رواية عذرا لكبريائي للكاتبة أنستازيا الفصل السابع والثلاثون
طرفت بعينها للحظة قبل ان تحتدا وترص على أسنانها بصمت.
تبدو غاضبة.
حسنا. هذا يعني ان كريس هو الوتر الحساس بالنسبة لها!
هذه المنافقة. هل تحبه حقاً أم ماذا!؟
أكملت ببرود: أنصتِ يا أوليفيا، انا أرفض تدخلك في علاقتي مع كريس وأمورنا الشخصية، علاقتنا يوجد حولها حدود حمراء من الأفضل الا تتخطيها، هذا أولاً.
ثم امسكت بالملعقة مستعدة لتناول الإفطار مردفة: ثانياً. أتمنى الا تستخدمِ تلك الملامح البريئة او النبرة اللطيفة، على الأقل ليس معي أنا. لأنني مستاءة جداً لثقتي بكِ وتصديقي لكِ قبل ان يظهر معدنك الحقيقي الصدئ.
ضاقت عينيها كثيرا لتزمجر: ياللوقاحة! هل ت.
قاطعتها بجفاء: أن يسقط قناعك أمامي فهو أمر لا بد ان تخجلي منه، ولكن أن تعيدي ارتداؤه مجدداً فهذا يجعلك مثيرة للشفقة وحسب!
اتسعت عينيها ولمعتا ببريق أزرق غاضب، تناولتُ لقمة صغيرة ومضغتها ببرود اوجه إهتمامي للطعام قبل ان اسمعها تهمس بحدة: لقد وعدني بالزواج.
توقفت عن المضغ للحظة أنظر إليها بهدوء قبل ان انفي برأسي بلا حيلة وأتجاهلها.
ضقت ذرعا. لم أعد أرغب في سماع أي كلمة تقولها! لا أستطيع تصديقها. ليس بعد غدرها بي واستغفالي.
حينها فُتح الباب ولم يكن سوى كريس الذي كان يدخل ينظر لهاتفه، رفع رأسه نحو الطاولة وحين لمحها تغيرت ملامحه إلى البرود بعد ان شعرت به كاد يقول شيئاً.
كان هذا واضحاً. بدى وكأنه يظنني وحدي هنا وأراد قول شيء ما! حسنا ها هو الفضول يلتهمني الآن.
اقترب ليجلس على الكرسي المجاور لي وحينها اجفل كلانا عندما زمجرت أوليفيا بحزم مفاجئ وقد ضربت الطاولة بيدها: كريستوبال.
القى نظرة على الأطباق يحدق إلى الطعام بتركيز قبل أن يرمقها بنظرة خاطفة متمتماً: أنا جائع وأفضل التركيز على أمر واحد.
ابتسمتُ بانتصار ارمقها باستفزاز فضاقت عينيها الزرقاء هامسة: هي لا تصدقني. لا تصدق أنك وعدتني بالزواج!
نظرتُ لكريس بدوري بملل لأراه يرفع عينيه العسليتان عن الأطباق يرمقها بهدوء: لقد قلتُ بأنني جائع.
بالتفكير بالأمر هو لم يتناول عشاءه في الأمس! عليه ان يتناول الإفطار الآن ويستعيد عافيته. ولكن يبدو أن أوليفيا لن تسمح بهذا!
وكنت محقة إذ قالت معترضة: لماذا تتجاهلني؟ لماذا لم تعد تتحدث إلي! أنا لا زلت أستنكر زواجكما الغريب والمفاجئ هذا! كيف يحدث كل هذا بعد أن بنيتُ أمالاً وانتظرتك طوال هذه السنوات.
القى عليها نظرة خاطفة بصمت دون تعليق وقد بدأ يتناول طعامه فقلت اكتم سعادتي بتجاهلها: أنت لم تتناول العشاء بالأمس.
أومأ قبل ان يقول: وأنتِ أيضاً.
ابتسمت بهدوء وتناولت طعامي اوجه جُل اهتمامي على الطعام، وبعد لحظات رفعت عيناي بفضول لأسترق نحوها نظرة لأجدها تحدق إليه بعينيها الزرقاوان الدامعتان.
حتى أنفها كان قد بدأ يتورد وهي تخفض رأسها قليلا حتى قالت بصوت ضعيف: في كل مرة كنت أختلق عذراً أتكئ عليه لأنتظرك. وعندما أسمع انك قد أصبتَ ووقعت طريحا في المشفى أتفاجئ بأنك قد تزوجت!
وجهت نظرها إلى في حين زفر بإنزعاج، ظلت تنظر إلى حتى قالت تعقد حاجبيها بحزن: أخبريني حالاً كيف أغويته وخدعته! كيف تزوجت به بهذه السهولة! لا شيء منطقي في علاقتكما. لا شيء!
احتدت عيناي: ليس وكأنني سأرحب بكلماتك هذه يا أوليفيا بصدر رحب! توقفي عن القاء هذه الإتهامات الغربية نحوي وكأنني كنت لاهثة خلفه!
رمقني كريس بطرف عينه وقال بهدوء: تناولي طعامك.
أشرت إليها بالملعقة بغيظ: إذاً من الأفضل ان تتوقف هي عن ما تفعله حالا وتعود إلى رشدها! أنا لم أسامحها ولن أفعل، تجاوزت حدودها وارتدت أمامي قناع البراءة وال.
قاطعني فجأة بوضع ملعقته في فمي يحشوه بالطعام لأصمت فأزعجني ذلك!
علقت أوليفيا بنبرة حادة مرتجفة: أنا لا أفهم! لا أفهم كيف تتزوج بهذه السرعة بالرغم من صعوبة ذوقك ورأيك. ماذا عني؟ كيف تجبرني على انتظارك هكذا هل حقا الأمر هين بالنسبة لك يا كريس! السنوات التي قضيناها معاً. الا تعني لكَ أي شيء؟
لا زال يتجاهلها!
مضغت طعامي ببطء وأخفضت عيناي، سمعتها تبكي بصوت خافت ثم استأنفت الحديث بغصة: لقد خدعتني. بنيتُ أحلاماً مزيفة. دعني على الأقل أسألك إن كنت تحبها حقاً أو أن لك أهدافا خاصة، هل تحبها يا كريس؟!
طرفت بعيني ونظرت إليها ثم نحوه فوراً بتلقائية وكأن السؤال كنت من وجهته بنفسي وليس هي!
كيف سيجيبها؟ ب. لا، كما أجاب كلارا؟
أو ربما. لا شأن لكِ؟
إنها ردوده المعتادة! هل سيحرجني أمامها؟
حدقت إليه بقلق وترقب، تركَ الملعقة بنفاذ صبر ووقف بحزم ليدفع الكرسي خلفه بإنزعاج وتحرك مبتعداً عن المائدة ولكنه سرعان ما عاد وقد ارتكزت عيناه علي!
تفاجأتُ به يمسك بيدي يجبرني على الوقوف لأتبعه قائلا بحزم: لنتناول الطعام في الخارج.
ارتفع حاجباي بدهشة ونظرت للخلف نحو أوليفيا التي لم تكن دهشتها أقل مني!
وقفت بدورها وصرخت بغضب ونبرة حادة تنفي برأسها رفضاً ليتناثر شعرها الأشقر الطويل من حولها بنعومة: لا يمكنني تصديقك! كيف بتَ تتصرف معي بهذه الطريقة بعد كل هذه السنوات! علينا التحدث بشأن أمور كثيرة فأنا أيضا مللت الصبر والتحمل.
أخذ شهيقا قبل أن يقف ويستدير نحوها مزمجراً: بربك اليس من الواضح أنني اتجنبك؟ إن كنت تدركين هذا فتوقفي عن اللعب بأعصابي، ما الذي أتيتِ لأجله تحديداً! اليس من المفترض انني قطعت كل السبل في علاقتي مع عائلتك؟
أضاف بعين حاقدة أذهلتني: أخبرتك مراراً وتكراراً. اخرجي من حياتي تماما، اختفي من أمامي وحسب.
فغرت فاهي بعدم استيعاب في حين ظلت عينا أوليفيا الزرقاوان متسعتان بذهول وتدمعان بصمت!
بدأت أشعر بالتوتر! الهواء بات ثقيلا جداً. إنه مشحون بدرجة لا تُصدق!
لم يكتفي بهذا بل ظل ممسكاً بيدي بقوة! اجبرني على ان نقترب من المائدة مجدداً وقال يشدد على كلماته: لا يمكنني دفع نفسي لمعاملتك بلطف لا تستحقينه، كما لن أتظاهر وكأن شيئاً لم يكن، إما أن تخرجي من حياتي تماماً أو أفعل هذا بخشونة، حافظي على ما تبقى من كبريائك ولا تجبريني على التصرف معكِ بطريقة قد تندمين عليها. وأما عن سؤالك قبل قليل. أحبها أو لا. هي خاصتي. زوجتي. اختياري الخاص، وهذا كافٍ جداً لتختفي عن الساحة.
بصراحة لا أدري ما ينبغي ان اشعر به في هذه الحالة! اجابته مبهمة بالنسبة لها بطريقة ما ومحيرة بالنسبة لي. هل اشعر بالسرور لكلماته هذه؟
طرف بعينه بإمتعاض شديد وظل ممسكا بيدي لنتحرك ونتجه إلى باب الغرفة، القيت عليها نظرة خاطفة لأجدها تبكي بصمت.
هذا غريب.
لماذا بدأت فجأة.
أشفق عليها؟!
هل تستحق شفقتي هذه أم. أم أنني أبالغ؟
حدقت إلى يد كريس الممسكة بي هامسة: هل ما فعلتَه. صحيح؟
تجاهل سؤالي متمتماً: لنتناول الطعام في أي مطعم قريب.
عندما عبرنا الردهة عقدت حاجباي بتردد وفتحت فاهي ولكنني توقفت عندما فُتح باب غرفة الطعام خلفنا.
لم تكن سوى أوليفيا التي نظرت إلينا بوجهها الباكي والمتورد، تسمرت عينيها على كريس وظلت في مكانها ويدها لا تزال على مقبض الباب.
نظرتْ للأرض ثم رفعت رأسها هامسة بصوت مرتجف: سنرى إلى أي مدى ستتجاهلني. أنت تجبرني على وضعك تحت الإختبار يا كريس.
ارتفع حاجباي باستغراب في حين ابتعدت عن الباب وصعدت بخطواتها الواسعة وهي تمسح دموعها بقوة، بللت شفتاي أطرق برأسي بشيء من اليأس، تحرك كريس ممسكاً بيدي بقوة إلى درجة تأوهي بألم! بدأت أشعر بأنه سيكسر رسغي!
نظرت إليه بتشتت واستنكرت خطواته الواسعة العصبية نحو باب المدخل ولكنه سرعان ما وقف فرفعت عيناي نحوه باستغراب وترقب.
بدى وكأنه يفكر قليلاً ولم يشعر بنفسه وهو يزيد من قوته على يدي فأسرعت أقول متأوهة: على رسلك!
ولكنه بدى في عالم آخر وعيناه العسليتان تغوصان في الفراغ بعمق، وكأنه يفكر وفي محيطه آلاف الأفكار ولا يشعر بوجودي او بيده التي جعلت الدماء بالكاد تصل إلى رسغي!
بل بدى يغرق ممسكاً بيدي معتبراً إياها الوسيلة الوحيدة التي يتمسك بها لانتزاعه من عالم أفكاره! الوسيلة الوحيدة التي قد تعيده إلى الواقع!
ازدردت ريقي بصعوبة وتحركت لأقف أمامه، ارتخت ملامحي لذلك التعبير القلق على وجهه!
ان يعتلي تعبيراً كهذا وجه كريس!
ما الذي. يفكر به تحديداً؟
اعترضت دون شعور بألم شديد وقد فاق الأمر قدرة تحملي: كريس، يدي!
طرف بعينه باستيعاب ونظر إلى بعد فهم، ثم إلى يدي ليتركها فوراً فشعرت بتدفق الدماء المفاجئ نحو رسغي مجدداً!
لقد تسبب بترك أثراً أحمراً ملحوظاً على يدي!
لو غاص في أفكاره أكثر لكنت الآن في المشفى أقوم بتجبيرها بلا شك، كنت أقف أمامه مباشرة متسائلة بإهتمام: ما الأمر؟
نفي ببطء وتنهد هامساً: أكملي تناول الطعام. لدي ما أفعله.
قالها مستديراً متجها نحو الدرج فوقفت في مكاني بدهشة!
هل يعقل بأنه سيصعد إليها؟ لماذا هو قلق على أي حال؟ تابعته بنظراتي وهو يصعد حتى اختفى عن ناظري تماماً.!
بدى قلقاً ومضطرباً للحظة. كان التردد واضحاً في صوته وملامحه.
لماذا؟ لماذا هو قلق بشأنها؟ ما الذي يدعوه للتوجس فجأة بعد ان ألجمها بتلك الكلمات الحازمة؟
طرفت بعيني بتوتر أنظر إلى غرفة الطعام ثم إلى الدرج بتردد وتقثر.
أعتقد بأنه تبعها. هذا واضح ولا مجال للتفكير بالأمر، بصراحة أشعر بالإنزعاج! ماذا لو كانت قد تعمدت فعل هذا لتجبره على اتباعها؟ ماذا لو كانت حيلة قد حاكتها ونجحت محققة رغبتها؟
الأمر لا يتعلق بالغيرة فقط بل أن تصرفاتها باتت تستفزني إلى درجة من الصعب إحتمالها.
كما أنه لم يكن واضحا على عكسها هي، فلقد فجرت تلك الكلمات ولم تبالي بالعواقب في حين شعرت به يحاول إغلاق الموضوع وتجنب الخوض فيه! ما الذي يحدث بينهما تحديداً؟
انتفضت مجفلة إثر اليد التي وُضعت على كتفي فجأة!
لم يكن سوى السيد جوزيف الذي أجفل هو أيضا من ردة فعلي فأسرع يرفع يديه مهدئاً: لم أقصد إخافتك! بدوتِ غارقة في أفكارك ولم تسمعيني أناديكِ.
ابتسمت بإرتباك: المعذرة سيد جوزيف لم أنتبه!
نظر إلى باستغراب قبل ان يتساءل محتاراً: هل تناولت طعامك؟
نفيت ببطء: ليس بعد.
ماذا عن كريس؟ أنتما لم تتناولا العشاء في الأمس أيضاً!
ثم فكر قليلا قبل ان يسترسل مستوعباً: أوليفيا أيضا استيقظت متأخرة! هل تنتظرينهما؟
زميت شفتي أنظر للأرض، ليتني أستطيع ان أصرخ حالاً وأخبره ان ابنته ستكون مجرد ضحية على يدي لو استمرت في افعالها تلك! أنا حتى لا أدري إن كان يملك أدنى فكرة عما يبذر منها من تصرفات مزعجة و مُهينة في حقي.
هل قناعها المبتذل ذاك أمر قد اعتادوا عليه؟ أتذكر جيداً أن كلوديا كانت تعاملها بجفاء منذ البداية! وانا التي ظننت أنها تبالغ وتتصرف معها بقسوة غير مبررة. حتى ستيف لم يبدو بأنه قد تقبلّها ولا حتى كريس الذي رأيته يتجاهلها ولطالما كان يتجنبها!
ومع ذلك. للحظة أو لأقل من ثانية شعرت بأنني أشفق عليها ولا أدري إن كانت تستحق شفقتي أو لا.
هل أتجاهل كل ما يحدث وأتجه إلى غرفة الطعام وأتناول فطوري ملقية بكل شيء خلف ظهري!؟ هل هذا قرار صائب حقاً؟ ألن أندم لاحقاً؟ أي نوع من الحديث يخوضانه الآن على أي حال. وما نبرة كريس معها؟ من الصعب التوقف عن الغيرة كلما فكرت بتحركات أوليفيا الملتوية.
تنهدت بعمق وحينها تداركت أمر السيد جوزيف الذي لا يزال ينظر إلى بصمت فقلت بتوتر: يبدو أنني أبحرت في أفكاري مجدداً!
ضحك بخفوت يومئ برأسه: لاحظت هذا. لديكِ الكثير لتفكري به، حسناً إذاً سأخرج لأجلس مع ماكس قليلا، إنه في انتظاري في الحديقة.
قد أرافقكما سيد جوزيف. لا يوجد ما أفعله على كل حال، لا أثر لصوت جيمي وبريتني لذا أنا واثقة بأنهما مع شارلي.
لم يذهبا إلى منزله، إنه هنا معهما في الخارج. تناولي طعامك والحقي بنا.
أملت برأسي إستحاسناً قبل ان يلفت نظرنا خادمة تنزل الدرج بملامح محتارة يجوبها قلق منادية بالسيد جوزيف.
اقترب إليها بخطى قليلة: ما الأمر؟
وقفتْ أمامه تعقد حاجبيها: سيد جوزيف لا أعتقد أن كل شيء على ما يرام مع السيد كريس وأوليفيا. يبدو غاضباً ويطرق باب غرفتها دون توقف.!
ارتفع حاجباي باستغراب شديد بينما اتسعت عينا جوزيف هامساً: هل أغلقت على نفسها؟
أومأت الخادمة بإرتباك فرفع يده يمررها في شعره بحركة سريعة قبل ان يتحرك دون أن يعقب سؤاله بأي شيء!
صعد الدرج ويكاد يهرول فتبادلت النظرات المستنكرة مع الخادمة قبل ان اترك العنان لنفسي بالتحرك خلفه دون تفكير.
صعدنا معاً وما ان وصلنا إلى نهاية الدرج تهاوى على مسامعنا صوت طرقات قوية على الباب وصوت كريس المنزعج.
أسرعت وكدت أعدو وقد انتابني الذعر! سبقته وقد مررت عبر الجناح الأيسر ولمحت في نهايته كريس يطرق باب غرفتها وخلفه خادمتين إحداهما ممسكة ببعض أدوات التنظيف والأخرى التفتت نحونا وعلى وجهها علامات الخوف.
تعابيرها هذه جعلتني أصل في لمح البصر وتساءلت فوراً: ما الأمر؟ لماذا أغلقت الباب؟!
لم يجبني كريس بل طرق الباب بقوة قبل ان يصرخ بحزم: افتحي الباب ودعينا نتحدث.
نيابة عنه قالت الخادمة على مضض وبنبرة محتارة: الآنسة أوليفيا تبدو منفعلة جداً. يمكنني سماع ضجة في الداخل!
وقفت في مكاني أنصت بتركيز لأسمع صوتا خافتا يبدو وكأنه لصوت إغلاق خزانة بالقوة او وقوع بعض الأشياء!
عقدت حاجباي بقلق واقتربت من الباب لأطرقه منادية باسمها دون شعور!
وصل السيد جوزيف لاهثاً ونظر إلينا قبل ان يطرق الباب بذعر: أوليفيا؟ افتحي الباب يا ابنتي لا داعي لإغلاقه!
مرر كريس يده في شعره بعصبية قبل ان يقول بحزم: افتحي الباب، سأكسره أنا جاد فيما أقوله!
لماذا كريس.
منفعل إلى هذه الدرجة! لماذا أشعر بتحركاته متوترة وبالكاد يحافظ على هدوء أعصابه؟!
أشعر بوجود خطب ما غير طبيعي!
حتى السيد جوزيف يبدو وكأنه مترقب لأمر ما، وكأنه يخشى حدوث أمر معين.
طردت هواجس الأفكار السوداء عن رأسي ووضعت يدي على كتف كريس مهدئة ومع ذلك قال بحدة: افتحي الباب فوراً.
أتى صوت من خلف الباب بصراخ مريب: أتركني وشأني.
ابعدت يدي المرتجفة عن كتفه مندهشة من تلك النبرة المنفعلة وتساءلت إن كانت أوتار حبالها الصوتية لا تزال بخير!
حتى الخادمتان قد انتفضتا بريبة وتبادلتا النظرات المذعورة قبل ان يرمقهما كريس بنفاذ صبر فاعتذرتا وغادرتا فوراً. وكأنهما كانتا في انتظار ردة فعل تحركهما لتبتعدا من هنا!
قال كريس محاولا تمالك نفسه ممررا يده خلف عنقه: سأتركك وشأنك، ولكن افتحي الباب يوجد ما نتحدث بشأنه!
لن أفعل.
أوليفيا.
قلت لك لن أفعل. لا أريد رؤية وجهك أيها المخادع. أيها الكاذب!
قالتها بحرقة مما فاجأني كثيراً!
هناك بالفعل.
أمر ما بينهما أكبر مما ظننت!
لا يبدو أنني أعرف أي شيء عن طبيعة علاقتهما! من سيخبرني بالحقيقة؟ كريس الذي لا يريد البوح بأي شيء؟ أم أوليفيا التي لا ادرك صدقها من حيّلها.
رفعت يدي نحو قلبي محاولة تهدئة نفسي وشيئا فشيئا بدأ الضيق يعتريني عوضا عن القلق عليها.
نظر جوزيف إلينا بحزن قبل ان يحدق إلى كريس بنظرات عميقة غامضة تنهد الأخير على إثرها وقال: لن تريني سوى لحظات معدودة لذا هيا لنتحدث قليلا.
نبرة كريس في رجائها جعلتني أقف بعين متسعة!
كنت أقف بصمت مطبق وما آل إليه الوضع هو اتفاق جوزيف وكريس على كسر الباب بعد ان رفضت بعناد ان تفتحه.
لست مرتاحة. لم أعد أشعر بالطمأنينة أو الراحة، إنه يبدو غريباً بطريقة ما وتصرفاته تقودني رغما عني إلى الإضطراب!
انتفضت حين سمعت صوت كسر الباب، ليدخل كريس الغرفة ويتبعه جوزيف فتحركت بسرعة خلفهما.
ارتجفت شفتاي بريبة وذعر بينما اتسعت عينا السيد جوزيف بعدم تصديق!
هالة سوداء أحاطت في المكان توسطتها أوليفيا الجالسة على الأرض وتبكي بوجهها المتورد ومن حولها الأشياء المبعثرة من ملابس وحاجيات مختلفة! كان صوت المقص قد تعالى في المكان كسيمفونية لمشهد مرعب، وشعرها الأشقر المتناثر من حولها وعلى الأرض قد تم قصه بطريقة عشوائية وها هي لا تزال مستمرة في قصه من بين بكائها وتوقفها للحظة غير قادرة على إكمال ذلك بسبب البكاء الشديد!
دمعت عيناي بتلقائية وانتابتني قشعريرة من رأسي إلى أخمص قدمي وشعور بالبرودة المفاجئة!
دون أن أدرك أسرع كريس نحوها وانتزع المقص من يدها ليلقيه بعيداً.
وهمس بنبرة أذهلتني: هذا يكفي.
آخر ما توقعته أن يتحدث كريس بنبرة كهذه!
لم التمس هذا القدر من القلق والضيق في صوته مسبقاً!
ظلت على حالها تبكي ثم احتضنت قدميها إلى صدرها هامسة: اتركني وشأني.
همس بإسمها بهدوء قبل أن يأخذ شهيقاً عميقاً: اهدئي لنتفاهم. وننهي الموضوع تماما.
ولكنها صرخت فجأة: لا. أنا على علم بكل كلمة ستقولها لي، إن كان ماضٍ بالنسبة لك يا كريس فهو ماض وحاضر ومستقبل بالنسبة لي أنا!
طرفت بعيني بعدم استيعاب ومع ذلك حاولت تهدئة الوضع مقتربة نحوها وحاولت جعلت نبرتي لطيفة لئلا أزيد الوضع سوءاً: أوليفيا. أيا يكن ما تتحدثين عنه اهدئي وخذي شهيقا عميقاً.
ظلت تنظر إلى الأرض قبل ان تحدق إلى بطرف عينها المتوردة بنظرة جافة جداً أجبرتني على انتزاع عيناي منها فوراً كمن أصابها التماس مفاجئ.
ثم تمتمتْ تعقد حاجبيها باستنكار وغيض: شهيقا عميقا؟ من يقول هذا؟ أنتِ؟ ولماذا؟ أي شهيق ملوث هذا الذي سآخذه من الهواء ذاته الذي تستنشقينه؟
اتركي هذه الخلافات جانبا الآن و.
أنت آخر من يتحدث هنا.! لماذا تزوجته بحق الجحيم! لماذا اقتحمت حياته هكذا؟ أنا محطمة تماما بسببك أنتِ أيتها السارقة المحتالة.
همس كريس: شارلوت لا شأن لها. قلت لك مسبقا دعينا نتفاهم.
عادت أوليفيا للبكاء ممسكة بذراع كريس قائلة من بين دموعها بنبرة خافتة: كريس إنني أحبك كثيراً! لا يمكنك تجاهل مشاعري وتلقيها في عرض الحائط ببساطة، لطالما انتظرتك!
أضافت تغمض عينيها بقوة: حاولت السيطرة على نفسي طيلة هذه الأعوام! ظننت أنني وبإلهاء نفسي بالعمل وبأمور مختلفة سأستطيع طردك من رأسي ولكنني فشلت فشلا ذريعاً! هل هذا هو جزائي الآن؟ هل هذا ما القاه بعد صبري وصمتي على تجاهلك لي؟ اليس هذا ظلماً؟
طرفت بعيناي بضيق واستياء مشيحة بوجهي بعيدا في حين اقترب جوزيف نحوهما وقال بشيء من الإنزعاج: عليكِ التوقف عن هذه التصرفات! إنه متزوج الآن وعليك أن تستوعبي هذا.
تمتم كريس بجدية: دعي مشاعرك هذه قليلاً وافهمي موقفي!
ما الذي على فهمه؟ أنا اعلم جيدا بأنك كنت تخدعني طيلة السنوات الماضية! أدرك جيداً بأنك كذبت في كل حرف تفوهت به ومع ذلك أحببتك وما زلت كذلك! انتظرتك طويلا. وفي النهاية أفاجئ بك متزوج! ما. ما هذا السخف ما الذي يحدث تحديداً؟!
زم شفتيه ينظر بعيداً بينما أكملت ببكاء: لقد ضحيت بأمور كثيرة لأجلك! قطعت علاقتي بأمي لأشهر طويلة لأجلك أنت فقط! هربت من المنزل إليك أنت! ما الذي فعلته لك لتخدعني بتلك الطريقة البشعة؟!
اتسعت عيناي وقبل أن أنال حقي في التفكير بالأمر تفاجأت بها تلقي بنفسها في أحضانه.
ارتفعت يدي اليمنى بشكل تلقائي راغبة في الصراخ حالاً وأخبرها ان تبتعد عنه ولكن لساني قد ألجم ما ان زفر كريس بهدوء رافعاً يديه ليحيطها.
داعب شعرها مهدئاً لتستمر في البكاء، واجهت صعوبة في منح عيناي قليلا من الراحة وبقيت أحدق إليهما بعدم تصديق!
ألم قوي يعتصر قلبي، بل أن عملية التنفس باتت أصعب مهمة في الوقت الحالي، وجدت قدماي تتحرك بخطى مرتجفة لأتراجع للوراء نحو الباب لأخرج.
بالطبع سأخرج.
فأنا لن أحتمل رؤية وسماع المزيد!
لن أحتمل. أنا مشتتة! اشعر بالغيرة وفي الوقت آنه شعور يلح على بضرورة الشفقة عليها ومع ذلك لا زلت لا أستطيع منحها الثقة مجدداً!
هذا صعب بعد كل ما قالته وفعلته.
نظرت للأرض بضيق أزم شفتاي بقوة.
ما خطبهما! ما هذه الأفعال الغريبة لم أعد أملك القدرة على تجاوزها! ما الذي قد يدعوها للتصرف بجنون لتقص شعرها بهذه الطريقة المريعة؟ حتى لو كانت واقعة في حبه فهذا ليس فعل قد يبذر من شخص عاقل!
دمعت عيناي فأدركت أنني على وشك ان أنفجر فأطلقت العنان لقدماي لأنزل الدرج فوراً.
انا بحاجة إلى الهواء النقي. أفتقر إلى مساحة شاسعة وواسعة تحتمل الكم الهائل من أفكاري السوداء لتلونها قليلاً بل وترحب بها وتنقيها وإلا التهمتني وسأصبح حينها عاجزة عن التريث قبل أي قول أو فعل.
مسحت دموعي وحاولت السيطرة على نفسي.
فتحت باب المدخل وخرجت لأجد صفعة قوية من الهواء البارد في هذا الطقس ذو البرودة القارسة التي لا ترحم، احتضنت نفسي بقوة واكملت طريقي، يمكنني سماع صوت جيمي والآخران يلعبون معاً.
لا بد وأن السيد ماكس وكلوديا أو حتى ستيف يجلسون في الخارج كذلك.
علي أن أتوارى عن الأنظار فلست في مزاج يسمح لي بالتحدث إلى أي شخص.
سعلت قليلا عندما شعرت بالغصة القوية وأدركت أنني على وشك تفجير سيل من الدموع اللامتناهية.
ليس وكأن الأمر سهل. فعناقهما ذلك وتلك الكلمات المعاتبة التي تلقيها عليه. أمران يجعلانني عاجزة تماما.
في كل مرة أظن فيها بأن الأمور بيني وبينه ستتحسن أجد أنني أعود للوراء قبل خط البداية.
بدأت أشعر بأن نسبة نجاحي في تحسين هذه العلاقة وفي فهم كريس قد تكون أقل من الصفر في ظل ظروف كهذه!
هل يوجد أي تقدم حتى؟
ربما. نعم.
يوجد ولكن هذا التقدم يخيفني! كلما شعرت بأن شرارة المشاكل والخلافات بيننا تنطفئ لا يمكنني كبح شعوري بالقلق من القادم.
في الواقع انا لا أعرف عنه أي شيء. لا أعرف كريس حق معرفة ولا أستطيع فهمه.
أعترف بأنني حمقاء عندما يتعلق الأمر بالعاطفة وما يزيد الأمر سوءاً هو ان تكون هذه العاطفة موجهة إلى شخص مثله! هذه بحد ذاتها معضلة.
لماذا كلما طالت فترة بقائي بجانبه يزيد الغموض حوله أكثر!
إلى أي مدى يرفض مني الإقتراب من عالمه؟ لماذا لا يريد مني فهمه!
اتجهت نحو المجهول وأنا امشى في الحديقة بشرود وضيق يغلف قلبي.
وعندما رأيت الأرجوحة الخشبية ذات المقعد العريض ذهبت نحوها بإستسلام لأجلس وقد مسحت دموعي للمرة المئة.
ولكنني وقعت على الأرض بقوة بدلا من الجلوس عليها فتأوهت بألم!
كنت مستلقية على العشب أمرر يدي على ظهري وكل ما أراه هو السماء الملبدة بالغيوم فوقي مباشرة!
أجفلت قليلا عندما التقطت أذني صوت ضحكات خافتة وساخرة.
بدلا من الغضب زفرت بغيض واعتدلت لأجلس بصعوبة، نظرت إليه بصمت ليمرر يده في شعره الأشقر والأخرى وضعها في جيبه وقد رسم ابتسامة هازئة مستمتعة.
وقفت متمتمة انفض العشب عن ملابسي: أنت وبلا شك تقضي وقتا ممتعاً بسماع اعتراضات الآخرين حول تصرفاتك السخيفة. عذرا على هذا ولكنك مجرد مازوشي مقرف.
اتسعت عيناه بذهول قبل ان يبتسم بعدم تصديق: ان تتفوهي بكلمة قوية مهينة كهذه! مرحباً بكِ في عالمي أرى أننا بدأنا نصبح مقربان.
أنا حقا منزعجة ومتضايقة وآخر شخص تمنيت رؤيته هو هذا المريض!
تجاهلته وانا اجلس على الأرجوحة فظل واقفا يحدق إلي، تأرجحت ببطء قبل ان أزفر بنفاذ صبر: ماذا تريد يا رين أرحني من هرائك من فضلك واتركني وحدي الآن على الأقل. أعدك بأننا سنخوض شجاراً ولكن لاحقاً. ليس الآن.
ابتسم بسخرية قبل ان ينظر من حوله بملل ثم تقدم ليجلس على الأرجوحة المجاورة: كنت أستنشق بعض الهواء عندما وجدت فاتنة تمشي من بين الأشجار، فلم أمنع نفسي من استراق النظر ثم اتباعها. اكتشفت انها تبكي فلم يستطع قلبي الرحيم ألا يتدخل.
رمقته بنظرة إزدراء شديد: انتهيت؟ دعني وشأني فوجهك يذكرني بشقيقتك وقد أمزقه حالاً.
الديك وقت للحديث؟
ألم أقل لك اتركني وشأني؟! أنا بحاجة إلى الإنفراد قليلا، هذا يكفي يا رين من فضلك امنحني مساحة لنفسي أنا على وشك الإنفجار! الا يكفيك كل ما فعلته انت وشقيقتك؟ إلى اي مدى على احتمال تصرفاتكما هذه؟!
ابتسم بهدوء ينظر للفراغ أمامه وقد طرف بعينيه الزرقاوان قبل ان يهمس: لديكِ فرصة تنفجرين بها وتنفسين عن غضبك. على عكس من هم مجبرون على كبح هذه الرغبة.
ارتخت ملامحي قليلا وقد عقدت حاجباي، ساد صمت بيننا فحركت قدماي لأدفع الأرجوحة وأتأرجح بقوة أكبر عما سبق هامسة لأكسر حاجز الصمت: لا يوجد ما تأسف عليه، التنفيس عن الغضب لا يأتي سوى بنتائج سلبية في معظم الأحيان.
لم يعد هذا مهما على أي حال. من بات يبالي بالنتائج السلبية إن كانت المعضلات قد بدأت بطريقة سيئة أصلاً؟! لا يوجد ما نحاول تصحيحه او اعادته إلى مساره في هذه الحالة.
استرسل بهدوء: فليكن. لنتحدث في المهم، أنا أعلم جيداً أن ابن خالتي المثالي لا يبوح بأسراره الخاصة ظنا منه أنه صنع في نفسه بئر أسرار متنقل ومن الضروري ألا يطفح هذا البئر للخارج. مجرد حماقة يظنها صحيحة، هذا يعني أنكِ لا تعرفين شيئاً عنه في الواقع أو عن أوليفيا وتصرفاتها الغبية السخيفة. اليس كذلك أيتها الزوجة المحبة العاشقة؟
إن كنت هنا لإزعاجي فمن الأفضل ان تتوقف حالاً.
لنتحدث في مكان مناسب.
ارتفع حاجباي بإستغراب ثم سرعان ما نظرت إليه بحذر فابتسم بسخرية وضحك: ما الأمر؟ لا داعي لإظهار كل هذا الحذر فجأة!
ولماذا لا يجب أن أحذر! أنت خصيصا على أن أكون متأهبة لأي أمر قد تقوم به لا سيما وأنك ذكرت مكان مناسب فجأة! لا تخبرني أنك نسيت ما فعلته لي!
طرف بعينه قبل ان يفكر قليلا ثم زفر بملل وتبرم شديد: آه. أتقصدين القبلة التي سرقتها منك؟
انتفضت لذكرها بصريح العبارة ولكنني أشحت بوجهي بإنزعاج وقلت بغيض: تزداد وقاحة في كل مرة! أنت غير معقول.
ضحك بتثاقل ونزل عن الأرجوحة ليقف مستقيما ومدد جسده متثائباً: هذا مؤسف. كنت أفكر باصطحابك إلى مكان يخص زوجك اللعين.
قطبت حاجباي بحيرة مرددة: مكان يخصه؟ م. ما الذي تقصده؟
ولكنه تجاهلني ولوح بيده مبتعدا بخطى صغيرة قبل ان أقفز مبتعدة عن الأرجوحة واتجهت نحوه لأعيق طريقه واستوقفه: هل أنت جاد؟ اليست إحدى دعاباتك السخيفة؟
ولكنه تجاهلني دون أن يعلق فعاودت ارص على أسناني اكتم غيضي وقد وقفت أمامه لأقول على مضض: حسنا. لا أمانع!
اخفض نظره نحوي بهدوء شديد، ظل يحدق إلى مطولا بتمعن حتى قال أخيراً: اتبعيني.
وجدت نفسي أتبعه نحو موقف السيارات ونحن ننزل الدرج الحجري المحاط بالأشجار والزهور.
كنت أنظر إليه.
محتارة وأفكر بعمق بشأن ما يريد التحدث عنه، إن كان الأمر متعلق بكريس فلا ضرار من مرافقته فالفضول لن يرحمني في جميع الأحوال.
اتجه لسيارته التي كانت كبيرة عائلية وركب ليستقر خلف المقود فترددت قليلا في الجلوس بجانبه.
حتى انزل النافذة ليزفر مستنكرا بنفاذ صبر: ماذا الآن؟ لا زلتِ خائفة؟ هل انا مجبر على توقيع تعهدٍ بعدم الإقتراب؟
تكتفت أنظر إليه بتفكير، هل على الذهاب معه حقاً؟ ماذا لو كان كاذباً؟ لا أستبعد هذا من رين على أي حال.
وماذا لو كان جاداً ليريني أمراً مهماً بشأن كريس؟ لماذا يتطوع بنفسه أصلاً؟
أشار لي بيده بالعد التنازلي من ثلاثة إلى واحد فتنهدتُ بلا حيلة وفتحت الباب لأجلس بجانبه.
همس ساخراً بنبرة خبيثة وهو يحرك السيارة للخلف: ماذا لو كنتِ مجرد مغفلة وصدقتِ كذبتي هذه؟
لويت شفتي بملل وتمتمت انظر عبر النافذة: أنفي لم يستنشق رائحة للكذب الحقيقي بعد. اعتقد بأنك صادق في عرضك السخي ولكنني سأظل حذرة.
لم أجد منه رداً بل وأوقف السيارة ببطء فاحترت قبل ان اوجه نحوه نظرة مستنكرة لأجده ينظر إلى وعلى وجهه شيء من الإستغراب.
كان ذلك لأقل من لحظة فقط! فلقد أسرع يبعد عينيه وحرك السيارة مجددا.
رفعت كتفاي بلا اكتراث وعاودت أنظر للنافذة لتلتقط أذني كلمته الخافتة: ساذجة.
تجاهلته أتأمل الحديقة قبل أن نخرج من المنزل، ودعت الحي الراقي بنظراتي حتى وجدت الشارع الحيوي المزدحم، ومع زحام الشارع سيطرت على زمرة الأفكار لينتابني ذلك الشعور المزعج مجدداً.
كلما راودتني صورة ذلك العناق والنبرة القلقة التي بذرت منه تجاهها أجد نفسي أسيرة للضيق واليأس.
ارتخت ملامحي للحزن وقد اسندت رأسي على النافذة.
ما الذي يفعلانه الآن يا تُرى؟ ألم يشعر بغيابي؟ هل يشكل هذا فارقاً؟
الأهم من هذا.
هل تناول طعامه وقد أهمل وجبة العشاء في الأمس وتجاوز فطوره اليوم؟ أم أنه لا يزال يجلس برفقتها؟
أو حتى يمسح دموعها بيديه.
لم أعد استبعد أي شيء. ولكنني أدرك جيداً أنني أقف على شفى حفرة من اليأس والإستسلام التام.
ما هو موقعي من الإعراب في علاقتهما الغامضة تلك؟ متى سيوقفها عند حدها ولماذا يبدو في نظري عاجز عن ذلك إلى هذه الدرجة!
شهقت بذعر منتشلة نفسي من عالم الأفكار فجأة عندما فُتحت النافذة التي أسند رأسي عليها ليختفي مصدر الدعم وتنحني رأسي يميناً بقوة.
انتابني الغضب لسماع صوت زفرة ساخرة واعتدلت في جلست لأصيح بإنزعاج: هل هذا مضحك جداً؟ توقف عن مضايقتي حالاً!
كان عليكِ إبعاد رأسك فوراً ولكنك بقيتِ كالوثن الصامد حتى استنشق أنفك الهواء الخارجي فجأة.
كان من الواضح أنني مسترقة في التفكير ولا داعي لهذه التصرفات الطفولية!
لقد سألتكِ سؤالا ولم تجيبيني.
لا أريد سماعه.
لماذا أحببته؟ اتضح لي بعد تركيز وتمعن في الوضع انكِ عاشقة لذلك المدلل، أنتِ لا أهداف خاصة لكِ، لا تريدين المال أو أمراً مادياً كما ظننت. ولكنني لا زلت أحاول فهم السبب الذي دفعك للوقوع في حبه. هذا إن وُجد.
بقولكَ كما ظننت . هل تعتقد أنكَ ستصنع مني الأسعد في العالم؟ أفق يا رين فرأيك أو رأي أي شخص آخر هو من آخر إهتماماتي. وما يدريك؟ لربما تزوجت به لأقتله بعد مرور عشر سنوات ثم أحصل على نصيب ضخم من ثروته أو حتى اجباره على أن يشرب حتى الثمالة واستغل ضعفه ليوقع لي على أوراق رسمية تخدم مصالحي الخاصة!
أسرع ينظر إلى بعين متسعة مرتابة بعض الشيء قبل ان يبتسم نافيا برأسه بعدم تصديق وقد همس محدثاً نفسه: أي نوع من الخيالات هذا!
ثم أطلق زفرة متبرمة وقال: دعي هذه السخافات بعيداً لأنني جاد. ما الذي أحببته بشأنه؟ من الأفضل ان تعطني سبباً واحداً مقنعاً.
لماذا هو مُصِرٌ إلى هذه الدرجة ويلح على بشأن هذا الأمر؟ ليس وكأنه يوجد سبب قد أوقعني في حب كريس فلقد حدث هذا فجأة ودون أن أدرك.
تكتفت بصمت واكتفيت بإشاحة رأسي بعيداً عنه نحو النافذة، شعرت به ينظر إلى بترقب حتى غيرت الموضوع متسائلة: إلى أين نحن ذاهبان تحديداً؟
قلتها أنظر للشارع من حولي والذي بدأت تقل فيه الأسواق التجارية وحركة المشاة، أجابني على مضض: إلى منزلي.
اتسعت عيناي: منزلك! لماذا؟ من قال بأنني أريد الذهاب إلى منزلك! أخبرتني بأنك ذاهب إلى مكان يخص كريس. لقد وثقت بك وصدقتك ومع هذا فأنت ت.
زمجر بغضب: أصمتِ حتى النهاية. لقد قلت بأنه مكان يخص معشوقك ولست في هذا المزاج العليل لأستمتع بأداء دور المحتال الآن ولا لرؤيتك تتصرفين كمخطوفة مغفلة.
طرفت بعيني بشك، ما هذا الغضب؟، هل كان عليه التحدث بهذه النبرة العالية فجأة؟ هذا المتقلب يذكرني بتقلب ابن خالته كثيراً.
امتعضت بشدة وعاودت انظر نحو النافذة بغيض شديد.
مرت فترة تقارب النصف ساعة كان الصمت قد تربع فيها على عرشه ليحكم بيننا، كل ما أفعله هو تأمل ما حولي وحسب متسائلة في نفسي إن كنت سأكتشف أي أمر مفيد يخدمني في محاولتي لفهم كريس. كما لا أدري أي حماقة هذه لأخرج مع شخص مثل رين.
كان على الحذر منه واخذ الحيطة اللازمة فلا أحد يعلم ما يجول في خاطره او يدور في عقله المريب!
اختلست نحوه نظرة مفكرة بإن كان على ان اطلب منه العودة ولكن هذه الفكرة باتت كالبخار الذي تصاعد من رأسي وقد شهقت بعدم تصديق مشيرة إليه: م. ما هذا!
رمقني بلا مبالاة فصرخت بدهشة: منذ متى؟! ألا تعلم ان التدخين مضر بحق السماء؟
اقتضبت ملامحه وهو يضع السيجارة في فمه وأوقدها ليعيد وضع القداحة في جيب بنطاله متمتماً ولا تزال بين أسنانه: افتحي فاهك بحرف واحد أمام أبي وستكون آخر مرة يتحرك فيها لسانك.
غير معقول! إنه يفعل هذا سراً. هذا الأحمق!
أن تتجاوز معرفته للأمر يعني أنك على علم مسبق بأضرار ما تفعله! ما الذي تنوي عليه؟ الإنتحار؟
استنشق الدخان قبل ان ينفثه على وجهي فسعلت بشدة مغمضة عيناي اللتان احرقتني!
وضعت كُمَ معطفي على فمي واعترضت بغضب: توقف عن هذا وليكن في علمك ان تأثير الدخان على المرافق لأحمق متهور مثلك سيكون أكثر ضرراً مما هو عليك أنت. منذ متى وقد بدأت بالتدخين؟!
بدى يفكر قبل ان يجيب: قبل أربعة سنوات؟ أو ربما ثلاثة. فليكن. هل أنتِ قلقة بشأني؟
أنا قلقة على نفسي الآن أكثر منك!
قلتها وانا افتح نافذتي وأخرج رأسي فسمعته يضحك بخفوت: لا داعي لكل هذا الذعر، تخيلي نفسك محتجزة في مبني يتعرض للحريق. استنشاق الدخان لبضع لحظات لن يؤثر على حياتك حتى الممات!
تجاوزت ما يقوله لأزمجر بحزم: تبدو واثقا أنني لن أخبر أباك بهذا؟!
أومأ برأسه ببساطة وهدوء فأزعجني ذلك كثيراً، الا يهتم بما يحدث لجسده او لمشاعر عائلته على الأقل! التدخين ليس أمراً هيناً كما يظن. ليس كذلك!
نفيتُ بلا حيلة: لا أدري كيف تفكر، ستندم لاحقاً على هذا صدقني. توقف قبل أن يتفاقم الأمر وتدمن التدخين ل.
وفري هذه النصائح أيتها الممرضة لستُ بحاجة إلى سماعها وأعلم جيداً ما يسببه التدخين لذا اريحي نفسك.
تنهدتُ بعمق شديد في اللحظة التي انعطف فيها إلى اليسار ثم وجدته يعبر مسلكا مؤدي إلى بداية طريق سكني.
أرى أننا في حي تكثر فيه المجمعات السكنية ذو مستوى راقِ، سألته باستغراب: وصلنا؟
أومأ بصمت واكتفى بذلك وهو يسند ذراعه على النافذة المفتوحة ممسكاً بالسيجارة، نظرت للمكان من حولي حتى وجدته ينعطف مجددا إلى اليمين، لحظات قليلة حتى أوقف السيارة أمام منزل ضخم يحيط به سياج وأرض زراعية متوسطة المساحة.
كان قد أوقفها أمام هذا السياج ذو التصميم الخشبي الرفيع ليتناسب مع لون الأرض الزراعية ويشكل تناسقاً جميلاً ويعطي انطباعاً لطيفاً.
اغلق المحرك وترجل فشعرت بالتردد للحظة قبل أن أنزل أنا أيضاً، وقفت إلى جانبه أحدق إلى المنزل بصمت وأتأمل المكان، وحينها أجفلت قليلاً مستوعبة أمر ما!
تلك المدعوة فيكتوريا.
خالة كريس.
هل يعقل أنني سألتقي بها!
انتفضت فوراً ونظرت إليه لأقول بإندفاع: هل والدتك بالمنزل؟
نظر من حوله بملل قبل ان يتمتم وهو يلقي بالسيجارة أسفل قدمه ويدوسها بحذائه: سيارتها غير متواجدة. لا يبدو أنها هنا.
تنفست الصعداء فابتسم بإستهزاء: هل مقابلتها أمر يدعو للذعر؟
لم أشعر بنفسي وأنا أجيبه بكل وضوح: لم أسمع أمراً لطيفا بشأنها. اعتذر على وقاحتي ولكن من الطبيعي ان أشعر بهذا.
أومأ بلا اكتراث: لا يوجد شخص ذو سمعة طيبة في هذه العائلة على أي حال.
استرسل بسخرية: ليس وكأن زوجك هو الشخص اللطيف بالنسبة إلى الآخرون.
امتعضت وفي الوقت آنه ابتسمت بلا حيلة، إنه محق. لا أظنني سأجد شخص يثني على شخصيته أو أفعاله.
نظرت إلى السيجارة التي داسها متمتمة: أتمنى ان يلاحظها شخص ما وتبدأ والدتك بالتحقيق في الأمر.
رفع كتفيه: قد يكون أحد المارة لا شيء مثير للإهتمام. ثم هي ليست دقيقة في الملاحظة لا يوجد ما قد يقلقني.
تحرك ليعبر السياج فلحقت به، الأرض الزراعية لم تكن صغيرة ولا حتى شاسعة وإنما ذات مساحة متوسطة، يكفي أن نوافذ المنزل تطل على هذه الزراعة الجميلة بمختلف أحجامها وألوانها الزاهية.
من الواضح ان المنزل مكون من طابقين، جمع بين اللون الأبيض والأزرق ونوافذه زجاجية طولية. سقف المنزل من القرميد الأزرق الداكن المائل إلى الأسود! يمكنني رؤية درج المدخل والذي كان على جانبيه سياج خشبي متين داكن تنمو فوقه الأعشاب المتسلقة التي تبعثرت عليها أزهار بيضاء وزهرية اللون.
ابتسمت متمتمة: تصميم رائع.
رمقني بطرف عينه ولم يعلق، تأملت المكان من حولي وإلى قدماي اللتان تخطوان على المسلك في وسط الزراعة والذي كان يصدر صوتاً أشبه بما يصدره الخشب فور التقاء قدماي معه.
يوجد أناقة وفخامة لطيفة في هذا المكان، بدأت أتخيل والدته فيكتوريا تجلس على كرسي أبيض أمام طاولة رفيعة تحتسي كوب من الشاي وفي وسطه الملعقة الفضية التي تخفف من حرارة الشاي وتطفو فوقه أوراق أزهار عشبية تضيف نكهة لذيذة، وترتدي فستان أسود أنيق يعتليه قماش الدانتيل. ترفع شعرها الأشقر و.
تأوهت بألم شديد وانا أصرخ عُقب ان اصطدم وجهي بالأرض بقوة بعد ان سقطت دون سابق انذار! اللعنة ما الذي تعثرت قدمي به؟
سمعت رين يتنهد: قلتُ لكِ انتبهي لما تخطين عليه.
اعتدلت بسرعة امرر يدي على أنفي بألم: كان بإمكانك تنبيهي بطريقة أو بأخرى!
رفع كتفيه بلا مبالاة ولم يكلف نفسه عناء مساعدتي بل اكمل طريقه نحو المدخل ليصعد الدرجات فوقفت انفض ما قد يكون التصق بملابسي.
سحقاً. غرقت في أفكاري بشأن والدته ولا بد وأن كل هذا الخيال مجرد زوبعة من الحماس المبهم الذي يختلقه عقلي الأحمق.
القيت نظرة خاطفة لأرى ما تعثرت به، لم يكن هناك حجر وما شابه وإنما بروز بسيط في المسلك الذي كنت أمشي فوقه.
بداية سيئة جداً.
بدأت أقلق فجأة مما قد يريني إياه رين بشأن كريس!
تبعته بسرعة، كان قد فتح الباب وسبقني.
أول ما لاحظته فور دخولي هو لفحة دفء شديد غلفتني من كل جهة! كما يمكنني سماع صوت الأز من بعيد، لا بد وأنهم قاموا بإشعال نار المدفأة. أراهن على أنها ضخمة الحجم لتبث هذه الحرارة.
انعطف رين يميناً في هذه الردهة الواسعة التي تكسوها السجادة البنية الداكنة ذات النقوش المزخرفة. نظرت من حولي إلى المزهريات والأواني القديمة الجميلة والرفوف التي وُضعت فوقها الورود المعطرة المجففة والشموع الملونة.
عبرت أمام مرآة طولية كبيرة لأنتبه إلى شعري المبعثر فأسرعت أرتبه فوراً.
اتجه رين إلى درج في نهاية المنعطف، أردت ان أصعد أنا أيضا ولكنني اجفلت لصوت متثاقل: ها أنت ذا سيد رين. لا تخبرني انك تعمدت المجيء في غياب السيدة فيكتوريا!
رفعت رأسي باستغراب لأرى رجل يبدو في نهاية العقد الرابع، انتبه لي كذلك فطرف بعينه بحيرة، كان يرتدي ملابس خدم رسمية وقد سرح شعره الأسود إلى الوراء بطريقة مرتبة وعيناه الزرقاوان تجوبان بيني وبين رين الذي قال بهدوء: أخبرني بوقت محدد تتواجد به أمي في المنزل وأخبرك انني تعمدت المجيء الآن.
نزل الخادم بضع درجات وقال بعدم تصديق: بل وأحضرت حبيبتك إلى المنزل سِراً!
اتسعت عيناي ورمقت رين بإزدراء متمتمة: حبيبته؟ بربك من قد تواعد شخص مثله؟
ظهرت تقطيبة بين حاجبيه بينما رمقني رين بلا اكتراث، قال الخادم بحدة: لستِ حبيبته، إذاً بأي حق تستخدمين نبرة كهذه وتتحدثين عنه بهذه الطريقة!
تدخل رين بابتسامة هازئة: دعك منها يا سايمون فلن تنتصر في حرب الكلمات مع سليطة اللسان هذه.
ظل المدعو سايمون يحدق إلى حتى رفع شفته بانزعاج: لم أكن لأتوقع ان تصاحب فتاة مهذبة على أي حال.
ادهشتني الإهانة الموجهة إلى وإلى رين كذلك ومع ذلك تنهدت متكتفة: يوجد ما أستغربه الآن في حواركما، هو يجيد معاملتك بهدوء في حين يجبر آنا على السهر لوقت متأخر لحمل حاجياته عديمة القيمة تحت المطر ويصرخ على الخدم بكل غرور في منزل السيد ماكس ل.
قاطعني رين وهو يتحرك ليصعد: لا تنسي ما نحن هنا لأجله.
مر بجانب الخادم الذي نظر إليه ثم وجه عيناه نحوي وقال بامتعاض: ذكرتِ السيد ماكس أيضاً. من تكونين أيتها الصغيرة؟
ارتفع حاجباي: صغيرة؟!
نفيت برأسي قبل ان اصعد اتبع رين وعندما مررت بجانبه همست ببرود: لا عجب. حتى انت قد تطبعت بطباعه وبطريقة ما تبدو مزعجاً.
طرف بعينه للحظة بعدم استيعاب فتجاهلته، يبدو شخص ثرثار يحب التظاهر بأنه المسيطر على الأمور، فليكن أنا هنا لأجل ما يخص كريس وحسب. هذا كل شيء!
عندما صعدت لمحت رين يسير إلى اليمين فلحقت به قبل ان القي نظرة خاطفة على أبواب الغرف خلفي ثم عاودت أنظر إليه وقد وقف أمام غرفة ومد يده ليفتح الباب ولكن اتضح انه مغلق.
حينها زفر بضجر وعاد ليتجه إلى الدرج قبل ان يقول بنبرة آمرة دون ان ينظر إلي: انتظري هنا.
استندت على الحائط متكتفة وقد اعتدت نوعاً ما على نبرة مماثلة سواء منه او من كريس حتى. مع أنني وبالعودة إلى الزمن قليلا لم أكن لأسمح لأي شخص ان يتحدث معي بإسلوب كهذا.
انا الآن مضطرة للصبر مع حفنة المجانين المتقلبين في هذه العائلة وعلى رأسهم مريض الغرور الذي تزوجت به.
ارجو ان أغادر من هنا قبل مجيء فيكتوريا، كلما مرت دقيقة شعرت بالتوتر، بصراحة لست خائفة من رين كثيراً بالرغم من فعلته الشنيعة تلك.
شيء في داخلي. يقول بأن لا نية سيئة او مريبة له بشأن إحضاري إلى منزله.
حتى لو قام بفعل شيء دنيء فسأطلب مساعدة الخدم هنا. ماذا لو الخدم قد تواطئوا معه أيضاً؟ لا استبعد هذا فذلك السايمون يبدو شخص مزعج ومخلص لهذا المنزل.
عاد أخيرا ولمحت في يده المفتاح، وقف أمام الباب ليفتحه وقد دخل، كان المكان مظلماً ولم تلتقط عيناي أي شيء في الغرفة، رفع يده يميناً ليفتح الإنارة قبل ان يدخل وما ان اضاء المكان حتى ولج الى الغرفة وتبعته.
التقط انفي فوراً الغبار العائم في هواء هذه الغرفة فعطست رغماً عني. هذا الغبار ورائحة الأثاث المُركز في الهواء جعلني أيقن ان باب هذه الغرفة بالكاد يُفتح.
مهلاً. إنها غرفة صبيانية! تصميمها يناسب المراهقين على الأغلب، الكثير من الملصقات للمشاهير وأبطال القصص المصورة معلقة على الحائط الرمادي الداكن، كما يوجد كرسيان محشوان بالقطن بشكل دائري أمام تلفاز يبدو قديماً بعض الشيء، هذا النوع من الأجهزة ربما مر عليه أكثر من عشر سنوات! يوجد على الطاولة امامه أجهزة للألعاب الرقمية قديمة كذلك والكثير من الأقراص المدمجة. هذا يعيد الذكريات حقاً. اشتقت إلى هذه الألعاب!
اتجه رين ليفتح الستائر ذات اللون الأخضر العشبي لتكتسح أشعة الشمس الغرفة، لفت انتباهي سرير ذو طابقين وعلى كل منهما وسائد كثيرة الوانها واحجامها مختلفة. انها بالفعل غرفة شبابية.
تساءلت باستغراب: لماذا نحن هنا؟
أردفت مخمنة: اتكون غرفتك انت وأوليفيا سابقاً؟ ولكنها شبابية بالنسبة لها!
إنها غرفتي أنا.
أجاب بهدوء وهو يتجه إلى أحد الأدراج يبحث فيها عن شيء ما فتمتمت بحيرة: إن كانت لك فلماذا سرير ذو طابقين؟
رمقني بطرف عينه قبل ان يعاود البحث وقد أجاب بنبرة جافة: كانت لي أنا وزوجك.
كانت له. و لكريس؟
هل كان كريس يعيش معهم هنا! يوجد غرفة في منزل السيد ماكس تحوي سريرين كذلك ورأيت صورة جمعت رين وكريس فيها. التحليل الوحيد هو مبيت رين في منزل السيد ماكس مع كريس وكذلك مبيت كريس هنا فيما مضى.
كانا يتشاركان الغرف هنا وهناك، إلى أي مدى كانت علاقتهما قوية؟!
تمتم وقد وجد ما يبحث عنه ولم يكن سوى شريط عرض أسود: آخر مرة تشاركنا فيها الغرفة كانت قبل احدى عشر. او ربما اثنا عشر عاماً. أياً يكن.
قالها بملل ثم اتجه إلى التلفاز ووضع الشريط في جهاز عرض الأفلام ذو الإصدار القديم.
ساءت علاقتهما منذ اثنا عشر سنة. هذا حقاً مؤسف! اراهن على انهما كانا يقضيان معاً اوقات مسلية جداً.
تنهدت بعمق وقد انتابني السوء والضيق، حاولت تلطيف الجو متسائلة: من كان ينام في الأعلى؟
أجاب ببرود: أنا.
أومأت بفهم اتأمل الغرفة حتى اشار لي بأن أجلس على السرير فجلست انظر فوقي إلى السرير الآخر ثم وجهت نظري إلى شاشة التلفاز، جلس بجانبي ممسكاً بجهاز التحكم، اصدر التلفاز صوتاً مزعجا قليلا وشاشة مشوشة حتى ظهر أخيراً تاريخاً أسفل الشاشة في الزاوية.
لم أكد أقرأه حتى ظهر عرضاً مصوراً بآلة تصوير ويمسك بها شخص ما.
كانت موجهة نحو عشب حتى رفعها من يمسك بها قليلا لأرى قدما شخص ما يرتدي حذاء رياضي، رفعها أكثر لتتضح ملامح الشخص أخيراً.
اتسعت عيناي: كريس!
إنه هو بلا شك، ملامحه المميزة لم تتغير كثيراً. يبدو وكأنه في الثالثة عشر وما يقارب، كان يقف يضع يده في جيبه الأيمن وينظر إلى اليسار قبل ان ينظر إلى آلة التصوير ثم إلى الشخص الذي يحملها وتساءل بشيء من الضجر: هل علينا فعل هذا حقاً؟
اتى صوت الشخص الممسك بالآلة: لا أحد منا يريد فعل هذا يا كريس، ولكننا مضطرين لمجاراة الوضع مع حالتها العصبية في الآونة الأخيرة. اصبر قليلا فقط يا بُني وأعدك ان يكون كل شيء بخير.
زفر كريس ونظر من حوله حتى اتجه إلى الكرسي الخشبي وجلس عليه يهز قدمه وبدى متوتراً كثيراً، قال ذلك الشخص مجددا بنبرة هادئة خافتة وهو يقترب منه: سيكون هذا مؤقتاً، لا يسعنا سوى التظاهر بالفرح والسرور وحسب حتى نجد حلاً.
رمقه كريس بنظرة باردة قبل ان يتمتم محدقا إليه: ما سنفعله لن يزيد الأمر إلا سوءاً. ولكن من منكم سينصت إلى ما أقوله؟
لا يمكنك لومنا يا كريس فلو لم تقم باتريشيا بذكر هذه الأفكار الغريبة لها لما كنا مضطرين الآن لإعداد هذا الحفل السخيف.
عليك ان تفهم هذا سيد جوزيف. اجباري على اعطاء العهود الكاذبة سيهلكنا جميعنا يوماً ما بطريقة ما.
إنه السيد جوزيف إذاً!
سمعته يتنهد قبل ان يقول: لقد وصلوا هيا أسرع. سنحتفل بعيد ميلادها ثم تعلم ما عليك فعله.
اتجهت آلة التصوير نحو فتاة تقترب مرتدية فستان زهري اللون قصير ولطيف وتبدو أصغر منه ببضعة أعوام، إنها هي! أوليفيا!
لقد كانت تقترب نحوهم وبجانبها باتريشيا التي لن أخطئ في تمييزها، وكذلك آخرون لم تكن ملامحهم واضحة ولكن مألوفين كثيراً!
اقتربت أوليفيا حيث يقفان وقد اتجهت نحو كريس فوراً، نظر إليها بهدوء في حين ابتسمتْ بشيء من الحماس، تبعتها باتريشيا لتقف بجانبها وقالت بصوت كنت قد راهنت مسبقا على أنه سيكون في غاية الأنوثة واللطافة: هيا لنطفئ شموع الكعكة معاً، ثم لا بد وأنه لديك ما تقوله لأوليفيا يا كريس. اليس كذلك؟
قالتها تنظر إليه بابتسامة هادئة ولكنني شعرت بشيء يختلج نظراتها! لم تكن تسأله وتذكره بل تأمره. هذا واضح جداً.
نظر بعينه بعيداً وبدى يكبت انزعاجه ولكنه في النهاية وقف بهدوء.
اجفلت قليلا لتشوش الشاشة والعرض وقد بدأ يتقطع، نظرت لرين باستغراب فظلت عيناه على الشاشة بصمت.
ثوانِ فقط حتى اتضح التصوير ولكن الوضع لم يكن كما يبدو عليه، فالجميع الآن يقفون أمام طاولة في حديقة وعليها كعكة متوسطة الحجم من الشوكولا وفوقها بضعة شموع ومجموعة من البالونات الملونة الموزعة في المكان.
كانت أوليفيا من تقف امام الكعكة مباشرة وبجانبها كريس والباقين، وفتى اشقر بطول كريس تقريبا أدركت فوراً أنه رين.
أرى كلوديا كذلك تقف بوجه جامد ولا تبدو راضية عن الوضع وبجانبها جوش يمسك بيد طفلاً يبدو في السادسة من عمره. إنه ستيف بلا شك!
بدؤوا بترديد اغنية عيد الميلاد حتى اطفأت أوليفيا الشموع وتعالى صوت التصفيق باستثناء كلوديا التي كانت تقف متكتفة بغيض واضح.
بدى وكأن جوش يتظاهر بالمرح وهو يقول: علينا استغلال هذا اليوم للخروج جميعنا إلى نزهة ما. قد يظل ماكس مشغولاً بالعمل ولكنه سيُسر كثيراً بسماع تجمعنا في مكانٍ، ماذا عن حفلة شواء في منزل العائلة؟
أيدته باتريشيا مبتسمة: صحيح. سيكون هذا ممتعاً جداً.
ثم نظرتْ نحو كريس وفي عينيها مغزى غامض جعله يحدق إلى الأرض فوراً.
عقدت حاجباي باستغراب شديد متمتمة: ما الذي تحاول إجباره على فعله؟
لم يجبني رين وإنما امسك بجهاز التحكم وقام بتقديم العرض مطولاً حتى أوقفه في لحظة كانت آلة التصوير تركز على أوليفيا وكريس فقط.
يبدو أنهم قاموا بتغيير الموقع، المكان يسوده الهدوء أكثر من تلك الحديقة.
لم أهتم بتلك التفاصيل لأنني استنكرت تحديق أوليفيا بكريس في حين يشيح بوجهه بعيداً.
سمعت صوتاً انثويا خلف آلة التصوير: هيا يا كريس.
إنها باتريشيا هذه المرة.!
أضافت: الم أخبرك أنني اعرف مصلحتك جيداً يا بني؟ هيا. ماذا تنتظر؟ يمكنني رؤية مستقبلكما معاً ثق بوالدتك يا كريس.
نظر إليها وبدى وكأنه سيعترض للحظة قبل ان يلقي نظرة على أوليفيا ويتمتم: أنا.
نطق بها ثم ظهر التردد جليا على وجهه، ظل يقلب عينيه بين والدته وأوليفيا حتى استأنف مبتسماً بلطف أدهشني: أوليفيا. يوم ميلاد سعيد.
بادلته أوليفيا الإبتسامة وقد أومأت: شكراً جزيلاً.
ثم نظرت إليه وإلى باتريشيا بشيء من الإستغراب: ما الذي تقصدينه بمستقبلكما يا خالتي؟ ثم ما الأمر المهم الذي اردتِ مني سماعه من كريس؟!
أنهت جملتها تلك ليظهر بعض التشويش ثم مشهد سريع لها وهي تبدو مندهشة و تضحك وكأن الشريط قد أفسد مقطعاً كاملا، عاد التشويش مجددا في العرض ثم توقف!
انعكست صورتي على التلفاز لأرى نفسي أحدق إليه بعدم استيعاب أو فهم.
لم أفهم أي شيء!
عقدت حاجباي باستغراب ونظرت لرين اطرف بعيني ببلاهة: ما الأمر؟ لم أفهم شيئاً كما ان التصوير لم يكن كاملاً. لم أرى شيئاً مفيداً حتى الآن.
ابتسم بهدوء: من الصعب الحفاظ على مقطع قد صُوِر قبل سنوات عديدة. ولكن العقل البشري قادر على تخزين ما يفسده الزمن. خلاصة القول. احضرتك هنا لأكمل ما انهينا مشاهدته للتو.
أومأت بفهم وقد سيطر على هاجس القلق، تحرك مبتعدا عن السرير، وقف أمام النافذة وقد فتحها ليدخل الهواء البارد محركا الستائر. جلست بتوتر أنظر إليه بترقب فقال محدقا عبر النافذة: لا أحب المقدمات أو الثرثرة الفارغة لذا سأدخل في صلب الموضوع.
كلي أذان صاغية.
شقيقتي أوليفيا كانت مدللة خالتي باتريشيا، هذا ما عليكِ أن تدركيه جيداً.
عقدت حاجباي ليكمل: قضت معها أغلب الوقت أكثر مما كانت تقضيه مع ابنها. يمكنني القول ان طباع خالتي الغريبة قد أثرت على شخصية أوليفيا، منذ ان بلغت السابعة وهي تقضي وقتها مع خالتي، صباحا. مساءاً وحتى عند موعد النوم. النفسية المريبة التي كانت تعاني منها خالتي تركت أثراً حتى اليوم على شقيقتي، فإن كانت خالتي امرأة عصبية متملكة. فأوليفيا أسوأ منها عندما يتعلق بالشخص الذي أحبته منذ طفولتها.
أنت تتحدث عن كريس!
ما لم تشاهديه في المقطع قبل قليل هو أمر مهم جداً عليكِ وضعه في عين الإعتبار، زوجك قام بقطع وعد لأوليفيا بأن يظلا معاً ويتقدم للزواج بها عندما يبلغا سن الرشد.
اتسعت عيناي بدهشة وفغرت فاهي قليلاً، ما قالته لي أوليفيا هذا الصباح. لم يكن مجرد هراء!
وعدها بالزواج إذاً! هل هذا ما أجبرته باتريشيا على فعله؟
نفيت برأسي بعدم فهم: ولكن. اليس من الواضح انه كان مضطر لذلك؟ لماذا تبدو وكأن تلومه على ذلك.
استدار ينظر إلى مستندا على الحائط المجاور للنافذة وقد ابتسم بسخرية: الوعد يظل وعداً. كما ان أوليفيا لم تكن تعلم بأنه مجبر على ذلك وظلت ترسم أحلامها طيلة هذه الأعوام. أول خيبة أمل تلقتها هو إنجابه لجيمي من كلارا، والخيبة الأكبر هو زواجك منه وعلاقتكما التي بدأت تستفزها كثيراً.
اعترضت بإنزعاج: كان بإمكانها محاولة التقرب إليه طيلة هذه السنوات ولكنها لم تفعل.
لم يكن هذا ممكناً مع ظروف العائلة. ليكن في علمك أن أمي تكره كريس بل ومجرد ذكر إسمه.
رفع كتفيه بلا اكتراث: هو بنظرها مجرد كاذب تسبب في مقتل شقيقتها وفر هاربا ولم يحظر عزائها. صدقيني ليس من السهل ان تتقبله أمي أبداً.
أنت تقول بأن أوليفيا خائبة الأمل بشأن الوعد الذي نكثه كريس بشأن الزواج بها، أي سخف هذا؟ وعد مثل هذا في سن مبكرة لا يجب ان يُأخذ بجدية!
فتاة مثل أوليفيا قد أخذته بجدية. دعيني أكون واضحاً. أوليفيا نسخة مصغرة من باتريشيا التي تحب إمتلاك ما تقع عينيها عليه، لا أظنها كانت ستتحول إلى هذه الشخصية الغريبة لو لم تقضي وقتها معها منذ صغرها.
وقفت انظر إليه بإنزعاج وضيق شديد! لا يمكنه أن يشير إلى كون كريس المخطئ الآن ومن الواضح ان والدته من أجبرته على ان يقطع وعداً سخيفاً! بل وأوليفيا قد صدقت الأمر وآمنت به حتى اليوم! أي جنون هذا؟
تكتفت بحزم: لا زلت أرى الأمر غير منطقي ولا ذنب لكريس بشأن كون شقيقتك ساذجة أو كون باتريشيا امرأة تعجز عن استخدام عقلها للتفكير بعمق.
ابتسم بسخرية وقد اطلق تصفيرة إعجاب: إنه الدفاع المخلص عن الزوج الوسيم. لا يمكنني لومك ولكن ماذا لو قلتُ لكِ أن كريس وعدها بذلك مرة أخرى عندما كان في التاسعة عشر؟
ارتخت ملامحي باستغراب!
التاسعة عشر؟
حيث كان شخص بالغ أخيراً! ما هذا؟
ومع ذلك قلت مندفعة: وماذا في ذلك إذاً؟ كانت والدته لا تزال على قيد الحياة وهذا يعني أنها كانت تحاول ال.
صفق بيده مبتسماً بهدوء فبترت كلماتي وقد ارتجفت شفتاي.
أشحت بوجهي بعيداً فتمتم بهدوء شديد: ان يكون في التاسعة عشر يعني أنه قادر عن العدول عن قراره أو توضيح سوء الفهم قبل ان يتفاقم. ولكنه اختار ان يعدها مرة أخرى أياً يكن سببه فلن أجد ما يبرر فعلته.
شعرت به يبتعد عن الحائط ويقترب، وقف أمامي مباشرة وأدار رأسي نحوه ممسكاً بذقني ليقول بجفاء: إنني خائب الأمل. توقفي عن الدفاع عنه مبررة أخطائه وكوني صادقة مع نفسكِ أكثر.
و. ولكنك تبالغ في.
احتدت عيناه ولمعت ببريق مخيف وهمس وقد نفذ صبره: دعيني أخبرك بهذا إذاً لعلكِ تنسحبين من هذه اللعبة.
استرسل بنبرة هامسة ساخرة بعض الشيء: الم تشعري ولو للحظة. لا. بل لأقل من ثانية فقط، أنه يشعر بالذنب تجاهها او يحمل نحوها شعور بالإهتمام ولو قليلا؟
أكملت منفعلة وأنا أدفعه بكلتا يداي بغضب: ما الذي فعلته لك أجبني؟! لأنني أحبك؟ هل هذا هو خطأي؟ لأنني وقعت في حبك من بين الجميع؟! كف عن اللعب بمشاعري لم أعد أحتمل هذا! هل خُدعت بك؟ هل لا زلت تحاول النيل مني بطريقتك! انا لم أعد أفهم شيئاً! أخبرني حالا ما الذي تفعله تحديداً؟
أمسك بيدي يمنعني من ضربه على صدره يتمعن النظر إلى بصمت.
بل وعادت نظرات الإستياء المحبط لعينيه العسليتان مجدداً فأكملت بصوت مرتجف: لقد كذبت علي! رأيتكما معاً وقريبان جداً وأخبرتني بأن لا شيء قد حدث! كنت أعلم انها وضعية مريبة ولكنني. صدقتك وأنا أعلم جيداً بأنك تخدعني! لماذا قبلتما بعضكما بحق الإله؟
أنهيت جملتي وأنا أبكي بضيق وقد تسمرت عيناي عليه باحثة عن جوابي!
كان لا يزال ممسكا بيداي فأردفت بيأس: قبلة ثم عناق، ما الذي تريدني أن أراه أيضاً؟ إن كان هناك أمراً بينكما. فحري بك إخباري، ليس لأنك مهتم بما أشعر به ولكن لأنني سأبتعد عن طريقكما فوراً! أنا جادة فهذا أهون بكثير من التعرض لأي شكل من اشكال الخيانة يا كريس! سأبتعد ببساطة وأفتح المجال لكما و.
أنا متعب.
قالها بهمس وهو يترك يداي ويقترب منحنيا ويستند على كتفي.
أنا لن أنخدع بتصرفاتك! ولن أتغاضى عما فعلته! حتى إن لم تكن تبادلني هذا الحب اللعين فلا حق لك بخيانتي! أتعلم ما الذي فعلته يا كريس بحق الإله؟ لقد قبلتها ببساطة! والآن تتعانقان وكأن.
لم أفعل.
قالها بنبرة غريبة مرهقة فقطبت حاجباي بينما أكمل بصوت خافت بدى متعباً: لم أقبلها، ولم أبادلها ذلك العناق. ولكنني لا أستطيع تجاهلها أيضاً.
عدت إلى الواقع عندما وضع رين يده على وجنتي فأبعدته وانا لا أزال أحدق إلى الفراغ بارتياب.
هل هذا ما كان كريس يشير إليه دون وعي منه؟! لا يمكنه تجاهلها؟
لأنه يشعل بالذنب؟ لأنه وعدها مرتان؟ كان مجبرا في البداية ولكنه في المرة الثانية. كان مخيراً!
ما الذي على تصديقه؟ أن كريس طوعا من نفسه قد وعدها مرة أخرى في سن كان قادر فيها على اتخاذ قراره بنفسه!
قلبي يقول شيئاً وعقلي يقول ما هو مناقض تماماً! ولكن. لسبب ما أشعر أن عقلي بدأ يسيطر على كياني!
هل أحببته لدرجة التبرير لأي فعلة قد بذرت منه او ستبذر منه لاحقاً وانا أدرك في قرارة نفسي أنني قد أكون على خطأ؟
وبالتفكير بالأمر. كان قلقاً كثيراً قبل ان يصعد إلى غرفتها ويتفقدها. لماذا؟
لست أفهم!
شعرت برين يقترب مجدداً وقد همس في اذني: من تكونين؟
عقدت حاجباي استنكر هذا السؤال كثيراً!
من أكون؟ ما هذه الحماقة الآن يكفي ما أمر به لست متفرغة ل.
من أنتِ تحديداً بالنسبة لكريس.
أجبته بانفعال: شارلوت ماركوس. ارجو ان اجابتي قد نالت إعجابك.
لا داعِ للغضب لمجرد اكتشاف ان كريس اسوأ مما تظنين.
اضاف مبتسماً وقد ابتعد ليقف امامي مباشرة: من أنتِ؟ لماذا تزوجك بكِ؟ ليكن في علمكِ انني اعلم حقيقة انه من بادر بالزواج منكِ. لماذا قد يبادر لأجل مجرد حمقاء مثلك؟
زفرت بعصبية: انا لست في مزاج جيد.
منذ متى تعرفينه؟
رفعت كتفاي باضطراب ثم مررت يدي في شعري محاولة تمالك أعصابي: ليس فترة طويلة. شهران ربما او. انا حقا لا أدري.
ولكنني سرعان ما تداركت الأمر وقلت على مضض: لا. مهلاً. إن فكرت بالأمر بأكثر دقة فكريس يعرفني منذ الطفولة. أمي وأبي كانا أصدقاء لوالديه كما تعلم. لن يُخفى عنك أمراَ كهذا.
أومأ برأسه مفكراً قبل ان ألاحظ الاستغراب يأخذ مجراه على ملامحه: منذ الطفولة؟!
نعم.
قلتها وانا أجلس على الكرسي الصوفي وقد بدأت أشعر بشيء من الإنهيار.
أنا حقاً متعبة جداً، لماذا قد يعد أوليفيا بذلك في سن التاسعة عشر؟ لماذا كلما فكرت بالأمر بتعمق أجده مهتم بأمرها أو قلق بشأنها؟
انا الآن لا أشعر بالغيرة وإنما التشتت. انا مضطربة وأشعر بالضياع!
سمعت رين يتمتم واضعا يديه في جيبه: منذ الطفولة.
رمقته بلا حيلة لأجده يفكر بعمق قبل ان اتفاجأ به يضحك بخفوت.
تسمرت عيناي عليه بعدم استيعاب حتى تعالت ضحكاته أكثر في المكان وقد أشاح بوجهه مستمرا في الضحك!
وقفت بارتياب: ما خطبك بحق الإله! هل جننت؟
كنت أقف مبتعدة بحذر، بل واقتربت من الباب تأهبا لأي حدث طارئ، لم أعد أثق بما قد يبذر من هذه العائلة بعد الآن.
لا سيما بعد فعلة أوليفيا المريبة بقص شعرها بعشوائية وهي تبكي بانتحاب.
ازدردت ريقي بصعوبة حتى قال من بين ضحكاته: يا الهي. هذا يفسر الأمر إذاً. لم أكن لأتخيل أنه كان جاداً بشأنك. غير معقول!
هاه؟!
توقف عن الضحك أخيراً ولكنه ظل مبتسما وحينها لمعت عينيه بشيء من الاستنكار وهو يتمتم: أظنني أدين لكِ فلقد شفيتِ فضولي الذي كاد يلتهمني.
تنهدت بعمق: حمداً لله ظننتك قد فقدت عقلك!
ظل مبتسماً ينظر للأرض ومع ذلك كانت السخرية لم تغادر ملامحه بعد!
حدقت إليه للحظات وقد ابتعدت عن الباب ووقفت في منتصف الغرفة، تساءلت بجدية: رين. إن كانت والدتك تكره كريس لظنها انه تسبب في وفاة شقيقتها، ماذا عنك؟ هل حقا تكرهه لمجرد تقبيل الفتاة التي أحببتها؟ لنقل أنك أخذت بثأرك بتطاولك ووقاحتك معي تلك الليلة. ولنعتبر معاملته السيئة لك سببا آخر. هل هذا حقاً كل شيء؟
جمد وجهه فجأة مما بث بي شعور الإرتياب والخوف، حاولت أن أبدو جادة وهادئة، ولكنه القى على نظرة باردة وقد تحرك نحو الباب دون أي كلمة.!
تغير فوراً ودون سابق إنذار. أخافني هذا حتى النخاع. يا الهي!
واجهت صعوبة بالغة في ابتلاع ريقي بل أنني شعرت بجفاف حلقي.
ما الذي فعله كريس!
أشعر بأنني محققة تقوم باكتشاف ماضي كريس متمسكة ببعض الأدلة والخيوط التي قد تهديها إلى الطريق الصحيح الذي يكشف الستار عن الغموض.
كريس بنفسه سألني ذلك اليوم. عن ردة فعلي في حال اكتشفت افعال مجنونة قام بارتكابها. ربما حاول ان.
يكون صريحاً معي؟ ربما حاول ان يبادر ويتحدث بالأمر ولكن شخصيته لم تسمح له!
اخذت شهيقا عميقا واستدرت لأخرج من الغرفة انا ايضا ولكنني سرعان ما توقفت عندما وجدته خلفي! ظننته قد خرج؟
كنت انظر إليه بصمت فبادلني النظرات ليقول بجفاء: دعينا ننهي الموضوع قبل العودة.
أعلم يا رين. أعلم جيداً هدفك من اخباري بشأن كل هذه الأمور. ولكنني آسفة. لن أبتعد عن كريس. اليس هذا ما تريده؟
عقد حاجبيه: لن تبتعدي؟
وضع يده على خصره بنفاذ صبر ومرر الأخرى خلف عنقه: انصتِ إلى جيداً. انا لست هنا لأعبث وأهدر وقتي ثم أجني هذه النتيجة. ابتعدي عنه وحسب، أنا في غنى عما قد يصيب أوليفيا لتتصرف بحماقة وسخف ثم يضع الجميع كف ايديهم على وجنتهم متمنين العودة بالزمن.
أضاف بحزم: لا يهمني ما تكنينه له من مشاعر. ولا تهمني نظرتك نحوه.
اعترضت بنبرة جادة: قبل ان تتحدث عن مشاعري انظر إلى جيداً! انا زوجته يا رين.
استرسلت بحدة: ماضيه لا يهمني. لا أهتم بما فعله!
أي حب مجنون هذا! أي جنون هذا الذي تقترفينه؟ الا تدركين خطورة وجودك إلى جانبه حقاً؟ انت لا تملكين أدنى فكرة عما قد تؤول إليه الأوضاع! قد تبدو أوليفيا لطيفة في البداية وها قد اتضحت حقيقة تصرفاتها التي حاولت قمعها بصعوبة. ولكن هذا لا شيء!
شعرت بالقشعريرة لثواني وقد انتابني الخوف، ليكمل بصوت مرتجف وهو يرص على أسنانه: عودي حيث كنتِ، ابحثي عن شخص يناسبك. تزوجي من أي شاب يقع في حبك ولكن دعي كريس! لا يمكن ان يستمر الوضع بهذه الطريقة!
صمت قليلا ثم وضع يده بين حاجبيه وأغمض عينيه مميلاً برأسه: حسنا. أنتِ تجبرينني على قول هذا. للأسف لم أكن أنوي الثرثرة. ولكنني الآن مضطر، أوليفيا حاولت ذات مرة الإنتحار هل لديك قدرة على مشاهدة هذا العرض السينمائي مجدداً؟
ا. انتحار؟
ما الذي تهذي به!
بدى وكأنه قد ارتبك قليلا وهو يشيح بوجهه! استنكرت ردة فعله بل واتجه للباب وخرج في حين تركني أقف أسيرة للكلمات التي فجرها للتو.
حاولت الإنتحار؟
اعتقد بأنني. فقدت القدرة على إبداء أي ردة فعل الآن.
لم أعد أحتمل!
أي انتحار؟! لماذا قد تنتحر؟ اليس هذا كثير جداً على عقلي لأستوعب كلماته؟
يوجد عداد لصبري ويكاد يصل إلى حدوده.
قد أنفجر وأفرغ طاقتي وغضبي وللأسف اشعر بأنني سأفعل هذا مع الشخص الخطأ في وقت غير مناسب.
الكثير من الأمور تتراكم في عقلي!
بدأت أشعر بأن كريس سيحطم الرقم القياسي في إفساد العلاقات مع الآخرين ماضياً وحاضراً.
تيا:.
دخلت بسيارتي عبر بوابة المنزل وما هي إلا لحظات حتى أوقفت السيارة أمام النافورة.
إنني هنا من أجل الاطمئنان على كريس وأراه بنفسي. أرجو ان يكون قد تحسن وانخفضت حرارته.
قد يكون منزعجاً لتأجيل أمر المخيم حتى الغد، لذا سأطمئن بشأنه وأستعد لموعدي مع إيثان.
أشعر بالحماس ولم أستطع النوم منذ الأمس. على أن أخفي الهالات السوداء جيداً قبل الذهاب إليه.
بل أنني لا أكف عن الإبتسام كالبلهاء، خرجت من الشركة قبل انتهاء الدوام الرسمي فالعمل اليوم لم يكن متراكما على أي حال. كريس أرهق نفسه كثيرا لينجز الكثير وهذا ما جعلني أجلس في الشركة أبحث عما يمكنني القيام به.
ترجلت من السيارة واضعة الحقيبة على كتفي حتى شهقت بخفة وانا اشعر بشخص ما ينتزعها عني.
استدرت لأرى جيمي وبريتني وشارلي الذي أخذ حقيبتي بخبث فقلت بحزم: ما هذا التصرف! اعد إلى حقيبتي بسرعة!
جادلني بحزم مماثل: دعيني أجرب قيادة السيارة أولاً.
هاه!
لا تقلقي إنني جيد في التعلم بسرعة.
كف عن المزاح يا شارلي!
أضفت بحزم: أعد الحقيبة.
لا أريد!
هل تعتقد أن قدميك القصيرتان ستصلان إلى المكابح أصلاً؟
يمكنني الوقوف بدلاً من الجلوس.
تدخل جيمي بتوتر: أعدها وإلا ستخبر أبي بذلك! سيغضب وقد يمنعني من اللعب معك كالمرة السابقة.
همست بريتني محذرة: أعدها.
زم شارلي شفتيه فقلت مهددة: سأخبر والديك يا شارلي. حتماً سأخبرهما وبنفسي.
أسرع يقترب ويمد الحقيبة قائلا وقد تنهد بلا حيلة: حسناً يبدو أنه من الصعب التفاوض معك.
ثم ركض نحو الحديقة فتبعه الإثنان.
ابتسمت بهدوء أحدق إليهم مبتعدين، هذا الصغير متى سيستخدم أسلوباً مناسباً لسنه! ولكنني لن أنكر بأنه من يضفي أجواءً في المكان الذي يتواجد فيه!
يبدو زعيما على هاذان البريئان.
صعدت الدرج لأدخل وسألت الخادمة عن كريس فأخبرتني أنه في الأعلى.
تساءلت بهدوء: في غرفته أم مكتبه؟
أجابتني بلطف: في غرفة الآنسة اوليفيا، يمكنك الصعود إليه آنسة تيا.
هاه! اوليفيا؟ كريس في فرغة أوليفيا؟ لماذا!
نظرت للخادمة وقد سألتها دون شعور: ماذا عن شارلوت؟ أين هي؟
فكرت للحظة قبل أن تجيبني: أظنها قد خرجت، كان السيد ماكس يبحث عنها أيضاً.
سبقتني الخادمة فتبعتها مفكرة بغيض بشأن أوليفيا. أتُراها صامدة وتحاول جاهدة لفت انتباهه؟
ثم شارلوت غير متواجدة فلا بد وأنها تقتنص أي فرصة تقابلها!
اشارت لي الخادمة إلى احد الأبواب في الجناح الآخر، اومأت لها برأسي بهدوء فانصرفت، لماذا الباب مغلق؟ انا لا أريدها ان تختلي معه بعيدا عن انظار الجميع.
تحركت بانزعاج وطرقت الباب، مرت لحظات لم أسمع بها أي صوت، طرقت مجدداً وحينها وضعت يدي على المقبض بتردد.
لماذا لا أسمع أي إجابة؟
فتحته ببطء وقد رسمت في مخيلتي أي أمر مستحيل قد أكون شاهدة عليه!
أدخلت رأسي ونظرت بداخل الغرفة لألمح أمراً غريباً.
هل هذا. شعرُ أشقر هناك؟
سرت القشعريرة في جسدي وقد لمحت مقص كبير الحجم ملقى على الأرض، دخلت بذعر والتفت يمينا ثم شمالا. وحينها ارتخت ملامحي وقد ارتفع حاجباي أحدق إليهما بعدم استيعاب!
إنه يجلس على الأريكة وبجانبه أوليفيا إلى تحتضن ذراعه وتغمض عينيها!
وقفت أحدق إليهما بدهشة ثم تقدمت هامسة بغيض: م. ما الذي يحدث هنا؟! كريس هل تخون شارلوت! لا يمكنك ان تكون جاداً! ا. الست تحبها؟ لماذا إذاً ت.
نظر إلى بهدوء وبعين لم تعكس لي سوى الضعف الذي أخرسني!
ما خطب هذه النظرات فجأة؟
نظرت إلى أوليفيا التي لا تزال تغمض عينيها وحينها استوعبت أمر شعرها القصير!
نظرت للوراء نحو الشعر الذي رأيته على الأرض ثم نحوها مجددا بارتياب، إنه قصير جداً وغير مرتب!
اتسعت عيناي فبدى بأن كريس يحاول ابعاد يده والتملص منها ولكنها همست بنبرة راجية ناعسة: لا تتركني.
قالتها بعين مغمضة وقد اقتربت منه أكثر فتنهد واسند مرفقه على طرف الأريكة ثم اسند وجنته على كفه.
فغرت فاهي بذهول.
ما هذا؟!
ما الذي حدث هنا تحديداً! شعرها. وطريقتها في تأبط ذراعه هكذا. غياب شارلوت. ما الذي يجري؟
رمقني بنظرة سريعة قبل ان يعاود التحديق إلى الفراغ فأسرعت أقول بتلعثم: س. سأنتظرك في الأسفل.!
لم يعلق فخرجت بحيرة ودهشة وفاهي لم يعد بوسعه ان يظل مطبقاً!
ما خطب أوليفيا بحق الإله؟!
القشعريرة التي أشعر بها الآن تفوق ما أشعر به في البرد القارس! لقد شحب وجهي بكل تأكيد. ما رأيته أمر مثير للريبة والشبهة.
أغلقت الباب واتجهت للدرج بخطى بطيئة لأرى السيدة أولين تصعد بملامح هادئة.
انتبهت لي فقالت بهدوء: مرحبا تيا.
أجبتها بتلعثم شديد: مرحبا سيدة أولين، بشأن كريس. أقصد أوليفيا. لماذا هي.
قاطعتني بصوت هادئ وعينيها تجوبان في الفراغ: كان من المتوقع حدوث هذا عاجلا أم آجلاً.
قطبت حاجباي فتنهدت بدورها بعمق وتمتمت: قبل ساعة ونصف تقريباَ دخلت الغرفة ووجدت أوليفيا منهارة وتبكي. كان كريس يحاول تهدئتها ولكنها أبت التوقف عن البكاء حتى خرجت من الغرفة ولا أعلم ما حدث حتى الآن، ولكنني واثقة بأن أوليفيا عادت للتصرفاتها القديمة. يبدو أنها لا تعرف شيئاً عن الإستسلام.
لم أفهم شيئاً مما تقولينه سيدة أولين!
أردفت باستغراب: هل هذا يعني بأنك تعرفين عن محاولتها للتقرب إليه؟
رسمت ابتسامة هازئة مضمرة ولم تعلق فقلت بدوري بقلق: أنا لا أعرف عنها أي شيء، قابلتها في عزاء باتريشيا مرة فقط! ورأيتها مرة في حفل تخرج كريس من الجامعة وحسب، ولكنني لطالما علمت أن أمر ما يحيط بها! لا سيما وأن حركاتها وتصرفاتها تجاه كريس غريبة. نظراتها نحوه مميزة! بصراحة ستيف أيضا لاحظ ذلك ولكنني طلبت منه عدم إخبار شارلوت بشيء. ومع ذلك فشارلوت الآن قد أدركت كل شيء.
استأنفت بجدية: أخبريني بما تعرفينه من فضلك سيدة أولين!
أخفضت نظرها وتساءلت بهدوء: ما الذي يفعلانه؟
إنها تجلس وبالكاد تفصلها عنه مسافة كافية وتتأبط ذراعه بقوة! حاول إبعادها ولكنها أبت ذلك! الأهم من ذلك ما الذي حدث لشعرها بحق الإله!
زمت شفتيها وهمست بضيق: لا أدري إن كان على التفوه بأي شيء، ولكن. اتبعيني.
أومأت برأسي بسرعة وتبعتها دون تفكير لنتجه إلى إحدى الغرف العلوية في جناح كريس.
شارلوت:.
ترجلت من السيارة متجاهلة رين تماما.
لقد أرهقني الطريق ولم أعد استطيع البقاء جالسة في مقعدي!
الأهم بأن رين لم يتفوه بأي شيء طوال الطريق.
نصف ساعة كاملة يسودها الصمت المطبق. في الحقيقة لم أعد أقوى على قول أي شيء.
أظنني قد اكتفيت من الدفاع عن كريس وانكار جنون افعاله.
علي من أكذب؟ على نفسي؟
فأنا على علم بأنني لو اكتشفت انه الأكثر جنونا في العالم فسأستمر في حبه.
إنه كاللعنة التي هبطت على من السماء!
لقد تعبت من التفكير بشأن أوليفيا. وكلمة رين الأخيرة بشأن محاولة انتحارها. كما حاول فضولي تحليل الأمر والتفكير بعمق بالسبب الذي يدعو رين ليحمل كل هذا الحقد نحو كريس.
صعدت الدرج ولكنني التفت للحظات أنظر إلى بعض الأصوات البعيدة.
ليتضح أنه جيمي برفقة بريتني وشارلي!
كانوا يلعبون في الحديقة بجانب المسبح الضخم والذي كان في مقدمته مساحة صغيرة أقل عمقاْ.
انهم منهمكون في اللعب.
ابتسمت بهدوء وأكملت طريقي لأدخل.
صعدت فوراً نحو الغرفة حيث كريس وأوليفيا. على أن أرى ما حدث بعد أن خرجت وإن كانت الآن على ما يرام أو قد ساءت حالتها! أرجو ان يكون كل شيء بخير.
ولكنني قبل أن أتجه لجناحها وقفت بحيرة أحدق إلى ستيف الذي يقف أمام باب إحدى الغرف في بداية جناح كريس ويضع رأسه على الباب!
هل يقوم بالتنصت خلسة؟
تقدمت نحوه بحذر واقتربت كثيراً لأهمس: استراق السمع عادة سيئة.
انتفض مجفلاً وابتعد بسرعة لينظر إلى وبدى أنه تعمد عدم اصدار أي صوت فلقد ابتعد عن الباب ووضع يده على فمه فوراً.
نظر إلى ثم انزعج: شارلوت!
بشحمها ولحمها. ما الذي تفعله تحديداً!
توتر وبعثر شعره متمتما: ل. لا شيء!
من في الداخل؟ ولماذا تسترق السمع؟
تيا والسيدة أولين.
تيا هنا! منذ متى؟!
لا أدري.
ثم ضاقت عيناه وهمس وهو يجرني خلفه: تعالي معي قليلاً.
تبعته إلى غرفته فدخلت معه بإستغراب فأسرع يقول: هل صحيح ما سمعته؟ هل انهارت أوليفيا أمامك أنت وكريس؟
أومأت برأسي بهدوء وطأطأت رأسي، تنهد بعمق وضرب جبينه بإنزعاج: يا الهي. لماذا آلت الأمور إلى ما هي عليه!
ما الأمر؟
احتدت عيناه وتساءل بغيض: لماذا تتصرفين ببرود؟
أردف بغضب: ألم تدهشك تصرفات أوليفيا يا شارلوت! هي لن تهدأ بل ستتمادى كثيراً!
هل كنت تعلم بأنها تتصرف بطريقة مماثلة لباتريشيا؟
ل. لا! علمت للتو فقط.
تمتم بتلك الكلمات بتردد وإقتضاب فابتسمت بهدوء: أنا أيضا علمت للتو فقط.
زفر بغضب: لماذا لم يخبرنا كريس! ولماذا تتصرفين بكل برود وهدوء؟
لابد وأن السيد ماكس يعلم مسبقاً، وإن كان يعلم فبالطبع والديك يعلمان كذلك. ربما انا وأنت وتيا من كنا غافلين عن الحقيقة وحسب.
أضفت بجدية: هذا يفسر إنزعاج والدتك منذ البداية وتصرفها نحو أوليفيا بجمود.
أومأ مفكراً وقد تكتف: أنتِ محقة. كانت تعاملها بطريقة أسوأ من رين.
هذا صحيح.
قيلت بصوت خافت فاتجهت أنظارنا نحو الباب ليصرخ ستيف بدهشة: كيف دخلت هكذا يا أمي! هل أنت شبح بحق الإله؟ ثم لما لم تطرقي الباب؟
أخذت السيدة كلوديا شهيقا عميقاً ودخلت مغلقة الباب وجلست على طرف سرير ستيف متمتمة: هذا ما جعلني أبالغ في إنزعاجي منذ ان علمت بأمر قدومهم إلى هنا. لا أحد لديه طاقة كافية لإحتمال أوليفيا، ثقا بي. رين بالنسبة لشقيقته قد يكون أكثر تعقلاً.
نظرت إليها بإستياء فتساءل ستيف بحزم: أمي لماذا لم أعلم بأي شيء مسبقاً!
كنت ما تزال صغير جدا يا ستيف. ولكنها الحقيقة، ثم أنت لا تعلم عنهم شيئا لأن كريس توقف عن زيارتهم منذ عدة سنوات. لم تتفاقم الأمور بعد حادثة وفاة باتريشيا فقط.
أكملت عنها بضيق: بسبب أوليفيا منذ البداية اليس كذلك.؟
لقد تعب كريس يا شارلوت. لا يمكنك تخيل مجيئها إلى هنا ليلاً سيرا على الأقدام والهرب من منزلها لأجله وهي على علم أن علاقته بفيكتوريا سيئة جداً! أنظري إلى المسافة التي قطعتها وحدها وهي ما تزال فتاة قاصر. ناهيك عن محاولتها للإنتحار بعد خروجها من المنزل ليتحمل كريس مسؤولية ما حدث، لم تتوقف فيكتوريا عن لومه حتى اليوم.
اتسعت عيناي بدهشة وكذلك ستيف، قطعت هذه المسافة كلها على قدميها؟ استغرق الطريق نصف ساعة تقريبا مع قيادة رين. فكم استغرقت أوليفيا لتصل إلى هنا على قدميها؟ ليلاً؟
جلست بجانبها على سرير ستيف وقد ضممت نفسي.
أشعر بالارتياب والهلع! كما انها ذكرت أمر الإنتحار الذي بدى وكأنه زلة لسان من رين.
تساءل ستيف باستنكار وهو يستند على الحائط بجانبنا: انتحار؟ هل هذا ضرب من خيال يا أمي؟
أجابته كلوديا بإستياء: هذا ما حدث حقاً. أوليفيا حاولت الانتحار ولكنني لا أريد التوغل في الأمر. من فضلكما لا تسألاني بشأن هذا الموضوع.
أضافت تنظر إلى بإهتمام: أين كنتِ يا شارلوت لقد كنا بانتظارك لتشاركينا الحديث في الحديقة.
علي أن أتمالك نفسي وأتصرف بهدوء، ولكنني أشعر بالضعف الشديد الآن.!
بصراحة. كل ما أريده هو الإسراع للغرفة والإستلقاء على السرير. ثم أنام! أريد ان أهرب من كل هذا عن طريق النوم فلا رغبة لي لسماع المزيد.
تداركت الأمر وأجبت كلوديا التي بدت وكأنها ستعاود سؤالي: ذهبت إلى منزل رين.
شهق ستيف بعدم تصديق مبتعدا عن الحائط وقد اقترب ليقف أمامي: منزل رين؟ هل أنت جادة؟
تدخلت كلوديا باستغراب وقد عقدت حاجبيها ممسكة بيدي: لماذا؟
زميت شفتي مفكرة قبل ان أختصر الأمر: اراد التحدث معي في بضعة أمور. آل الوضع إلى ان يطلب مني الإنفصال عن كريس.
بدى ستيف غاضبا في حين كانت كلوديا قد رسمت تعبيراَ متضايقا على وجهها وهمست: من المتوقع ان يخبرك بهذا. فهو ايضا لا يريد لأوليفيا العودة إلى تلك الحالة، ولكن يبدو أنها بدأت بالفعل. لا أحد يريد ان يكتب الماضي نفسه من جديد.
وضع ستيف يده على خصره بحزم: هل طلب منك الإبتعاد عن كريس بكل بساطة متجاهلا العواقب؟ أي أنانية هذه! بماذا أجبته؟
هاتف Honor 2025: إمكانيات خارقة وسعر مذهل مع شاشة رائعة وبطارية جبارة!
مشاهدة فيلم شباب البومب 2 2025 كامل بجودة HD: رابط مباشر وتحميل رسمي بكل سهولة
مسلسل مراهق العائلة: دراما عائلية مؤثرة تلامس القلوب وتثير نقاشًا واسعًا حول العالم
كيفية تسجيل التلاميذ الجدد بالسنة الأولى ابتدائي في المغرب 2025-2026 عبر منصة مسار
رابط مباشر للحصول على أرقام جلوس الصف التاسع 2025 اليمن عبر موقع YemenExam الرسمي
قائمة أغنى المليارديرات في العالم لعام 2025 وفق فوربس: الأسماء والتحديثات الجديدة
توقيت الدوام الصيفي 1446 في الباحة: تفاصيل الجدول الجديد وآلية تطبيقه بكافة المدارس
تسجيل رحلات حج 2025 عبر تطبيق ركب الحجيج: الرابط والمواعيد على البوابة الجزائرية للحج.