“لحظاتُ الخوفِ التي تهزُّنا، قد تدقُّ الرعبَ في قلوبِ غيرِنا.
خوفُ الفقدان… خوفُ الفراق… خوفٌ يقلبُ الموازين،
ويهزُّ الثباتَ في أعمقِ أعماقِنا.
مرحبًا بالرعبِ في اللحظةِ الأولى،
حين يصبحُ الصمتُ صدى لنبضِ القلوبِ المرتجفة.”
خرجت من الغرفةِ تتحدثُ في الهاتفِ متمتمةً بضيقٍ بعباراتٍ غيرِ مفهومةٍ.
تنهدت وهي تستمعُ إليه.
اتصل بها عمرُ منذ قليلٍ مُخبِرًا إياها برغبتهِ
في حلوى من صنعِ يديها.
كأنها الشيف بوراك مثلاً!
ما الجميلُ في صنعِ يديها باللهِ عليه؟
تكادُ تقطعُ يدها ولا تصنعُ الطعام.
نعم، يجبُ أن يمدحَ الشخصُ نفسه،
وأن تُمدحَ في شخصها.
لكن شخصها فاشلٌ في إعدادِ الطعام.
هي لا تريد.
ردت عليه بصوتٍ خافتٍ وهي تسمعُ إصرارهُ الرهيب:
“أوك، تمام، حاضر يا عمر.
سلام.
وأنا كمان.”
حسنًا، هو طلبُ نوعٍ معينٍ،
وهي لا تأكله من الأساس.
لا تحبُّ تلك الحلوى
ولا تعرفُ صنعَها.
لكنها مجبرة.
ارتدت حذاءها ومعطفها.
وما إن فتحت الباب حتى اتسعت عيناها
وهي ترى قطةَ الأمسِ
تجلسُ أمام بابها.
كأنها تنتظرُ خروجها.
❈-❈-❈
انفرجت شفتاها بابتسامةٍ رقيقةٍ وهي تراها تقترب منها، تتمسحُ بساقها، تلتفُّ حولها بحبٍ.
انحنت مستندةً إلى ساقيها تُلاعبها برفقٍ وحنان.
كأنها أتت لترسمَ ابتسامةً على شفتاها.
مسَّدت على فرائها بحنانٍ وهي تهمسُ كأنها ستفهمها:
“عاملة إيه النهاردة؟”
وأكملت بلطف:
“والبيبي كمان؟”
ظلت معها لعدةِ دقائقَ تتحدثُ معها
قبل أن تستقيمَ وهي تقول:
“استني هنا، هيجيبلك مية وأجي.”
وللمرةِ الثانيةِ، تقفُ في انتظارها.
كأنها حقًا تفهمها.
دلفت إلى المطبخ، أحضرت أحدَ أطباقِ البلاستيكِ،
وضعت الماء لتضعه لها.
بدأت تشربُ بعطشٍ شديدٍ،
ولم تخرجْ رأسها من الطبق
حتى اكتفت.
أهدتها ابتسامةً حنونةً وهي تجلسُ أرضًا بجانبها،
تحملُها على ساقها والأخرى هادئةٌ مسالمةٌ،
تمسدُ عليها.
ببساطةٍ، واضحٌ أنها أحبَّتها.
قبل أن تقول بتفكيرٍ:
“الجو سقعة عليكي.
إيه رأيك نكشف عليكي ونديكي التطعيمات اللازمة الأول
عشان أقدر أتعامل معاكي براحة؟”
بدأت القطة تُخرخر برفقٍ، معبرةً عن رضاها.
قبل أن تقفَ، تنفضُ ملابسها وهي تنظرُ لها بحيرة،
كيف ستأخذها للطبيب؟ هل تتحملها؟
أم ماذا تفعل؟
وقفت تناظر القطة بتفكير،
والأخرى تلتفُّ حول ساقها براحة.
هبطت للأسفل تنظر خلفها كل دقيقةٍ وأخرى.
كانت القطة تسير خلفها ببطءٍ تتبعها أينما ذهبت.
ابتسمت براحةٍ، فهي ليست بحاجةٍ لحملها،
الجميلة لوزة.
ابتسمت وهي تتذكر، لقد أطلقت عليها لوزة.
أعجبها الاسم.
ويناسبها كثيرًا.
فقط كانت صاحبة لونٍ شبيهٍ بلون اللوز، حيث يمتزج البيج الفاتح مع درجاتٍ كريميةٍ ناعمةٍ،
كاللوز الطبيعي، خاصةً عندما يكون ناعمًا وفاتحًا.
وصلت للعيادة، وهناك فحصها الطبيب وأعطاها اللقاحات الضرورية والمناسبة لحملها،
وأيضًا التغذية اللازمة لها.
اشترت لها أيضًا حقيبة نقل لتحملها،
وأيضًا صندوق رمل.
وحملتها وخرجت،
بعدما دفعت مبلغًا وقدرًا من مصروفها الخاص، تقريبًا انتهى المصروف.
ابتسمت براحةٍ، لا يهم،
فقط وجدت من يونس وحدتها ويخفف عنها.
وقبل أن تدلف للبناية،
ضربت جبهتها قائلةً بتذكر:
“Oh my God”
نسيت طلبات الحلويات التي طلبها عمر.
وأسرعت لتحضرها وتركض للمنزل،
فلم يتبقَّ الكثير،
وقد سرقها الوقت برفقة لوزة.
في المطبخ، وقفت تنظر لعبوة الكريم كراميل بتفحصٍ شديدٍ،
تنظر لها تارةً وللوزة الجالسة بجوار ساقها أرضًا تارةً.
حسنًا، الموضوع يتضح أنه سهل،
نضع هذا على ذاك،
وتصبح الحلوى جاهزة.
وضعت عبوة الحليب كاملةً،
وهي تضع بداخلها عبوات المسحوق،
وتمزجها.
نظرت للقوام الخفيف بشكٍ،
قبل أن تضعه بالكاسات الصغيرة،
وتضعهم في الثلاجة.
نظرت لهم برضى،
وهي تفكر بجديةٍ،
أنها صنعت الحلوى قبل أن تصنع الطعام نفسه.
تبا للمسؤولية.
قررت في النهاية أن تطلب من عمر أن يجلب الطعام معه، فهي لا تريد الطبخ،
أو بمعنى أدق، هي لا تعرف.
ولا تحب إهدار المواد،
حرام عليها.
ستأخذ وذر بهذه الطريقة.
ورغم ضيق صوته في البداية،
إلا أنه وافق مُرغمًا.
كما وافقت هي على صناعة الحلوى.
فالحياة مشاركةٌ على كل حال.
تنهدت بابتسامةٍ اختفت وهي ترى حالة المطبخ.
هزت رأسها بيأس،
تنتهي مسؤولية تظهر أخرى.
إنه الزواج يا سادة،
تسع عشرة ألف واجبٍ على عاتق المرأة وحدها،
فقط وحدها.
حسنًا، ليس وحدها، فهو في الخارج أيضًا يحارب لأجلها.
❈-❈-❈
ظل ينظر للإشعار لبضع ثوانٍ.
ماذا تريد منه؟
تجاهل طلبها فأرسلت رسالة.
ما غايتها تلك الآسيا؟
ولماذا تريد التواصل معه؟
هو فعليًا لا يعرفها،
لا يعلم من هي أصلًا.
هي فقط بالنسبة له
قريبة قطعة السكر خاصته.
غير هذا هو لا يعرف،
وللحق حتى لا يريد أن يعرف.
ورغم هذا، فضوله يخبره أن يفتحها
يرى ماذا تريد
ولماذا تصر على محاصرته.
لماذا تبعث له من الأساس؟
ظل ينظر للرسالة في حيرة،
قبل أن يعزم على أنه
يجب أن ينهي تلك المهزلة
وإبعاد الأمر من أمام عينيه.
وبالفعل، حذف رسالتها
وتجاهل وجودها،
محاولًا فقط أن يجد الفرصة
لقاء قطعة السكر.
يريد أن يراها
ويعرف
هل إذا أتى هذه المرة
ستكون الإجابة مختلفة
أم ستكون نفسها هي؟
هل ما زال عالقًا بعقلها
كم علقت هي بلقبه
وتخللت أعماق روحه؟
أم كان لها مجرد عابر سبيل
لم يترك حتى أثرًا؟
وسيكون الرفض
هو الصفعه المؤلمة لقلبه المحب،
وكلمة النهاية لعلاقةٍ حكم عليها قبل أن تأخذ فرصة.
أخرجه من شروده المحتار
صوت مكالمة.
رفع الهاتف أمامه
قبل أن يبتسم براحةٍ، كانت من عزيزته ملك.
أميرة العائلة المدللة
وصديقته الصغيرة،
ابنته
قبل أن تكون شقيقته.
تلك التي تحطم قلبها ولم يُصلح بعد،
لم يُصلح أبدًا.
رد عليها وهو يصيح بسعادةٍ متوجهًا لغرفته
لكي يرتاح:
“يا هلا يا هلا،
أهلاً أهلاً،
بالي نسيني خالص،
صح من لاقي أحبابه.
أيوة يا ستي،
شكله كده أنس خدك مننا.
ماشي أما أشوفه بس،
أنا هوريه.”
قهقهت بسعادةٍ وهي تهديه قبلة في الهواء
وهي تقضم تفاحتها
لتقول بعدها بشتياقٍ حقيقي:
“وحشتني قوي يا تيمو.
وحشتني بجد.
لو تعرف وحشتني قد إيه
ونفسي النهاردة قبل بكره
أنط في أول طيارة
أجي وأترمي في حضنك إنت وبابا.
حقيقي الحياة من غيركم مش حلوة أبدًا.”
ابتسم لها وهو يقول بشتياق هو الآخر:
“والله وإنتِ أكثر يا لوكه،
وحشتني قوي.
وحشني صوتك.”
وأكمل ممازحًا مذكرًا إياها:
“وطلباتكم اللي مبتخلصش.
تيمو هاتلي شوكولا.
تيمو عايزة مارشملو.
تيمو اقنع بابا أسافر مع أصحابي.”
ضيقت عيناها وهي تردف بتنمر:
“على أساس كنت بتقنعه قوي،
ده إنت كنت بتصر إنه يرفض أكثر.
إنت أخ مش جدع.”
أرجع رأسه للخلف يضحك بقوة
متذكرًا تلك الأيام.
آه كم اشتاق لها.
كم اشتاق لتجمعهم.
كانت جلسة
في حد ذاتها تحمل لقلبه الكثير.
كانت أجمل الأيام
ولن تعوضها أيام
أبدًا.
تنهد وهو يمزحها قائلاً:
“قوليلي بقى،
عامل إيه قلب خالو من جوه؟
طمِّنيني على الشقي ده.”
قالها وهو يشير على بطنها الذي بدأ في الظهور حديثًا.
اختفت ابتسامتها وهي تمسد على بطنها بحب وخوف دائم يلازمها بشدة:
“بخير الحمد لله.
دعواتك يا تميم.”
ابتلع تلك الغصة المرّة بحلقه
وهو يدعو من كل قلبه مرددًا بصدق:
“هتقومي بالسلامة إنتِ وهو إن شاء الله.
ثقي في الله بس، أهم حاجة
ما تشيليش الهم.
إحنا كلنا لله، وربك هيدبرها.
قوليلي طمّني عن صحتك، أخبار الحمل إيه؟
بتابعي من الدكتور وملتزمة باللي بيقوله؟”
أومأت بابتسامة مهزوزة،
قبل أن تخبره مرةً أخرى:
“ادعيلي كثير يا تميم.
ادعيلي لو سمحت، ربنا يتمم على خير.”
وأخذته في حضني
أشم ريحته.
نفسي قوي يا تميم.
يا رب.”
اهتزت ابتسامته لوهلة،
كأنه يرغب في ضمها إلى أحضانه
مربتًا على قلبها المتهالك
قبل
أن يهديها ابتسامةً واثقةً وهو يقول:
“أنا واثق إنك هتبقي بخير،
وهو هيكون بخير.
والسنة دي لما تنزلي إنتِ وأنس مصر
هتكونوا ثلاثةً إن شاء الله.
ثلاثة بإذن الله.
ثقي في ده،
والأهم ثقي في الله.”
ابتلعت دموعها وهي تردد برجاء:
“يا رب يا رب يا تميم.”
وظل طوال المكالمة
يضحكها ويحكي لها مواقفه مع شيقتهم آلاء.
حاول أن يخرجها من تلك الحالة.
حاول أن يرسم ضحكةً جميلةً تناسب وجهها.
هو يحاول دائمًا.
لكن المشكلة هنا
أن خوف ملك
كان أكبر من كل تلك المحاولات.
مهما حاولوا،
كانت خائفةً.
خائفةً بحق.
أغلقت مع تميم وتحركت بحرص شديد للغاية.
حرص هي حتى لا تحتاجه، ليس لتلك الدرجة.
الحرص واجب كما أخبرها الطبيب، لكن المبالغة قاتلة للمرأة،
تقتلها حيّة، تجعلها ترجف بكل وهلة، متوقعة الأسوأ دائمًا.
أغلقت أضواء الشقة وتوجهت نحو غرفة واحدة، الأقرب والأوجع لقلبها.
وضعت يدها على المقبض، لا تريد أن تدخل، وتريد من كل قلبها أن تظل هناك.
فتحته ووقفت لعدة لحظات في الظلام، قبل أن تضيء الضوء.
تنظر لكل شبر بتلك الغرفة، لا تحتاج النظر، فهي تحفظها عن ظهر قلب.
جهزتها على مدار أشهر، خطوة خطوة، وقطعة قطعة، بطريقة مهوسة.
كانت تختار كل شيء بعناية فائقة، تعد اللحظات لتلك اللحظة،
أن تحمل طفلها، ثمرة حبها وإنس، تضمه لصدرها، تعطيه كل حنانها.
ذاك الذي زرعته أمها فيهم جميعًا، وحان موعد الولادة.
وقبل أن تضمه هي، ضمه التراب، توفي قبل أن تأخذه في أحضانها.
ولن تنسى أبدًا تلك اللحظة البشعة، وهي تمسك بين يديها جسد ابنها المتوفي.
تبكي وتبكي حتى سقطت مغشيًا عليها.
شهران كانت صامتة ساكنة، أتى الجميع وظل بجوارها، لم يتركوها لحظة.
تميم، حسام، أمير، حتى آلاء بأطفالها، لم يتركها أحد.
لن تنسى أول من أخذها بين أحضانه، كان تميم.
ضمها ولم يسمح لغيره، حتى غفت بين ذراعيه وهي تستمع إلى صوت القرآن يتلو عليها بحنان.
ترك كل شيء لأجلها، كان أول الحاضرين وآخر الراحلين.
لكنها لم تعد كما كانت منذ تلك اللحظة.
وبإصرار شديد حملت مرة أخرى.
رفض إنس، أخبرها أنه ببساطة يرفض أن تضع نفسها في هذا الوضع مرة أخرى.
لكنها تمردت، أرادت عوضًا لطفلها رغم أنها تعلم أنه لا عوض له.
أرادت آخر تضمه لصدرها، ويتغذى بحليبها، آخر تخشى عليه قبل أن تحمل به.
والآن تعيش بجحيم في كل لحظة، كل لحظة خوف ورعب من أن تفقده.
بكل دقيقة تتلمس بطنها، كأنها تطمئن أنه ما زال هنا.
تنهدت بألم وهي تقترب من فراشه المبطن، تتلمس وسادته الصغيرة.
غطاء الفراش الناعم، الألعاب والدببة المحشوة.
اقتربت من واحد فقط، كانت تحفظه بعيدًا عنهم جميعًا.
كان خاصًا به، كان معها طوال فترة الحمل، وكان معها يوم مولده ويوم غادر الحياة قبل أن يحياها.
❈-❈-❈
دَلفَ لمنزله بعد يوم عملٍ شاق وطويل.
ظلمة الشقة أخبرته أين يجدها.
تقريبًا كل يوم يأتي بها من هناك.
غرفة طفلهم.
تشعره أحيانًا أنه لم يتألم، وكم هذا يؤلمه.
لكن يعلم كم هي تتألم فيقدر ويصمت.
تحرك نحو الغرفة ووقف ببابها.
كانت تبكي تحتضن دبَّ صغيرهم المحشو.
تضمه بقوة.
اقترب منها ضمها بقوة.
ضمهم معًا.
وكان طفلهم يشاركهم اللحظة.
لتنتفض تنظر له بعيون حمراء منتفخة.
وهي تردد بقهر: “وحشني أوي يا أنس.
وحشني أوي وكان نفسي أخده جوه حضني.”
رفع يده يمسح دموعها وهو يضمها هامسًا بأذنها:
“مينفعش يا ملك.
مينفعش اللي بتعمليه ده.
فين إيمانك بربنا؟
فين رضاكي؟
مينفعش صدقيني.
استودعيه عند الله.
صدقيني، إنتي بس محتاجة تصبري.
وتحتسبي صبرك خير.
عشان خاطري يا ملك.
متعمليش كده لو سمحتي.
عشان خاطري.”
قالها وهو يضمها إلى صدره.
وصوت بكائها يعلو أكثر،
وألمها لا ينضب.
❈-❈-❈
عاد إلى منزله يحمل العديد من الأغراض بين يديه.
كان يوم عمل شاق، لكن يهون لأجلهم.
تأكد من كل شيء في القائمة، تلك القائمة الطويلة التي طلبتها زوجته،
وعاد محملاً بها لها وللصغيرة.
دق الجرس بكتفه وهو لا يجد مكانًا بيديه ليطرق به،
لكن مرة بعد مرة، ولم تفتح.
زم شفتيه بغيظ وهو يضع ما بيده أرضًا،
وهو يخرج المفتاح ليفتح الباب،
ليختفي عبوسه ويحّل محله ابتسامة مشرقة
وهو يقابل ذلك الملاك الصغير
التي ما إن رأته حتى حاولت الوقوف وهي تصفق بيدها بحماس شديد،
مرحبة به بسعادة،
قبل أن تحبو بسرعة لكي تصل له.
وضع ما بيده أرضًا
وهو يغلق الباب،
ينتشلها، يحملها وهو يغرق وجهها قبلات
ويردد بشوق: إلى وحشني خالص،
وحشني حبيب بابا يناس.
أصدرت عدة أصوات حماسية
وهي تمرمغ وجهها بصدره ورقبته،
تلك الصغيرة التي تحتل قلبه كل يوم أكثر من ذي قبل.
ظهورته الغالية،
وشمس تنير حياته.
لم يُخطئ حينما أسماها شمس،
شمسه المضيئة الغالية،
قطعة من قلبه بل كل قلبه.
رفعها في الهواء
يقذفها عدة مرات،
والأخرى لا تبخل عليه أبدًا
وتهديه أجمل الابتسامات.
وضحكاتها تعم المكان،
تزهره وتنيره.
صوتها في حياته
يريح قلبه وعقله من أي شيء.
يكفيه أن يعود فيجدها في استقباله.
ضمها إلى صدره وهو يقبل وجنتها الشبيهة بقطعة الخطمي سائلاً إياها:
فين ماما يا شمسي؟
أصدرت بعض أصوات وهي تتهته،
ما ما وتشير بيدها بكل مكان،
قبل أن تحط على وجهه.
أزاح يدها وهو يدعي أنه سيأكلها،
لتصرخ باكية بين لحظة والأخرى،
ليضمها إلى صدره نادمًا،
مربتًا على ظهرها برفق
لعلها ترضي وتضحك له من جديد.
وبعد بعض الوقت،
غفت بين ذراعيه،
بعد أن أضحكها حتى ضربته على وجهه
كف خماسي كعادتها.
حسنًا، يستحق.
دثرها جيدًا
وأحكم الغطاء عليها،
فهي كامها تمامًا
تنام بعرض السرير
وتلقيه من عليها كل خمس دقائق.
ومهمته في هذا البيت
أن يعيد عليهم الغطاء.
ضحك يائسًا
وهو يشعل مصباحها الملون الصغير،
فصغيرته لا تنام سوى به.
وضع معها أرنبها الخاص،
وأيضًا تأكد أن صوت القرآن يعم الغرفة بهدوء.
وأخيرًا،
خرج بهدوء شديد،
تاركا الباب غير مغلق
لكي لا تخاف صغيرته.
والتفت يبحث عن الأخرى،
فهو هنا منذ نصف ساعة
والمبجلة زوجته
لم تعره اهتمامًا.
فليرى أين هي،
تلك الحورية التي أهديته شمسه المضيئة،
حور قلبه.
كانت بحوض الاستحمام تستحم.
هي تعلم أنه هنا.
بمجرد أن رأت سيارته، سارعت بتحضير ملابسها لتستحم أخيرًا.
فليجلس هو مع ابنته قليلاً، ولتستريح هي حتى تنتهي وتأخذ وقتها.
وبعد أن انتهت، ارتدت مازرها متوجهة سريعًا لخزانتها لتخرج أحد منامتها المريحة.
وقبل أن تفعل هذا، قاطعها صوت رنين هاتفها بنغمة خصصتها لأمها.
أجابتها بابتسامة: “إزايك يا ماما؟ وحشتني.”
“أنتي كمان.”
“الحمد لله. شمس كويسة، وحسام كمان.”
“لا، مش جنبي. قاعد مع شمس بره لحد ما أخد شاور وأخرج.”
“في حاجة ولا إيه؟”
ظلت أمها تتحدث، وهي تستمع لها وتحاول أن تفهم ما تقول.
لتردف بعدها: “طيب ومالها الشقة اللي إحنا قاعدين فيها؟”
أجابتها أمها بتأكيد: “الشقة دي أكبر وأوسع. بكرة إن شاء الله لما تخلفي تاني، شقتك الصغيرة دي مش هتنفع. وجوزك مش قليل. أنا مش فاهمة سايب عز أبوه ده كله، وشغال في الشركة الصغيرة دي ليه؟ ده بدل ما ينزل يقف جنب أبوه ويعيش في خيره. يا حور فكري في نفسك وبنتك. جوزك مش بيفكر خالص. وثم، إنتي محتاجة تجيبي غسالة أطباق.”
حركت رأسها بتردد، وهي تقول: “إنتي عارفة حسام مش مقصر خالص معانا. بالعكس يا ماما. بس إنتي عارفة هو حابب يعتمد على نفسه. مش حابب أبدًا ياخد أي فلوس من عمو مدحت.”
قاطعها أمها بحدة: “ليه إن شاء الله؟ وثم ده حقك وحق بنتك. اسمعي مني. فاتحيه في موضوع الشقة ده. وكمان إنتي مش قلتلي إن في خاتم عجبك أوي وإنتي عند الجواهرجي الشهر اللي فات؟”
هزت الأخرى رأسها كأنها تراها، وهي تجيب بتلعثم: “أيوة بس ده ماس يا ماما، وغالي أوي.”
أكدت أمها بثقة: “الغالي يرخصلك. جوزك مش شوية. اطلبي إنتي وجمدي قلبك. المفروض تشيلي فلوس على جنب تنفعك. إنتي طالعة خايفة كده لمين؟ يا بنتي، محدش مضمون. خدي منه وزيادة. وزي ما فهمتك، ارجعي احملي بسرعة، اربطيه بعيال. جوزك يا حبيبتي ألف واحدة هتلف عليه عشان تتجوزه. فالحقي هاتي كام عيل يتلخم فيهم. وواعي تنسي. متسيبش معاه فلوس خالص أول بأول.”
“ماشي يا حور، سمعاني؟ يلا أنا هقفل عشان أبوكي بينادي. سلام.”
قالتها وأغلقت الخط.
والأخرى محلها تجلس بتشوش، لا تعلم ماذا تفعل.
أقوال أمها تنافي ما تحياه مع حسام.
نصائح أمها تفتعل الكثير من المشاكل.
هي تعلم، لكن كيف لها إلا تسير على خطاها؟
فعلتها أختها ورفضت أن تسير على خطاها، وتطلقت.
وهي تعشق حسام، ولا تريد الطلاق أبدًا.
أفزعها يد حسام التي وضعت على ذراعها وهو يقول بقلق: “حور، إنتي كويسة؟ مال وشك مخطوف كده؟ في حاجة حصلت ولا إيه؟”
ونظر للهاتف وقلقه يزداد ليقول بسرعة، وهو يخرج هاتفه: “إنتي كنتي بتكلمي مين؟ حد حصله حاجة؟ حد من البيت عندنا حصله حاجة؟”
أوقفته يدها وهي تمسك الهاتف قائلة بهدوء: “لا حبيبي، دي ماما. الكل بخير الحمد لله. أنا بس دوخت فقعدت على السرير.”
زفر براحة وهو يربت على يدها، قبل أن يتوجه للخزانة ليخرج ملابس نظيفة ليستحم هو الآخر.
لكن توقفت يداها وهو يستمع إلى حور التي هتفت بسرعة وتهور: “حسام، أنا عايزة أخلف تاني.”
تجمد في مكانه لوهلة، قبل أن يلتفت لها وهو يقترب قائلًا باستغراب: “نخلف تاني؟ غريبة. أنا فتحتك في الموضوع ده من شهر، وإنتي رفضتي جامد. وقلتي إنك مش ملاحقة على شمس، ومش مستعدة دلوقتي. والمشكلة حصلت بينا وقتها. إيه اللي اتغير في الشهر ده؟”
حركت يدها تمسح على مؤخرة رأسها تردد بتلعثم: “أه، بس عشان يكونوا ورا بعض، وحور متبقاش لوحدها. مش ده كان كلامك؟”
قطب حاجبيه وهو يقول بحيرة: “فجأة كده؟ غريبة برضو. إيه اللي جد؟”
قالها بإصرار، وهو يقترب منها أكثر.
أخفضت رأسها بتوتر، ليقترب أكثر وهو يرفع رأسها سائلا بشك: “في حد كلمك في الموضوع ده؟”
هزت رأسها نافية.
ليهز رأسه هو مؤكدًا: “لا، لا. أنا متأكد إن حد كلمك.”
أصدر صوتًا ساخرًا وهو يبتعد عنها مرددًا بتأكيد: “مامتك صح.”
صمتت تنظر له بتوتر، ليصيح بعصبية: “ردي يا حور! صح؟ ثاني يا حور! ثاني!”
“لا، لا. أنا تعبت بجد. تعبت من الكلام ليل نهار. أقولك أهلك وأهلنا بره حياتنا، بره قراراتنا. كفاية تدخلات! من وقت الخطوبة قلتلك أهلك وأهلي على عيني وعلى راسي، بس بره حياتنا. مامتك تتدخل في قرار زي ده ليه أصلاً؟ يعني أنا أكلمك، أطلب منك نخلف تاني، ترفضي. ولما مامتك تقولك، تجري تقوليلي. إيه المنطق ده؟”
واقترب منها يرفع يده يصيح بانفعال: “أنا قلتلك بدل المرة عشرة، وإنتي مصرة. إنتي عايزة توصلي لإيه يا حور؟ ها؟ قوليلي.”
صمت لوهلة قبل أن يكمل بتأكيد: “آخر الطريق ده نار مش هتستحمليها. واعرفي إنك السبب في اللي بيحصل ده. والنتيجة هتتحمليها لوحدك.”
قالها وخرج من الغرفة بل من المنزل بأكمله، غاضبًا وناقمًا على أفعالها.
لتجلس هي على الفراش بذهول من ثورته.
ثورة هي السبب فيها.
ظلَّ يجوب بالسيارة لمدَّةٍ لا يعلمها،
يريد أن يبتعد،
هي تصنع الحواجز والمشاكل،
ويجب عليه أن يكون هادئًا متقبِّلاً.
كيف هذا؟
كيف يفعل هذا أصلًا؟
كيف لها أن تضع أمَّها بينهم؟
كيف لها أن تناقشها في أدقِّ أمور حياتهم؟
تستمع لها أكثر مما تستمتع له،
كأنه غير مرئيٍّ بالمرة.
هو زوجها،
تستثنيه،
وأمُّها تتدخل بطريقةٍ بشعة،
تجعله يكاد يجنُّ.
ماذا يفعل؟
زفر بضيقٍ وهو ينظر للسَّاعة،
وهو يفكر: من المؤكَّد أنها نامت.
ابتسم ساخرًا،
هي أصلاً لا تنتظره أبدًا.
تنتهي خلافاتهم دون نقاش،
فقط خلاف،
وفي اليوم التالي كان شيءٌ لم يكن،
يتظاهر كلاهما أن الأمور على ما يرام،
وكلُّ شيءٍ فاسد.
وبداخلها يتراكم،
وسيظل السؤال الأكثر رعبًا:
إلى متى؟
❈-❈-❈
دلف للمنزل بضيق يحتل صدره.
رفع عينيه ليجدها تجلس على المقعد مقابل للباب، كأنها في انتظاره.
انتفضت ما أن رأته.
ناظرها بدهشة لانتظارها، ليجدها تنطلق بسرعة لتلقي نفسها بين أحضانه.
وقف لدقيقة، قبل أن يرفع يديه ليضمها إلى صدره.
حور، حوريته، حبيبته وأم ابنته.
كيف له أن يغضب منها؟
وعشقها بقلبه لا مفر منه إلا إليه.
ضمها إلى قلبه، وهي تردد بأسف:
“أنا آسفة يا حبيبي، سامحيني، أنا آسفة.”
قالتها وهي تضمه أكثر، تعتذر.
وبداخله، هو لا يريد اعتذارها.
هو يريد أن تتغير.
❈-❈-❈
بغرفة آسيا
رمت الهاتف بغضب على الفراش.
تجاهل رسائلها.
كيف له أن يفعل هذا؟
تراه متفاعلًا، بل نشر أيضًا صورة تخصه وأخواته.
لم يحظرها، لكن أيضًا تجاهلها.
ماذا يعني هذا؟
أهي لعبة قط وفأر؟
لماذا تجاهلها؟
ألم تعجبه؟
قفزت من على فراشها، تقترب من المرآة، وتنظر لنفسها بغرور.
تمسك بخصلة من خصلاتها وتتلاعب بها.
أهناك من هي أجمل منها؟
لا يوجد.
هي الأجمل، والأرقى.
هي تثق في نفسها، في جمالها، وفي جاذبيتها.
أفاقت على صوت دق على الباب.
التفتت، تناظر عمتها وهي تدلف للغرفة تحمل لها أحد الأكواب.
وهي تقترب منها تعطيها إياه قائلا بحنان:
“خليتهم يعملولك هوت شوكليت، عارفة إنك بتحبيه.”
أخذته منها قبل أن تهديها قبلة على وجنتها، قبل أن تقودها صفيه للفراش.
جلست عليها وأجلستها بجانبها، تضمها إلى صدرها وهي تخبرها أن تحكي لها أكثر عما كانت تفعل بدونها.
وآسيا تحادثها بعقل شارد، عقل مع الهاتف الملقي عند قدميها.
تميم لها.
ستحصل عليه، مهما كلفها هذا.
❈-❈-❈
وصل عمر للمنزل لتستقبله فريدة ببسمتها المقربة لقلبه.
ضمها إليه وهو يعطيها الطعام لتحضره، وأسرع يدلف للحمام يأخذ حمامًا سريعًا.
ويرتدي ملابس نظيفة.
توجه بإرهاق وهو يغمض عينيه ويفركها بتعب، نحو الأريكة.
قبل أن يلقي بنفسه عليها بإرهاق.
عده ثوانٍ قبل أن يستمع إلى صوت غريب بجانبه، جعله يلف رأسه ببطء شديد للناحية الأخرى.
قبل أن تتسع عيناه بشدة، وهو يرى أمامه قطًا كبيرًا.
يجلس براحة شديدة على أريكته، كأنها في بيتها.
ولم تكن فريدة تعلم أنه لا يطيق القطط.
تحويل الصور إلى نمط Studio Ghibli بالذكاء الاصطناعي مجانا: أفضل الأدوات ورابط مباشر لتجربتها
حالة الطقس اليوم الأربعاء 2-4-2025: ارتفاع الحرارة ورياح نشطة تضرب هذه المناطق
مواعيد الدوام الصيفي في تبوك 1446: التوقيت الرسمي لبداية اليوم الدراسي والتوجيهات الجديدة
تحميل تطبيق شام كاش 2025: أحدث إصدار لحل مشاكل تسجيل الدخول بسهولة Sham Cash الجديد
وفاة اليوتيوبر اليمني نزيه سوار غرقًا في الحديدة.. تفاصيل الحادث ومطالب بتأمين الشواطئ اليمنية
كيفية تسجيل التلاميذ الجدد بالسنة الأولى ابتدائي في المغرب 2025-2026 عبر منصة مسار
أرقام جلوس الثانوية العامة اليمن 2025: رابط الاستعلام الرسمي والخطوات بالتفصيل
عاجل| حالة الطقس ثالث أيام عيد الفطر: مائل للحرارة نهارًا والقاهرة تسجل 27 درجة