رواية العذراء والصعيدي كامله وحصريه بقلم نور الشامي

الفصل الاول

العذراء والصعيدي

في احدي مدن الصعيد التي تتميز بالعادات والتقاليد الصارمه وايضا بالشهامه التي لا مثيل لها علي الاطلاق فـ الصعايده دايما يلقبون بـ أهل الكلمة والسيف هكذا كانوا يعرفون. فالكلمة عندهم عهد لا ينكث… والسلاح رمز للشرف لا يُشهر إلا دفاعا عن الحق. يقال إن الرجل الصعيدي إن أعطى وعدا، فهو أشد رسوخا من الجبال، وإن دخل في خصومة فهو لا يهدأ حتى يأخذ حقه أو يفني نفسه دونه. وأن الشرف فوق الحياة…

هاا.. خلصتي يا بنت كارم ولا لسه عندك كلام تجوليه؟

رفعت غيم رأسها بغضب و عيناها تقدحان شرا ثم اردفت بصوت غاضب :

هو إنت إي؟! معندكش دم… لسه عندك وش توجف جدامي وتتكلم بعد ما ضحكت عليا… عامل فيها راجل وإنت ما تسواش تعريجة جزمتي يا ابن العرجاوي… طيب كنت جولي… كنت قول إنك مش راجل وإنك.. عاجز… عرفني إني هفضل بنت بنوت طول عمري… دا غش وخداع وأنا مستحيل أسكت! هروح لأبوي.. ولو مطلجتنيش….. هرفع عليك جضية وأطلج بالمحكمة والصعيد كلها هتعرف إنك عاجز و

لم تكمل غيم جملتها حتى شعرت بصفعة قوية تهوي على وجهها أطاحت بها أرضا و ارتطم جسدها بالأرض بقوة كأنها وشعرت بوخز حاد يسري في عظامها لكن رغم الألم لم تسمح لنفسها بأن تنهار ورفعت رأسها ببطء و نظرت إليه بعينين مشتعلتين بالغضب بينما هو يقترب منها بخطوات ثقيلة ووجهه يزداد ظلاما وهتف بغضب:

لو اتكلمي عن العجز تاني يا بنت كارم جسما بالله لـ هيوريكي العجز ال بحظ.. بس مش فيا.. في جسمك انتي.. هخليكي عاجزه ومتجدريش تتحركي وفي جميع الحالات محدش هيصدجك… مستحيل حد يصدج ان ابن العرجاوي الصغير عاجز.. فـ ريحي نفسك وبلاش تعملي مشاكل احسن علشان انتي ال هتتأذي بسببها مش انا

نظرت غيم اليه بأشمئزاز و بصقت أمام قدميه بتحدّ، ثم اردفت بصوت ثابت:

انا مستحيل اخاف منك…الرجاله بس ال تخوفني وانت مش راجل اصلا .. انت كداب ومخادع.. بتضحك علي بنات الناس وبتوهمهم يفلوسك وبشكلك الحلو وبعضلاتك واسم عيلتك بس كل دا بيبجي طعم علشان تصطاد بيه فريستك وتفضل جدام الناس بالصوره الكويسه.. مهما عملت فيا.. انا مش هسكت ولا هحاف منك

نظر عصام اليها بغضب وفجاه أمسكها من ذراعها بعنف كأنه يريد سحقها بين أصابعه ثم انحنى قليلا وهمس بصوت مخيف:

جولي ال إنتي عاوزاه.. لكن لو فكرتي تتكلمي وعد مني ساعتها هتشوفي الجحيم بعينك ومحدش هيجدر ينقذك مني.. انتي اهنيه لوحدك.. محدش معاكي.. فكري زين واوزني الامور علشان تعيشي مرتاحه و

لم ينهي عصام كلماته حتى قاطعته إحدى الخادمات التي نادت من خلف الباب بصوت متلهف:

سا بيه… يا بيه… جارح بيه وصل تحت هو والست الكبيرة علشان يباركوا ليكم

تجمدت ملامح عصام للحظة قبل أن يلتفت إلى غيم بسرعة، وعيناه تضيقان بتوتر، ثم هتف بصوت منخفض لكنه يحمل تهديدًا واضحا :

اوعي تجولي أي كلمة قدام أخويا… جِسما بالله العظيم لو حس بحاجة ما تعرفي هعمل فيكي اي عاد.. أنا ممكن أسكت على أي حاجة ما عدا إن جارح يزعل مني. بجولك أهو… لو حد لاحظ أي حاجة.. هجتلك

ثم أشار إليها بحدة، مردفًا:

يلا جومي اغسلي وشك والبسي هدوم حلوة وابتسمي… وانزلي

ألقى عصام كلماته الأخيرة وخرج من الغرفة دون أن يلتفت و بقيت غيم تحدق في الفراغ للحظات بينما الدموع تحرق عينيها، ثم تمتمت بصوت مرتجف بالكاد استطاعت إخراجه من بين شفتيها:

روح… ربنا ينتجم منك… حسبي الله ونعم وكيل فيك.. ربنا ياخدك يا شيخ

بعد مرور بعض الوقت كانت غيم تجلس بجوار جدة عصام التي كانت تحدثها وتبتسم بسعادة بينما عينا غيم لا تفارقان جارح… الأخ الأكبر لعصام، الرجل الذي يترأس العائلة ويدير كل أعمالها بقبضة من حديد. كانت تنظر إليه بانتباه، مبهورة بهيبته المخيفة، بعضلاته المشدودة، وعينيه الرماديتين اللتين تشعان غضبًا وكأنهما تحملان أسرارًا لا تنكشف بسهولة. لم تفهم سبب الحدة الدائمة في ملامحه، لكنها شعرت بوخزة غريبة في قلبها وهي تتأمله، حتى قطع شرودها صوت الجدة، وهي تهتف بحماس:

بس اكده يا بنتي! أنا عايزاكم تيجوا تتغدوا عندنا بكرة. عارفه إنكم لسه عرسان جداد، بس اهو تغيروا جو

ابتسمت غيم مجاملة وردت بلطف:

ان شاء الله يا حجة، حاضر و

ولكن قبل أن تكمل حديثها نهض جارح فجأة واردف بصوت قاطع:

يلا يا حجة عندي شغل مهم ولازم أمشي دلوجتي

هتف عصام بسرعة، محاولا منعه من المغادرة:

ليه اكده يا أخوي؟ خليك شوية لسه بدري

تجاهل جارح كلماته تماما واقترب من غيم ومد يده نحوها بعلبة قطيفة وهو يردف بجمود:

دي هدية جوازك… ألف مبروك

نظرت غيم إليه باندهاش ثم تناولت العلبة ببطء، وعندما فتحتها شهقت بصوت مسموع، وهي ترى طقم ألماس فاخر يلمع تحت الأضواء. رفعت عينيها إلى جارح وقالت بدهشة:

“شكرا… بس مكنش فيه داعي، دي شكلها غالية جوي

حدق فيها جارح للحظات ثم رد بصوت حاد :

مفيش حاجة تغلى على مرت ابن العرجاوي… احنا هنمشي

ألقى كلماته القاطعة ثم أمسك بيد جدته وغادر المنزل دون أن يلتفت لم يكد يختفي من الباب حتى سحب عصام العلبة من يد غيم بعنف نظر إليها باشمئزاز قبل أن يتمتم بسخرية:

متستاهليش هدية زي دي… انتي أصلاً متسويش حاجة علشان تاخديها

ثم انحنى نحوها وهمس بصوت منخفض يحمل تهديدًا واضحا:

“خمس دجايج، وتكوني فوق في الأوضة… فاهمة يا مرتي الحلوة

غادر عصام، تاركا وراءه أثرا من الغضب في قلب غيم كانت تحدق في الفراغ تلتقط أنفاسها بصعوبة حتى التقطت أذناها حديثا خافتا بين اثنتين من العاملات الواقفات بالقرب منها مرددين:

مش عارفة والله… عصام بيه مانع أي حد يدخل الأوضة ال في الحديقة حاسة إنه مخبي حاجة كبيرة جوي… أو سر خطير بس احنا مالنا، يا ستي؟ ملناش صالح.”

تصلبت غيم في مكانها وانتباهها انصب بالكامل على كلمات الخادمتين تلاعبت الشكوك في رأسها وشعرت بدافع لا يمكن تجاهله يدفعها للتحرك. نهضت بهدوء واتجهت إلى الحديقة، عيناها معلقتان بالغرفة المعزولة في زاويتها ووقفت أمام الباب، حاولت فتحه لكنه كان مغلقا بإحكام زاد ذلك من توترها فالتقطت حجرا من الأرض، وضربت القفل بقوة مرة… اثنتين… حتى انكسر أخيرًا بصوت معدني حاد فـ تقدمت داخل الغرفة المظلمة أنفاسها مضطربة شعرت برائحة غريبة تملأ المكان، رائحة تراب مبلل… ورائحة أخرى أكثر نفاذا أشبه برائحة الموت. لم يمر وقت طويل حتى اصطدمت عيناها بمشهد جعل صرخة فزع تشق سكون المكان كانت الأرض محفورة والرمال مبعثرة، ومن بين ذراتها… ظهرت يد بشرية شاحبة، جامدة تمتد من تحت التراب وكأنها تحاول النجاة قبل أن يخونها الزمن فـ اتسعت عينا غيم ووضعت يديها على فمها تحاول استيعاب الكارثة التي أمامها ثم شهقت بفزع وهي تهمس بصوت مرتعش:

جثة… يا لهوي جثة مين دي عاد و

ولكن قبل أن تكتمل كلماتها شعرت بضربة قوية أسفل رأسها. لم تمهلها اللحظة حتى تدرك ما يحدث فقط اجتاحها الألم للحظة خاطفة… قبل أن يسود الظلام تمامًا، وتتهاوى على الأرض بلا حراك و

الثاني من هنا