رواية غوى بعصيانه قلبي الجزء الثاني للكاتبة نهال مصطفى الفصل الحادي والعشرون
-خُلق القلب عصيًا: سَنلتقيِ ذات مَرة…
رُبما فِي نِهاية ليلة أو فِي مَدينة مَا
سَنلتقيِ عَلى حَافة طِريق أو بعرض المحيط
أو في إحَدى الأغَاني
سَنلتَقيِ فِي أحِد الاحلام
أو رُبما في عامٍ قادِم يجمع بين القمر وعينيك.
دخل مراد مرتديًا بدلته السوداء وجلس على المقعد المُقابل لمكتب عاصي الذي سأله:
-خير ياابن خالتي؟
-تمام هدخل في الموضوع على طول.
-يا ريت؟
-عاصي انا جاي اطلب منك أيد عالية.
ترك عاصي القلم من يديه وهو يطالعه بملامحه المُتقلصة بالغضب وقبل ما ينفجر بُركانه بوجه مراد استكمل قائلًا: -قبل أي حاجة اتمنى تركن الخلافات اللي بينا على جمب، وأنا هنا جيت بالاصول ومحبتش أعمل أي حاجة قبل ما ارجع لك. كان ممكن أردها وأحط الكُل قُدام الأمر الواقع، بس أنا مصمم إني أبدأ معاها حياة صح وجديدة.
أخذ قدمه تضرب الأرض بهدوء وهو يفكر في الأمر ويدرس حقيقة ملامح مراد الصادقة ولكنه باغته قائلًا بحسم: -موضوعك أنت وعالية انتهى، ومش عايزه يتفتح مرة تانية، شرفت.
ما زال محافظًا على ثباته واتزانه ثم قال: -ليه؟
رد عاصي بحدة: -عشان اللي في بالك عُمره ما هيحصل يا مراد. واطمن ابن اختي في عينيا.
هز مراد رأسه ثم قال: -مهما قدمت لابني مستحيل تعوضه عن غياب أبوه.
كور عاصي قبضته بغضب مكتوم: -ومش ابنك اللي هيخليني ارمي لك أختي عشان تهينها مرة تانية. لأن المرة دي فيها حياتك يا مراد.
-أنت بأي حق تحكم عليا، عاصي أنا بحب عالية فعلًا وجيت لك بالأصول.
اتسعت ابتسامة عاصي الساخرة وهو يفارق مقعده ويقول: -ما سيبك من كلام العواطف ده وتعالى نكشف ورقنا لبعض، أنت عايز ترجع عالية عشان ورثها اللي هيكون نقلة كبيرة في البيزنس بتاعك، فبلاش نلف وندور على بعض.
وثب مراد قائمًا وهو يقفل زرار بدلته بشموخ: -عالية اتنازلت عن نصيبها في ورث دويدار لتميم لأنها شايفة انكم ظلمتوه، يعني أنا لو طمعان في ورث عالية زي ما بتقول مكنتش هاجي وأقعد معاك القعدة دي.
ثم اقترب منه متحديًا: -انا هعتبر نفسي مسمعتش ردك، وهسيبك تفكر وياريت تاخد رأي عالية، جايز ليها رأي تاني.
فربت على كتفه برفق: -سلام يا ابن خالتي…
رمى مراد القنبلة بصدر عاصي وولى مغادرًا مكتبه، اشتعلت حُمرة الدهشة بوجهه وهو يبلغ مديرة مكتبه: -ابعتي لي سهير مديرة الشئون القانونية.
-نوران، ممكن تفكري معايا؟
ابتعدت عالية عن لوحة التصميم الهندسي وأردفت طلبها الأخير على آذان نوران المنغمسة في دراستها، تركت القلم من يدها: -أيه شاغل بالك؟
اقتربت منها وجلست على طرف المكتب: -بفكر أجيب هدية لمراد، عيد ميلاده 1/1. أيه رأيك ممكن أجيب له أيه؟
فكرت نوران طويلًا: -ده بكرة! انت ماقولتيش قبل كده ليه!
-كنت ناسية يا نور، المهم أجيب له؟ والمشكلة بكرة عندي تسليم الرسومات وانا لسه مخلصتش ومش هقدر أخرج النهاردة خالص.
أصدرت نوران إيماءة خافتة: -ورطة بصحيح.
حدجتها عالية بمكر: -بس لو اتفقنا نجيب له أيه، ممكن تشتريه إنتِ وجاية، بعد الدرس بقا.
أطلقت نوران ضحكة لطيفة: -باين مفيش درس النهاردة. أيه رأيك في ساعة!
-تقليدي أوي.
-طيب قولي أنتِ الجديد.
-الله! أديني بفكر معاكِ، استنى بقا.
بالخارج تقف حياة مع البنات وتؤكد تعليماتها على آذان الجليسة الجديدة بدلًا من نوال. وتقول بنبرة آمرة: -عينك متروحش كده ولا كده، يخلصوا التمرين وترجعوا على طول، والحارس معاكم أي حاجة يحتاجوها هو يروح يجيبها. أنت تركزي مع البنات وبس.
ردت المُربية: -متقلقيش يا هانم.
جلست حياة على ركبتيها وقبلت الاثنين بحب ثم طلبت منهم راجية: -بلاش شقاوة وتسمعوا الكلام. اتفقنا.
ردوا في نفسٍ واحد: -اتفقنا.
ضمتهم بدفء وهي تستمد منهما طاقة الحب: -هتوحشوني أوي، يلا عشان متتأخروش.
مسكت المربية أيديهن وهن بملابس الكارتيه ، ظلت تلاحظهم حتى غادرن البيت. ثم تحركت قليلًا وطرقت باب غُرفة عالية بهدوء، فتحت الباب عندما سمحت لها وقالت: -صباح الخير.
ردوا في نفس واحد: -صباح النور.
ثم قالت عالية: -تعالى يا حياة، اتفضلي.
اقتربت منهم حياة بخجل: -مش هعطلكم، كنت جايه بس أدي نوران الورقة دي.
مدت الورقة لنوران ومعها الكثير من النقود الورقية وقالت: -نوران كل حاجة مكتوبة هنا، معلش هتعبك معايا.
أخذت نوران الورقة والنقود منها وقالت: -مفيش تعب، بعد العصر كل حاجة هتكون عندك.
تدخلت عالية: -هبقى فضولية لو سألت حاجات أيه.
ابتسمت حياة بخفة ظل: -دي شوية طلبات، كنت بفكر أجهز احتفال بسيط كده أنا وعاصي بمناسبة اننا هنبدأ سنة جديدة سوا، ولو خرجت هيقول لي رايحة فين والمفاجأة هتبوظ.
بدالتها عالية بابتسامة عريضة: -يا بختك يا عم عاصي. طيب بالمناسبة انا ممكن استغلك تفكري معانا.
تدخلت نوران في حديثهم: -ااه اتفقوا عشان أنا لفتي طويلة النهاردة.
ختمت نوران جملتها بصوت طرق خفيف على الباب الموارب الذي هلَ منه تميم وقال معتذرا: -اسف. نوران عايزك.
نهضت نوران من فوق مقعدها وهي تقول: -اسيبكم تفكروا لحد مااشوف تميم عايز أيه.
رحلت نوران خلف تميم وبعد ما قفلت الباب خلفها شرعت عالية بالحديث: -كنت بفكر في هدية لمراد عشان عيد ميلاده وكده.
أصدرت حياة إيماءة ماكرة: -اااممم مراد. وماله نفكر.
أحمر وجه عالية بخجل من نظرات حياة اللامعة بنجوم الحب، فتنهدت: -اجيب له أيه.
-بفكر أهو.
-طيب لحد ما تفكري، ممكن اطلب منك طلب رخم شوية.
حياة بحب: -طبعا من غير كسوف.
-بصي يا حياة، أنا من زمان ما شوفتش عاصي أخويا بالحالة دي إلا لما جيتِ هنا، عاصي كان حد تاني من وقت وفاة مها، المهم، اللي حساه إنك فعلًا حد مهم بالنسبة له، ف مش هوصيكي عليه كفاية لمعة الحب في عيونك، وواضح كمان انه بيسمع لك وبسمع كلامك.
مسحت حياة على كتفها وقالت بحب: -أنا معرفش ازاي اتشديت له بسرعة كده! المهم أيه سبب المقدمة الطويلة دي؟
-هقولك…
فركت كفيها برتباك ثم تنهدت بنفاذ صبر: -عايزكي تجسي نبضه من ناحية مُراد، عشان معلقش نفسي بحبال دايبة وفي الأخر يرفض.
-بصي يا عالية، حاربي عشان قلبك متخليش حد يقف بينك وبين سعادتك مهما كان مين، أحنا هنعيش مرة واحدة بس. وبردو متقلقيش أنا هتكلم مع عاصي وأعرف لك هو ناوي على أيه وهقول لك.
ردت بامتنان: -بجد شكرا يا حياة، حقيقي عاصي له حق يحبك بالشكل ده.
بالخارج.
-فكري يا نوران، آكيد عارفة اختك أيه أكتر حاجة بتبسطها.
أردفت تميم جملته بحرص كي لا يسمعه أحد، فقالت نوران بحسرة: -هو كله بيجي على دماغ نوران كده يا ربي.
ثم نظرت إليه: -طيب أنت بتفكر في أيه؟
-أنا موصي على سلسلة شمس، خلصت النهاردة. هديكي العنوان تروحي تجيبها. بس عايز أجيب لها حاجة كمان تكون مميزة.
انكمشت ملامحها أسى: -عيني عليكِ وعلى حظك يا نوران.
-بتقولي أيه؟
-بقول هات عنوان المحل أجيب منه السلسلة.
انتهت حياة من حوارها الخفيف مع عالية ثم خرجت من الغرفة متجهة ناحية المطبخ بالدور الأرضي. فوجدت سيدة تتوسط الخدم وتوزع أوامرها عليهم، فنادت عليها حياة:
-سيدة، عايزاكي.
ركضت سيدة إليه بحب: -أومري يا ست الستات.
سحبتها حياة بعيدًا عن المطبخ وقالت لها بحذرٍ: -بصي كنت عايزة كده عشا خفيف بالليل، شوفي أكتر حاجة بيحبها عاصي، وأعمليها.
ردت سيدة بقلق: -بس أنتِ عارفة، ست عبلة مانع حد يدخل المطبخ من بعد العشا.
-اتصرفي بقا يا سيدة، المهم محدش يعرف خالص.
-بس ليه يا ست حياة، اصلا عاصي بيه مش بيحب يتعشى.
ردت حياة بهمس: -النهاردة ليلة مميزة وكنت عايزة اعمل احتفال بسيطة كده وطبعا لازم عشا من أيديكي الحلوين دول.
تمددت ملامح سيدة بفرحة: -لا يبقى لزوم الليلة دكر بط وجوزين حمام وحبة طُرب وريش، وشُوربة كوارع.
اتسعت عيني حياة بدهشة: -بط وكوارع أيه يا سيدة! بقولك عشا خفيف.
-خفيف ليه؟ اسمعي كلامي أنت بس وسيدة هتدلعك.
-لا ياسيدة مش هينفع، بصي حبة باستا مع بانيه، او كفته مشوية وحبة رز، أكل خفيف.
أصرت سيدة على رأيها: -ده أيه الأكل اللي ينشف المعدة ده! ست حياة سيبي حوار العشا ده عليا أنا.
في تلك الاثناء توقفت سيدة عن الحديث إثر رؤيتها لأحدى الخادمات يصعدن لأعلى فسألتها بحدة: -رايحة فين وسايبة شغلك؟
-ست عبلة عايزة حد يساعدها في تجهيز شنطتها لانها مسافرة.
-طيب روحي وشهلي عشان عندنا شغل كتير.
ثم نظرت لحياة بحماس وفرحة: -انتِ بنت حلال. هي تمشي من هنا وهدي البنات أجازة نص يوم النهاردة وهجهزلك عشا ملوكي.
حدجتها حياة بقلق: -ربنا يستر منك يا سيدة.
-اتفضل يا عاصي بيه.
لم يرفع عينيه من الملف أمامه بل أشار بكفه: -اقعدي يا سُهير.
جلست سهير منتظرة معرفة ما دعاها لأجله حتى فرغ تماما من عمله وقال:
-يجي بس المدير المالي وهكون معاكم.
في نفس اللحظة دخل عوني المدير المالي المسئول عن شركاته ومجرد جلوسه مقابل سهير ساله: -عوني. ارباح الشركة السنوية بتوصل في حساب تميم وعالية!
-أيوة يا فندم، وكل ده بيكون في كشف حساب على مكتبك كل سنة.
-جميل، لسه مطلع عليهم. المهم، سهير بكرة هتروحي القصر لتميم تتكلمي معاه، والفرع اللي يحب يمسكه خلصي له ورقه على طول.
-تمام يا فندم، أي أوامر تانية؟
-لا اتفضلي أنتِ دلوقتِ.
ثم نظر لعوني: -عايزك تعمل لي جرد برأس مال الشركة وكل الفروع في مصر وبره مصر، عايز كشف مفصل على مكتبي. وحاجة كمان.
-اتفضل معاليك…
فرغت حياة من الحديث مع سيدة ثم ولت عائدة إلى غُرفتها فأوقفها فريد قائلًا: -يعني يصح نكون في بيت واحد يابنت عمي وما نتكلمش؟
زفر باختناق: -بلاش عشان لو اتكلمنا هزعلك.
-ليه بس؟ دا انا عملت المستحيل عشانك. كل ده عشان بحبك.
رمقته بأسهم الخسة: -أنت مش بتحب غير نفسك يا فريد.
تفحص الوضع حولهم فاقترب منها هامسًا: -حياة ركزي معايا، أحنا لازم نطلع من هنا بأكبر مصلحة، ده قصر على بابا وأحنا نبقى أغبية لو مشغلناش دماغنا.
جزت على فكيها مكبحة غضبها، اتسعت عينيها بلهب التوعد: -ابعد عني وعن عاصي يا فريد، أنا لحد دلوقتِ مجبتلهوش سيرة عن زيارتك ليا في الفندق. بس ورحمة أبويا وأمي لو قربت منه لأقتلك بايدي، فاهم.
قطعهم صوت نداء عبلة التي صُدمت برؤيتهم معًا، اقتربت منهم وقالت متلونة كالحية: -عايزة أي من جوزي!
-هو اللي عايز. حتى اسأليه كده!
رمقته عبلة بلهب التحذير ثم عادت إلى حياة: -انا عارفة لعبتك كويس أوي، ومش هخليكي تتهني بعاصي ابني ولا فلوسه. أنتِ فاهمة!
تحدتها حياة بقوة قبل أن ترحل: -ولا تقدري تعملي أي حاجة…
عادت عبلة لتفجر غضبها بفريد: -انت ايه موقفك معاها؟
-دي هي ياروح قلبي اللي نادت عليا؟
-وكانت عايزة أيه؟
توتر فريد قائلًا: -طبعا خايفة اطلع سرها عشان متتكشفش قدام عاصي. المهم الشُنط جهزت ولا لسه!
حدجته بعدم تصديق: -جهزت يا فريد. يلا قُدامي.
غادرت نوران القصر منتظرة قدوم الأوبر فأتى كريم في هذه اللحظة بسيارته وقفًا أمامها وهاتف مغازلًا: -الجميل واقف لوحده ليه؟
ردت بضيق: -مش فاضية اتخانق معاك النهاردة، تعالى بكرة نشوف الموضوع ده.
نزل كريم من سيارته ضاحكًا: -اي ده طلعت مايعرفش أعاكس!
-كريم أنتَ مش نافع في أي حاجة. ووسع كده خليني اراجع كويس عشان أعرف هتصرف ازاي؟
ألقى نظرة على الورقة التي تقرأ منها، فقال ساخرًا: -اي ده؟ الجدول الدوري؟
ضحكت ساخرة: -ياخفة! ايه اللطافة دي!
نزع نظارته الشمسيه بتباهٍ: -طول عُمري. بردو ماقولتيش أيه ده!
-دي الورقة اللي هتلففني القاهرة كلها. حياة عاملة مفاجأة لعاصي عشان يقضوا راس السنة سوا. تميم موصي على هدية لشمس وعايزني اروح اجيبها، عالية جايبة هدية للثئيل أخوك وعايزاني اروح أجيبها. وحاجة كده آخر ما ينول الطبال غير وجع صوابعه!
خر كريم ضاحكًا على لطافتها: -يانهار اسوح! دانتِ هتتشلوحي.
هبت هاتفة: -الاوبر جيه وسع كده!
-أوبر أيه، خدي هنا.
توقف متأففة: -عايز أيه؟ بقول لك الراجل مستني.
شاور كريم لسائق السيارة: -اتكل على الله انت يا عمنا. خلاص غيرت رأيها مش رايحة مكان.
نهرته بلوم: -انت بتعمل ايه يا مجنون أنت؟
-ايه هوصلك.
ردت بإصرار: -لا.
-اعتبريني أوبر ومش هعمل صوت. يلا اخلصي.
-كريم متهزرش، شمس ممكن تولع فيا لو عرفت.
وقف أمامها معلنا: -مش هينفع اسيبك تروحي كل الاماكن دي لوحدك، بطلي رغي واركبي.
-مش بياكل معايا أنا الجو ده. وسع كده.
-بطلي نشف دماغ ويالا عشان تكسبي وقت.
وقفت مفكرة للحظات ثم قالت: -طيب خُد إذن تميم الأول…
حل المساء وبات الجميع في انتظار استقبال ليلتهم.
وصلت سيدة إلى غرفة عاصي وشرعت في رص الأطباق المُغلفة على الطاولة المليئة بالورقيات الحمراء. ثم أرسلت نظرة انيهار إلى حياة التي لم تُكمل زينتها بعد:
-والله ما أنتِ محتاجة لكل ده. أنت لوحدك فاكهة مش محتاجة سُكر صناعي.
ضحكت حياة على عفويتها ثم اقتربت منها: -اتعلمتي البكش ده كله فين يا سيدة؟
-ده مش بكش دي حقيقة يا ست حياة.
-المهم عملتي أيه أكل.؟
شرعت سيدة في شرح ما أعدته: -بصي. الطبق المتغطي ده في حبة شوربة كوارع بالبهاريز حاجة كده ترُم العضم.
اتسعت عيني حياة بصدمة: -بهاريز؟ وكوارع؟ سيدة شيلي شيلي متهزريش.
-اومال يا ست حياة وهي الليلة تبقى ليلة من غير كوارع؟ والطبق الكبير ده فيه جوزين حمام وشوية مشاوي من اللي يحبهم قلبك. كان نفسي اعملكم دكر بط بس مالقتش.
كاد قلب حياة أن يقف: -لا كفاية الكوارع والحمام. وربنا يستر من اللي جاي.
ضحكت سيدة بحماس: -ليلتكم بيضة وزي الفل. يلا اسيبك تجهزي واروح أنام ليا كتير مسهرتش كده.
ابتسمت حياة بامتنان: -شكرا يا سيدة تعبتك معايا.
انصرفت سيدة وعادت حياة إلى مقعد التسريحة:
سأقول كنت تائهة حتّى وجدتُ عينيك
أو مثلًا.
تساءلت كلّ حياتي إذا ما كنتُ قد اختبرت الحبَّ فعلًا، ثمّ وجدتك!
وسأقول أنّي حين عثرتُ عليك، تلوّنَت الحياةُ في عينيّ. وغردت عصافير صباحي، وحل ربيع أيامي
رغم أنّني أعرفُ أني سأبدو حمقاء.
لكن كيف يكون المرءُ جذلًا أمامَ وجهك وعينيك؟
بعدما انتهت من وضع مساحيق التجميل الخفيفة على ملامحها الساحرة، تناولت دفترها ودونت كلامها الأخيرة بأيدي مُرتعشة ثم تركت الدفتر مفتوحًا على التسريحة. ووثبت متجهة نحو طاولة العشاء الرومانسي وأعادت ترتيب الأطباق.
ثم تحركت لتقف أمام المرآة الطولية لتتفقد صورتها الجميلة، حيث فستانها المائل للون الكشمير ضيق من عند الخصر، واسعًا حد ركبتيها من خامة التول الأنيق، وشعرها الأسود المرفوع بتسريحة جميلة مناسبة مع فستانها. ونفس اللون انصب ب حذائها ذا الكعب الذهبي يعلوه خُلخالا حلقته من الذهب بطرفي من اللؤلؤ الأبيض، كان من أحد الهدايا الذي قدمها لها في باريس. وضعت كفها فوق صدرها وتنهدت بحماس:
-هو اتأخر كده ليه؟
ما هي إلا ثوانٍ معدودة فسمعت صوت سيارته، ركضت ناحية النافذة للتأكد من قدومه، فاتسعت ابتسامتها عندما وجدته مدلفًا من سيارته ويعطي مفاتيحها للحارس ليركنها بالجراج. شدت الستار سريعًا ثم اتجهت نحو طاولة العشاء مرة أخرى وشرعت في إشعال الشموع ذات الرائحة العطرة.
تسارعت دقات قلبها على لحد دقات عقارب الساعة التي تُعلن باقتراب وصوله. زفيرًا وشهيقًا تابعا توترها كي يقلل منه. اتجهت ناحية المرآة ونثرت القليل من العِطر على جدار عنقها ثم وضعت الزجاجة مكانها وأخذت تهدأ من روحها المضطربة.
بالطابق السفلي اطمئن عاصي على صغاره بعد ما شد الغطاء فوق كل واحدة منهم، ثم انحني ليمسك بالعروسة الواقعة أرضًا وارجعها لحضن صغيرته بعد ما قبل رأسها. خرج من الغُرفة بهدوء وقفل بابها بحذرٍ ثم اتبع خُطاها إلى الطابق الثالث الخاص به. خطوات مجهولة لا تعلم ما ينتظرها خلف الأبواب ولكنها كانت تشعل الكثير من التوتر بقلب حياة.
تستمع إلى صوت خطواته ليرتفع صوت ضربات قلبها أكثر فأكثر ويتورد وجهها بحمرة الخجل، جلست على طرف السرير كالأميرات تنتظر أميرها. اختلج قلبها من مكانه عند ثني مقبض الباب الذي أعلن خبر وصوله.
تقدم بخطوات سلسه فامتدت عيناه إلى النور الخافت الذي يحيط بالغُرفة، والبلالين البيضاء والوردية التي تملأ الأرض. تفاصيل كثيرة جميلة بالغُرفة ولكنها فشلت أن تشتت انتباهه عنها. وقفت حوريته لتكون باستقباله بوجه يشع من الخجل والشوق في آنٍ واحد.
قفل باب الغُرفة برفق وهو تحت سطو انبهاره بجمالها الذي ينافس أميرات ديزني، يقترب منها وتقترب منه حتى التقي الاثنان في نقطة واحدة. قطعت حبل صمته ودهشته قائلة:.
-أيه رأيك في المُفاجأة دي؟
طافت عينيه بسرعة في جميع أرجاء الغُرفة حتى رست عندها فتنهد مبتسمًا: -أيه الجمال ده كله! أنتِ عملتِ كُل ده أمتى.
أطرقت بحياء: -متبقي أقل من ساعة ونبتدي سنة جديدة سوا، حبيت نبدأها بحاجة مميزة.
جمالها كان دعوة صريحة للفتنة، أمسك كفيها بحب: -دي أحلى حاجة حصلت لي في عُمري كله.
ثم انحنى لمستوى كفيها ووزع عليهما قبلاته فعاد إليها منبهرًا: -أنا مش مصدق عينيا! هو طبيعي أشوفك كل مرة أحلى من اللي قبلها!
ابتسمت بحياء وهي تحاول ابعاد عينيها عنه ولكنها فشلت، فبادر بقُبلة خفيفة على وجنتها وآخرى طويلة على ثغرها الفاتن. ثم عاد هامسًا:
-عقبال العُمر كله وأنتِ معايا.
دنى منها ليُعيد صب شوق بملامحها الساحرة ولكنها ابتعدت عنه متحججة: -تعالى نتعشى.
سار خلفها مُتبع خُطاها منبهرا بجمالها الكافي بأحداث أكبر الفتن بنفس المرء، ما أن وصل الثنائي إلى الطاولة وقفت خلفه وساعدته في خلع معطفه ثم (جاكت بدلته) ووضعتهم جنبًا. سحب لها المقعد منتظرًا مجيئها حتى أتت وجلست فوقه. جلس هو الأخر مقابلها وشرع في اكتشاف الطعام. رفع حاجبه متعجبًا:
-حمام ومشاوي، وشوربة كوارع! دا أنتِ ناوياها؟
-أعمل أي في دماغ سيدة.
-بتفهم والله. اسمعي منها على طول.
حياة بخجلٍ: -الموضوع جيه على هواك ولا ايه!
-جدًا.
-تحب تبدأ بأيه؟
رفع حاجبه مؤيدًا: -آكيد شوربة قبل ما تبرد.
رفعت غطاء الطنجرة الحرارية وصبت الشُربة بطبقه الفارغ. فلاحظ أنها لم تسكب لنفسها فسألها: -وأنتِ؟
-ماليش فيها. هاكل كفته بحبها.
شرع عاصي في ارتشاف الشُوربة الساخنة حتى تبخرت حرارته على جبهته بقطرات ماء خفيفة حتى فرغ طبقه لآخره. ترك الملعقة بمكانها ثم ذهب لتشغيل بعض الأغاني الأجنبية ثم عاد ليدعوها للرقص معه.
وضعت يدها بيده ثم نهضت مُلبية طلبه، سحبها إلى منتصف الغُرفة بعدما طوق خصرها بذراعه. عانقته ببطء وهي تذوب في بريق عينيه اللامع بالصبابة. تاه في رقتها وجمالها، إمرآة لا يوجد مثلها حتى ظلها لأنها نور من كُل الزاوية. قال ذائبًا بسحرها:
-أول ما شوفتك كنت مستعد ادفع عُمري كله مقابل نظرة منك.
كان لعينيه أثر الكرز وقلبها قميص أبيض، تلون ف لانَ له. أجابته بنبرة خافتة: -وأنا أول ما قابلتك قُلت لو هدفع عمري كله مستحيل أبص له.
-للدرجة دي!
كانَ كافِيًا أن تلمِس يده يدها، لِيتبخر عن قلبِها كُل هَذا التمرد. طالعته بفيض من المشاعر: -عملت فيا أيه عشان قلبي يميل لك ويعصيني؟
جذبها إليه أكثر وهمس بأذنها قائلًا بشوق: -عشقته. وفتحت له قلبي عشان يسكنه لآخر العُمر.
تعلقت بعنقه كأنه السبيل الوحيد لنجاة قلبها الغريق في محيط العشق، كأنها تود أخباره أن الشوق قد بَلغ ما بَلغَ منها حتى فاض من صدرها، و أن الأرض ضاقت عليها ولم تجد مُتسع خارج ذرعيه، وأن منشار الحنين إليه يأكُل بقلبها.
أعترف قلبها حقيقة: لم أكن أعرف معنى العِناق قبلك ولأولِ مرة اجد روحي تلتفُ جيداً حول جسد، اتسلل إليك ببراعة أشتمُ رائحتك اختلط بأنفاسك، لأول مرة أعانقُ شخصاً وأفهمُ معنى العِناق، كان الأمر أشبه بأن تُغادر مؤقتاً لتسكن لدى الأخر لبضعٍ من الوقت. أخذت نفسًا طويلًا وهي تبتعد عنه وتمرر ظهر أصابعها الدافئة على وجنته:
-عاصي.
فقد صوته في حضرتها مكتفيًا بإيماءة خافته اتبعت بعدها: -بحبك.
ثم بللت حلقها الذي جف وبنبرتها المرتجفه: -وعايزة أكمل عُمري كله معاك.
كانت كلماته ألحانًا تُعزف على أوتار القلب، شيء ما خفق بصدره لا يعلمه. رُبما بسبب جمالها، نعومة يدها. إفصاحها عن حبها إليه، رجفة شفتيها التي تُناديه. كل كلام الحُب أن قيل لا يكون جوابًا كافيًا عن فيض مشاعره حينها. ألتهم بنيران شوقه شفتيها المرتعشة التي أرهقت قلبه عشقًا وهو يضمها بكل ما أوتي من شوق.
ابتعد عنها ليلتقط أنفاسه من جمة من ناله من شهد ملامحها، فاستغلت الفرصة لتفر هاربة بحياء ولكنه لم يمنحها الفرصة، جذبها إليه من خصرها قائلًا: -الليلة مفيش هروب.
بأنين خافته نطقت حروف اسمه: -عاصي.
-سيبي لي نفسك خالص.
حرر شعرها بيده ثم غرق الثنائي في بعضهم البعض بعشق جديد وفريد من نوعه يكتشفوه معاً. ظل يتراجع بها على سهوة منه وهي تئن لهفة لقُربه حتى رست يديه على سحاب فستانها وفي لمح البصر كان هاويًا بين قدميها ثم ملابسه. خطوات تملأها اللهفة حتى بات فستانها وما يرتديه دواسة تحت أقدامهما.
وصل الاثنان لمرحلة السُكر من الحب، غاب العقل وحضر القلب بمشاعره الملتهبة. بانسيابيه تمايل الثنائي على لحن موسيقى العشق حتى استلقى الحبيبان في مهدهما. بدأ دربًا جديدًا من الجنون لمشاعرها، باتت يده تستكشف تفاصيل حوريته بحرية، لم يترك إنش بكيانها لم يطبع عليه قبلات اعتذاره عن الأيام التي قضتها بعيدًا عنه.
لم أحبّك لحاجتي للحب، و لم أحبّك لتسد فراغات أيامي، لم أحبّك لأنني وحيدة و أريد ظلاً أُستظلّ به. بل أحببتك لأنك أنت، لأنك المكان الآمن، لأن الخوف معك يتلاشى كأنه لم يكن، أحببتك بسجيتك و بعيوبك و ندوبك حتى في اللحظات التي لم تُحبّ نفسك بها أحببتك كثيرًا و رغبت بك كثيرًا دون توقف.
اشتعلت نار الحب بكيانهما الذي لم يتبقى منه إلا اجساد تلهث وأرواح تتراقص، رفع عينيه المدججة بنار تلتهم غابة إلى صخب عينيها الفيروزية مستأذنًا كي يشق طريقًا جديدًا وليروي روح العشق بينهم.
-موافقة؟
كان مُجرد شعور في نفسها تندفع إليه ولكنهُ فجأة إستقر، وتمرد، وفاض. وبين نصب وضم أحساسيها وكسر جفونها الفاتنة قرأ الجواب بعيونها التي تحولت لنهرًا جاريا يعلن حبه قبل أن تغلقهما تمامًا منتظرة الغرق في بحره. كان هادئًا، حريصًا ألا يؤلمها او أن يطبع ذكرى سيئة في ليلتهما الأولى بكامل إرادتهما. حررها مما يعوقه. ومن شعرها لخصرها باتت يديه المتوقة تقضي ليلتها.
فأغمد بروحها بركان حبه الفائض وامتزج البحرين، فتقوست كغصن راقصه الهواء متأوهة بصرخة نارية انطفأت بمجرى نهر شفتيه فتلاقت الأرواحُ بعد شتاتِها. وحنَ عليهما العُمرُ وضحك قمر الحب الذي جمع أحبابه!
-حبيت ابتدي السنة الجديدة بصوتك.
تركت عالية كل ما بيدها وردت على مراد الذي هاتفها مع دقات الساعة الثانية عشر بعد منتصف الليل. فلمعت البهجة بملامحها وقالت:
-لو كنت اتأخرت دقيقة كمان، كُنت هكلمك.
لوحت نوران ناصحة من بعيدٍ: -يابنتي اتقلي شوية بلاش تبيني أنك مدلوقة كده!
رمت عالية أحد الكُتب بوجهها كي تصمت فاحتمت بالوسادة ضاحكة، فارقت عالية مقعدها واتجهت نحو النافذة وهي تطالع السماء:.
-كل سنة وأنت طيب. عيد ميلادك النهاردة.
أنهى مراد صُنع قهوته واتجه نحو الصالة وقال: -تصدقي دي أول مرة حد يفتكر عيد ميلادي أصلًا.
ردت بخجل: -مينفعش انسي.
أتاها صوت نوران مشوشرًا عليها من الخلف وهمست: -اجيب لمون طيب!
قرصتها عالية بذراعها فأوهت بصوت مكتوم: -خلاص خلاص مش هعمل صوت، حبوا في بعض يلا.
تعجب مراد من غياب عالية للحظات: -أنت في حد جمبك؟
ردت عالية مبررة: -لا خالص، أصلا كنت نازلة المطبخ أعمل قهوة. خليك معايا.
علقت المكالمة بينهم وقالت بشماته: -ارتاحي بقا يا رخمة، هسيب لك الأوضة كلها ونازلة.
-ليه بس، والله مش هعمل صوت.
-ذاكري يا بنت أنتِ.
ردت نوران بحسرة: -اممم عيني عليكِ يا نوران، لا حبيب وقريب ولا غريب.
وقفت عالية على أعتاب الباب وخرجت لسانها لنوران بحركة طفولية: -عشان لضامتك دي، أحسن.
ثم ركضت وعادت الى مراد بنبرة حنون مفعمة بالشوق: -مراد. معاك.
كان قلبي يحترق، ثم أصبح لا يشعر بشيء، يبدو أنه شربَ حتى ارتوى من نهر الحُب
-ساكتة ليه؟
-حاسة إني أخدت تأشيرة سفر لمدينة العشق.
علي الأريكة المبطنة يجلس ثنائي الحب أمام المدفأة النارية يستمعان لأم كلثوم في ليلة الشتاء التي جمعت قلوبهم، مالت برأسها على كتفه وهي تضم ذراعه على صدرها وقالت بخفوت:
-كنت دايمًا بشُوف سِحر الحُب ف الروايَات، لكن السحر اللي عشته معاك كان أقو وأجمل بكتير.
حرر ذراعه منها وضمها إلى صدره وهو يطبع قُبلة طويلة على شعرها حيث جاء صوت أم كلثوم مغردًا وقابلتك أنت، لقيتك بتغير كل حياتي. معرفش أزاي حبيبتك، معرفش أزاي يا حياتي
ابتسم بحب: -أهي أم كلثوم جاوبتك.
رفعت عيونها الفيروزية إليه: -ده لو حلم أنا مش عايزة أفوق منه أبدًا يا عاصي.
ثم أخذت كفه ووضعته فوق قلبها وأكملت: -اسمع دقاته، حساه بيرفرف، كل حاجة جوايا بطعم السُكر. عارف لما تدوب مكعب سكر في كوباية مية، ده بالظبط اللي حساه. أنت عملت فيا أيه!
ضم كفها وهو يضمها إليه أكثر: -المفروض أنا اللي اسأل السؤال ده. أنا حاسس إني رجعت عشر سنين لورا، كُل حاجة معاكي بطعم وبلذة أول مرة. أحساس عريس أول مرة يخش دُنيا. أنتِ كُنتِ فين من زمان!
-تفتكر لو كنا اتقابلنا في ظروف غير دي، كنت بردو هتحبني!
-مفيش حد هيقف قصاد العيون دي ومايغرقش فيهم.
أحمر وجهها بدماء الخجل والحب مكتفية بابتسامة خفيفة وهي تحضنه وتستريح على صدره.
الليلة.
سأكتبُ في دفتري أنني وأخيرًا
وصلتُ
لِما تمنيت وحلمت
وطمحت وكتبت
كُلهم معي الآن. بين ذراعي حيث المكان هنا آمنٌ لأعيش معك مدى الحياة.
شد الوشاح عليهما وهو ينعم بنكهة الحياة والحب مع حوريته. حيث أخبرها مداعبًا وهو يدفن يده بستائر شعرها: -بس أيه الحلاوة اللي أنتِ كُنتِ فيها! أنا الأول كُنت بفكر استعين بحبوب هدير. بس طلعنا حلوين من غيرها.
ضربته بقوة على صدره كي يصمت: -بس بقا، عيب!
-هو أيه اللي عيب!
-عاصي. بس.
ضحك بصوت مسموع وهو يقبل رأسها ثم كفها مرة آخرى، فتململت متدللة بين يده وقالت متعمدة رد الصاع صاعين: -وأنا كمان كُنت مفكرة أن العضلات دي نفخ وفيّك.
ثار حقل آخر من الجنون براسه بعد تعرضه للإهانة منها. فزع كالملدوغ من جوارها: -أنتِ بتقولي أيه.
تراجعت للوراء وهي تضم ساقيها إلى صدرها ضاحكة: -بهزر. بنكشك والله.
شدها من قدميها لاسقاط فريسته تحت سطوته وهو يعلوها: -بقا أنا عضلاتي نفخ وفيك. دا أنت ليلتك مش فايتة لحد ما تقولي حقي برقبتي.
تراوغ من تحته كالثعلب متمردة وهي تطلق مزيج من الصرخات والضحكات معًا: -لاا خلاص، بهزر. بهزر يا رمضان.
-الموضوع ده مفيهوش هزار، أنتِ كده عديتي الخطوط الحمرا ولازم تتعاقبي.
-خلاص. خلاص عشان خاطري. ابعد بقا.
أبيع العالم برمته واشتري عناقًا واحدًا من عينيك. انحنى إليها تدريجيا: -وأن مبعدتش!
رفعت كفيها على صدره العارٍ كحاجز بينهم: -هتعمل أيه طيب؟
-أنا لسه معملتش حاجة على فكرة!
لهُ عينَان لامعان بالعشق واللهفة تاه بهن قلبها حبًا، انتقل كفيها لرقبته بعناقًا ناعمًا: -أوعدني أن أيامنا كلها تبقى حب وسعادة.
-بحبك.
-وأنا كمان.
جولة جديدة من العشق نعمَ بها الحبيبان. كانت مختلفة بين أول مرة التي كانت تمتاز بالهدوء والنغم. كان لقاءهم كالتقاء عطشان بقلب الصحراء وجد بحيرة من الماء للتو. غوت عصيانه وتمرده بسحرها. وعاش الحياة بين ذراعيها. ويثور تساؤل الليلة
: كيف يمكننا وصف الشوق الذي ملأ قلوبنا حتى أغرق المكان؟
-لحساب القوة الدافعة الكهربائية الفعالة…
فتوقفت عن كتابة القانون الفيزيائي إثر رنين هاتفها باسم كريم. فتركت القلم من يدها وأجابت بعتب:
-نعم؟
رد بصوت كله نوم: -نعم ايه! راس السنة النهاردة. وانتِ لسه زي ما أنتِ؟ مش ناوية تتغيري وتبطلي دبش؟
-والله يا كريم المشكلة مش في راس السنة، المشكلة في راسك أنت. معرفش بشوفك بكون عايزة اخبطها بأي حاجة.
تحمحم بضحك: -وانت طيبة يا نوران، أعدي عليك وقت تاني تكوني رايقة.
ضحكت نوران بصوت مكتوم: -خلاص خلاص، الطيب احسن.
-منمتيش ليه، أنا من أول ما رجعت وانا في غيبوبة!
-اخرة الشهامة، قولت لك بلاش!
اعتدل كريم من نومته ممازحًا: -بلاش أيه! أنت هتستهبلي، ده انا لو كنت حمار كنت هتعامليني ألطف من كده.
انفجرت نوران مش شدة الضحك وقالت: -كل ما افتكر شكلك وانا شايل كل الشنط دي أموت من الضحك.
-أدي اللي واخدينه من الجنتلة. يلا فداكي يا ستي، معلش جات متأخر على بال ما صحيت، كل سنة وانت طيبة.
ردت بدلالٍ: -وأنت طيب. ومرسي على الكوفي بتاع النهاردة.
-يلا على الله يطمر.
فردت بتمرد: -مكنتش حلوة على فكرة.
أخذ الثنائي يتحدثان بمرح والكثير من الضحكات حتى ختم كريم كلامه عندما تأكد من عدم وجود عالية بالغرفة. فقال: -افتحي كده باب الأوضة!
ردت بقلق: -اوعى تكون بره!
مدد على سريره قائلا: -متقلقيش افتحي بس.
-اما نشوف!
فتحت نوران الباب فوجدت علبة صغيرة أمام الغرفة فأخذت وقفلت الباب بحذرٍ. وسألته: -أيه ده؟
-افتحيها؟
فتحت العلبة فوجدت بداخله سلسال من الذهب الأبيض يمتاز باناقته. فسألته بدهشة: -دي ليه؟
رد ساخرا: -لا لعالية!
يبدو أن الحب يحولنا لأغبياء، فردت بعفوية: -مراد باعتها!
-نوران، صحصحي يا خالتي، دي ليكي، عجبتي واحنا في المحل النهاردة. رجعت جبتها. عجبتك!
-واو هي تحفه.
-كنت متأكد انها هتعجبك.
-بس، أنا مش هينفع أخدها.
-ليه يعني؟
فردت بقلق عندما سمعت صوت خطوات عالية: -كريم سلام سلام عالية جات.
ويأتيكَ شخصٌ مِن فرطِ التناغم بينكم تشعرُ أنهُ لن يأتي بعدهُ أحد، والذين من قبلهُ كانوا مجردَ دروسٌ وتجارب لك.
تقف في زاوية الغُرفة coffee corner الخاص بغُرفته مشروبًا دافئًا من hot chocolate مرتدية كاش مايوه شتوي فوق الرُكبة باللون الأبيض. أسفله بوت شتوي من نفس الخامة. بشعرها المتجمع جهة كتفها الايمن على شكل ضفيرة .
حملت الكوبين وهي تتمايل بخفة على كلمات أغنية ااه يا حلو ويا مسليني وتتجه نحو طاولة العشاء، وضعت الكوب أمامه على المنضدة ثم تركت كوبها فأغراه خصرها المتدلل على أوتار الحُب، فطوقه فجأة وهو ينهض ليضمها أمامه على صوت ناي وهي تقول حبيت جميل ياريتني ظله.
فتراجعت برأسها للوراء مطلقة ضحكة مثيرة لمشاعره المفعمة بحبها فتلقاها بقُبلة لطيفة من شدقه الذي ادمن شهدها. ثم رفع يدها ولفها كالفراشة أمامه ثم جذبها بنفس القوة واللهفة إلى حضنه قائلًا:
-سيدة عاملة شوية حمام يفرتكوا الحديد.
لفت ذراعها حول رقبته وقالت بدلال: -تمام. اسيبك بقا وأنام وخلي حمام سيدة ينفعك.
فصلح جملته قائلًا: -هما أه جامدين، بس مش أجمد منك.
-أمم كُل بعقلي حلاوة.
-وأكل حلاوة ليه ومصنع الحلويات كله بين أيديا.
ضحكت بصوت عالٍ على عفويتة وغزله الصريح ثم عادت إليه: -أحنا مش هننام!
كاد أن يحملها ولكنها أوقفته صارخة: -أنت بتعمل أيه؟
-مش عايزة تنامي؟
-قصدي ننام. ننام زي الناس المحترمين.
-ما أحنا هنام. بس مش زي الناس المحترمين.
-وبعدين فيك؟
-جننتيني!
حياة بتنهيدة: -مبسوط؟
-أنا عمري ما كنت مبسوط أد النهاردة.
-طيب الهوت شوكليت هيبرد، يلا تعالى.
تحرك الاثنان نحو الطاولة ولكنه تراجع إثر صوت رنين هاتفه، فاستأذنها بعينيه فأصرت: -انسى، الليلة دي مش هسمح لأي حد يشاركني فيك.
قبل عنقها بترجي: -مستنى مكالمة مهمة، معلش هرد بس.
ذهب ليجيب على هاتفه الذي قضى اغلب المكالمة صامتًا حتى انهاها، اقترب منها وطوق خصرها من الخلف وبعد ما طبع قُبلة خفيفة على كتفها: -حبيبي، استأذنك بس 10 دقايق هنزل المكتب وراجع لك.
كادت أن تُعارضه ولكنه قاطعها قائلًا: -10 دقايق بس، مش هتأخر.
أخذت رشفة من مشروبها الدافئ وقالت باستسلام: -تمام، هاخد الشاور بتاعي ولو اتأخرت هترجع تلاقيني نمت.
-أولًا من هنا ورايح اسمه الشاور بتاعنا.
لكزته بدلالٍ: -أنتَ قليل أدب. مفيش الكلام ده!
ضحك بهدوء وهو يقبل جدار عنقها بلهفة: -أنا كده فعلًا.
ثم أخذ مشروبه وأكمل: -لو نمتي هصحيكي، أنتي حرة.
-هتصحيني ازاي بقا؟
غمز بطرف عينه: -ليا اساليبي الخاصة، حابة تجربي نامي.
-بطل بقا.
-هتوحشيني الشويتين دول.
تركت ما بيدها وذهبت لتحضر جاكت بيجامته الكحلي وشرعت في قفله وهي تقول بدلال: -الساعة كام دلوقتِ؟
-2ونص.
-لو جات 3 ومكنتش هنا. هنام واسيبك تكمل الليلة مع حمام سيدة.
-متقلقيش، مش هقدر اتأخر عنك أنتي والحمام أكتر من كده.
كاد أن يلتهم كرزة حبه ولكنها تمردت قائلة: -انسى.
-هنشوف الموضوع ده لما أرجع.
أخذ مشروبه وغادر غرفتهم أما عنها فجلست لترتشف ما بيدها حتى أنهته ثم نهضت وأخرجت بيجامة من خامة الستان باللون الأحمر ودخلت المرحاض لتأخذ حمامها الدافىء. ما أن فرغت منه صففت شعرها على هيئة ذيل حُصان وحرصت على أن تتجنب مستحضرات التجميل قبل نومها مُكتفية بجمالها الطبيعي الكافي لاشعال فتنة كارثية بقلبه.
عادت إلى الغرفة ثم فتحت الثلاجة الصغيرة وأخرجت منها التورتة الصغيرة ثم وضعتها فوق الطاولة الزجاجية التي تتوسط صالون الغرفة ثم ركضت نحو التسريحة وأخرجت هديتها إليه. ووضعتها بجوار الكيك.
لفت بأرجاء الغُرفة وأعادت ترتيبها مع تبديل كسوة السرير، نثرت القليل من معطر الجو ثم ألقت نظرة إلى الساعة وجدتها تقترب من الرابعة. فتقلص وجهها بضيق: -ماشي يا عاصي.
كادت أن تتحرك نحو مخدعها لتنفذ تهديدها ولكنه عاد في تلك اللحظة حاملًا صك اعتذاره. نظرت له بلوم بملامحها الغاضبة التي قبل كل منها على حدى: -حقك عليا. عارف إني اتأخرت عليكِ.
-وسع كده مش بكلمك. وكمان هنام!
-مايبقاش قلبك أسود بقا.
-أنت شايف الساعة كام.
فتح العُلبة الحمراء بيده وقال معتذرا: -بصراحة، مكنتش عامل استعدادي وأجيب لك هدية، ومكنش ينفع اليوم يعدي كده، فبعتت رسالة ليسري رجع الشركة عشان يجيب لي دي.
تمددت ابتسامتها بامتنان ثم قالت متدللة: -لا دي رشوة بقا عشان اصالحك. مش هقبلها.
سحبها نحو المرآة وأخرج العقد الماسي من العُلبة وطوق به عنقها المزخرف ببصمات عشقه وقال: -العقد ده كان الوجهة الإعلامية لشركتنا في 2020. وخد جايزة أفضل تصميم وقتها، والنهاردة بيكون من نصيب البنت اللي خطفت قلبي.
ردت بانبهار: -يجنن يا عاصي.
-هو فعلًا يجنن عليكِ.
ابتسمت بحب وقالت: -أنا كمان جيبالك هدية. تعالى.
سحبته نحو الطاولة وتناولت العلبة المربعة السوداء، أخذ العلبة منها وفتحها فوجد دبوس بدلة على شكل حوتًا ملتفًا بنجم البحر من خامة الذهب الأبيض. ومعه ازرار أكمام بنفس الشكل المميز. رفع عينيه بإعجاب:
-دي أحلى هدية جات لي.
-عجبتك؟
-كفاية انها منك.
حفظ ملامحها عندما تخجل فإن رموشها
تتحرك للأعلى ثم للأسفل وتخرج منها
نجوم صغيرة، فارتبكت بحياء: -مش هتاكل من التورتة؟
رمقها بأعين الذئب الذي يراقب فريسته بمكر وحملها بين يديه قائلًا: -هأكل التورتة.
ألتقى الاثنان في الأبديّة، أصبح يتجاذبان أطراف الحب الغير منتهى حول الجمال الحقيقي للعشق والأقدار التي كتبت لهما ان يغرقا في بعضهما للابد…
قفل تميم الكتاب الذي انغمس في قراءته طول الليل منتظرًا تفرغ شمس من مذاكرتها التي لم تنته بعد. فاض صبره فوثب غاضبًا:
-هتفضلي تذاكري كده كتير؟
نزعت نظارتها الطبية: -قلت لك اقفل النور ونام لسه عندي مذاكرة كتير. وبعدين انت متعصب ليه؟
لكت الكلمات في فمه: -عشان. انتِ نسيتي تغيري على الجرح النهاردة.
قرأت تبدل ملامحه: -تميم انا غيرت على الجرح قبل ما ابتدي مذاكرة.
أصر بدون مبرر: -بيحرقني. أكيد كروتي، قومي غيري عليه تاني.
وثبت شمس على مضض وتحركت نحو عبلة الاسعافات الطبية ثم عادت إليه قائلة: -اتفضل اقعد.
جلس على طرف السرير ثم طلبت منه بحياء: -ممكن تفتح الجاكت؟
شد سحاب سترته ثم عاونته في نزعها، بدأت ان تكشف عن جرحه فقالت بثقة: -جرحك مفيهوش حاجة على فكرة.
-اومال بيحرقني ليه؟
-تميم بقول لك مفيهوش حاجة، بس عشان أريحك هغيرلك تاني.
شرعت شمس في تغير ضماد جرحه وهو منعمسًا في كيفما سيشق الطريق لقلبها. انتهت شمس من مهمتها وعادت لتساعده في ارتداء سترته. جلست أمامه وقالت: -هات أيدك.
لبضع دقائق فقط أرغب بأنْ أتأملك، فاقترب ليتساقط القليل من الحنين وأتمعن من عيناك جنُون الهوى. ارتفع صوتها قليلًا ليفيق من شروده: -تميم، هتبرد…
-شمس، النهاردة بداية سنة جديدة، كل سنة وأنتِ طيبة.
أجابته بفتور: -انا مش بهتم بالكلام ده.
-يعني أيه!
-يعني يالا يا تميم عشان عايزة أنام.
أدرك أن الطريق إليها مسدودًا وأي خطوة إليها لم تزيدها إلا بُعدًا، فلجأ إلى تأجيل ما يشتهيه ليوم أخر، حتى هديتها، لقد نزعت رغبته في إعطاءها إياها.
لملمت شمس علبة الاسعافات الأولية وهي تقول لنفسها: -أنا معرفش ليه قولت له كده، وليه دايما بصده وأنا متقبلة وجوده في حياتي. أنا عارفة أن كان مستنى مني خطوة عشان يمشي لي أميال، بس اتحججت بالمذاكرة عشان أهرب. بس يا ترى هفضل أهرب كده لحد أمتى وأنا إعجابي بيه بيزيد!
خفّف من جمالِ عينيك كي يكُون لِي مُتسع مِن الطاقة
أمَام جمَالهما
يتمدد بجوارها يشرب من ملامح وجهها، شدت الغطاء فوق كتفها وانتقلت رأسها لذراعه وسألته: -بتبص لي كده ليه؟
ضمها إليه وقال: -مش مصدق عينيا. أو يمكن بحسد نفسي عليكِ.
-بصراحة و أنا.
ثم فارقت ذراعه منتقلة إلى الوسادة وسألته: -ممكن اسألك سؤال بس لو هيزعلك بلاش.
داعب بابهامه وجنتها بلطف: -عمري ما هزعل منك.
فكرت طويلًا حتى حسمت قرارها وسألته: -أنت أزاي كنت قادر تعيش المشاعر دي مع واحدة مش بتحبها. فهمتني؟
-ومين قال لك أني كنت عايش قبل ما أقابلك.؟
-بردو مجاوبتش. على فكرة مش هزعل، كل اللي فات أنا مش من حقي أحاسبك عليه.
ما زالت يده لم تُفارق وجنتها بعد. ف رد قائلًا: -أقول لك على سر، من بعد مها. مفيش واحدة قربت منها وأنا بكامل وعيي غيرك، كُنت اشرب لحد ما شبه أغيب عن الوعي. وأول ما أفوق ببقى مش قادر أبص في وش البني آدمة دي.
وضعت كفها فوق كفه وقالت: -وليه تعمل في نفسك كده؟
-في حاجات كتير يا حياة أنتِ متعرفيهاش. بس مسيرك هتعرفيها ووقتها هتلاقي إجابات على كل أسئلتك.
ابتسمت بتفهم: -وأنا هستناك تحكي لي.
شد كفها لمستوى ثغره وقبله ولكن رأسها لم تخل من الاسئلة بعد. رفعت جفونها باستحياء: -اسأل سؤال كمان وتجاوبي بصراحة؟
شدها إليه مرة آخرى: -تعالى الأول في حضني وقولي اللي أنتِ عايزاه؟
-أول ليلة جمعتنا، ولما عرفت إني مش بنت. بعدت عني وحسيت أنك مش طايقني، أي رجعك تاني؟ وبعدت عني لاني، يعني مش بنت!
تأوه بحرقة ليطرد غبار الماضي من صدره: -أول لقاء بينا كان الخنجر اللي أنت غرزتيه في روحي. على فكرة موضوع أنك بنت ده، مفرقش معايا، زي ما قولتي اللي فات مش من حقي احاسبك عليه.
-أومال أيه؟
شرع بمداعبة خصلات شعرها بحب: -حسيت أن بقا ليا نقطة ضعف، إني رجلي جات في العشق، وأنا مهووس بعقدة الفقد، معنديش استعداد أحب حاجة وتفارقني. فكنت بحاول انفض غبارك من على قلبك أول بأول. بس فشلت ولقيتني بدور عليكي في كل مكان بروحه.
بادرت بقبلة خفيفة منها رست على بستان وجنته ثم عادت مكانها من جديد، فسألها: -هااه وأنتِ؟
-كنت بالنسبة لي أغرب راجل قابلته. مش هكذب عليك وأقول لك خطفت قلبي من أول نظرة لاني كنت مش طايقاك أصلا. بس الموضوع ابتدا معايا بفضول غريب كده لما حكمت عليا بعقوبة 10 أيام أنام جمبك. لقيت شخص مختلف خالص جمبي، أحساس أنك مُلزم مني.
مررت أناملها على وجنته بدفء:
-وقتها مكنتش قادر أحدد شعوري
لكنّه شبه أنك تلاقي اللي كُنت بتدور عليه من زمان. مكنتش نيتي أحبك أبدًا، بس انتَ أخدت قلبي.
ثم همست بوشوشة: -أقول لك سر، أنا كنت ببقى حاسة بيك لما تستناني أنام وتفضل تلعب في شعري. لدرجة إني اتعودت منمش غير وأنت بتعمل كده.
-طلعتي مش سهلة.
ضحكت بخجل واعترفت: -الحقيقة كُنت مفتقدة الاحتواء في حياتي. عاصي أنا عشت حياة صعبة أوي قبلك، عايزة انسى كل اللي فات معاك.
-قوليلي عايزة أيه وأنا أجيبهولك مهما كلفني.؟
-أنا قنوعة مش عايزة منك غير عمرك كله.
-وأنا كُلي ليكِ.
أخذها بين يدها وأمطرت سماء عشقه قبلات في صورة نجوم على ملامحها. فتملصت من حضنه متغنجة وقالت بصدمة: -يا خبر أبيض، الصبح جيه.
فنظر إلى النافذة المُضيئة التي تعلن بحلول الصباح ثم عاد إليها وجدها متمددة جواره وقالت بحب: -صباح الخير. ومرسي على أحلى ليلة عشتها في حياتي.
لمعت عيناه بمكر العشق: -من النهاردة صباح الخير ما تتقالش كده!
-أومال تتقال أزاي؟
-صباح الخير يعني قهوة وفطار ونحلى كمان.
أصدرت صوتًا نافيًا متدلعًا: -تؤ. عاصي نام بقا.
-قبل ما أصبح عليكِ؟
-اه. انا هنام.
-هاخد قهوتي وبس.
-والله أنت مشكلة، بس بقا.
تململت كالقطة الشقية محاولة الفرار منه ولكنه أدلى أصفاد مُراده على ذراعيها المُتكبلة وانحنى ليرتشف كافيين صباحه من شفتيها. فغردت فراشات قلبه من ورود عشقه المنثورة فوق كل ما يقابله منها. يده في يدها. يتبادلان قُبلة ملهوفة في البداية.
ثم متمهلة رائقة ثم أخرى ينصب فيها بركان الحب المشتعل، أزاح شعرها عن وجهها قائلاً: – أنتِ جميلة أوي
فهزت رأسها مُعترضة: -الجميل هو أنتَ.
كانت جملة بمثابة دعوة صريحة منها للهرب إلى قصر العشق. اتسعت ابتسامته مُعلنًا خطته: -نفطر بقا.
فصاحت صارخة بترجي: -عاصي لا خلاص، عايزة أنام.
-تمام، هفوقك.
ختم جُملته وهو يحملها بين يديه متجاهلًا صرخاتها الطفولية المتوسلة متجهًا إلى الحمام وأول ما فعله هو فتح صنبور المياه فوقها فصاحت صارخة ثم ضاحكة بمرح وهي تمسح الماء من فوق وجهها: -والله حرام اللي أنت بتعمله ده!
وكأنها أسقيت أضلعه فنبتَ قلباً مُتيماً بها. لم تكن مليئة بالحياة بل كانت الحياة نفسها التي يهرب إليها من تيه عمره الخالٍ منها. جذبها إليه هامسًا: -انسي كُل اللي فات، وتعالى نبدأ يومنا من أول وجديد.
اجتمع النصفين فاكتمل القمر تحت سمائهم الممطرة. كان شوقه يغلب صوتها فنظرت إلى عينيه فغلبت كُليًا.
بعد مرور قرابة الساعة يقف عاصي أمام المرآة يصفف شعره وينثر عطره بعد انتهاء حمامه الدافئ. اقتربت منه وهي تشبث ببطنها متأوهة وتستند على ذراعه: -عاصي، أنا تعبانة أوي.
رمى الفرشاة وحملها بلهفة ليضعها على السرير: -ما كُنتِ كويسة! حصل أيه، طيب ارتاحي ارتاحي. قوليلي حاسة بايه؟
-مغص فظيع وكمان في نزيف خفيف.
ثم أغمضت عينيها وصرخت متأوهة: -عاصي مش قادرة.
-طيب استحملي، هتصل بتميم يبعت شمس.
في تمام الساعة السابعة نهض تميم على صوت رنين هاتفه فرد بصوت نائم فأتاه صوت عاصي ملهوفًا: -تميم، شمس صاحية؟
-ااه بتصلي. في أيه
-حياة تعبانة اوي خليها تيجي تشوف مالها. بسرعة يا تميم الله يخليك.
-حاضر حاضر يا عاصي، اهي خلصت هقولها حالًا.
دقائق قليلة وكانت شمس تفحص حياة وأول ما بدأت به قياس الضغط فوجدته على ما يُرام، ثم ارتدت سماعتها الطبية وشرعت في الكشف عليها فحدجت عاصي بنظرة غاضبة ثم نزعت سماعتها، فسألها بقلق: -مالها يا شمس؟
أخذت تلملم في أشياءها الطبية وقالت بغضب: -وضح انها اتعرضت لمجهود زيادة عن اللزوم، والكلام ده ما ينفعش في شهور الحمل الأولية.
دلو ثلج انسكب على الاثنين فقال عاصي بتغيب: -يعني أيه؟
ردت شمس بحدة: -يعني تحاول تخف الموضوع دا شوية لحد الحمل ما يثبت والأحسن تروح لأقرب مستشفى دلوقتي عشان نطمن على صحة البيبي. بعد اذنك.
عاجل| حالة الطقس ثالث أيام عيد الفطر: مائل للحرارة نهارًا والقاهرة تسجل 27 درجة
موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى 2025: التوقيت الرسمي والاحتفالات بالدول العربية والإسلامية
وفاة صانع المحتوى اليمني نزيه سوار في حادث مأساوي بشاطئ الحديدة عام 2025
قائمة أغنى المليارديرات في العالم لعام 2025 وفق فوربس: الأسماء والتحديثات الجديدة
توقيت الدوام الصيفي 1446 في الباحة: تفاصيل الجدول الجديد وآلية تطبيقه بكافة المدارس
فتح حساب أونلاين في بنك الخرطوم 2025: خطوات بسيطة لكل السودانيين والمغتربين خلال دقائق
هاتف Honor 2025: إمكانيات خارقة وسعر مذهل مع شاشة رائعة وبطارية جبارة!
مواعيد الدوام الصيفي في نجران 1446: التوقيت الجديد والتوجيهات الرسمية للطلاب والمدارس