رواية عذرا لكبريائي للكاتبة أنستازيا الفصل الرابع والخمسون

رواية عذرا لكبريائي للكاتبة أنستازيا الفصل الرابع والخمسون

عضيت على شفتي بحيرة شديدة متسائلة في نفسي بما يفترض على فعله الآن! هل أذهب بسرعة وأخبر كريس؟ ولكن. لو أدخلتها قد يغضب. ربما تكون امرأة لا يريد لقائها، ربما تكون ضيفة غير مرحب بها. الأهم من هذا، لماذا تعرف مكانه ومن هي أصلاً؟ ألا يفترض أن لا أحد على علم بعنوانه؟ قضي الأمر. على أن أيقظه أولاً ولا أتصرف من تلقاء نفسي، ارتكبت أخطاء كثيرة نتيجة تسرعي ولا نية لي في تكرار أيِ من تلك الأخطاء السخيفة مجدداً.

مع أن هذا ما قررته ولكن.
للحظة وقفت في مكاني أفكر بحيرة وبعمق.
هل على إخباره حقاً؟ أقصد. هل يفترض أن أريه نفسي أصلاً؟
لنفترض أن هذه المرأة غير مرحب بها بالفعل.
أليس من المعقول أكثر. أنني سأعرف ردة فعله تجاهها إن لم يعلم بأنني هنا؟

إن رآني. أو إن رأت هي طرف آخر هنا فأراهن بأن سببها الحقيقي للمجيء إليه قد يتم تقييده، تبدو امرأة قوية ولها هيبتها الخاصة، ولن أستنكر قدرتها القوية على إخفاء ما أتت لأجله حقاً.
حُسم الأمر.
أسرعت أتجه إلى المطبخ لأقف هناك وأنتظر، متسائلة في نفسي عن الوقت الذي سيستيقظ فيه وإن كانت ستفقد الأمل وترحل.
لا يمكنني إيقاظه حتى لا يدرك وجودي هنا، ما الحل إذاً؟

أضاء المصباح فوق رأسي بفكرة سريعة، إذ أسرعت أخرج هاتفي لأتصل به لعله يستيقظ، ولكن. الهاتف مغلق كما كان يحدث معنا دائماً في الآونة الأخيرة.
هل يوجد منبه في الغرفة أضعه أسفل رأسه لعله يصحو؟

ترددت قبل أن أتحرك لأخرج من المطبخ منفذة ما خططت إليه ولكنني سرعان ما عدت أدراجي بخفة لا يمكن أن تمتلكها ريشة طائر! لمحت ظله على الأرض وأدركت أنه قد استيقظ بالفعل، وحينها شكرت الإله على هذه المعجزة! على استيقاظه منزعجاً من صوت الجرس وإن كانت ظاهرة قد لا تتكرر.

وقفت أخفي نفسي خلف باب المطبخ أراقب تحركه بوجه ناعس وخطى متثاقلة، رفع يده يمررها في شعره وهو يقف أمام النافذة لينظر إلى من يطرق الباب، ثواني فقط حتى استغربت التعبير المشمئز والغاضب على وجهه!
ربما كما ظننت. تلك المرأة غير مرحب بها حقاً!

سواء أدخلها أو لا. فسيغضب أن وجدني هنا أصلاً لا سيما وأنه كان يظنني مجرد طيف في الأمس، لذا على أن أكون متعقلة في كل تصرف يبذر مني. لن أنسى أنني هنا لأتحدث معه وأعيده حيث الجميع في انتظاره.
حيث ينتمي.

وضع يده على خصره ولأول مرة بدى في نظري متردداً في قرار يريد اتخاذه! ولكنه في النهاية اتجه إلى الباب وفتحه بحركة عصبية ولم يكلف نفسه عناء الوقوف لاستقبالها وإنما ابتعد عن الباب واتجه للأريكة ليرتمي عليها ورفع رأسه قليلاً للأعلى ليحركها بتعب.

اخرجت رأسي قليلاً فقط وبحذر شديد بغية النظر إلى تلك المرأة، والتي بدورها كانت واقفة أمام الباب وعينيها متسمرتان عليه، أدهشتني النظرة المتعالية والباردة المصوبة نحوه، حتى في خطواتها وقد أصدر كعبها صوتاً وكأنه ينم عن ثقة وغرور وهيبة مرعبة!
أنا حقاً أنكمش رغماً عني. هذه المرأة لديها حضور قوي جداً!
كانت قد أغلقت الباب خلفها وسارت نحو الأريكة لتجلس مقابله، لا أحد منهما تفوه بأي كلمة! ولا حتى حرف واحد.

هذا.
أسوأ استقبال رأيته في حياتي كلها!
وضعت ساقاً على الأخرى، ظهرها مستقيم وذقنها مرفوع وتطرف بعينيها كما يطرف النسر، رمقها كريس بنظرة متبرمة ثم نظر من حوله بلا اكتراث قبل ان يعتلي تعبير مستغرب وجهه.
لحظة.
إنه يحدق إلى غرفة الجلوس باستنكار شديد! لا بد وأنه استوعب الفوضى التي نظفتها. سحقاً أرجو ألا يكتشف وجودي الآن.

ضاقت عينيه قليلاً حتى قاطع تأملاته وتفكيره المتعمق صوتها ذو النبرة العميقة: أظهر بعض المجاملة وإن كنا سنكذب على بعضنا البعض.
أعقبت بعد ثواني: لم تتغير. لا زلت ذلك المتجاسر عديم الأخلاق.
اتسعت عيناي في حين ابتسم بملل: هذا ما تقولينه بعد آخر لقاء منذ خمس سنوات تقريباً. يا للقسوة!
هاه!
عقدت حاجباي وقد صرخت كل خلية في جسدي رغبة منها في معرفة هوية هذه المرأة وسبب طريقة حديثها بهذا الأسلوب المتعالي!

بعد جملته تلك حركت زرقتيها بجفاء ومع ذلك رسمت على ثغرها ابتسامة أبرد من الجليد أرغمتني على الإرتجاف في مكاني، في حين أردف بهدوء يجوبه نفاذ صبر: لنختصر الأمر فكلانا يعلم أنكِ لستِ هنا لهدف سامي، ما الذي تريدينه؟ ومع أنني أستغرب معرفتك لمكاني ولكن لا يهم. ما سر مبادرتك للمجيء بنفسك إلى هنا؟

تأففت بسخرية وقد شبكت كلتا يديها على ركبتها التي تعلو ركبتها اليمنى وقالت: مبادرة؟ لا تضحكني. أخبرك الآن بكل صدق أنني سأقدم على قتل نفسي إن فكرت يوماً في المبادرة لأجل دخيل مثلك.
أضافت وكلتا عينيها تجوب على وجهه بإحتقار: سمعت أنكَ هارب كالفأر المختبئ في المجاري، لم أفوت فرصة النظر إليك في أجمل حالاتك. في ضعفك ويأسك. حيث كان عليك أن تشعر بهذا منذ زمن.

ي. يا للفظاعة! ما الذي تقوله هذه المرأة بحق الإله؟
انتفضت لضحكة ساخرة فلتت منه وهو يصفق بيده بإستخفاف: وما هو تقييمك يا ترى؟
أبداً. لا تقييم قد يشغلني عن رغبتي في تأمل وضعك المزري.

أردفت بخبث وهي تطرف ببطء: حيث تعزل نفسك عن خطاياك، و يعاقبك الرب بدخول ابنك إلى المشفى وفقدانه لبصره، من كان يظن أنك ستدفع الثمن يوماً بأكثر الطرق الشافية لغليلي. شعرت بالظمأ ولطالما كنت كذلك. ولكنني الآن ممتلئة وأسقى من رؤيتك تهبط باستمرار إلى القاع. أخبرني يا كريستوبال، هل بدأت أخيراً تدرك مكانتك الحقيقية؟ تدرك أنك مجرد نكرة صعد إلى قمة لا يستحقها؟

ما هذه الكلمات القاسية! كيف تجرؤ على الشماتة بوضع جيمي؟ كيف سولت لها نفسها لقول هذا بكل بساطة ودون أنى شعور بالمسؤولية! ذلك المسكين الصغير يعاني ويشعر بوحشة العتمة لفقدانه لبصره في حين تقولها هي بدم بارد دون اي إحساس!
أشعر بالحرقة في صدري والغضب يغلي في جسدي.
ومع أنني توقعت أن يغضب.
أن يسخط عليها ويتحابق بكل ما لديه من قوة.
ولكن.

ذلك الشيطان الذي قابلته في الأمس يجلس وقد رفع كلتا قدميه على الطاولة أمامها ينظر إليها بعين بالكاد تطرف وكأنه يتأملها باستمتاع مريب!
تحرك فاهه ليقول مبتسماً بمكر: ها أنتِ ذا يا خالتي، أتيتِ وقد حاولتِ جاهدة إخفاء دموعك المتألمة على فراق الأحبة، ألا زلت تعتقدين أن النكرة لا يفهم ما يدور حوله حقاً؟
خ. خالتي؟!
فغرت فاهي بذهول مدركة أنها خالته فيكتوريا!
سُحقا.
لماذا؟!
لماذا هي من بين الجميع!

لا يمكن. هل أتت للإستمتاع برؤيته محطما حقاً؟! ليخبرني أحدكم أنها تمزح!
انتزعني من أفكاري صوته الهازئ ونبرته الماكرة: إلى أي مدى بكيتي يا ترى؟
لم تتزحزح الثقة عن ملامحها وقد أراحت ظهرها على الأريكة متسائلة: ما الذي قد أبكي لأجله؟

تظاهر بالأسى وهو ينفي برأسه: أوه لا. أرجوكِ لا تفعلي هذا! أراهن على أنكِ ستفقدين أعصابك الباردة عندما نفصح عن مشاعرك الجياشة! دعيني ألمح. على سبيل المثال شعورك بالوحدة الآن. لا ليست الكلمة المناسب. ما الذي على انتقاؤه تحديداً!
بدى يفكر قليلاً قبل أن يبتسم: ألستِ هنا للومي بدلاً من الإستمتاع برؤيتي مكسوراً ومنعزلاً كالمثير للشفقة؟
لومه على ماذا تحديداً!

تأففت وهي تقلب زرقتيها واعتدلت في جلستها بجفاء وإستخفاف: التملص من الموضوع. هه.
وقف معترضاً: بالطبع لا أتملص من الموضوع أو أهرب منه.
اتجه نحو التلفاز ليلتقط قارورة ماء وفتحها ليشرب منها متمتماً بملل: حتى وإن كان سِراً تحتفظين فيه لنفسك فأنا لم أكن يوماً ذلك الطفل الأحمق الذي يجهل ما يدور حوله، ما مررت به جعلني أدرس كل شخص من حولي حتى وإن كان مجرد مصدر إزعاج.

قال جملته الأخيرة وهو يلقي عليها نظرة متثاقلة ثم أكمل متنهداً: هل أنتِ حزينة على وفاة ماكس إلى هذه الدرجة؟ لا زلتِ محتفظة بمشاعر الحب تجاهه وأتيتِ للإنتقام مني لأجله؟ أرجوكِ لا تمارسي مراهقتك المتأخرة بهذه الطريقة المزعجة.
ما الذي.
أسمعه؟
هل قال مشاعر حب؟ أم أنني أتخيل!
هل كان هذا حقيقي؟!

عقدت حاجباي بعدم تصديق حتى أجفلت لصوت كعب حذائها وهي تتحرك بخطى ثابتة وتسير نحوه، وقفت أمامه ليتبادلا النظرات حتى رفعت يدي على ثغري عندما انتزعت القارورة من يده وسكبت الماء على وجهه بخشونة وحزم.
القتها على الأرض ثم ابتسمت ببرود وابتعدت نحو النافذة لتسند ظهرها على الحائط وتحدق إليه، رفع يده يبعد شعره المبلول عن وجهه ثم زفر بإمتعاض: اللعنة أكره الشعور بالبلل!

سحقا له ولبرودته. ما الذي كان يقوله قبل قليل؟ هذا الأحمق المتبلد. عليه أن يوضح أكثر وإلا تدخلت حالاً وسألته عما كان يقصده!
تكتفت وهي تنظر إليه بثقتها المريبة تلك وقالت بهدوء يميل إلى الجمود: عندما يرغب الصعلوك في التعبير عن مشاعره يظن أنه قد نضج أخيراً. أفق أيها النكرة، أنت غير مصرح لكَ بتجاوز الحدود معي. لست في موقف يسمح لكَ بالتمادي أصلاً.

بدى منشغلاً في تمرير يده على وجهه ليتخلص من الماء حتى تنهد: لماذا؟ الم أكن أقول الحقيقة؟ حسنا لا تقلقي لن أفشي بسر مثير للضحك كهذا لأي شخص، ولكن الهرب من الواقع فكرة سيئة. إن كانت رغبتك في رؤيتي محطما حركتك إلى هنا. فللأسف لست في الوضع المأساوي الذي تظنينه.

أعقب بسخرية: بالمناسبة يا خالتي. المشاعر التي تكنينها لماكس كانت ولا زالت محظورة ومحرمة، هل نسيت شقيقتك العزيزة التي أجدت الدفاع عنها في كل صغيرة وكبيرة؟
إذاً ما كان يقول للتو. صحيح!
لحظة.
هذا حقاً من الصعب استيعابه!
خالته فيكتوريا.
تكن مشاعر للسيد ماكس؟
هل ما فهمته صحيح؟
نفيت برأسي بقوة بعدم تصديق!

ومع أنك تكره أن تبدو مثيراً للشفقة. ولكنك تثير شفقتي الآن بالفعل، أنصحك أن تترك التفوه بالهراء ولا تعتقد أنه سيرفع من رتبتك مثلاً.
أوه بربك يا خالتي العزيزة. ليس وكأنني جاهل مغفل حتى لا أدرك أنكِ تكرهينني لأنني مجرد رابط مزعج بين شقيقتك وماكس، ألم تكن ولادتي بالنسبة لكِ أمر ينبغي أن تقيمي لأجله العزاء مثلاً؟
أعقب بخبث: أنتِ حتى لستِ صريحة مع نفسك لتكوني كذلك مع الآخرين.

أغمضت عينيها وهي تبتسم بهدوء قبل أن تنفي متنهدة وتنظر إليه: تحاول استعراض مهارتك في قلب الطاولة لصالحك كالعادة. مع الأسف طاولتك مكسورة أحد أقدامها، حسنا يا كريستوبال. حسناً يا ابن اختي. لا تبدو المصارحة أمر سيء طالما أنني لا أخطط لرؤية وجهك مجدداً، ولكنني أفعل هذا لسبب واحد فقط.
أضافت وقد لمعت مقلتيها ببريق غريب: لقد أرهقني الكره الذي أكنه لك. يكاد يخنقني. يكاد يتغذى على ولم أعد أحتمل هذا!

اقتربت بخطى بطيئة نحوه وقد ادهشني الغضب الذي أخذ مجراه على وجهها حتى وقفت أمامه مباشرة: لا تملك أدنى فكرة كم تمنيت أن تختفي! لا تملك أدنى فكرة كم كنت مجرد عقبة! اللعنة عليك كم أنت بغيض دخيل يعشق جلب المشاكل لكل من حوله.
غريب! ظننتك ستتفوهين بأمور حصرية ولكنني أسمع أسطوانة تم تشغيلها للمرة المئة!

استرسل وهو يجلس على طرف مسند الأريكة: على سبيل المثال لقب الدخيل. لست أجهل كونكِ أول من نعتني بصفة كهذه ثم تناقلها الجميع بعد ذلك. دخيل؟ لماذا يا ترى! آه. لأنه حطم أمالي بعد أن ظننت أن زواج ماكس من شقيقتي سيكون مجرد قضية مؤقتة ثم يلتفت إلى مشاعري ويقدرني كما أقدره وأحبه. ولكن الويل لهذا الطفل النكرة الذي ظهر فجأة وأفسد كل شيء.

رفعت يدي نحو شفتاي المرتجفتان أحدق إليهما بأسى وأخفضت نظري قليلاً محاولة تمالك نفسي.
لا أصدق. هذا صعب حقاً! كانت من تسبب في نعته بذلك السخف! اللعنة.
كل هذا يلاحقه حتى اليوم بسببها! هذه المرأة.
شعرت بغضب غريب يعتريني ولكنه سرعان ما أُطفئ لصوتها البارد: ألا تعترف بقرارة نفسك أنك دخيل حقاً؟ مجرد فرد تمت إضافته للعائلة في وقت حرج؟ إضافة لا بد من التخلص منها عاجلاً أم آجلاً.

ارتفع حاجبيه: ولكن. هذا لن يعيد لكِ ماكس! كما أنكِ مستمرة في خيانة جوزيف فكرياً، اليس كذلك؟ عليكِ أن.
دوى صوت الصفعة في المكاني سامحاً لصدى الصوت بخلق هالة غريبة ومريبة تحيط بي وأنا أتراجع للوراء قليلاً وأعض على شفتي بحزن.!
الصمت.

الصمت كان المسيطر فقط حتى كُسر بصراخها الحازم: لا تجرؤ على نطق اسمه، فحتى ماكس لم يكن يستحق يوماً أن ينجب شخص مثلك. عليك اللعنة أيها الشيطان المتبلد. أنت حتى لا تظهر ولو أدنى شعور بالندم لما حل به بسببك! لا تخبرني الآن أنك مسرور لرحيله وقد كان مجرد عقبة بالنسبة لك؟ تستمر في المماطلة والتحدث بكل وقاحة وكأن يداك نظيفتان. أنت الأكثر تلوثاً في هذا العالم، أنت ظاهرة تلوث نادرة حتماً! لم تكتفي بما فعلته لابني أو لوعودك الكاذبة والماكرة لابنتي طوال الوقت، لم تكتفي بقسوتك على ماكس طيلة تلك السنوات بل وها هو ذا يرقد تحت التراب بسببك أيها الوحش! ما الذي ستفعله لتكون مكتفيا وتشعر بنخوة الإنتصار!

الصمت مجدداً.
كان نتيجة لصراخها وحسب.
لم يجب.
ولم يحرك ساكناً، ظل يحدق إليها في حين أشعر بتسارع خفقات قلبي بتوتر شديد، لا أدري كم مر من الوقت وهو يحدق إليها حتى قال بهدوء: هكذا إذاً. لا زلت أنا السبب في كل شيء. حسنا والآن؟ ما الذي قد يتغير!
لماذا؟!
لماذا لم ينفي ما تقوله! لماذا لم يخبرها أنه كان مرغما على قطع تلك الوعود لابنتها!
لماذا لم ينفي هذا؟!

مررت يدها على جبينها ببطء وهي تعقد حاجبيها بحنق، أومأت بخفة وهي تقول بسخرية مزجت بالكره: بالفعل. لا شيء سيتغير، لا شيء سينتزع رين من عقدته، لا شيء سيرمم ما تحطم من ابنتي ولا شيء سيعيد ماكس أو اختي التي انتحرت بسببك.

أعقبت تبعد يدها عن جبينها بحزم: كدت أنسى أمراً مهماً، ابنة تلك العاهرة والمحتال الذي خذل أختي. لماذا تزوجت بها وأنت تعلم جيداً ما فعلاه بأختي؟ لا تخبرني الآن أن ما حدث بوالدتك لم يكن يعني لك شيئاً أيضاً وقد تظاهرت طوال الوقت بأنك تقف في صف والدتك. من فضلك أجبني بنعم فهذا على الأقل سيؤكد لي ظنوني بأنك السبب الحقيقي خلف انتحارها. هذا إن كانت قد انتحرت حقاً.

أخفضت رأسي بيأس وقد استحوذ على الحزن أكثر لأسند رأسي على طرف الحائط ولا أزال مختبئة أنصت إليهما بتعب.
ما تقول هذه المرأة.
من الصعب اختصاره بالقسوة فقط.
بالرغم من انها خالته.
من لحمه ودمه. إلا أنها ومنذ دخولها لم تتوقف عن معاتبته ولومه والقاء الأخطاء عليه!
ليس سوى وحش في نظرها!

زواجي بها لم يكن متعلقاً بأمي بأي طريقة كانت. لو كنت أريد قهر شقيقتكِ حقاً لأوضحت لها أنني أرغب في الزواج منها وهي لا تزال على قيد الحياة، على كل حال أنا لست مضطراً لتبرير أي شيء.

لماذا تزوجتها وقد وعدت ابنتي وأخلفت بوعودك؟ ما الذي كنت ولا زلت تحاول فعله! ليس وكأنني كنت سأرجو أن تتزوج بابنتي يوماً. ولكنني لا زلت أستنكر وبشدة ما فعلته، هذه الخيانة وهذا الغدر الذي لا يغتفر أمر يثير سخطي! أن تغدر بوالدتك وتتزوج من ابنة المخادعان اللذان وثقَت أختي بهما يوماً ل.

حقاً؟ ماذا عن الجزء الثاني من القصة؟ الجزء الذي يكشف الكثير من الأسرار. على سبيل المثال ملاحقة أمي للسيد مارك واستغلال صداقتها بالسيدة ستيفاني! أو مواصلة إيذائها مثلاً وملاحقتها في كل مكان لتمنعها من توطيد علاقتها بالرجل الذي أحبته واحبها. أم أنه كان جزء محذوف من القصة لم تأتيكِ الفرصة لقراءته؟
وصلت بك الجرأة إلى تبرير فعلتهما!

لماذا أنت غاضبة؟ ألم يكن ماكس متفقاً معهما أيضا على أخذ مكان الزوج في حفل الزفاف؟ لماذا لم تغضبي عليه؟
أعقب بملل ساخر: أو ربما سولت لك مشاعرك بمسامحته مسبقاً.
علا صوتها فجأة وقد صرخت بغضب: اخرس!

اقتربت منه ممسكة بقميصه بعنف وأكملت بسخط: ماكس الذي أحب باتريشيا منذ الطفولة لم يكن يلتفت إلى من أحبته دائماً في الخفاء! كنت أبذل جهدي في لفت نظره ولكنني في النهاية فضلت سعادة أختي على سعادتي!، زفافهما كان صدمة بالنسبة لي ولم أستطع تخطيها. لذا إياك والإستهانة بأيِ مما حدث هل تفهم؟ إياك وان تتجرأ على الحديث بهذه الطريقة وانظر إلى حجمك الحقيقي!

ابعد يديها بحزم يجوبه نفاذ صبر: فضلتِ سعادتها على سعادتك؟ كفاكِ سخفاً. أي تضحية هذه التي تشيرين إليها؟ زيادة جنونها وحب تملكها ورغبتها في الثأر من ماكس عن طريقي أنا؟ أو سعادتها في إيذاء من حولها وإمضاء وقتها مع ابنتك التي بالكاد تعلمين عنها شيء! ما التفاصيل التي تعرفينها أنتِ عن أبنائك؟! هاه؟ أراهن بكل ما أملك أنكِ أبعد من معرفتك لما قد يحبون تناوله على المائدة أو حتى المكان المفضل لديهم. هذا إن كنتِ تعلمين أصلاً أن ابنك لا يزال يدخن متجاهلاً إحتقان رئته. أم تراكِ كنت منشغلة حتى قبل فترة قصير بحياكة خطة تمضين فيها آخر سنوات عمرك برفقة ماكس.

تنهدت بأسى بينما اتسعت عيناها وحملقت فيه للحظات تستوعب كلماته قبل ان تزمجر بغضب: عليك اللعنة لا زلت تحاول إفساد علاقتي بهم!
هذا إن كانت العلاقة متواجدة حقاً.

شخص مثلك لا يزال يجرؤ على الرد! يا للقوة. دعني أذكرك بجريمتك النكراء برين، ما دروس الصداقة التي ستعطينا إياها الآن؟ رين غدر بكِ في موضوع ما فانتقمت منه؟ رين ارتكب خطئاً واستحق ان يعاقب عليه؟ أطربني أيها الوغد! بل وتذكر أمر احتقان رئته وكأنك لم تكن السبب في ذلك. هذا أوقح حوار سمعته في حياتي كلها!
لم أقل بأنني لست السبب. لن انكر أمراً كنت السبب فيه، كما لن أبرر أي شيء.

أضاف بصوت غريب انخفض قليلاً: حاولت فعل هذا ولم أحصد أي نتيجة. سأبقى مجرد وحش في نظر الجميع، حسناً هذا ليس سيئاً إلى هذه الدرجة.
يا الهي. كلماته هذه! كيف أشعر فجأة بأنه يشير إلي؟! لا يمكن أنه يقصد ردة فعلي في الوقت الذي كان يريد فيه التحدث إلى وإخباري بالأمر.
شعرت بانقباض في عضلة قلبي جعلني انحني قليلاً محاولة تمالك نفسي، ولكن هذا صعب.

كنت أعلم أنه سينزعج ولا زال منزعجاً مني، بأي وجه قد أواجهه في هذا الموضوع؟ ماذا لو كان. يحمل عذراً وكل ما فعلته هو تجاهله؟ ماذا لو كان لديه عذره والجميع يلومه!
الأمر يصبح بطريقة ما أسوأ فأسوأ. هذا ليس لصالح أحدنا.
ما هذه النبرة؟ أتراك تحاول اللجوء إلى خلق أجواء درامية لعلك تخبئ وجهك الحقيقي خلف قناع التعاسة؟
أضافت ضاحكة: لنترك هذا الموضوع جانباً، أنت لم تجبني بعد. لماذا تزوجت بابنتهما؟

تسألينني سؤال كهذا بكل ثقة. وكأنني سأجيبكِ عليه.
هل تنوي الحفاظ على هذا الزواج؟ إن كان الأمر كذلك فلماذا تركتها خلفك؟ من فضلك أخبرني أنك تزوجتها لأسباب معينة ولا ت
تركتها خلفي.؟ حسنا يا خالتي ماذا عن هذا؟ أنا أنوي حمايتها من نفسي. هل ترضيكِ هذه الإجابة؟
هاه.
طرفت عشرات المرات في الثانية الواحدة وازدردت ريقي بصعوبة، بل وأخرجت رأسي أكثر أحدق إليه بعدم تصديق مُزج بشيء مقتبس من الأمل والسعادة!

ما قاله الآن.
هل يدرك ما تفوه به حقاً؟!
ألا يملك أدنى فكرة عن تحريك مشاعري وبعنف لمجرد سماع هذه الكلمات؟ يا الهي. أشعر بالحرارة في وجنتاي! بدأت أتوتر وبكل جدية!
حتى أنني دفعت دون قصد سلة القمامة الصغيرة أسفل قدمي وأسرعت فوراً إيقافها متداركة الأمر لئلا أصدر أي ضجة.
أنا أتنفس بسرعة.
الخجل والسرور بدءا يسيطران علي!
لقد كان هذا غير متوقع في وضع كهذا!

هل تحاول التلاعب بالكلمات لتستفزني؟ إن كان هذا ما تحاول فعله. فاستفزازي بشأن هذا الموضوع لن يحدث، زواجكما أسخف من أتفه شيء في قائمة إهتماماتي. وليكن. فلتبقيها زوجتك أو تتعفنا معاً في الجحيم هذا ليس من شأني، على العكس. أرى أنكما مناسبان جداً.
ابتسم بسخرية: تتحدثين كما لو كنتِ تعرفين كل صغيرة وكبيرة. أنصحكِ بإدارة شؤون عائلتك أولاً يا خالتي قبل اقحام نفسك في شؤوني الخاصة.

فليكن. ، حسناً هذا يكفي بدأت أشعر بضيق في صدري، بصراحة ظننت أنني سآتي إلى هنا واجدك في حالة يرثى لها فلم أمنع نفسي من المجيء بسرعة. ولكن أعترف أن أملي قد خاب كثيراً!

ثم تنهدت بعمق قبل أن تقول: أنصت. فلتسدي خدمة للجميع ولا تعد، ابقى كما أنت وحيث أنت الآن، لتخرج وحسب من هذه العائلة واعتبره معروفاً سيكافئك الإله عليه في وقت ما، لا يمكنك أن تبقى عديم إحساس متبلد وتقرر يوماً العودة وتبدأ الحلقة المفرغة للمشاكل من جديد. كفِر عن أخطائك، ابقى منشغلاً بالخضوع في الدعاء لعلك تعود إلى هيئتك الإنسانية مجدداً.

أعقبت بهدوء: ليست لدي نية في الشجار معك، لا أنوي العودة لرؤيتك مجدداً، كل ما اردته رؤيتك ذليلا ولكن هذا لم يحدث، أعترف أنني معجبة بقدرتك على الإحتفاظ بمشاعرك لنفسك. على كل حال لنبقي الوضع على هذه الحال. ابقى بعيداً بحيث لا يمكن لأوليفيا الوصول إليك بعد انتهاء فترة علاجها، بعيدا جداً بحيث لا تقابل رين ولو صدفة. الأمر ليس بصعب، فلطالما كان الوضع هكذا، اليس كذلك؟

أخبريني. ما الذي تعيشين لأجله تحديداً؟
عقدت حاجباي باستغراب وكذلك نظرت بدورها إليه بترقب فأكمل بجفاء: ما الذي كنتِ ولا زلتِ تعيشين لأجله؟
ما الذي تحاول قوله الآن؟ اقتباس نص من أحد الكتب الأدبية بطريقة ما؟

لقد كان لديكِ امل في الإرتباط بماكس قبل زواجه من أمي، وعندما تزوجا هرعت فوراً للزواج بجوزيف الذي تقدم طالباً يدك، لم تفكري بالأمر حتى بل وافقتِ فوراً. هذا ما سمعته بأذني ذات مرة، اليس هذا ما حدث حقاً؟
ابتسمت بملل وهي تضع يدها على خصرها محدقة إليه بتمعن: دعني أخمن، هل كان حواراً بين ماكس وتلك العجوز العقيم؟
أشاح بوجهه بهدوء فظلت عينيها معلقتان عليه.
السيد ماكس وأولين.!

سمعهما كريس ذات مرة إذاً. يا الهي ما مقدرا الأسرار التي تحتفظ فيها السيدة أولين؟ ما الكم الهائل من الأمور العائلية التي تخفيها كما لو كانت بئر أسرار عميقة!
ومتى يا ترى سمعها تقول هذا؟ في أي عمر كان!
كيف كان إحساسه بإدراك الأمر! بماذا كان يشعر وهو يسمع أن خالته واقعة في حب والده قبل حتى زواج والديه!
العجوز العقيم.

همس بهذه الكلمات بصوت خافت وهو ينظر بعيداً عنها، ابتسم بلا تعبير ثم زفر يرفع رأسه لينظر إلى السقف بشرود: لا أظنها كانت عقيماً يوماً.
ثم نفي برأسه قبل أن يرتمي على الأريكة وتمتم: ليت شقيقتك من كانت عقيماً، كان هذا سيهون الكثير.

نظرت بزرقتيها إليه للحظات قبل أن تتأفف ليسرع يقول مستوعبا: آه صحيح. نسيت ما قلته تواً، أنتِ لم تجيبينني بعد، ما الذي تعيشين لأجله الآن؟ ماكس لم يعد موجوداً، لم يكن أبنائك أحد أولوياتك يوماً، جوزيف لا أظن له قيمة تذكر في حياتك لأنه كان مجرد بديل يملئ الفراغ طوال الوقت، ما الذي تعيشين لأجله إذاً؟

أنصحك بأن تنظر إلى مكانتك الحقيقية قبل أن تتجرأ على سؤالي، دعني أنا من توجه إليك سؤالاً أهم لعلني أجد ما يشفع لك جرائمك، ما فعلته برين. ما مبررك لما حصل؟ كيف ستبرر حبسك له في مخزن معزول مليء بالأصباغ خالِ من الطعام والشراب؟ هاه؟ لا تقلق يمكنك وضع قناعك جانباً لا يوجد ما نجامل بعضنا به. ليس أنا وأنت يا كريستوبال.

أغمض عينيه مشيراً بيده بلا اكتراث: قلتِ أنكِ خائبة لرؤيتي بهذه الحال، أسف لأنني لست أبكي هنا أو أصرخ بتعاسة لأرضيكِ، ولكن الا يكفي هذا حقاً؟ الن تغادري وقد أوضحتِ مشاعركِ؟
تتهرب من السؤال إذاً. كما توقعت، لا مبرر. لا شيء سيشفع لك.
حتى وإن كان لدي أعذاري الخاصة. لن أتفوه بها لكِ. ولكن دعينا نتفق حالياً على أن لا عذر لدي، أراهن على أن هذا سيجعلك تحلقين فرحاً وسعادة.

حوار أجدب. أنا راحلة فلقد بدأت أختنق، قطعت هذه المسافة بلا فائدة. أرجو أن تفكر في كلامي، ابقى حيث أنت ولا تعد.
من تظن نفسها لتحاول اقناعه بعدم العودة!
هذه القاسية الشريرة!
استدارت ممررة يدها على عنقها واصدرت صوتا عالياً بكعبها الذي سرعان ما توقف عن الحركة عندما قال بهدوء: مهلاً.
نظر إلى ظهرها بطرف عينه بينما وقفت بترقب دون أن تستدير فأعقب: لدي ما أريد فهمه، كما أرغب في قول أمر ما.

التفتت نحوه بضجر وجفاء: بربك من تخال نفسك لت.

من الأفضل ألا تسمحي لابنتك بإظهار وجهها أمامي ولو بمحض صدفة، لو حدث هذا فصدقيني. لن أكون مسئولاً عن أي فعل يبذر مني. أنا لا أمازحك ولن أفعل، لو رأيتها سأقتلها بكلتا يداي، كما أنني أريد أن أفهم شيء بخصوص ما قاله ماكس ذات مرة. عندما كان يحاول ابعاد أمي عني. وقفت عائلتكِ بكل أفرادها في وجهه. هل كنت تقفين في صفهم؟ هل كنت ممن حرض على سحب المساهمين من شركة جدي لوضع ماكس أمام الأمر الواقع؟

رفعت حاجبها الأيسر بينما استعدت كل الحواس الخمس في جسدي لإجابتها، كنت كمن تراقب عرض نادر يوشك على أن يبدأ في أي لحظة وبحاجة للتركيز وتسجيل كل لحظة! تحرك فاهها أخيراً ببرود: كنتُ من اقترحت الفكرة عليهم.
اتسعت عيناي بشدة ورفعت يدي على ثغري بسرعة! اللعنة. لا بد وأن هذا سيلجمه حقاً!
كنت محقة.
فيبدو أن اجابتها هذه لم تكن متوقعة بالنسبة له!

جابت عسليتيه على وجهها في حين أكملت بنبرتها السابقة الخالية من المشاعر: ومع أنني ظننت ان فكرتي تلك ستساعدني على إرشاد ماكس لينفصل عن أختي أخيراً. ولكن خابت ظنوني كلها فلقد تمسكَ بكَ وقبل البقاء معها لأجلك أنت فقط. هذا ما كان يثير اشمئزازي طوال الوقت، وهذا ما خيب أملي بشأن ماكس. اختار أن يبقي شيطان معه ويتجاهل كل العروض التي انهالت عليه.

جدي توفي بسبب هذه الشروط السخيفة، ولا زال فمك يتفوه بهذا الهراء حتى هذه اللحظة.

قالها بنبرة غريبة وصوت منخفض قبل أن يمرر يده في شعره الرطب وزمجر بطريقة بدى من الواضح أن يتمالك رباطة جأشه فيها: ماكس الذي تدعين أنكِ تحبينه كنتِ السبب في المأساة التي كان يعيشها أيتها الخالة الهائمة في العشق، ماكس الذي تتدعين أنكِ أحببته اضطر للصبر على خبل شقيقتك ليلاً ونهاراً وزدت بدوري الطين بلة بوقوفي في وجه! كنت خائفاً إلى حد الموت ورغبت في حماية نفسي وحسب فشكلت حزباً سخيفاً مع أمي! في اللحظات التي كنتِ تنتظرين فيها ان ينتصر حبك السخيف هذا كنت أنا أضطر للتستر طوال الوقت وبكل جهدي على كونها مجرد خ.

بتر كلماته وقد اتسعت عينيه لأقل من لحظة كمن لو أدرك أنه كاد يتفوه بأمر لا يجب أن يذكره!
اضطر للتستر على ماذا؟!
لماذا لم يكمل كلماته!
لمحته يعض على شفتيه لثواني قبل أن يتمتم: انسي الأمر. فكرة معاتبكِ أصلاً تبدو أسخف فكرة على الإطلاق.
تماماً كالإنصات إلى لومكَ الفارغ، حذرتك أن تشير إلى بينما يداك ليستا نظيفتان.
هل انتهى حديثنا؟

تذكر أنني أرغب ولو لمرة أن تتصرف كإنسان، لذا فلتترك هذه العائلة تمضي قدماً وانسحب بهدوء وحسب، أنت لا تنتمي إلينا يا كريستوبال. سببت الكثير من التعاسة وعليك أن تضع حداً لكل هذا.
اللعنة لا أريدها أن تغزو رأسه بهذه الأفكار السوداء! إنها تصعب مهمتي كثيراً!
شعرت بالغيض الشديد وأنا أجز على أسناني بقوة، تحركت بدورها واتجهت نحو الباب وهذه المرة.
خرجت دون أن يستوقفها أو تلتفت إليه!

أغلقت الباب خلفها أو ربما صفقته إن صح التعبير.
يمكنني سماع صوت كعبها على درجات المنزل وهي تنزل، ثم صوت إغلاق باب السيارة وتحركها.
لفت انتباهي ابتسامة باهتة علت شفتيه وهو ينظر إلى الفراغ ثم مرر يده في شعره وبدى شارد الذهن للحظات!

ولكن هذا الهدوء لم يكن سوى تحذير لهدوء يسبق العاصفة! فلقد وقفت في مكاني بذعر أحدق إلى انفعاله فجأة وهو يركل بقدمه الطاولة التي انكسر زجاجها وكذلك دفعه للأرائك والتقاطه للوسائد ورميها بقوة، أحدها ارتطمت بالتلفاز والأخرى ارتطمت بالصورة المعلقة على الحائط والتي سقطت على الأرض لينكسر بروازها والزجاج المعلق فوقها!
كما انتفضت في مكاني بخوف عندما صرخ بسخط: اللعنة عليكِ!

ابتلعت ريقي بصعوبة بالغة وتراجعت خلف الحائط حتى لا يراني، فأراهن بكل ما أملك أنه لو لمحني فسأكون في وضع أسوأ من هذا الأثاث المتضرر!
اجفلت مجدداً وقد سرت قشعريرة تسببت في وقوف كل شعرة في جسدي ما ان صرخ مجدداً بإنفعال: خونة. مخادعين. مرضى ومجانين! سحقا لكل شيء.
يا الهي يا الهي إنه يقترب!
يبدو أنه يريد التوجه إلى المطبخ كيف أتصرف!

حركني الخوف فوراً لأسرع واندس خلف الثلاجة أو بمحاذاتها تقريباً، فلقد بصرت المكان بتمعن ولم أجد ما يمكنني الإختباء فيه أو تحته!
أنا متوترة وخائفة، ثم هو غاضب ومنفعل ولن تكون ردة فعله تمتلك شيئاً من الإيجابية لو وجدني هنا!
اقتربت خطاه التي وضحت مدى غضبه، أغمضت عيناي وزميت شفتاي عندما فتح باب الثلاجة فتراجعت للوراء أكثر حتى لا يلمحني، ولكن.
اختفى فجأة أي أثر لأي صوت قد يصدره!

ترددت قبل أن أفتح عيناي وليتني لم أفعل.
التقت عسليتيه بعيناي.
حينها جفت الدماء في عروقي بل وهربت بعيداً مقدمة استقالتها! لن أبالغ لو قلت أنني بدأت أشعر بالإغماء.
يداي ترتجفان بتوتر.
ولكن هذا التوتر سرعان ما تبخر وتحول إلى دهشة عندما ارتخت ملامحه وهو يحدق إلى بتأمل وشرود!
الوقت لا يمر.
الأصوات اختفت تماماً.
إنه لا يتوقف عن الحملقة في وجهي بطريقته المتأملة تلك!

تستمرين في الظهور في كل مكان. توقفي عن النظر إلى هكذا، أعلم أنني أبدو مثيراً للشفقة الآن.
قالها بصوت خافت وعيناه لا تزال تجوب على ملامحي بتمعن شديد وقد ارتخت ملامحه أكثر لشيء أشبه بالراحة! وكأنه لم يكن ذلك الغاضب الساخط والمنفعل قبل ثواني فقط.
م. ماذا الآن!
هل. يحاول خداعي واللعب بأعصابي؟ يا الهي ماذا لو تصرف بطريقته المنحرفة كالأمس!
هل كان يعلم أنني هنا منذ البداية؟ ثم لحظة واحدة. ما الذي يقوله!

هذه الأسئلة حلقت بعيداً عندما تقدم نحوي تاركاً باب الثلاجة مفتوحاً، وقف أمامي مباشرة وقد محى أي مسافة بيننا، ظل ينظر إلى عن قرب.
حتى همس بصوت ضعيف أذهلني وشل حركتي: كيف يكون هذا ممكناً. كلما شعرت بالضعف أراكِ تحومين حولي في كل مكان.
هاه؟
طرف ببطء وكأنه لا يريد لجفنا عيناه ان يقاطعا تأملاته مما أصابني بالحيرة الشديدة.
هذه المرة تبدين حقيقية إلى درجة غير معقولة.
أبدو. حقيقية؟!

طرفت ببلاهة شديدة حتى عندما اقترب أكثر ليرفع يده ويلمس وجنتي بيمناه!
ليخبرني أحدكم. ما الذي يحدث!
لا مهلاً. صمتاً جميعاً! أظنني. بدأت أفهم ما يحدث هنا.
أبدو حقيقية؟
لا تخبروني أنه يظنني مجرد طيف مجدداً؟!
غير معقول!
أراهن على أن هذا سيغضبه حقاً ما ان يكتشف أن الأمر على العكس تماماً.
يا الهي أنقذني أرجوك. حولني فوراً إلى طيف ولو لعشر ثواني فقط! فلتخترق يده وجنتي ويصدق أنني طيف مؤقت!

كنت أدعو الإله بإخلاص شديد، كنت أتضرع خشوعاً في دعائي حتى ظهر بريق الإستنكار في عسليتيه شيئاً فشيئاً!
ظل يمرر يده على وجنتي ثم لمس باقي وجهي وشعري! حتى اتسعت مقلتيه وبدى غير مصدق تماماً!
حينها فقط تهورت وصرخت نافية بذعر وتوتر: غ. غير صحيح! أنا حقاً مجرد طيف.
جينيفر:
هاذان لا يثقان بي حقاً! لا أحد منهما يصدق أن شارلوت قد باتت في منزلي.
اللعنة.

حسنا سأحاول إنقاذ نفسي، سأغوي سام لعله يتراجع، وبعدها سأعتذر لرين وأخبره أنني كنت مضطرة. كما سأهدد ستيف بطريقة أو بأخرى!
ولكن. إنه قادم والمنزل ليس ببعيد. كيف أتصرف! لا بد وأنه سيبحث عنها، وإن لم يجدها فسيخبر سام فوراً.

ازدردت ريقي بصعوبة بالغة وحينها أسرعت ارتدي أي شيء ووضعت المعطف فوق مرفقي لأخذه معي، اخذت مفتاح سيارتي من على المنضدة وركضت لأنزل الدرج، إنها الثامنة والنصف. لا يزال الوقت مبكراً كثيراً ولكنني مضطرة للكذب مجدداً، فلو أخبرتهما بالحقيقية فستغضب شارلوت الأخرى وسأتورط معها!
لماذا يحدث لي كل هذا! كيف أكون محاصرة بهذه الطريقة المزعجة من كل جهة!

لمحتني أمي وأنا أخرج ولم تكد تسألني حتى تركت أثراً للغبار خلفي، وحتى شارلي الذي كان يلعب أمام المدخل وقد كدت أركله بقدمي لأبعده عن طريقي.
صرخ بصوته وبنبرته المستجوبة: جينيفر إلى أين أنتِ ذاهبة! لا تذهبي إلى جيمي بدوني انتظري أنا قادم.
تجاهلته وانا اركض نحو سيارتي السوداء وفتحتها على عجلة لأدخل وعندما كنت أهم بإغلاق الباب انتفضت لشارلي الذي وصل وقال بحزم: إلى أين؟

حاولت ابعاده لأغلق الباب ولكنه رفض ذلك وظل متمسكاً بالمقود بقوة، دفعت وجهه بكلتا يداي ليبتعد ولكنه رفض رفضا تاماً!
يا الهي انه يؤخرني وحسب. قد يكون ستيف في طريقه إلى هنا حقاً! لا يجب أن يعلم أن شارلوت ليست هنا، سأخرج وأتصل به لأخبره أنني خرجت برفقتها في مكان ما.
سحقاً. هذا القزم المزعج الملتصق بي لن يتركني.

وهذا ما أجبرني على سحبه لأدخله السيارة فاستقر على المقعد المجاور لي، وضعت الحزام وانطلقت فوراً لأخرج من المنزل وأهرب من الحي.
وانتهى الأمر بي أجلس في أحد المقاهي الهادئة المقابلة لأحد المنتزهات، وها هو ذا يجلس أمامي ويتناول قطع البسكويت الدائرية بحبيبات الشوكولا ويغمسها بكوب الحليب ويبدو مستمتعاً وهو يحرك كلتا قدميه المرتفعتان عن الأرض.

رفعت هاتفي لأتصل بستيف، انتظرت حتى أتى صوته متنهداً: ما الأمر يا جينيفر؟ أنتِ حقاً تتصرفين بغرابة لذا لا تعتقدي أنني مغفل لتنطلي على حيلك، اتصلت بشارلوت ولكنها لا تجيب. لماذا لم تفعل إن كانت تجلس برفقتك؟ ولماذا لا تعطيني إياها إن كانت معك!
أجبته بملل وفتور مزجته بالثقة: شارلوت ولسبب ما تبدو منزعجة ولا تريد الحديث معك أو مع أي شخص، لماذا برأيك طلبت مني المبيت في منزلي إذاً؟

لم أجد منه رداً فابتسمت بخبث مريب فضاقت عينا شارلي وتوقف عن تناول البسكويت، أسرعت أمحي الإبتسامة وقلت بهدوء: ستعود بعد قليل برفقتي، لقد خرجنا معاً لتناول الإفطار.
ماذا!
أضاف بتضايق وإنزعاج: لا يمكنكِ أن تكوني جادة! أخبريني على الأقل لماذا تتجاهل اتصالاتنا؟ هل هناك أمر ما؟ هل. حدث شي ضايقها؟ لماذا لجأت إليكِ أنتِ؟!

لماذا تلجأ إلي؟ يا للفظاظة! دعني أذكرك يا ستيف. شارلوت قد تكون لجأت إلى لأنني امرأة، إنها بحاجة إلى الحديث مع امرأة تفهمها وتستوعب ما يجول في خاطرها. ، هل هذا واضح؟
لماذا لم تفعل هذا مع تيا أو حتى مع أمي! لماذا خارج المنزل؟! أخبريني بالحقيقة أنا لست غبي لأصدق هذه التُراهات.
سحقاً لذكائه!

تأففت أسند مرفقي على الطاولة وتمتمت بتبرم: لماذا أنت لحوح ومزعج هكذا! اسألها عن هذا بنفسك عندما تعود لا شأن لي أنا.
أين تتناولان الفطور.؟
أحكمت قبضة يدي محاولة الحفاظ على هدوئي وقلت أنظر إلى شارلي الذي عاد ليتناول ما بيده: شارلوت هذا الأحمق لا يصدق أنكِ برفقتي، أخبريه بسرعة بأن يتوقف عن الإلحاح علي، أجيبي على هاتفكِ على الأقل!

أضفت باستغراب وأسى: لا تريدين الحديث! ولكنه لا يريد أن يفهم لقد أرهقني حقاً.
فغر شارلي فاهه ببلاهة فقلت بحزم: ستيف هذا يكفي، أخبر سام أن يتوقف عن الإتصال بي أيضاً، ألا تظن أنكما تبالغان كثيراً في قلقكما؟
أعقبت بإستنكار: لماذا؟ ما الذي أنتما قلقان بشأنه حقاً؟
سمعته يتنهد وانتظرت رده وقد طال انتظاري حتى قال بهدوء: سأرى إلى متى سيدوم هذا الوضع. إلى اللقاء.
أغلقت الهاتف أحدق إلى الفراغ بتركيز.
كما توقعت.

يوجد بالفعل ما يخفيانه!
سام لم يتوقف عن الإتصال بي، أين هي؟ متى ستعود؟ هل قالت أنها ذاهبة إلى مكان معين؟ وإلى آخره من الأسئلة المثيرة للشك. ستيف كذلك لحوح ولا يكف عن سؤالي.
هاذان الإثنان.
يظنان بأنني مجرد حمقاء ساذجة.
عدد الأشخاص اللذين اعتلت فضائحهم عناوين الصُحف لا زالوا يكرهونني ويلعنونني. فكيف سأترك أمر هاذان الإثنان يمر هكذا؟
سنرى.

إلى أي مدى سيخفيان الأمر. أراهن على أن أحدهما سيفقد صبره ويخبرني بالحقيقة بنفسه.
من يكون؟ عزيزي معسول اللسان سام؟ أم ستيف مرهف المشاعر سريع الإنفعال!؟ يا الهي لا يجب أن أمدح رجال آخرين عدى رين. على أن أتوقف عن هذا.
بمناسبة التفكير به.
اشتقت إليه حقاً.
نظرت إلى هاتفي بأسى. لا يمكنني الإتصال به، ولا يمكنني زيارته في العمل، ولا يمكنني انتظاره أمام منزله حتى لا تعلم تلك الساحرة فيكتوريا بالأمر.

تنهدت بضيق وأسندت رأسي على الطاولة فتمتم شارلي بحيرة: هل أنتِ بخير؟
نفيت برأسي بلا حيلة: شارلي. أنا واقعة في الحب حقاً، أفتقده كثيراً.
هاه!
أشرت له بيدي ألا يكترث فطرف بعينيه باستغراب شديد وهو يمضغ الطعام بصمت.
ستيف:
لماذا تنكر الأمر! لماذا تكذب علي؟
تبعتها بالسيارة ما أن رأيت سيارتها السوداء تخرج من بوابة منزلها، لم أرى شارلوت تترجل معها من السيارة! لا أحد برفقتها سوى شقيقها.

لقد أوقفت السيارة في المواقف المواجهة للمطعم ويمكنني رؤيتها تجلس في الداخل معه الآن. لماذا تستمر في الإنكار أنا حقاً لا أفهم! هل يوجد ما يضايق شارلوت؟ أين عساها تكون أصلاً.
أنا حقاً قلق. أخشى أنها تجاهلت ما قلته لها في الأمس وذهبت بالفعل لسؤال إدوارد، حينها لا أدري كيف سأتصرف. هذا ما يفكر سام به أيضاً ولهذا أنا منزعج. تمنيت أن ينكر ويرفض أفكاري ولكنه لم يفعل.

اتصلت بها الآن أيضاً ولكنها لا تجيب، ارسلت لها الرسائل النصية ولازلت لا أتلقى منها رداً، أين هي تحديداً؟ هل أذهب إلى منزل كريس؟ هل حقاً سأجدها هناك! وإن كانت هناك. هل هذا يعني أنها لم تكن في منزل جينيفر؟ هل باتت في منزله؟ كيف استقبلها! هل رأيت بنفسها طريقته الغريبة في الحديث؟ ماذا عن إحدى النساء! أيعقل أنه كان برفقة إحداهن؟ يا الهي هل.

الأسئلة لم تتوقف عن اقتحام مخيلتي من كل صوب، والأفكار السوداء لم تتوقف عن أخذ الحيز الأكبر من كل جهة.
أسندت رأسي على المقود وتنهدت بعمق وأسى.
في جميع الأحوال على العودة لكريس مجدداً. لا زال على التفاهم معه واعادته إلى رشده. هذا الأحمق المتهور لا أدري ما الذي ينوي فعله.!

أنا ممتن لسام الذي رافق أمي إلى والديه، عندما عادت بدت بالفعل أفضل حالاً، تيا كذلك تبدو وكأنها بدأت تسيطر على نفسها. لا بأس نحن قادرون على الوقوف على أقدامنا ولكنني لا أدري إلى متى سيدوم هذا.
زفرت بشيء من الضجر وانا اريح ظهري على المسند وانظر إليهما، كانت جينيفر تريح رأسها على الطاولة وشارلي لا يزال يأكل.

متى سيخرجان؟ مرت أكثر من نصف ساعة. أكره فعل هذا ولكنني سأستمر في اتباعها لأرى بنفسي ما تخفيه. ثم هذه هي طريقة جينيفر كذلك! لو كان الأمر العكس لما ترددت في التجسس على أصلاً.
جينيفر:
كيف لي ألا أتضايق.
رين يبدو جاداً بالفعل. هو لم يتصل بي أو حتى يبدي أي ردة فعل ليوضح لي أن ما قاله كان مجرد تحذيرات فارغة، سحقاً كيف جعلني محطمة هكذا كمراهقة غبية!

ابعدت رأسي عن الطاولة انظر إلى هاتفي الذي اهتز جراء الرنين الصامت، لم يكن سوى مقر عملي الرئيسي الذي أديره.
أجبت على المكالمة. والتي دارت حول بعض الأشياء المهمة التي من الضروري أن أتولاها بنفسي بأسرع وقت.

صحيح. لم أخطط منذ البداية أصلاً للبقاء هنا لشهر ونصف، كان اتفاقي مع ماكس هو محاولة تصحيح مسار علاقة رين وكريس، ومساعدة شارلوت وحسب. ولكن كل شيء تغير منذ وفاته! أطلت البقاء بالفعل تاركة خلفي عملي والكثير من الأشياء الضرورية والمهمة.
زفرت بشيء من التشتت وانا أحدق إلى الفراغ بتفكير.
لقد قطعت وعداً لماكس. وعلى تنفيذه، لا يجب أن أرحل حتى يتصالحا، ولا يجب أن أرحل طالما شارلوت وحيدة دون كريس!

سيبدو هذا ممكننا أكثر وأسهل الآن طالما أننا حصلنا على عنوانه.
يوجد بعض الأفكار الدخيلة في رأسي على غير العادة. تنحصر على رين ومشاعري تجاهه.
لقد كان يبدو منزعجاً بالفعل.
كان غاضباً مني.
حتى مع تبريري الصريح ذاك لم يبدي ردة فعل ألطف.

أتساءل إن كنت مندفعة تجاهه أكثر من اللازم، وإن كنت أبالغ كثيراً بتصرفاتي معه. حسناً ربما زيارتي له في مقر عمله تزعجه حقاً، وربما اتصالاتي الكثيرة تضايقه وتنهكه، ولكن. الهدايا التي اقتنيها له. أفكر بكل حيرة واهتمام قبل حتى اقتناء شيء واحد منها! كنت أبدو سعيدة كلما غلفت أحدها في المتجر! وكنت ابتسم ببلاهة واحراج عندما تسألني الموظفة ما ان كانت لصديقي الحميم! بل وأجيبها بلا أدري بكل بلاهة.

تأففت بضجر: شارلي أنا حزينة.
نعم هذا واضح، توقفي عن التأفف هكذا في كل حين هذا مزعج جداً!
ولكنني أشعر بإنشطار قلبي إلى نصفين. ألست أخي؟ عليك أن تقف معي!
نفي برأسه بلا حيلة ثم دفع طبق البسكويت برفق بعيداً عنه وقال بهدوء: أختي. ذلك الأشقر الذي يظن نفسه أحد بطل الروايات بتصرفه بهدوء وفتور، هل هو من يسبب لكِ هذه الحالة الغريبة؟
طرفت بإنزعاج: ومن غيره! أ. أقصد. بالطبع لا! رين لم ي.

سحقا استوعبت ضرورة اخفاء الأمر في وقت متأخر فلقد تفوهت بالحماقة أمام أداة التصنت ضئيلة الحجم، سينشر الخبر بلا شك! سيخبر أمي وهي بدورها ستنشره حتى يصل إلى والدة رين. ما هذه الورطة!
ضاقت عينيه بشك للحظات قبل أن يتنهد: لا بأس لا تجبري نفسك.
شارلي أنت مخطأ، رين مجرد صديق و.
لو كان كذلك لما توترتِ في الأمس لرؤيته فجأة!
نفيت بسرعة ولكنه رفع يده يستوقفني بجدية: لا تقلقي. لن أخبر أي شخص بهذا، أعدك.

حدقت إليه ببلاهة فابتسم بثقة وأومأ برأسه مطمئناً.
هذا الطفل الخطل.
وكأنني سأثق به!
أشرت إليه متسائلة: هل انتهيت؟ إن كنت كذلك لنغادر إذاً.
وهذا ما حدث، وصلنا إلى سيارتي لنركب وقد حركتها بوجهي البائس بعض الشيء، كنت أقود بصمت في حين شارلي يردد كلمات الأغنية بحماس وهو يحرك يديه معبراً عنها.

وقفت في إحدى الإشارات ونظرت من حولي بملل، وقعت عيناي على المرآة الأمامية وقد استغربت قليلاً أمر السيارة الرياضية خلفي، الم تكن هذه السيارة في موقف المطعم؟

ارتفع حاجباي بحيرة وتلقائية، وعندما تغير لون الإشارة للأخضر تجاهلت الأمر وقد رأيت سيارة أخرى تحيل بيني وبين السيارة الرياضية. ولكن حس العدالة والذكاء الخاص بي جعلني أتيقن أن أمر ما في الموضوع! فحتى عندما غادرت السيارة الأخرى لا زالت تلك الأخرى خلفي. وشيئاً فشيئاً حافظ على مسافة كبيرة بيني وبينه، حسناً. لا يمكن أن لكلانا الوجهة نفسها! نخرج من المطعم نفسه ونسلك الطرق نفسها!

بللت شفتاي وعاودت انظر من خلال المرآة الأمامية للحظة قبل أن أنعطف يميناً بسرعة لأركن سيارتي في خط الإنتظار المؤقت.
أكملت السيارة طريقها فجلست في مكاني بحيرة.
تمتم شارلي باستغراب: لماذا توقفنا هنا؟!
نفيت برأسي وعاودت أقود سيارتي بهدوء واستنكار، غريب.

لا يمكن. هل هو أحد أعدائي! شخص يريد الإنتقام مني بسبب مجال عملي وينوي الثأر لنفسه؟ من يكون يا ترى! المطربة إيميلي! الإعلامي جيفري؟ عارضة الأزياء كيتي! أو يكون رجل الأعمال هاري!
توالت الأسماء والأفكار الواحدة تلو الأخرى، حتى عندما وصلت إلى المنزل ودخلت عبر البوابة.
أوقفت السيارة فنزل شارلي فوراً، أما أنا فبقيت في السيارة أنظر إلى هاتفي لأتصل إلى شارلوت، انتظرت قليلاً.
بدأ بالرنين.

انتظرت للحظات طويلة ولكنها لم تجب!
عليها ان تجيبني وتطمئنني على الأقل ولو بكلمة!
امتعضت ألوي شفتي وقد أرسلت لها رسالة مهددة توقفي عن تجاهلي وإلا أتيت حالاً يا شارلوت .
تنهدت بإنزعاج وأنا أنزل من السيارة ولكنني وقفت في مكاني أسند يدي على الباب انظر إلى السيارة الرياضية التي تقترب بسرعة.
إنها نفسها!

ضاقت عيناي كثيراً بحذر وشك، راقبتها وهي تقترب، حتى وقفت أخيراً أمامي، فُتح الباب فوراً وحينها ارتخت ملامحي للبلاهة: ما الذي تفعله هنا!
تقدم بحزم وعيناه البندقيتان تحدق إلى بتمعن: شارلوت لم تكن برفقتك يا جينيفر، لماذا خدعتني!
تكتفت أنظر إليه بتمعن: كما توقعت. لقد كنتُ مراقبة طوال الوقت. إلى اللقاء.
قلتها رغبة في الولوج إلى السيارة مجدداً فاستوقفني بإنزعاج: إلى أين!
إلى أفضل محامي يقاضيك بشأن تعقبك لي.

أنا جاد الآن. لماذا تخفين الأمر؟ ما الذي اتفقتما عليه تحديداً!
ضاقت عينيه: ما الذي تتستران عليه!
قلبت عيناي بنفاذ صبر واغلقت الباب استند عليه متكتفة وقد تمتمت بملل: لنرى ما تخفيه أنت وسام أيضاً، لا تعتقد أنني مغفلة ولن ألاحظ تصرفاتكما. الا يوجد ما تخفيانه أنتما أيضاً يا ستيف؟
نظر بعيداً بهدوء: وما علاقة هذا بموضوعنا بشأن شارلوت؟
رفعت حاجبي الأيسر: هل حقاً ليس متعلقاً بالأمر؟

اقتربت أحتضن ذراعه بخبث: هيا يا ستيف، لقد كنتما لحوحان كثيراً بشأن شارلوت بطريقة غريبة جداً، ما الذي تعرفانه تحديداً! هيا أخبرني.
حاول إبعادي: لا يوجد ما نخفيه، ثم لا تحاولي التهرب من الموضوع وأخبريني الحقيقة، أين هي الآن! إن لم تكن في منزلك أو المشفى أو منزلها فأين ستكون؟! أين عساها ستذهب!
نظرت إليه بتركيز وقد ابتعدت قليلاً، تبادلنا النظرات فبدى لي جاداً كثيراً.

لويت شفتي بتفكير قبل ان أتمتم: لماذا تبدو قلقاً أكثر من اللازم؟
تنهد بعمق: جينيفر. من فضلك أخبريني، أين هي؟
هذا حقاً غريب.
هو وسام يخفيان أمراً عنا! ما هو؟ لماذا يبدو مندفع بعض الشيء أصلاً؟
آه نعم لقد كانت مغفلة بالفعل، تلك العازبة واقعة في حب شاب يصغرها بأعوام عديدة، هذا يزعجني كثيراً!
أجفلت بشدة على إثر تلك الجملة واستقمت في وقفتي أنظر من حولي بسرعة.!

كانتا خادمتان قد خرجتا من المنزل وتتجهان نحو المُلحق الخارجي، نظرت إليهما بعدم استيعاب ودهشة في حين أيدتها الخادمة الأخرى بإمتعاض: أنتِ محقة، أتمنى أن تتوقف عن هذا، لديه بالفعل من يحبها ولكنها تفسد كل شيء بتدخلها والتصاقها به أينما ذهب.
اتسعت عيناي بذهول في حين تنهدت الأخرى: أشعر أنها سترتكب حماقة في الحلقة القادمة بلا شك!
وأنا أيضاً. تلك الشريرة بحاجة إلى من يوقفها عن حدها.

سمعت ضحكة مكتومة ولم يكن مصدرها سوى ستيف، نظرت إليه بعدم استيعاب في حين تنفست الصعداء واسندت يدي على كتفه وقلت بصوت أجش: يا الهي ظننت لوهلة أنهما تتحدثان عني! شعرت بخوف وإحباط غريب فريد من نوعه! شعرت بتحطم قلبي إلى قطع صغيرة بالكاد تُرى. يا الهي.
تمتمت لأردف بضعف وعدم تصديق: هل هناك مسلسل يتحدث عن قصة حياتي المأساوية يا ستيف!

أومأ وقد فقد السيطرة ليضحك: سُحقاً، أنا أيضا ظننتهما تشيران إليكِ ولا سيما وأنكِ تصرفت بإندفاع نحو رين في المطعم، لم أتوقف عن التفكير في الحماقة التي قد ترتكبينها ولكن ردة فعلك الآن تبدو مريبة بالفعل، اعترفي يا امرأة ما الذي يحدث!
تقوست شفتاي بإنزعاج وابتعدت لأدفعه بغيض: هذا لؤم! لا تتصرف معي بقسوة، أنا حقاً حزينة لذا لا تذكر اسمه الآن.
هاه! لماذا؟
أشحت بوجهي مقتضبة: لا سبب محدد، فليكن.
لسبب ما.

ها أنا ذا أفكر بحديث الخادمتان، العازبة مزعجة وهي تحوم حول البطل. يا ترى هل رين يراني مجرد مزعجة كذلك؟ هل التصق به وهذا يضايقه كثيراً! لا يمكن أنني الطرف الثالث المزعج والمتطفل في المسلسلات التلفازية!
حسنا قال أنني مزعجة وبكل صراحة ولكن. هل كان جاد؟
إن كان كذلك. لماذا أقدم بنفسه على تقبيلي؟
أراد تجريب الأمر؟ شعر بالفضول؟ رغب في رؤية ردة فعلي؟ ما السبب؟!

تلك المشاعر التي كان يكنها لي قبل زمن. هل اختفت؟! ولكن. شعرت وبشدة بأنه يريد إبعادي لحمايتي وحسب! شعرت بأنه لا يريد لي أي أذى.
لا تخبروني أنني حلقت بأفكاري بعيداً.
نظرت إلى ستيف الذي يحدق إلى بترقب وقلت بهدوء: أنا مكتئبة الآن.
ارتفع حاجبيه: ماذا؟
أضاف بملل: هل تتهربين من الموضوع؟
ستيف. أخبرني الحقيقة. لو.

تلعثمت قليلاً باحثة عن الكلمات فصمت ينتظرني، استجمعت كل قواي متسائلة بإحراج يجوبه بلاهة: لو كنت في مكان رين، هل كنت سأبدو مزعجة في نظرك؟ أقصد. هل ستعتقد أنني مجرد عجوز عازبة حقاً؟ هل ستفضل الفتيات الأقرب لسنك!؟
طرف بعينه باستغراب شديد: هل. أنتِ جادة بشأنه! هل ما قلته بشأن مشاعرك تجاهه حقيقة؟! ظننتكِ تمزحين يا جينيفر.
لماذا تبدي ردة الفعل هذه!

قلتها بتوجس وأردفت بتردد: هل هذا يعني أنك ستفضل الفتيات الأقرب لسنك إذاً؟! هل رين يراني مجرد عازبة تضايقه أينما ذهب؟
أيتها الحمقاء أنا لم أقل شيئاً! ظننتكِ تمزحين وحسب. لم أكن أعلم أنكِ جادة بشأنه.
أعقب بحيرة: لماذا تفكرين بهذه الطريقة؟
فكر قليلا قبل أن يضيف بإستخفاف وهو يضحك: هل اعترفتِ له ورفضك؟ لا بأس هذا أمر وارد في هذه الحياة لا يشترط ان تسير سفينتك بمجرى الرياح.

سحقا لهذا الوغد. إنه يهزأ بمشاعري المرهفة!
لم يكن هذا ما فعلته شارلوت عندما أخبرتها بكل شيء، كما توقعت. الفتيات أكثر مراعاة من الرجال، سحقاً لمعشر الذكور عديمي الإحساس والمشاعر!
رمقته بإحتقار: إنسى الأمر.
هاه. لحظة!
ولكن ستيف ورين من الفصيلة نفسها!
كلاهما رجال.
إن أخبرت ستيف بالأمر.

هل سيكون صريحاً معي؟ لا بد وأنه سيخبرني عما قد يشعر به رين حقاً لو وضحت له الأمر اليس كذلك؟! ولكن. ماذا لو تلقيت منه كلمات تحطمني أكثر مثلاً؟
فكري يا جينيفر، قد يخبرني بالواقع الذي يوجهني بالفعل بدلاً من الإبحار في عالم الأحلام الوردية، سأخبره فقط أن يكون أكثر مراعاة لي ولا يكون قاسياً علي.
أمسكت بيده فجأة فطرف باستغراب، نظرت إليه بحزم: اتبعني.
شارلوت:.

جلست على الأرض أسند ظهري على باب الغرفة خلفي بلا حيلة وقد تنهدت بإحباط شديد، نظرت من حولي إلى الفوضى التي لا زالت كما هي، ثم قلت بصوت راجي: توقف عن التصرف بهذه الطريقة، كفاك هرباً، اخرج لنتحدث يا كريس!
لا رد.
لا تعليق.
إلى متى سيتصرف هكذا!
هل دخوله إلى الغرفة وإغلاقه للباب هو الحل النهائي برأيه!
لم أتوقع أن يغضب إلى هذه الدرجة، يا الهي لا أستطيع التوقف عن التفكير بما بذر من كلانا.

غ. غير صحيح! أنا حقاً مجرد طيف.
كان هذا ما قلته بتوتر شديد.
ولكنه استوعب الأمر وهو يحدق إلى بعين غاضبة غير مصدقة.
ارتجفت شفتيه وهو لا يزال يتفرس بوجهي بكلتا مقلتيه حتى همس بصوت أجش: هل استمعتِ إلى كل كلمة؟
بللت شفتاي بإرتباك وقد أشحت بوجهي بعيداً.
ولكنه أمسك بذقني ليدير وجهي نحوه بحزم: أجيبي!
حدقت إليه وقد حاولت الحفاظ على هدوئي: نعم. منذ مجيئها، منذ البداية يا كريس.

ضاقت عسليتيه بحنق وقد أبعد يده عن ذقني وردد بحدة: منذ البداية.
أضاف وقد ترك مسافة كافية بيني وبينه: هل تشعرين بنخوة الإنتصار بتصنتك الآن؟ أشفيتِ فضولك؟ سجلتِ كل كلمة حتى لا تنسي شيئاً؟! استمتعتِ بذلك؟
ما الذي تقوله! لماذا سأستمتع بذلك الهراء الذي كانت تتفوه به!

استرسلت بإنزعاج: لقد شعرت مرارا وتكرارا برغبة في إظهار نفسي لأصرخ عليها وأوقفها عند حدها! ولكنني. كنت خائفة! كنت أعلم أنك ستنزعج من رؤيتي وفضلت الصمت وحسب، أعلم أنني مخطئة في دخولي دون اذنك واستماعي إلى حواركما ولكن هذا يكفي! أنا لست هنا لسماع رأيك، أتيت لأعيدك يا كريس رغماً عن أنفك.

ابتعدت عن الحائط وتحركت وقد هدأت نفسي لأبتسم بضمور: لا زال صدى كلماتك يتردد في أذني. قلت بأنك تريد حمايتي، ألا تعلم كم أشعرني هذا بالسعادة! بالراحة والطمأنينة؟!
أغمض عينيه بغضب قبل أن يزمجر بسخط: اللعنة يا امرأة! كنت واضحاً معكِ، قلت لكِ لا تعودي إلى هنا مجدداً! قلت لكِ غادري دون عودة! أي من كل هذا لا تفهمين؟ ارحلي حالاً قبل أن أنفجر في وجهك!

لم تتلاشى الإبتسامة المضمرة عن ثغري وانا احدق إليه بتأمل، لأهمس بأسى: شارلوت. اسمي شارلوت. توقف عن هذا! حرصك على ألا تتفوه به يكسرني.
رفع يده يمررها في شعره بخشونة ثم زفر بنفاذ صبر وهو يتقدم نحوي ليجرني معه ويخرجني من المطبخ، لا. لا يجب أن أخرج! لم تنتهي مهمتي بعد.
ليس بعد!

رصيت على أسناني وانا احاول ابعاد يدي بقوة، لم أكن أقوى منه لأتمكن من ايقافه، ولهذا تحديداً عكست الموقف لصالحي واقتربت منه لأعانقه بقوة.
بقوة. حرفياً!
فلقد تمسكت به بأقوى ما لدي ودفنت وجهي في صدره وطوقت خصره بكلتا يداي! وكأنني على وشك الغرق ولا يفصلني عن الموت سوى شعرة واحدة! كنت كمن تجاهد للتمسك بآخر وسيلة للنجاة بكل ما أوتيت من جهد وقوة.

حاول ابعادي عنه ولكنني أبيت التحرك خطوة واحدة، قلت دون أن ابتعد وقد أغمضت عيناي متمسكة به: لن أبتعد، كل ما اريده هو خوض حديث معك، توقف عن ابعادي بهذه الطريقة هذا لم يعد مقبولاً! لا حق لك في ابعادي يا كريس وقد كنت من اقتحم حياتي رغماً عني، لا حق لك وقد أوقعتني في حبك. أنا لن أبتعد حتى تنكسر عظام يداي، لن أبتعد ولو استخدمت كامل قوتك هل تفهم!

دفنت وجهي في صدره أكثر عندما حاول ابعادي عنه وقد تذمر بغضب: ابتعدي! سُحقاً يا فتاة ابتعدي وإلا ندمتِ.
اسمي شارلوت.
قلت لك ابتعدي!
لن أفعل.
وضع يديه على كتفاي ليبعدني وحينها حزمت أمري ودفعته بقوة وانا لا أزال أعانقه، وكما خططت فلقد تراجع بضع خطوات فقط كانت كفيلة بوصوله إلى ما أريد، تعثر بوسادة الأريكة الصغيرة ووقع أرضاً ووقعت فوقه، وحتى عندما حدث هذا لم أتحرك مبتعدة عنه قيد أنملة!

استلقى على ظهره متأوهاً بسخط فتمسكت به أكثر: إلى متى سترفض الحديث معي! لماذا أنت خائف! ما الذي تخشاه بالضبط؟!
اعتدل قليلاً ليسند نفسه على يديه فأكملت برجاء: من فضلك. يوجد ما أريد قوله لك، يوجد ما عليك قوله أيضاً مهما حاولت الهرب، إن كنت تخشى ان اذكر اسم ابنك او حتى والدك فأعدك أنني لن أفعل، ولكن ما أريد قوله مختلف. ما أريد قوله من الضروري سماعه!
إلى أي مدى أنتِ مثابرة!

انهى جملته بجلوسه وقد حاول ابعادي، وللأسف قوته البدنية قد تغلبت على مجدداً! ما أن نجح حتى عزمت أمري لتنفيذ الخطة البديلة، فاجأته بوقوفي فجأة فظل في مكانه بعدم استيعاب وعيناه تلاحقني بغضب، ركضت إلى باب المنزل وأغلقته بالمفتاح واتجهت للنافذة فوراً، بدى أنه فهم ما أريد فعله فوقف متجها نحوي بسرعة، وما أن وصل حتى فتحت النافذة، أخرجت يدي لأرمي المفتاح فيكون عاجزاً عن إخراجي بنفسه، ولكنني تفاجأت به قد أمسك بيدي!

عضيت على شفتي محاولة انتزاع يدي ولكن سحقاً…
لم يكد يأخذه مني حتى تسمر في مكانه عندما وجهت له ضربة بين ساقيه فانحنى متأوهاً بألم شديد! طرفت بإستيعاب وحينها القيت بالمفتاح متنهدة بصعوبة وأغلقت النافذة وقلت بتوتر: وأخيراً. حسناً هذا ما علمتني إياه، فعلت هذا مرة في منزلي فلا يمكنك لومي. إن أردت مني الخروج فاخرج من النافذة أولا واجلب المفتاح بنفسك.

رفع عينيه نحوي وهو لا يزال منحنياً ليزمجر بحنق: لقد طفح الكيل! إلى متى على أن أبعدكِ عني! لا أريد التحدث بشأن أي موضوع، لا أريد سماع أي شيء! قلت لكِ لا يوجد من هم في انتظاري، كما لست في انتظار أي أحد، دعيني وشأني وحسب! اخرجي.
تكتفت بهدوء أحدق إليه بترقب في حين بدى مستنكراً كثيرا لهدوئي، حاول ان يستقيم بصعوبة وهو يتأوه ثم لمعت عينيه بالحقد وقد همس: اللعنة.

كريس. أعلم أنني أضعف منكَ ولكن أحذرك بأن تتوقف عن استخدام قوتك على حالاً، أنا أيضا قادرة على الدفاع عن نفسي، كما لا أريد إيذاؤك بطريقة أو بأخرى لذا أنصحك بأن تتعقل وتجلس لنتحدث لننهي هذه القضية التي باتت تستفزني كثيراً.
أشاح بناظريه بعيداً وقد عقد حاجبيه بألم ثم اعتدل ببطء وتجاهلني، سار نحو الغرفة فتبعته متنهدة، ولكنني لم أكد أدخل خلفه حتى تفاجأت به يصفق الباب في وجهي!

أوصده بالمفتاح فزمجرت بغيظ: ما الذي تفعله!
حركت المقبض بقوة وإنزعاج: افتح الباب حالاً.
وهكذا لا أزال أنتظر جالسة أمام الباب بملل، بتعب وإحباط شديد.
مر وقت طويل، لم يستسلم ليخرج، لم ييأس ويرفع الراية البيضاء، وأنا أيضاً لم أفقد الأمل، حتى وإن كان يتجاهلني أو يظن بأنني سأخرج بعد عزله لنفسه في الغرفة ببساطة.
إنها تشير إلى الحادية عشر والنصف، سيحين وقت الظهيرة قريباً.
لم أتناول الإفطار، هو كذلك لم يفعل.

بدأت أشعر بالجوع.
أنا حقاً منهكة.
لا بأس يا شارلوت، كوني صبورة.
كريس لم يعد رجلاً ناضجاً قابلاً لأن يتم التفاهم معه بلغة البشر العقلاء، أنا حقاً أشعر بأنني أتصرف مع مراهق من الصعب التعامل معه.
قالت هيذر بأنه على التصرف معه كما لو كنت أقابله لأول مرة. كتلك الطفلة البريئة التي تركت يوماً أثراً في نفسه، سحقاً لذاكرتي السخيفة المفقودة الا يمكنها أن تعود مؤقتاً؟ هذا حقاً سُخف.

نظرت من حولي للمكان الفوضوي وقد وقفت أمدد جسدي، كان ما قررته هو ترتيب هذه الفوضى التي أحدثها مجدداً بعد ان نظفتها في الصباح الباكر.
بدأت بالفعل بالترتيب، وعندما انهيت ترتيب الأرائك والأشياء الملقاة ذهبت للمطبخ لأحضر ما يمكنني جمع الزجاج به، أحضرت أداة التنظيف وعدت لغرفة الجلوس، جثيت على ركبتي التقط زجاج الصورة اللوحة المكسورة بحذر.

حاول تفريغ طاقته وغضبه من كلمات خالته بالتصرف بإنفعال وقد هاج فجأة بعد ان كان يتصرف أمامها بكل هدوء وبرود، لا أدري حقاً ما الذي أغضبه كثيراً. طلبها منه أن يبقى بعيداً؟ عدم انكارها مشاعرها لماكس وتحدثها بكل وقاحة؟ معاتبته ولومه في كل شيء بدلاً من الإطمئنان عليه؟ شماتتها بشأن جيمي وإن كان يتصرف وكأن الأمر لا يعنيه! أم كل شيء منذ البداية. منذ أن رأى وجهها.

إنها امرأة قاسية. تصرفاتها غريبة ومستفزة ومع ذلك لا أنكر أنها تجيد وزن تصرفها كذلك لتبدو منتظمة في أقوالها وأفعالها، وكأنها مقتنعة وبكل صدق بأنها تتصرف بطريقة صحيحة بالفعل.
لست مذهولة من أي شيء، فكل ما سمعته عنها شكل في عقلي صورة لها لم تكن بعيدة جداً عن الواقع.
ولكنني فقط.
أشعر بحزن وضيق لمعاملتها إياه بتلك الطريقة.
نعته بالدخيل. بالنكرة.
وكأنه لا شيء.
هذا يزعجني.

رغبت في تفريغ غضبي، في خوض شجار معها! أن تقول بأنه يستحق كل ما يحدث له. لا أريد سماع هذا مجدداً منها أو من أي شخص آخر. إن كان كريس قد أخطأ في حق رين فيستحق أن يعاقب على فعلته بطريقة أخرى من قبل رين ليأخذ بحقه، ولكن أن يتم لومه وعتابه على ما حل بباتريشيا وأوليفيا وقد كانتا الكابوس الحقيقي في حياته!