجة الأمر مهم! حسناً فليكن. تلك القبلة كانت مجرد تهور مني، هل يرضيك هذا الآن؟!
لنفترض أن هذا ما كان عليه الوضع في المرة الأولى، ابتعدت عنك حينها ولكنك قبلتني مجدداً. هل هذا أيضاً تهور يا ترى؟
لمعت مقلتيه ببريق غريب بدى يحاول جاهداً طمسه بالتعبير المنزعج، أشاح بوجهه بعيداً فقلت بسخرية: أنا أنصت.
وضع يديه في جيبه وقال دون أن يدير رأسه نحوي: ذلك كان.
رفعت حاجباي وأملت برأسي أحثه على الإكمال ساخرة فأعقب بصوت منخفض: كان فقط. مجرد.
ظل ينظر للفراغ ثم عقد حاجبيه بتعبير غريب! أخرج يده اليمنى من جيبه وأمسك بمعطفه وبجيب بنطاله قليلاً ثم حرك أنامله دون توقف وعاود يدخل يده في جيبه. تحركاته الواضحة لا تدل سوى على إرتباكه.
رين.
همهم بحزم فأضفت بهدوء واقفة بثقة أخفي الحرج الذي يكاد يسيطر علي: أنا أحبك.
أطبق شفتيه بقوة فأكملت مقتربة: ألا تشعر بالسعادة لكسر غروري الذي يزعجك كما تقول! ها أنا ذا أعترف لك. امرأة ناجحة جذابة ومثيرة وطموحة مثلي تعترف بهزيمتها يا رين فما الذي تريده أكثر!
رمقني بطرف عينه بنظرة سريعة وعندما استوعب اقترابي منه أخرج كلتا يديه يحكم قبضتيه وتراجع خطوة للوراء فوقفت في مكاني بلطف: أنظروا من يحاول إخفاء خجله هنا.! أظن اعادتك إلى ما كنت عليه لن يكون أمراً مرهقاً حقاً.
علي المغادرة، أنا هنا بسببك.
أكمل بضيق: لا يجب أن نتوغل في هذا أكثر.
ولكن كلانا يرغب في هذا!
تحدثي عن نفسك.
أتحدث عن نفسي وعن الشخص الذي قبلني مرتين على التوالي.
اللعنة توقفي عن ذكر هذه الحماقة في كل حديث!
ضحكت بخفوت بينما طرف بسرعة وبإنزعاج: هذا ما تفخرين به طالما هي قبلتك الأولى كما قلتِ، ليست مرتي الأولى لذا لا يهمني ما يكاد يأسر تفكيرك.
يا لك من وقح! ثم ان كنت تشير إلى شارلوت فلا تقلق. أنا أعلم جيداً أنها واقعة في حب كريس ولن تجرؤ على فعلة كهذه، السخيف والصبياني والأحمق الوحيد الذي قد يبادر بفعلة كهذه هو أنت. لذا أنا واثقة أنك من أقدمت على فعلة كهذه في حقها.
استرسلت بملل: سأفهم لاحقاً أسبابك ومع أنني أشك بأنها أسباب قوية حتى، بالنظر إلى شخصيتك القديمة فأنت مندفع جداً وكنت نادراً ما تلجأ إلى عقلك. لذا لا بأس!
أنت تتمادين كثيراً في التصغير من شأني.
لست أفعل. وليكن في علمك أن شخصيتك القديمة أفضل بكثير من شخصيتك الحالية المثيرة للضحك.
رفع حاجبه الأيسر وقد ارتخت ملامحه من الغضب ولكنها ظلت محذرة، ظل ينظر إلى بتبرم يجوبه نفاذ صبر. اقتربت دون تردد فتظاهر بالثبات والبرود.
وقفت أمامه مباشرة فأبعد عينيه قليلاً ينظر للمكان خلفي قبل أن يعاود النظر إلى بهدوء، ابتسمت بمكر وخبث: أنصت. إن لم تكن تلك مرتك الأولى يا كازانوفا، فحُري بك ألا تشعر بالتوتر الآن. اثبت لي مدى ثقتك وحسب.
كاد يبعد نفسه قليلاً ولكنه ظل في مكانه ثم قال بصوت بارد: ما الذي تنوين فعله.
طرفت بثقة وخبث أرفع يدي نحو وجنته: ستواجهني يا رين. سيكون وجهي مقابلك مباشرة، إن بذرت منك ردة فعل واحدة فقط تفضح فيها مشاعرك فستكون حينها قد أعلنت خسارتك.
نظر إلى يدي وأبعدها بهدوء قبل أن يغمض عينيه ويتنهد بلا حيلة! استغربت ذلك قليلاً وزميت شفتي بحيرة.
ترقبت الأمر حتى نظر إلى وابتسم بسخرية: تظاهري بالخجل ولو قليلاً واتركي هذه الجرأة جانباً، بالمناسبة.
رفع أنامله نحو شعري فكدت أبتسم بانتصار لولا أنه رفع شيئاً أمامي متمتماً: كان لا يزال عالقاً في شعرك.
قطبت جبيني أنظر إلى يده حتى استوعبت أمر الرمش الذي انتزعه من على شعري.!
عضيت على شفتي بغيض وإحراج وقد انتزعته من يده بغضب: أ. أعده إلي!
أصدر صوتاً هازئاً ثم ضحك هازئاً وابتعد ليجلس على الأريكة، أسند مرفقه على المسند ورفع كلتا قدميه على الطاولة ثم زفر: لا خيار آخر. سأتصل بالمكتب الموجود في الطابق الأرضي وأخبرهم أنني محتجز هنا وسيكون الخروج سهلاً.
ضيقت عيناي بشك: هل هذا ممكن؟
لا طاقة لدي للكذب.
فتحت فاهي أعترض ولكن رنين هاتفي تعالى في المكان ليوقفني فأسرعت نحو حقيبتي وقد انحصر تفكيري على شارلوت.
وقد كنت محقة فها هو ذا اسمها يعتلي الشاشة، ابتسمت بحماس وأنا أسرع بالإجابة.
شارلوت:
ها هي ذا.
أجابت بحماس: شارلوت! ما هي أخر الأخبار؟
لما لا تخمني بنفسك؟
هذه النبرة السعيدة! هل. هل سيعود كريس برفقتك أخيراً؟!
قالتها بصوت عالي فأبعدت الهاتف عن أذني قليلاً ثم ابتسمت بسرور: تماماً.
شهقت وبدت مذهولة حتى صرخت بعدم تصديق وإنفعال: يا الهي! وأخيراً. لا أدري كيف أصف سعادتي، شارلوت أنتِ الأفضل حقاً، أنتِ الأجمل. أنتِ من يُعتمد عليها حقاً!
ضحكت بخفوت أنصت إلى صراخها المنفعل وأنا ألقي نظرة على كريس الذي يخفض رأسه بتوتر يجلس على الأريكة يتلقى توبيخاً من هيذر التي كان من أخبرني بنفسه بضرورة التحدث إليها بعد ما فعله بها، أما أنا فأقف في زاوية غرفة الجلوس ولوسي تموء بجانب قدمي وتلعب بطرف بنطالي.
انتفضت لصرخة حادة كادت تنهي حاسة السمع لدي: أنا قادمة حالاً يا شارلوت.
اتسعت عيناي: قادمة؟!
أضفت نافية بسرعة: لا داعي لهذا سنعود في غضون ساعة تقريباً، سيذهب إلى المشفى أولاً حيث جيمي، كما أنه يريد تصفية حساباته كلها اليوم. آه صحيح.
أخفضت صوتي بحذر لئلا يسمعني كريس وأعطيته ظهري هامسة: لدي ما أقوله لكِ.
أتى صوتها بحيرة وفضول: ماذا؟ خبر سعيد آخر!
أعقبت بخبث: هل كل شيء على ما يرام وستخبرينني أننا سننتظر مولوداً صغيراً منذ الآن؟! هذه هي فتاتي التي أفخر بها.
أغمضت عيناي بلا حيلة ورفعت يدي على خصري: جينيفر. الأمر حقاً مهم جداً.
حسنا حسنا أنا أنصت. تفضلي.
تنفست بعمق وهدأت قليلاً، القيت نظرة على هيذر التي لم تترك صنفاً من الحلويات المخبوزة والباردة إلا وقد وضعتها على الطاولة أمام كريس. على مساعدته. على أن أستمر في الوقوف إلى جانبه، طلب بنفسه أن يزور هذه العجوز اللطيفة وقد تذكر ما بذر منه تجاهها، صحيح بأنه لم يقل مباشرة بأنه راغب في الإعتذار ولكن كل شيء واضح، كما أن هيذر لم تستقبله استقابلا بارداً أو تشيح بناظريها بعيداً، بل بدت سعيدة وفي عينيها كلمات كثيرة وكأنها تشير إلى الفخر بي وقد أعدته معي.
تجاهلت زحام أفكاري وهمست: إنه بشأن رين. أخشى أن أقول هذا ولكنني.
ترددت قبل أن أكمل: أريد الإعتماد عليكِ بشأن خلافه مع كريس، جينيفر. لقد كان طلب ماكس الأخير، عليهما أن يتصالحا. ولأكن صريحة معك فلا أظن الأمر سيكون صعبا جداً، فكريس يبدو مستعداً لحل أمور كثيرة وراغباً في وضع النقاط على الحروف المتعلقة بمواضيع معينة ولكنني لا زلت قلقة بشأن ردة فعل رين بعض الشيء، كما أعلم أنكِ الأنسب لهذه المهمة. أنتِ تفهمين الإثنان على أي حال وعلاقتك بهما قديمة. هل أطلب الكثير؟
شعرت بها تبتسم بهدوء: أيتها الحمقاء، من قال أنني كنت في انتظار طلبكِ السخيف!
أكملت متنهدة: هل قلتِ ستكونان في المشفى بعد ساعة؟
تقريباً، حسنا ربما أقل.
سرت قشعريرة في جسدي لنبرتها الخبيثة الخافتة: سأكون هناك، لن أتي وحدي.
أغلقت في وجهي فجأة فارتفع حاجباي باستغراب أنظر إلى الهاتف بحيرة، ما خطب النبرة الأخيرة تحديداً!
أتساءل عن نوع الأفكار التي تدور في ذهنها الآن.
استدرت لأعود حيث يجلس ووضعت هاتفي في جيبي، اقتربت مبتسمة فنظر إلى فوراً وبدى للحظة وكأنه شاكر لعودتي!
علمت السبب فوراً وانا أسمع هيذر تتنهد: بصراحة لو كنت مكانها لما سامحتك بهذه السرعة ولكن المسكينة كانت تبكي وهي تسرد لي الكثير عن حياتك، لذا أراك معذوراً على بعض تصرفاتك ولكنني لا زلت أنتظر اعتذارا على قولك أن حاسة السمع لدى عجوز مثلي لا ينبغي أن تكون قوية، حتى وإن كنت امرأة كبيرة في السن ولكنني في النهاية أنثى كما تعلم.
ضحكت بخفوت وانا أجلس ممسكة بيده اليسرى بكلتا يداي: جدتي هيذر عليكِ به، أريد ولو لمرة واحدة أن أسمعه يعتذر.
أخفض ناظريه قليلاً قبل أن يرسم ابتسامة هادئة وهو يلقي نظرة على القطة التي تبعتني، ثم نظر إلى هيذر: أعلم أنني كنت وقحاً حينها.
نظرنا إليه بنصف عين فأضاف بهدوء: أعتذر عما بذر مني.
تنفست الصعداء وقلت أرخي ظهري غير مصدقة: فليسجل التاريخ هذه اللحظة!
ومع أنه بدى منزعجا متوتراً ولكنه أردف يشد على يدي محدقا إليها بجدية: ولكن ما قلتهِ للتو عن النساء اللواتي كنت أرافقهن.
خفق قلبي لتلك الجملة وأسرعت أنظر إلى الأرض بإستياء، ولكن هذا الإستياء تبدد لقوله: أنا لم أتجاوز حدودي معهن، لست زير نساء. كما لست خائن.
أعقب يرمقني بطرف عينه: قلت هذا للمرة المئة.
ارتفع حاجباي في حين ابتسمت هيذر بلطف: أسمعتِ يا شارلوت؟ يخبرك أنه لم يقم بخيانتك، ألم أخبرك أنه أحبك منذ زمن وقبل أن تقعي في حبه.
اتسعت عسليتيه وقد عقد حاجبيه يرمقني بإستنكار شديد: ما الذي ثرثرتِ بشأنه تحديداً؟!
أجبته أكتم ضحكتي: كل شيء تقريباً.
قطعت هيذر المزيد من الكعك فرفض كلانا في الوقت آنه: هذا يكفي.
نظرت إلينا باستغراب فقلت موضحة أمنع دموعي من الخروج من وكرهما: جدتي نكاد نموت حقاً! أكلنا الكثير من الحلويات للتو هذا حقاً يكفي، كلها لذيذة لا تقاوم وهنا تكمن المشكلة.
أومأ مؤيداً فزمت شفتيها بإعتراض ثم قالت بعناد: إذاً سأضعها في علبة لتأخذوها معكما، لا أريد سماع أي اعتراض.
ثم تجاهلت الأمر وقالت بشيء من الجدية: أنا حقاً سعيدة بعودتك إلى رشدك يا بني، دعني أخبرك أن لديك من يحبونك ويقلقون بشأنك بالفعل، هذه الفتاة كانت على وشك الإنهيار ولكنها تمالكت نفسها لأجلك فقط، إضافة إلى شقيقها الذي أتى برفقة ابن عمتك، كلاهما كانا في انتظارك لذا عليك أن تبدأ ومنذ هذه اللحظة بتقدير كل شخص في حياتك والشعور بكل لحظة مهما كانت. لا شيء يمكنك تعويضه عندما تتحدث عن العائلة.
أيدتها بلطف: محقة.
شرد بذهنه قليلاً ثم نظر إليها بتفكير قبل أن يومئ بصمت، ابتسمت هيذر لي فبادلتها الإبتسامة: شكراً جزيلاً لكِ، لولاكِ لما استطعت مساعدته، أرجو أنني سأستطيع رد الجميل لكِ يوماً ما.
رفعت حاجبيها مفكرة وقد قالت بصوتها المرتجف: رد الجميل. ماذا عن هذا؟! قوموا بزيارتي وقتما شئتم، سام وستيف أيضاً، سأكون سعيدة بسماعهما يناديانني بالخالة.
ضحكت نافية: لقد نالا منكِ!
والطفل الصغير أيضاً، ماذا كان اسمه! آه جيمي. سأكون حقاً مسرورة لو رأيته، وصفكِ له وحديثك عنه أوقعني في حبه قبل مقابلته.
شعرت بنظرات كريس الشاردة والعميقة نحوي ولكنني تجاهلت الأمر وقلت بخبث: ماذا عن جلب العائلة بأكملها؟ وكذلك أمي وأبي ومن أعرفهم!
عبست معترضة: هل تسخرين مني!
ضحكت نافية: حسناً أعدك بهذا، سأجلب جيمي معي في المرة القادمة ولكن دعيني أخبرك بهذا منذ الآن، لا يجب أن يتجاوز حدوده في تناول الحلوى لذا أنا أرجوكِ بكل إخلاص ان تعدي صنفاً واحداً فقط وكمية محدودة.
بدت تفكر قبل ان تتنهد باستسلام: اتفقنا.
نظرت إلى كريس للحظة ثم ابتسمت: هل نذهب إلى جيمي؟
أومأ فوراً وحدق إلى هيذر بهدوء وقد رسم ابتسامة مضمرة على ثغره: أريد أن أسألك معروفاً.
ارتفع حاجبيها وقالت بإهتمام: تفضل يا بني.
تنهد مجيباً: رجل توصيل الطعام الذي حاولتِ التدخل بشأنه، لا يمكنني تذكر من أي مطعم كان تحديداً، سأكون شاكراً لو أعطيته عنواني.
رجل توصيل الطعام.!
عقدت حاجباي بعدم فهم متسائلة: ما الذي تقصده؟ ما خطب الرجل؟
طرف بهدوء وهو ينفي: لا شيء. مجرد أمر على تسويته.
لانت ملامح هيذر كثيراً وهي تتأمله، انتبه لها فتغيرت نظراته إلى الترقب، راقبتهما باستغراب حتى أومأت برأسها بلطف: لكَ هذا.
ما الذي يتحدثان عنه!
لويت شفتي بإنزعاج راغبة في أي توضيح أو تلميح، قال أنه رجل توصيل طلبات الطعام، أتساءل إن كان أحد الأشخاص اللذين تم تحقيرهم كما قالت جينيفر. هذا المتهور! كم عدد اللذين جعل منهم كارهين له بسبب أزمته تلك.
بصراحة كان كل تفكيري ينحصر على هذا الأمر، حتى عندما ودعنا هيذر وخرجنا من منزلها، بل وعندما أوقفت سيارة أجرة وأخبرته بالعنوان، بدى كريس غير مرتاح لركوبه سيارة أجرة فتوقفت عن الإبحار في أفكاري الفضولية وقلت شامتة وممازحة بهمس: أنت من هرب من المنزل فجأة دون سيارتك لذا فلتتذوق ما صنعته بنفسك.
نظر من خلال النافذة قليلاً ثم إلى وتجاهل ما قلته ليتمتم: إنها التاسعة، جيمي معتاد على أن يكون نائماً في هذا الوقت.
ارتخت ملامحي أنصت إليه فأكمل متنهداً: ماذا أفعل فور رؤيته؟ هل ايقظه لو كان نائماً؟
فكرت قليلاً بتأني قبل أن أحاوره: ماذا عن هذا، قم بزيارته لتطمئن عليه سواء كان مستيقظاً أو نائماً، ثم عد للمنزل مباشرة وقابل عائلتك وكذلك تيا، وبصراحة أرى أن أهم ما يجب فعله بعد رؤية جيمي هو الحديث مع جوش فوراً، إنه حقاً منهك بسبب الأعمال المتراكمة وبالكاد يأخذ قسطاً من الراحة. كما تعلم. كان مضطراً طوال الفترة الماضية لأخذ مكانك وكذلك إدارة القسم الخاص به.
أومأ وقد تشنج فكه قليلاً كمن يريد أن يكبح كلمات كادت تخرج، لويت شفتي بإستياء حتى شعرت بيده التي شبك أناملها بين أناملي!
ماذا عن عمتي؟ هل هي بخير!
استرسل بهمس: لا بد وأن وفاة أبي ستفقدها أي رغبة في الحياة.
حسناً كيف أقول هذا. كلوديا متعبة بالفعل وقد شحب وجهها كثيراً، لا شهية لديها لتناول أي شيء كما أنها لا تخرج من المنزل. بل من غرفتها! اقترح ستيف عليها أن تساعد جوش في العمل طالما لديها الخبرة الكافية قبل أن تستقيل ولكنها ترفض باستمرار أن تنغمس في أي شيء خارجي. لا تريد الجلوس معنا أو الخروج مع ستيف وقبول اقتراحاته وسؤاله الدائم ليرفه عنها قليلاً. كما أنني لا أدري إن كان هناك أي تطورات في المنزل فالفترة الماضية قضيتها كلها مع جيمي.
يا الهي. لا! ما هذا التعبير على وجهه الآن.
عضيت على شفتي بحزن وقلت فوراً متداركة الأمر: و. ولكنك عدت الآن وكل شيء سيكون على ما يرام! سيرتاح جوش وكذلك ستطمئن كلوديا.
تيا.؟
إيثان برفقتها طوال الوقت لا تقلق بشأنها، هي تحاول جاهدة لأجلك ثق بي، كما أنها عادت للعمل لذا هي في انتظارك أيضاً. أنت تعلم بأنك تعني لها كل شيء واختفاؤك فجأة أثر بها، ولكنها تقف على قدميها. ثم أخي لم يقصر معها حقاً، إنه وبطريقة ما قادر بالفعل على انتشالها من عتمتها وغرس الأمل بها دائماً. لذا لا بأس.
طرف ببطء ثم فتح فاهه ليتساءل فأسرعت أقول بثقة: السيدة أولين تحاول جاهدة لأجلك أيضاً، كما أنها تعلم جيداً أنك ستعود عاجلاً أم آجلاً. قالت فور اختفائك أنك لست الشخص الذي سيختار الرحيل تاركاً طفله خلفه، كانت واثقة أنك سترجع سواء بنفسك أو بمساعدة شخص آخر، يا الهي لا يسعني سوى الشعور بالغرور الآن وقد نجحت في إعادتك! عليكَ ان تشكرني لاحقاً كثيراً، بل في كل مرة تنظر فيها إلى وجهي.
نظر إلى بصمت وتأمل، أكملت أنظر عبر النافذة مبتسمة بفخر: كانت هيذر محقة، أخبرتني أنني قادرة على إعادتك خلال ليلة واحدة بدلاً من خمسة أيام كما وعدت جيمي، ذكرني بتجهيز هاتفي لأصور ردود أفعال الجميع من فضلك، فأنا.
استغربت يده التي أدار بها وجهي نحوه، طرفت بعيني باستغراب وبسرعة: ماذا!
ولكنه التزم الصمت.
ظل يحدق إلى وقد طالت تأملاته فأخفضت ناظري أهرب من عينيه وقد سيطر على الخجل والتوتر.
عليه ان يتوقف عن التفرس في وجهي بهذه الطريقة وإلا شعرت بآلام مميتة في معدتي حقاً.
يده دافئة على عكس المعتاد.
كما لو كانت تخبرني أن جوفه يحترق ويبث هذا الدفء حتى أنامله، كما أن عيناه الآن تبدو بالفعل. ألطف وأحن ما رأيت!
كما توقعت. معدتي باتت تؤلمني الآن بسبب التوتر والإرتباك الذي يشعرني به!
وهذا ما جعلني أهمس بإسمه وقد استرقت نحوه نظرة مضطربة فشد على أناملي بيده والأخرى لا تزال على وجنتي: تعلمين أن وجودكِ إلى جانبي مهم جداً. إياك والتفكير يوماً في تركي خلفك مهما فعلت أو ارتكبت من أخطاء.
اتسعت مقلتاي بدهشة ولم يرحم ضعفي وخجلي ليكمل هامساً وقد بدأ يحدق إلى ثغري: أنا جاد يا شارلوت، إن فكرتِ في ذلك فستكونين السبب في تحولي إلى شيطان خرج من الجحيم. عليكِ أن تعي هذا جيداً. وإن كان من الصعب تصديق أن بداخلي شيطان ما فهذا لأنكِ روضته جيداً، فكري في الإبتعاد عني وسأكون كاللعنة وأقلب حياتك رأساً على عقب.
هذا.
أجمل تهديد سمعته في حياتي كلها!
حتى أنني أبتسم كالبلهاء بعدم تصديق.!
حاولت تجاهل ألم معدتي قدر المستطاع أقول بصوت منخفض وقد تلعثمت رغماً عني: توقف عن وصف نفسك بذلك السخف، تذكر أنني أخبرتك بوجود شيطان داخل كل إنسان ينتظر لحظات الضعف والقهر ليخرج بها. أنت لست ضعيفاً إلى هذه الدرجة لذا توقف عن التفكير بهذه الطريقة. كريس أنت.
بترت كلماتي أخفض عيناي بسرعة عندما قرّب وجهه مني ببطء، توقف قليلاً وبدى أنه في انتظاري لأبادله النظرات فرفعت عيناي نحوه ليدنو إلى ثغري بملامح قد ارتخت كثيراً.
كم أنا سعيدة.
بعودته إلى رشده وخروجه من قوقعة العتمة واليأس تلك.!
كنت بحاجته حقاً.
كنت أفتقده ومن الصعب وصف شوقي إليه مهما حاولت.
كانت مسافة لا تذكر بين شفتينا.
ومع أنني أغمضت عيناي باستسلام إلا أنني أجفلت لصوت ممتعض ومرتجف دلّ على كبر سن صاحبه: عذراً ولكن سيارتي ليست غرفة في أحد النُزل. أرجو أن تنتظرا حتى تصلا إلى وجهتيكما.
ابعدته عني بسرعة ونظرت عبر النافذة أطرف مئة مرة في الثانية الواحدة وامرر يدي في شعري بتوتر شديد، في حين القى نظرة على السائق وقال ببرود يجوبه إنزعاج: إنها زوجتي.
جادله السائق بإنزعاج: وإن كانت زوجتك! أنت في سيارة أجرة كما ترى. تهذب يا فتى قبل أن أنزلكما هنا. سُحقاً، الأجيال الأصغر لا تمتلك ولو ذرة من الحياء والأدب العام. يتصرف كل شاب كروميو الذي يبحث عن محبوبته دون أدنى مراعاة للمكان أو الزمان. أفعال مثيرة للغثيان.
اتسعت عينيه بعدم تصديق في حين كتمت ضحكتي على جملته تلك محاولة تمالك نفسي بصعوبة.
وعندما شعرت به يكاد يجادله مجدداً وكزته في خصره مشيرة له أن يصمت وموضحة أننا المخطئان هنا.
أكثر من ربع ساعة حتى وصلنا إلى المشفى وترجلنا من السيارة، فتح السائق نافذته متمتماً باستهزاء قبل أن يرحل: أرجو ألا تنسيا وجودكما في المشفى الآن.
تنهدتُ بلا حيلة ولم أعلق في حين رمقه كريس بطرف عينه وهمس بنفاذ صبر: هذا الكهل مستفز حقاً.
أشرت له أن ينسى الأمر وقد تقدمته مبتسمة: هيا بنا.
أولين:.
ضيقت عيناي بشك واقتربت من رأسه هامسة: يبدو لي أن شخص ما لا زال يتظاهر بالنوم!
جفنيه يرتجفان دلالة على محاولته التظاهر بالنوم، كما أنه يتقلب باستمرار ودون توقف، تنهدت بلا حيلة: هيا يا جيمي عليك أن تنام وتلتزم بموعد نومك، لا تنسى أنك ستستيقظ مبكراً!
فتح عسليتيه الواسعتان وعبس بوجهه ينظر إلى الفراغ باستياء: أمي لم تتصل حتى الآن.
ارتفع حاجباي ثم سرعان ما غيرت الموضوع بحزم: كما توقعت كنت تتظاهر وحسب يا جيمي، الساعة تشير إلى التاسعة والخامسة والأربعون أي أنك ت.
سيدة أولين متى ستعود أمي!
أضاف بضيق وهو يستلقي على جانبه الأيمن بصعوبة بسبب تلك الجبيرة على ساقه: حتى ستيف لم يأتي اليوم، ولا خالي سام أو إيثان. شارلي من يأتي لزيارتي فقط مع جينيفر! لماذا لا أخرج من المشفى وأعود للمنزل؟ تستمر أمي في إخباري أنني سأجري العملية قريباً ولكنني مللت البقاء هنا، كما أنها قالت أن أبي سيعود ولكنها في كل مرة تخبرني أنه سيتأخر أكثر.
ما الذي على قوله لأخمد نار انتظاره وحرقته بوجوده هنا عاجز عن فعل أي شيء! كيف عساه يمضي وقته مع شارلي حتى وهو غير قادر على إبصار أي شيء من حوله؟ كيف سيتحرك هنا وهناك وهذه الجبيرة على ساقه؟! بل أنه سيستمر في وضعها لفترة أطول طالما كان الكسر قوياً!
هذا المسكين. أشعر أنني عاجزة تماماً أمامه، كما أعترف.
أن وجود شارلوت مهم جداً!
تعلقه الشديد بها أمر مثير للإعجاب، هذه الفتاة تبذل جهدها لإسعاده وتعويضه فقط، ليست مجبرة على البقاء معه كما ليست مرغمة على انتظار كريس! أي امرأة أخرى كانت لتلتفت إلى مستقبلها واختباراتها التي فوتتها ولكنها القت بكل شيء خلفها.
تنهدت بعمق أداعب شعره بلطف: هيا يا جيمي عليك أن تنام، توقف عن التفكير والمبالغة! الأمر أن الجميع مشغولين فقط في بضعة مهام، خالك سام لا يعيش في هذه المدينة كما تعلم، وخالك إيثان أيضاً عليه أن يعتني بتيا، ستيف قد يكون لديه ما يشغل تفكيره لذا لا تنزعج أو تقلق! تذكر ما كانت عليه ردة فعل الجميع عندما أُصبت في الحادثة، هل نسيت مدى خوفهم وقلقهم.؟
عبس وهو يقوس شفتيه متلعثما بتردد: ماذا عن أبي! لماذا تستمر أمي في قول تلك الأعذار دائماً!
ل. لأنه بالفعل مشغول جداً ولديه أعمال كثيرة لينهيها، عليه أن.
أبي ليس مشغول في العمل.
أردف يرفع الغطاء على وجهه: أبي غاضب مني كثيراً، لا يريد رؤيتي. كما أن عدم قدرتي على الإبصار ستكون م.
قاطعته بحزم: توقف عن قول هذا!
انتفض جسده الصغير أسفل الغطاء فأسرعت أزيحه عنه لأنظر إليه أخفي حزني العميق على تعبيرات جيمي التي باتت أعمق وأقوى!
إياك وأن تكرر هذا مجدداً، والدك اكثر من يحبك! إنه مستعد للتضحية بأمور كثيرة لأجلك فقط، جيمي من فضلك تذكر هذا. والدك يحبك أكثر مما يفعل جميع من تعرفهم، ألم يعدك أنه سيحسن من علاقته معك وسيستغل كل فرصة ليتقرّب إليك! ما علينا سوى الإنتظار فقط. لا تتحدث عن نفسك كما لو كنت عائقاً هذا غير مقبول البتة هل تفهم؟!
دمعت مقلتيه وظل صامتاً ويديه الصغيرتان يكورهما، دنوت نحوه لأعانقه باستياء وقلق في حين بادلني العناق يتمتم بصوت مرتجف: نعم. أفهم.
ومع أنه قالها بعدم اقتناع، ولكنني كنت آمل أن أفكاره ستتغير ولو قليلاً!
أعترف أنني أيضاً بدأت أشعر بشيء من الإنهاك واليأس بسبب غياب كريس، بدأ يسيطر على إحساس غريب موحش!
تماماً كمن فقدت ابنها الذي لا تحمل عنه أي أنباء، ابنها الذي تغيب دون أن يدرك الفجوة العميقة والمميتة التي خلفها في روحها، لكم هو مؤلم هذا الشعور.
جميعنا لدينا من نعيش لأجله، جميعنا لدينا الشخص الذي يشكل حافز يرغمنا على تخطي أي أزمة قد نمر فيها، ولكن عندما نفتقد هذا الشخص نشعر فجأة بالضياع وبانقطاع كل سُبل العيش.
كريس من جعل لحياتي قيمة، جعل لي سبباً لأعيش منذ صغره، أمومتي نحوه جعلتني أملك العالم.
رأيته يكبر أمام عيناي، رأيته يعاني ويتغير ويكبت كل شيء لنفسه، كنت واثقة أن مرور شارلوت في طفولته لن يكون مجرد مرور عابر فقط. كنت أشك دائماً بوجود فتاة في حياته، رفضه لمحاولة الخوض في أي علاقة لم يكن يبدو طبيعيا في نظري. كنت كالأم التي تعي بوجود فتاة في حياة ابنها الخاصة مهما كانت طريقته في الإنكار، ولكنني عندما ذهلت بحمل كلارا تراجعت عن كل هذه الإعتقادات. ثم أدركت مؤخراً أن الضغط الذي كان يشعر به سيّره ليرتكب الأخطاء دون التفكير بالعواقب.
متى ستحين اللحظة التي ننسى فيها هذا الماضي التعيس؟!
هل سيطول الإنتظار!
نفيت برأسي باستسلام: أنت لا تنوي النوم حقاً!
ابتسم بتردد: اعتدت النوم بجانب أمي.
عبست أتظاهر بالحزن: وتقول هذا أمامي دون أدنى مراعاة لمشاعري! ماذا عني؟
ارتفع حاجبيه متسائلاً بقلق: سيدة أولين هل أزعجتك!
أردف بسرعة: آسف! أنا أحبكِ أنتِ أيضاً.
ضحكت بخفوت أقرص وجنته بخفة وقلت واقفة: سأذهب لشراء شراب ساخن طالما أنك مستيقظ، انتظرني إنها بضعة دقائق فقط وسأعود. هل أشتري لك شيئاً يا عزيزي؟
فكر قليلاً قبل أن ينفي برأسه: لو علمت أمي أنني شربت حليب الشوكولا البارد فستغضب مني.
سأجلب حليب شوكولا ساخن إذاً!
اشمأزت ملامحه: لا أحبه ساخناً.
ابتسمت بحيرة أحدق إلى ذلك التعبير الذي ذكرني كثيراً بكريس عندما كان صغيراً! في الأمس أيضاَ بذرت منه ردة فعل تكاد تكون مطابقة لوالده عندما يتستر على مشاعره الحقيقية.
اتسعت ابتسامتي دون شعور وقد سرحت بذهني حتى نادى بي باستغراب فنفضت الأفكار عن رأسي بسرعة وخرجت من الغرفة بخطى سريعة لئلا أتأخر عليه، كما نظرت إلى الممرضة التي تجلس خلف مكتبها في نهاية الممر قبل المصعد وأخبرتها بجلوسه في الغرفة دون مرافق فذهبت رفيقتها إليه. دخلت المصعد وضغطت على الزر لأنزل حيث وجهتي.
خرجت منه ما أن توقف في الطابق الأرضي، كدت انعطف يميناً لولا أنني وقفت في مكاني عندما سمعت صوتاً مألوفاً ينادي بي بنبرة مرحة: سيدة أولين!
التفت نحو مصدر الصوت ولم تكن سوى شارلوت التي تقترب بسرعة فابتسمت أرخي كتفاي وملامحي، رؤيتها تعيد النشاط والحيوية لي بالفعل! يبدو أنني اعتدت أيضاً على وجودها إلى جانبي في كل وقت! غادرت بعد ان قطعت ذلك الوعد لجيمي لذا على أن أرى ما لديها الآن.
صوتها ووجهها. بطريقة ما يبشران بأخبار ربما تكون سعيدة، أتساءل عما ستقوله!
وقفت أمامي مباشرة ولم أكد أفتح فاهي حتى أمسكت بيداي بكلتا يديها وقالت بسرور وعينيها الخضراء تشع بالمرح: دعيني أسجل بكل حواسي ردة فعلك الآن.
استنكرت قولها وتساءلت بعدم فهم: ردة فعلي؟
ضحكتْ بخفوت وهي تترك يدي وقد أعادت شعرها خلف أذنها لألاحظ انسداله على ظهرها وقلت باستغراب: ما الأمر يا شارلوت!
أشارت خلفها بإبهامها بثقة: انظري من معي.
نظرت خلفها ولم أجد ما يثير الإهتمام، ظلت تحدق إلى بمرح حتى استنكرت الأمر ونظرت بدورها للوراء، ظلت تبحث عن شيء ما حتى تمتمت بحيرة: أين اختفى!
عمن تتحدثين؟
ولكنها ظلت تبحث وقد عقدت حاجبيها مبتعدة قليلاً، أكملت طريقها بسرعة لتعود إلى زاوية المدخل المؤدي إلى الإستقبال، وقفت في مكاني بعدم فهم وما هي إلا لحظات حتى تحركت من تلقاء نفسي وبإهتمام بالغ لأتبعها، أظنها ذهبت من هناك. سلكت الطريق نفسه لأجدها تقف عند نهاية المنعطف تحدث شخص ما: ما الذي تقصده بأنكَ لست مستعداً بعد، أعلم أن الأمر قد يكون صعباً ولكن لا وقت لنضيعه أكثر!
لا زلت لا أدري ما على قوله. هل أنتِ واثقة أنه لا أحد هنا سواهما؟
ه.
هذا الصوت!
للحظة.
بدوت كمن كانت محتجزة في غرفة ضيقة مظلمة لا حياة فيها ولا نسيم، ثم أُخرجت للعراء وقابلت كماً هائلاً من الهواء الذي لا تدري من أين تبدأ باستنشاقه!
صوته كدواء أعاد لي طاقة قد امتصتها الحياة، أو تعويض لدماء نزفتها وظل جسدي يتمسك بآخر قطرة لعلها تعيد لي الحياة الفاقدة لكل لون. يا له من ألم غريب. ألم في العضلة التي تنبض لا ينكف يسبب لي ضيق من الصعب وصفه، ليس الألم الذي نشعر فيه نتيجة الشجن والحزن. ولكن وجع وضيق نتيجة لهيجان رَوحي وداخلي!
تاه قلبي بين أضلعي بل وسقط في معدتي، انتفضت في مكاني والقشعريرة تسري دون توقف، بل وأغمضت عيناي أحاول التمسك بأرض الواقع وأبعد الأوهام عن رأسي، فلربما أرهقني الإنتظار وتآكل جوفي بالقلق والهموم وبدأت الحياة تختلق الأصوات من حولي لظنها أنها تخفف عني حرقتي.
كان هذا ما كدت أصدقه حتى سمعتها تقول بنبرة لطيفة حانية: نعم أنا واثقة، ثم لا تنسى أنك ستقابل الجميع في منزلك بعد أن تغادر من هنا، عندما تحدثت إلى سام الآن فقط أخبرني فوراً أنه سيأتي برفقة والداي، وكذلك تيا التي لا زالت لا تدري لماذا عليها الحضور. كريس كن أقوى من فضلك، قد يكون الأمر محرجاً أو م.
ماذا لو غضبت السيدة أولين، قد تكون مستاءة وترفض رؤيتي. أعتقد أنه على التريث حتى.
بدلاً من التفكير بردة فعل الجميع فكر بما عليك تسويته، هل يعقل أنك تريد العودة وكأن شيئاً لم يكن! أنصت إلي. طالما تريد مني استخدام المنطق أو العقل فدعني أقولها مباشرة. الخطأ الذي ترى نفسك ارتكبته عليك أن تصححه وتتوقف عن النظر إلى الوراء فهذا لن ينفعك ولكن يكون لصالح أحدنا. كريس ترددك لن يأتي بنتيجة، حان الوقت لتكون حازماً مع كل خطوة لتمحي أي أثر للماضي الذي لا نريده أن يفسد المستقبل. اليس هذا ما تريده حقاً؟
لم أقل بأنني أريد العودة وكأن شيئاً لم يكن، أنا فقط. لا أدري كيف أواجههم.
ولهذا تحديداً أنا معك! أي خطأ أو حماقة تبذر منك وأجدك تميل بها فسألقنك درساً لتستقيم فوراً. سأتدارك أخطائك، القها كلها عاتقي أنا واترك كل شيء لي وحسب.
إذاً هذا الصوت ليس ضرباً من خيال، وليس جوع ديقوع أو ظمأ وتعطش لسماعه ورؤيته.
قدماي تتحركان وفي كل خطوة أكتشف أنني بالكاد تعلمت الإتزان في المشي، كيف أكون فجأة كطفلة تتعلم المشي أخيراً! أو. تُراني أماطل الوقت لعلني اكتشف في آخر لحظة أنني أحلم؟ قدماي تنبأني بعجزها عن التوازن الصحيح! أو ربما تكون رجفة السعادة الممزوجة بالخوف، خائفة من القاء نظرة ويتبخر كل شيء. تختفي الأوهام لتطس التصورات المبهجة.
شارلوت:.
ابتسمت له ممسكة بيده اليمنى بلطف: سأكون لطيفة معك لثلاث دقائق إضافية، ان استمر عنادك.
أعقبت بصوت حازم بعض الشيء: فصدقني ستندم! لا تنسى بأنه على العودة اليوم إلى المنزل لأدرس وأنت بنفسك من طلب ذلك، لذا لا مزيد من الوقت لنهدره.
لوى شفته بشيء من التضايق وهو يومئ ببطء، رفع عسليتيه قليلاً ثم عاود ينظر إلى وكاد يتفوه بشيء لولا أنه عاود ينظر خلفي مجدداً كمن استوعب أمراً.
رفعت حاجباي بحيرة وتركت يده التفت للوراء أيضاً.
لأرى أولين واقفة خلفي!
فغرت فاهي أنظر إلى وجنتيها المبللتان بالدموع، وإلى تسارع نسق تنفسها بوضوح، وإلى عينيها اللتان تحدقان إليه بتأمل وفيّها الذي فتحته وحركته دون أن تنبس كما لو كانت الحروف تتبخر بإستمرار. بدت تحاول بكل جهدها تصديق ما تراه!
ظلت واقفة في مكانها في حين ينظر كريس إليها بتوتر واضح عجز عن اخفاؤه! كنت سعيدة برؤيتها قبل قليل ورغبت وبشدة رؤية الفرح يرتسم على ملامحها لرؤيته بخير، ولكنه لم يتبعني بسبب تردده. وها هو الآن أمام الأمر الواقع.
ابتسمت مبتعدة قليلاً أنظر إليها بترقب، لا بد وأنها تكاد تغرق في بحر السرور الآن، إنها تتحرك نحوه وبالكاد تطرف وكأنها تخشى أن يختفي من أمامها فجأة. ظلت تقترب حتى وقفت أمامه، أنزل عسليتيه باتجاهها وقد تسمرت في مكاني أنظر إليه بعدم تصديق.
هذه النظرة.
لا أظنني رأيتها مسبقاً في عينيه! كما لم أرى ملامحه ترتخي ليعتريها الضيق إلى هذا الحد حتى وهو يسرد لي جزءاً من ماضيه قبل أن نأتي إلى هنا.
لأول مرة أشعر أنني أستطيع قراءته ككتاب مفتوح.
ابتسمت وقد دمعت عيناي عندما رفعت يدها تلمس شعره، وجنته، أنفه وسائر وجهه وهي تنفي هامسة: هذا أنتَ حقاً.!
رمقني بشيء من الضياع قبل أن يعاود الحملقة فيها وهمس بصوت أجش: سيدة أولين.
اكتفى بهذه الكلمة وهو يقترب وينحني معانقاً إياها ويخفي وجهه في عنقها فزميت شفتي بقوة أسيطر على نفسي، ولكنني كدت أفشل عندما سمعت شهقة خافتة فلتت من شفتيها وهي تتشبث به بقوة: لماذا تأخرت! هل كنت تنوي تركي خلفك يا بُني! هل كنت تفكر في الهرب وتتجاهلني! تريد أن تمزق قلبي وتجعلني أفكر بالماضي كما لو كنت أتمسك بالذكريات وكأنك لن تعود! ألا تعلم كم يكون الإنتظار مؤلماً. مخيفاً وموحشاً! ألا تدري أن النوم كان مستحيلاً. الحياة كانت فارغة تماماً! تعلم أنك تعني لي كل شيء وفي النهاية انسحبت بهدوء تاركاً إياي مشتتة! تاركاً إياي ألملم ما انكسر من روحي وحدي.
مسحت دمعة متمردة على وجنتي وأنا لا أزال ارسم ابتسامة مضمرة، كنت عاجزة عن رؤية تعبيره وقد ظل يدفن وجهه في عنقها، إلا أن ارتجاف يديه وجسده كفيل بإيضاح الإنهيار الداخلي الذي يحدث له الآن. لا بأس، سيكون الأمر صعباً قليلاً حتى يتعلم قليلاً من الخطأ الفادح الذي ارتكبه في حق من كانوا يموتون قلقاً عليه. وكذلك في حق نفسه وهو يعلم أنه كان في أمس الحاجة إليهم من حوله ومع ذلك حرم نفسه من كل سبل الراحة واختار طريقاً معتماً كاد يجد نفسه تائهاً فيه بلا وجهة.
فقد عقلي أي قدرة على التفكير.
بل وتوقف الزمن بي ما ان رفع وجهه عنها قليلاً لينظر إلي!
م. ما هذا!
ازدردت ريقي بصعوبة وأنا أشعر بسقوط قلبي المستمر من بين أضلعي، جفنيه بدءا يتوردان قليلاً، وعسليتيه ظهرت فيهما لمعة الدموع! ومع أنه تمالك نفسه بسرعة ولكنني دهشت للكلمة الواضحة والصامتة فيهما، كيف تكون العيون قادرة على إرسال الشكر بهذه الطريقة الصريحة.!
استوعبت الأمر وعاد الزمن يتحرك عندما قالت أولين بصوت مبحوح: هل أنت بخير؟ هل كل شيء على ما يرام! هل كنت تعاني من شيء ما! هل كنت تتناول طعامك يا بُني؟ ألم تكن العزلة صعبة!؟
ظل يحدق إلى حتى وهو يجيبها يسند ذقنه على رأسها بشرود: أنا بخير.
أعقب ونظراته تترجم ما لم يكن في حسباني: لدي ما أتمسك به أخيراً، لدي من سأرفض خروجها من حياتي وإن حاولتْ. ، لدي من أرغب في وجودها إلى جانبي. كما لدي من أحاول إبقاء عينيها على وحدي. لا زلت أريدها أن تتفوه بالحِكم التي لن يسمعها سواي، ولا زلت أريد إشباع عيناي. أنا بحاجة إليها. عليها أن تستمر في دراستي وتخبرني المزيد عن نفسي. إنها تجبرني على اكتشاف نفسي وإبراز جوانب لطالما كنت غافل عنها. لذا لدي ما أتمسك به الآن، سأكون مجرد أحمق جبان لو هربت مجدداً. لن أفعل هذا مرة أخرى، أعدك سيدة أولين.
أخفضت عيناي بسرعة وقد أفلت شهقة مندهشة رغماً عني وتصاعدت الدماء إلى وجهي بعنف وشراسة! انتابني الصداع الشديد بل وكدت أفقد وعيي! أسرعت أشيح بوجهي بإحراج وعدم تصديق في حين ابتعدت أولين عنه ببطء تنظر إليه بتأمل قبل ان تبتسم من بين دموعها، أما هو فأبعد ناظره عني وحدق إليها ليكمل: لا بد وأنني جعلتكِ متوترة وقلقة طوال الوقت، آسف.
حسناً يا شارلوت هذا يكفي، إن استمرت الدماء بالإندفاع نحو وجهك فسيخلو الجزء السفلي من جسدك من الدماء تماماً وستصابين بأسوأ الأمراض وأفظعها.
ث. ثم لا يجب ان أبالغ هكذا! أقصد. أخبرني أنني أعني له كل شيء فلا يجب أن أستمر بإيضاح الدهشة طوال الوقت لأي كلمة تبذر منه، يجب أن أكون فتاة رزينة وأقابل اعترافاته بالبرود الواحدة تلو الأخرى. ومع أن ما أقوله مستحيل ولكنني أبذل جهدي لأنتزع نفسي من هذا الخجل المميت.
اقتربت منهما أحاول أن أرسم ابتسامة هادئة ولكن النتيجة كانت بلا شك مروعة، أراهن على أن الابتسامة التي رسمتها كانت فظيعة! فإحدى الممرضات كانت تمشي بجانبي وقد وصلني إحساسها بالرهبة فجأة، بللت شفتاي وأغمضت عيناي أهدئ من روعي حتى قلت بتلعثم أحاول تلطيف الجو: أ. أنظروا من يعتذر هنا! هنيئاً إنها ثاني مرة أسمعك تعتذر فيها في يوم واحد!
تنهدت أولين بعمق وهي تمسح الدموع عن وجهها وهدأت نفسها قبل أن تسرع نحوي وتمسك بكتفاي لتقول نافية بإمتنان: لن أجد أفضل منكِ يا شارلوت، أنتِ بالفعل لا يمكن تعويضك أبداً، لم أتخيل أنكِ ستكونين قادرة على إعادته بهذه السرعة بعد وعدك لجيمي، أشعر بالفخر والإمتنان، سعيدة أن فتاة بلطافتك وطيبتك موجودة في حياتنا! أعترف أننا كنا بحاجة ماسة إليكِ.
عضيت على شفتي وعقدت حاجباي: سيدة أولين كلمة أخرى وسأنفجر لأجهش بالبكاء أنا جادة!
ولكنني حقاً عاجزة عن التعبير عن مشاعري، كنتِ قادرة على إعادته. ثقي أنني لا أبالغ لو قلت أنكِ الوحيدة القادرة على ذلك، من فضلك لا تتركي كريس أو جيمي خلفك يوماً، إن عاد لشخصيته السيئة فاصبري عليه ولكن إياك وتركه، لولاك لما عاد و.
تظاهرت بالملل والتبرم وأنا أفكر: هل حقاً قد يعود إلى تلك الشخصية السيئة؟ عن أي شخصية تتحدثين! ذلك النرجسي الواثق من نفسه إلى حد الموت، أو المحتال والمخادع الذي لا يكف عن رسم الخطط اللئيمة؟
اتسعت عينيه قليلاً قبل أن يغمضهما ويقول: إن كنتِ تحاولين إغضابي فانسي الأمر، لا زالت تتملكني رغبة في تقبيلك حتى الآن لولا أن أفسد ذلك الكهل الأمر.
رفعت أولين يدها على ثغرها بتوتر وإحراج بينما صرخت بإسمه بإضطراب بالغ! اللعنة أتذكر أنه فعل هذا قبل وفاة السيد ماكس، حين قال أمامه وبكل وقاحة أن أتجنب وضع ملمع شفاه ملون في المرة القادمة. انه لا يعرف ما تعنيه كلمة الخجل أو الحياء، سحقاً. أنا حقاً. أشعر بصعوبة في التنفس بسبب نظرات أولين المتوترة!
ابتسم بهدوء ثم قال: كنت أمزح، على أي حال لنصعد.
قلدت جملته بتهكم وحنق يكاد ينهش بي: كنت أمزح. تباً لمزاحك الكريه!
طرف بشيء من الإستنكار فلويت شفتي بغيض و تقدمتهما لأسبقهما إلى المصعد، ولو لم تكن أولين معه لكنت تجاهلت أمره أصلاً، يا الهي. لقد عاد كريس بالفعل. ويا لها من عودة مليئة بالمفاجآت، أظنني بدأت أقلق من القادم.
مررت يدي في شعري أنتظر نزول المصعد ووصولهما، فُتح الباب فدخلت وضغطت على الزر لأمنعه من الإغلاق، وما هي إلا ثواني حتى دخلا، نظرت إلى انعكاسي في المرآة وأنا أرتب مظهري بينما قالت أولين بلا حيلة: شارلوت قد يغضب لسماع ما سأقوله ولكن فليكن، هو قادر على التفوه بأمور محرجة سخيفة ولكنه لن يجرؤ على التلفظ باعتراف مباشر لكِ، هو لم يفعل حتى الآن الست محقة؟
طرفت ببلاهة وانا انظر إلى انعكاسها متمتمة: لم يتلفظ بشكل صريح.
تدخل بشيء من الإنزعاج: هي ليست بحاجة لسماع هذا الهراء.
رمقته ببرود: لا تجب بدلاً مني، كما أسفة لتخييب ظنك وهدم سقف توقعاتك ولكنني بحاجة لسماع هذا السخف عاجلاً أم آجلاً، إلا أنني أقدر ظروفك الحالية وسأنتظر قليلاً، ولكن ان استمر الوضع هكذا فصدقني يا كريس، سأعطيك مهلة مؤقتة تعترف فيها وإن رفضت فسيتم مضاعفة صعوبة الأمر وسأطالبك بسماع اعترافك لي أمام الجميع وإن رفضت فسأستسلم وابتعد وحسب.
فُتح باب المصعد فتفاجأت به يمسك بيدي ليجبرني على الخروج معه: دعي تهديداتك الفارغة جانباً.
نظرت إلى أولين خلفي فوجدتها تبتسم بلطف ثم أشارت لي أن أتجاهل الأمر مؤقتاً فتنهدت بلا حيلة.
كنت أعلم أنني سأموت قبل أن اسمع اعتراف مباشر. بل كنت واثقة أن أحد أفراد عائلتي سيضطر لسرد قصتي التعيسة لأحفادي. هذا إن لم يقم كريس بتحوير القصة الحقيقية.
بعد لحظات كنا نقف أمام باب غرفة جيمي، كانت أولين تهمس لكريس بكلمات لطيفة محفزة في الوقت الذي طرقت فيه الباب ودخلت قبلهما، وجدت إحدى الممرضات تجلس إلى جانب جيمي وما أن رأتني حتى ابتسمت ووقفت فقلت بلطف: شكراً جزيلاً لعنايتك به.
ما ان سمع صوتي حتى قال بدهشة وسعادة: أمي!
أومأت مقتربة بسعادة تفوق ما يشعر به: لقد عدت يا جيمي ولدي أنباء سارّة.
نظرت الممرضة إلى كلينا وقالت فوراً: حسناً إذا سأخرج الآن، اعتنِ بصحتك جيداً يا جيمي واتبع تعليمات الطبيب اتفقنا؟
أجابها بإستحسان: اتفقنا.
اقتربت أجلس على السرير بجانبه أداعب شعره بينما ابتعدت الممرضة لتخرج ولكن كريس وأولين قد دخلا معاً، ظلت تنظر إليهما حتى استقرت عينيها على كريس وبدت تتأمله بشيء من الشرود الذي مُزج بالبلاهة في حين كانت عسليتيه معلقتان على جيمي وقد شحب وجهه وانكفأ لونه قليلاً وارتجفت شفتيه كما ظهرت تقطيبة بين حاجبيه. ظل يحدق إليه فأطرقت أولين برأسها بإستياء مدركة موقفه بينما لاحظت بدوري الممرضة التي لا تزال تحملق في وجهه!
لويت شفتي وتنحنحت بصوت واضح وحازم بعض الشيء فأسرعت تستوعب الأمر وخرجت معتذرة وأغلقت الباب خلفها وهي لا تزال تسترق نحوه النظرات لآخر لحظة، تنهدت بلا حيلة ثم عاودت أوجه اهتمامي لجيمي وابتسمت بلطف: ألن تسألني عما لدي من أخبار سارّة؟
ومع أنني كنت مستعدة لأنصت إلى تخميناته الطفولية، ولكنني نظرت إلى كريس الذي اقترب بخطى بطيئة مترددة وهو يحدق إليه بحزن عميق جعلني أرغب في معانقته ومطالبته بالتوقف عن إظهار هذه النظرات بسرعة.! حرك جيمي مقلتيه في الفراغ وهو يخمن بينما وصل كريس ليقف أمامي، بجانب جيمي الذي لا يعي وجوده حتى الآن. أعلم أن رؤيته هكذا تؤلم كريس وتشعره بالذنب أكثر. ولكن حان الوقت لإنهاء كل شيء. لتدارك الأخطاء، لاستغلال الفرص، لمحي الماضي التعيس، وللنظر إلى الأمام وحسب.
ظل ينظر إلى جيمي وقد كور قبضته وشد عليها بقوة، ابتعدت لأترك له المجال فشعر بابتعادي متسائلاً: أمي؟!
مشاهدة فيلم شباب البومب 2 2025 كامل بجودة HD: رابط مباشر وتحميل رسمي بكل سهولة
موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى 2025: التوقيت الرسمي والاحتفالات بالدول العربية والإسلامية
عاجل| حالة الطقس ثالث أيام عيد الفطر: مائل للحرارة نهارًا والقاهرة تسجل 27 درجة
تسجيل رحلات حج 2025 عبر تطبيق ركب الحجيج: الرابط والمواعيد على البوابة الجزائرية للحج.
بالعرضة السعودية.. احتفالات أهالي مدينة العيون بعيد الفطر تتألق بأجواء مبهجة
مواعيد الدوام الصيفي في نجران 1446: التوقيت الجديد والتوجيهات الرسمية للطلاب والمدارس
مسلسل مراهق العائلة: دراما عائلية مؤثرة تلامس القلوب وتثير نقاشًا واسعًا حول العالم
وفاة اليوتيوبر اليمني نزيه سوار غرقًا في الحديدة.. تفاصيل الحادث ومطالب بتأمين الشواطئ اليمنية