رواية دهاليز الجحيم كاملة جميع الفصول بقلم ولاء رفعت علي

༺الفصل الأول༻

منذ عشر سنوات…

 

في قرية صغيرة بمحافظة الدقهلية، أمام إحدي البيوت القديمة التي تم بناؤها بالطوب اللبن، يلهو الأطفال و يلعبون لعبة التخفي «الأستغماية»

 

يصيح إحدي الأطفال:

“خلاويص”.

 

يجيب الأطفال في صوت واحد:

” لسه”.

 

و في زاوية خلف سور قديم، تختبئ ذات الضفائر السوداء الطويلة و بجوارها طفل آخر.

و علي مقربة تنادي سيدة ثلاثينية علي ابنتها:

“سندس، بت يا سندس روحتي فين؟”.

 

كادت الصغيرة تنهض لتلبي نداء والدتها لكن أوقفها الطفل الأخر و أخبرها:

“خليكي مكانك، الولاه هيما هيعرف مكانا”.

 

[[system-code:ad:autoads]]

 

هزت رأسها بالموافقة و قالت:

“ماشي”.

 

أنتهي الولد الذي يدير اللعبة من تكرار الكلمة التي كان يرددها ثم ذهب ليبحث عن أقرانه، لاحظ وجود سندس و الطفل الأخر، بينما هما كانا يوليا ظهرهما إليه.

 

“مسكتكم”.

صاح بها الصغير و يمسك بيد كل منهما، و كان هذا المشهد تراقبه هذه المرأة من خلف النافذة و نظرات عيناها تنضح بالشړ و التوعد.

 

ظهر من ورائها رجل يسألها:

“واقفة عندك بتعملي إيه يا يسرية؟”.

 

أشارت إليه و أخبرته بإتهام زائف:

“تعالي أتفرج و شوف بنتك مقصوفة الرقبة أم ست سنين مستخبية ورا السور مع ولدين”.

 

أجفلته كلماتها پصدمة، ركض ليري ما تخبره إياه، فوجد ابنته تمسك بيد الطفل و بيدها الأخري تنفض عبائتها من الغبار حيث كانت تجلس علي الأرض، لم ينتظر أن يري بقية المشهد فأسرع للحاق بصغيرته تحت كلمات شقيقته سوداء القلب:

[[system-code:ad:autoads]]”ياما قولت لك بنتك لازم تعملها العملية و مراتك الإسكندرانية تقولك لاء، خليها لما تجيب لكم العاړ “.

 

و في الخارج رأت المرأة الأخري ابنتها برفقة الطفلين، أسرعت نحوها:

“بت يا سندس، اللي موقفك هنا مع الولاد؟”.

 

رمقتها الطفلة ببراءة و قالت:

“كنا بنلعب إستغماية”.

جذبتها من يدها الصغيرة و وبختها:

“حسك عينك أشوفك مرة تانية تلعبي مع الصبيان، مش ناقصين كلمتين من ابوكِ و لا عمتك الحرباية يحرقوا دمي”.

 

ما زالت ترمق والدتها ببراءة:

“حاضر يا ماه”.

 

و كادت تقترب والدتها من منزلهم وجدت زوجها يقف و كأنه في إنتظارهما، علي وجهه إمارات الڠضب:

“بنت الـ… دي كانت بتعمل إيه مع الصبيان؟”.

و قبل أن تجيب لاحظت وقوف شقيقته خلف النافذة، أدركت أن هناك بلاء سوف يحدث بسبب تلك الأفعي التي تقطن معهم منذ سنوات بعدما أنفصلت عن زوجها بسبب عدم قدرتها علي الإنجاب، و منذ أن وطأت قدمها منزل شقيقها حولته جحيماً من فرط المشاكل المستمرة و التي تشعل نيرانها.

حدقت إليه بإمتعاض:

“هاتكون بتعمل إيه يعني، كانت بتلعب مع العيال أستغماية “.

 

جذب ابنته من يدها پعنف:

“البنت مش هاتعتب باب الدار تاني و لا عايزاها تطلع لخالتها!”.

 

رمقته پغضب عارم:

“عمرك ما هاتتغير يا عبد الحي طول ما أنت ماشي ورا أختك العقربة اللي جت خربت بيتنا من يوم ما دخلته”.

 

صاح يحذرها:

“ملكيش صالح بأختي، و لو مش عاجبك أمشي بس لوحدك من غير بنتك”.

 

أجابت بلوم و عتاب حاد:

“بقي دي أخرتها أخص عليك، و أنا اللي مضيعة صحتي عليكم و بتمرمط في خدمة البيوت و استحمل إهانة ده و نظرات دي علشان أساعدك و أقف جمبك، كنت بحسبك راجل…

 

“أنا راجل ڠصب عنك و عن أهلك”.

قالها و يهوي علي خدها بلطمة قوية أمام أعين ابنتهما التي أختبأت خلف والدتها پخوف من والدها.

 

صړخت زوجته و قالت:

“أقسم بالله ما أنا قاعدة لك فيها تاني “.

 

همت بالذهاب فأوقفها بجذب يد ابنته مرة أخري و أخبرها:

“لو هتغوري عند أهلك روحي لوحدك، بنتي ما تخرجش من دار أبوها”.

 

نظرت إلي ابنتها التي تمسكت بطرف عبائتها و قالت بتوسل:

“ما تسيبنيش يا ماه مع أبويا و عمتي “.

 

“و عمتك عملت لك إيه يا مقصوفة الرقبة، اللوم مش عليكِ، اللوم علي أمك اللي معرفتش تربيكِ”.

كانت يسرية التي خرجت من المنزل للتو، فأجابت والدة سندس:

“أنا مش هرد عليكِ لأنك ست كبيرة و شكلك خرفتي، و عموماً أنا سايبة لك الدار أشبعي بيها أنتِ و أخوكِ “.

و قد كان تركت المنزل و ذهبت إلي إحدي معارفها، فليس لديها سوي شقيق يعيش في بلدة أخري و أخت لم تعلم عنها شئ منذ أن وقعت ضحېة لإحدي الشباب، خدعها بوهم الحب و سلب منها عذريتها و نتج عن هذا حمل أكتمل حتي الولادة و بعدما وضعت ولدها في المشفي تركته و هربت.

ـــــــــــــــــــ

و في اليوم التالي كان البيت في هدوء الذي يسبق العاصفة، حتي طرق الباب و ذهبت يسرية لتقوم بفتحه، ظهرت إمرأة ذات جلباب أسود مخيفة الملامح.

 

“فين العروسة؟”.

كان سؤال تلك المرأة فأشارت إليها الأخري نحو إحدي الغرف:

” نايمة جوه الأوضة دي، تعالي معايا”.

 

دخلت يسرية الغرفة و خلفها المرأة، أقتربت من ابنة شقيقها و لكزتها:

“أصحي كل ده نوم”.

 

أستيقظت سندس بفزع تتلفت من حولها:

“في إيه يا عمتي، امي رجعت؟”.

 

حدقت الأخري إليها بإزدراء و شړ:

“اللهي ما ترجع تاني”.

 

انتبهت الصغيرة إلي السيدة التي تنتظر خلفها، أرتعدت فرائصها من ملامحها المخيفة و زاد خۏفها نظرات عمتها إليها تخبرها بأن هناك کاړثة سوف تحدث لها فسألت بعفوية و براءة:

“مين دي يا عمتي و بتعمل إيه هنا؟”.

 

و بعد قليل دوت صرخات سندس بين كل جدران المنزل، تستغيث و تنادي والدتها بأن تأتي لتنقذها من براثن تلك الوحوش الآدمية

“أماه، ألحقيني يا ماه”.

 

لم تكتف عمتها بما تفعله بها المرأة الأخري بل أخذت تهوي علي خدها لطمة تلو الأخري لكي تجبرها علي الصمت، و ما أن قامت السيدة بمسك المبضع و بدأت بعملها أطلقت الصغيرة صړخة عارمة بدأت تخبو رويداً رويداً حتي فقدت الوعي!

ــــــــــــــــ

علمت والدة سندس بما حدث مع إبنتها بعد أن أخبرها إحدى جيرانها، ذهبت علي الفور و أخذت تطرق الباب بقوة، جاء إليها صوت يسرية الغليظ:

“أصبر يالي علي الباب”.

 

و بمجرد أن فتحت، دفعت الأخري الباب و دخلت پعنف:

“عملتوا في بنتي إيه يا يسرية!”.

 

صاحت يسرية بصوت جهوري حاد:

“هيكون عملنا فيها إيه يعني، ما هي متلقحة عندك جوة الأوضة زي القردة”.

حدقت إليها شزراً ثم ذهب لتطمئن علي ابنتها فوجدتها تغفو و علامات الخۏف بادية علي ملامحها و كأنها تري كابوساً مُزعجاً، وضعت والدتها يدها تلامس خدها بحنان:

” سند…

 

انتفضت الصغير پذعر و خوف تردد:

“سبيني في حالي يا عمتي”.

 

عانقتها والدتها و قلبها يعتصر ألماً، تربت عليها و تمسد ظهرها:

“ما تخافيش يا قلب أمك، أنا هنا و مش هخلي حد يقرب منك تاني، منهم لله عمتك و أبوكِ، اللهي أشوف فيهم يوم”.

 

رفعت سندس رأسها عن صدر والدتها و برجاء تخبر والدتها بملامح باكية يملؤها الشجن :

“ما تسبينيش تاني يا ماه، عشان خاطري، أنا خاېفة عمتي هاتموتني”.

 

“ما تخافيش يا حبييتي أنا مش هاسيبك هنا تاني، هاخدك و نروح في أي حتة، بس نبعد عن هنا”.

 

دفعت يسرية الباب و سألتها بتهكم:

“واخدة بنتك و رايحين علي فين يا أمينة؟”.

 

نظرت إليها الأخري بازدراء قائلة:

“ملكيش دعوة بيا و لا ببنتي، أنا هاسيب لك الدار خالص يكش ترتاحي أنتِ و أخوكِ “.

 

ضحكت يسرية بسخرية و رمقتها بإستهزاء:

“هاتروحي تقعدوا فين عند أختك الهربانة!، و لا أخوكِ اللي مش لاقي ياكل و لا يأكل عياله و مراته!، أنا عن نفسي بتمني أخويا يطلقك النهاردة قبل بكرة، بس للأسف قلبه رهيف و قال إيه بيحبك و ما يقدرش يستغني عنك”.

 

أشارت أمام وجهها بسبابتها قائلة بتحذير و ټهديد معاً:

“لأخر مرة بحذرك ملكيش دعوة بيا و لا ببنتي، وحقي و حقها لو معرفتش أخده منكم في الدنيا هاخده في الأخرة بإذن الله”.

 

كادت تذهب فوقفت و أردفت:

“أبقي قولي لأخوكِ يبعت لي ورقتي علي بيت أخويا”.

 

و بالفعل رحلت أمينة من المنزل و معها ابنتها سندس، ظنت إنها قد تخلصت من چحيم شقيقة زوجها الذي لا يملك أمره سوي بأوامر من شقيقته، لا تعلم بأن أحياناً هناك چحيم هيناً عن چحيم أكثر ۏحشية في انتظارهما!

 

༺الفصل الثاني༻

 

ترجلت أمينة و ابنتها من القطار في محطة مصر حيث العاصمة، خرجت تبحث عن وسيلة مواصلات لتذهب إلي شقيقها القاطن في قرية من قري محافظة الجيزة، أقتربت من احد المارة و سألته:

“لو سمحت، لو سمحت معلش مفيش هنا عربية بتروح الحوامدية؟”.

 

فكر الرجل قليلاً ثم أخبرها:

“بصي أنتِ تركبي أي مواصلة للجيزة و من هناك هتلاقي عربية توديكي للحتة دي”.

أومأت إليه بإمتنان:

“شكراً “.

 

رد الأخر:

“العفو يا بنتي”.

 

ذهبت أمينة و في طريقها سألتها ابنتها:

“أماه إحنا رايحين علي فين؟”.

 

أجابت الأخري و عينيها تبحث في كل مكان عن سيارات النقل الجماعي:

“رايحين يا حبيبتي عند أخويا، للأسف معندناش حد غيره نروح له”.

 

“أنا عمري ما شوفت أخوكِ يا ماه “.

 

عقبت الأخري علي مضض:

“أنتِ مش هاتفتكريه عشان لما جه أخر مرة عندنا كنتِ عندك سنتين مش هاتفتكري”

 

“طيب إحنا كدة مش هنرجع لأبويا تاني؟”.

 

زفرت بنفاذ صبر و قالت:

“يوه بقي بطلي أسئلة الجو حر و مش قادرة أتكلم”.

 

عقدت الصغيرة ما بين حاجبيها و نظرت إليها بإمتعاض، أطلقت والدتها زفرة بعدما رأت تلك النظرة في عينين صغيرتها، مسدت علي خصلاتها الناعمة:

“حقك عليا يا سندس “.

 

سرعان تلاشي الإمتعاض من نظرات الصغيرة فتحول إلي إبتسامة تسلب قلب من يراها، بادلتها والدتها البسمة، و قاطع تلك اللحظة صوت مساعد السائق ينادي:

” جيزة، جيزة، يلا اللي هيركب معانا جيزة”.

 

أسرعت أمينة و ابنتها تتشبث في يدها بقوة، وقفت أمام المنادي و سألته:

“لو سمحت كنت عايزة أروح للحوامدية”.

 

أخبرها المساعد و يشير إليها نحو داخل السيارة:

“أركبي يا أمي و هخلي الأسطا ينزلك عند الميكروباصات اللي بتروح هناك”.

 

“يلا يا سندس”.

قالتها لتجعل صغيرتها تصعد أولاً و تجلس علي المقعد خلف السائق و هي بجوارها.

ـــــــــــــــــــــــ

وصلت أخيراً بعد معاناة إزدحام المرور، توقف السائق جانباً وقال:

“أتفضلي يا مدام ده الشارع اللي قولتي ليه عليه”.

 

نزلت من السيارة و تمسك بيد ابنتها بقوة، تخشي عليها من تلك المنطقة المزدحمة و مركبات النقل الصغيرة الملقبة بـ «التوكتوك»، يقودها شباب صغار بل و أطفال ما بين الأثني عشر عاماً و الثامنة عشر مما يشكل خطړ عليهم و علي المارة في الشوارع.

 

سارت قليلاً حتي وصلت أمام منزل مكون من طابقين يبدو إنه قد شُيدَ حديثاً، تحيطه حديقة صغيرة، لاحظت لافتة صغيرة معلقة علي البوابة الحديدية مدون عليها «منزل السمسمار مرعي عبدالتواب»

 

وقفت تتأمل المنزل من الخارج بدهشة و إعجاب:

“ماشاء الله”.

 

أقتربت من البوابة و ضغطت علي زر الجرس المجاور لها، أنتظرت حتي سمعت صوت شقيقها:

“مين؟”.

 

و قبل أن تجيب فتح البوابة فوجدها تقف أمامه تمسك ابنتها في يد و اليد الأخري تحمل حقيبة، ظهرت علي ثغره بسمة زائفة و بترحاب مصتنع قال:

“أمينة!، حبيبتي يا أختي أهلاً و سهلاً “.

 

ارتمت علي صدره و عانقته بشوق رغماً من ردة فعله التي أدركتها للتو.

“وحشتني يا مرعي”.

 

ربت عليها و أجاب بشوق في ظاهره حقيقي علي غرار باطنه:

“و أنتِ كمان يا ختي وحشاني أوي”.

 

نظرت إلي ابنتها و قالت:

“تعالي يا سندس سلمي علي خالك”.

 

نظرت الصغيرة إليه بتوجس و كأنها تري ما يخفيه داخله نحوهما.

بينما تأملها خالها قائلاً:

“بسم الله ماشاءالله، دي كبرت و بقت عروسة زي القمر”.

 

مد يده و أردف:

“أزيك يا حبيبتي، أنا خالك مرعي أخر مرة شوفتك كنتِ لسه مكملتيش سنتين”.

 

لم تتحرك سندس من مكانها و مازالت تنظر إليه بتوجس، أخفض يده و سأل شقيقته:

“هي خاېفة مني و لا إيه؟”.

 

وضعت يدها علي رأس صغيرتها و أخبرته:

“لاء هي هتلاقيها مكسوفة بس منك، أومال فين مديحة؟”.

 

تظاهر بعدم سماع سؤالها، فأعادت عليه السؤال مرة أخري

“ها؟، اه مديحة دي نايمة ما أنتِ عارفاها بتنام للضهر، تعالي أنتِ بس أطلعي ريح لكم أنتِ و بنتك شوية من مشوار السفر”.

 

صعدت خلفه إلي الطابق الأعلي و أن وطأت قدمها الشقة أخذت تتأمل الأثاث الحديث، رددت اسم الله عدة مرات ثم سألت شقيقها:

“ربنا يزيد و يبارك يا أخويا، هو أنت هديت بيتك القديم؟”.

 

حك ذقنه و أجاب قائلاً:

“اه، أصل البيت القديم كان خلاص قرب يقع، فمديحة ربنا يبارك لها أدتني ورثها كله و بنيت بيه”.

 

عقدت ما بين حاجبيها بتعجب:

“و هي مراتك كان عندها ورث أصلاً، ده أبوها ماټ مديون”.

 

أجاب بتوتر:

“لاء ما هو طلع أمها الله يرحمها كانت سايبة ليها و لأخواتها حتة أرض باعوها و كل واحد خد نصيبه”.

 

ألقت نظرة في صمت يبدو أنها لم تصدق إجابته، فهي تعلم شقيقها جيداً عندما ېكذب.

 

و بعد قليل، جلسوا ثلاثتهم بعدما أحضر لهما الطعام و أنتهت من تناوله هي و ابنتها التي أكتفت ببضع لقيمات صغيرة.

 

بدأت أمينة تسرد ما حدث لها و لإبنتها و مدي سلبية زوجها الذي يطيع شقيقته في أمر، مما جعل مرعي يدرك بأنها لا تريد العودة إلي زوجها، فسألها ليتأكد:

“كل ده يطلع من عبدالحي، أخص علي الرجالة، بس قولي لي ياختي بعد اللي حكتيه ده كله عايزة إيه من الأخر؟”.

 

أجابت بإقتضاب و حسم:

“عايزة أتطلق”.

 

و هناك من كان يسترق السمع منذ البداية، فكانت زوجة شقيقها الحاقدة مديحة، قامت بالنداء:

“مرعي، يا مرعي”.

 

فقال الأخر إلي شقيقته:

“أهي مديحة صحيت أهي هاروح أشوفها عايزة إيه”.

 

ذهب إلي زوجته التي دفعته داخل الغرفة و عيناها تنضح بالڠضب:

“هي أختك عايزة تطلق و تقرفنا هي و بنتها! “.

 

جذبها من يدها و أغلق الباب:

“هش وطي صوتك، أمينة هاتسمعك، و إيه يعني لو قعدت أنتِ ناسية الأرض اللي باني عليها البيت دي، تبقي بتاعت أبويا الله يرحمه و ليها فيه”.

 

صاحت زوجته باعتراض حاد:

“نعم يا أخويا!”.

 

“نعم الله عليكِ، أهدي و بطلي حركاتك دي، أمينة أختي أصلاً عارفها عزيزة النفس و مش هترضي تقعد هنا علي طول، أنا ممكن أشوف لها مطرح إيجار هنا في الشارع أو حتة جمب مننا”.

 

رفعت إحدى حاجبيها و سألته بسخرية:

“و مين بقي اللي هيدفع لها الإيجار و لا تكون ناوي أنت اللي تصرف عليهم!”.

 

“يخربيت شيطانك ياشيخة، أهدي بقي شوية بقولك أختي و أنا عارفها مش هترضي تبقي عالة علي حد، هي شاطرة جدا في شغل البيت و الأكل و كان فيه جماعة من الهرم كانوا عايزين واحدة شاطرة زيها و هيدولها مرتب حلو أوي، غير عمولتي اللي هاخدها”.

 

إبتسمت زوجته علي مخططه، عقبت قائلة:

“يخربيت شيطاني أنا برضو! “.

 

“مديحة، أنا بحذرك إياك تقلي بأصلك معاها، أطلعي سلمي عليهم و اقعدي معاها شوية و ابقي انزلي وضبي لهم الشقة اللي تحت عشان ياخدوا راحتهم”.

أمرها بتحذير، فأطلقت زفرة كدلالة علي صبرها الذي أوشك علي النفاذ ثم قالت:

“حاضر “.

 

أشار إليها آمراً إياها:

“طب يلا أخرجي قدامي”.

 

و بالخارج كانت أمينة تتأمل ابنتها التي غفت و رأسها تستند علي فخذها، تمسد علي جدائلها بحزن.

 

“يا أهلاً يا أهلاً ده البيت نور “.

كان تهليل و ترحيب مديحة الزائف، و تدركه أمينة جيداً بادلتها العناق و المصافحة:

“تسلمي يا مديحة “.

 

ثم نظرت إلي شقيقها الذي يعلم ماهية نظرتها تلك، تنحنح و قال لزوجته:

“يلا يا مديحة أعملي اللي قولت لك عليه”.

 

هزت رأسها بإبتسامة تظهر أسنانها كاملة، و كانت أمينة قد نظرت إليها في صمت، و بعد أن ذهبت الأخري لتفعل ما أمرها به زوجها، أخبر مرعي شقيقته بإنها توجد لديه فرصة عمل لها سوف تجعلها ميسورة الحال، فكانت الصدمة عندما علمت إنه يريدها أن تعمل خادمة لدي إحدي العائلات الثرية، لكن كلما تنظر إلي ابنتها الصغيرة يزداد خۏفها، وجدت بأن عليها أن تكافح من أجلها و تعمل بكد لكي توفر إليها سبل الحياة.

 

و في نهاية حديثه سألها:

“قولتي إيه يا أمينة؟ “.

 

أومأت إليه بالموافقة ثم أجابت و عيناها لا تحيد عن ابنتها النائمة:

“موافقة، كل يهون عشان بنتي”.

 

༺الفصل الثالث༻

 

بعد مرور احدى عشر عاماً…

 

“ماما، يا أمي؟”

تركض و تبحث عن والدتها داخل المنزل، و الفرح يغزو ملامحها الفاتنة، فقد كبرت و ترعرعت و أصبحت علي مشارف أن تتم السابعة عشر ربيعاً، كلما كبرت أزداد جمالها الأخاذ، كم من رجال ذهبوا إلي خالها لطلب يدها، لكن والدتها كانت ترفض أن تتزوج في سن مبكرة، بل تريدها أن تتعلم و تصبح ذات شأن، فهي الآن انتهت من مرحلة التعليم الثانوي الفني.

 

خرجت أمينة من المرحاض تردد الإستغفار، ركضت ابنتها نحوها:

“بارك لي يا أمي جبت ٩٥٪، و المستر قالي كده ممكن تدخلي كلية مش معهد”.

 

رفعت يدها في وضع الدعاء:

“الحمد و الشكر لله، الحمدلله يارب ما ضيعتش تعبي و لا تعبها علي الفاضي، ألف مبروك يا ضنايا”.

 

قالتها و عانقتها بفرح و سعادة، فقالت سندس:

“عارفة يا أمي أول ما أتخرج و أشتغل أول حاجة هاعملها نروح أنا و أنتِ نعمل عمرة، عمري ما أنسي دموعك لما بتنزل كل ما تشوفي الكعبة في التلفزيون، ربنا يقدرني و أحقق لك حلمك”.

 

قامت بتقبيل ظهر يد والدتها التي عانقتها مرة أخري:

“يا قلب أمك ربنا يبارك لي فيكِ، أنا مش عايزة حاجة من الدنيا غير إن أشوفك أحسن حاجة، تتعلمي و تبقي مهندسة قد الدنيا و ربنا يرزقك بابن الحلال اللي يصونك و يشيلك جوه عينيه، ناوليني التليفون أكلم خالك مرعي أفرحه”.

 

نظرت إليها الأخري بامتعاض و قالت برفض:

“ما تقوليش ليه حاجة، تفرحيه بأمارة إيه!، لما أول ما جينا له خلاكِ تشتغلي خدامة في الفلل و البيوت و هو باني بيته علي حقك و نصيبك أنتِ و خالتي!، و يوم ما ربنا فتحها عليه من وسع ما بقاش يعبرنا، ده سأل علينا أخر مرة من سنة و كل ده و إحنا عايشين في حارة واحدة!”.

 

نظرت أمينة إلي أسفل بحزن و قالت:

“ما تنسيش إنه كرمنا في بيته يجي شهر عقبال لما لاقينا سكن، و برضو لولاه مكنتش هلاقي شغل عرفت أعلمك و أعيشك منه و بإذن الله هجوزك و أجيب لك أحلي جهاز”.

 

“حضرتك شايفة كدة!، ماشي أنتم أحرار مع بعض أنتم أخوات، أنا بقي خليني علي جمب ملكوش دعوة بيا”.

قالتها و دلفت إلي غرفتها ثم صفقت الباب بقوة تحت نظرات أمينة التي تبكي رغماً عنها.

ــــــــــــــــــــــ

في صباح اليوم التالي، خرجت من غرفتها وجدت والدتها داخل المطبخ تعد طعام الفطور، تذكرت ما حدث بالأمس، دخلت إليها و وقفت بخجل معتذرة:

“أنا آسفة يا أمي، حقك عليا مكنش قصدي أزعق معاكِ إمبارح”.

 

و قامت بمعانقة والدتها، فقالت الأخري:

“عمري ما بزعل منك يا ضنايا، أنا كل اللي عايزاه من الدنيا أشوفك مبسوطة و أطمن عليكِ”.

قالتها و قد باغتها ألم في رأسها فتأوهت رغماً عنها، سألتها ابنتها پخوف و قلق:

“مالك يا أمي إيه اللي تاعبك؟”.

أجابت الأخري بوهن:

“دول شوية صداع و هايروحوا لحالهم”.

 

أمسكت بيد والدتها:

“طب تعالي أدخلي أوضتك و أرتاحي، أنا هعمل الفطار و هانزل أجيب لك برشام للصداع “.

 

انتهت من إعداد الفطور و وضعت الصينية فوق المنضدة أمام والدتها:

“اتفضلي أفطري، عقبال ما أنزل للصيدلية اللي جمبنا و طالعة علي طول”.

 

أرتدت إسدال الصلاة الذي ينقذها في تلك المهام السريعة و غادرت المنزل لشراء الدواء، وجدت الصيدلية التي ذكرتها منذ قليل مغلقة بسبب أعمال حفر أمامها، أخذت تتلفت يميناً و يساراً

“ده كده مفيش غير أروح الصيدلية اللي في الشارع اللي ورانا و دي فيها الواد الملزق الرخم “.

 

سارت و في كل خطوة تجد أعين الشباب و الرجال تلاحقها بالنظرة أول القول، لم تكترث لهم و تابعت السير حتي وصلت إلي الصيدلية و قامت بشراء الدواء.

 

“اتفضلي العلاج يا قمر”.

كان هذا الشاب التي تمقته هي، اخذت منه الدواء و رمقته بازدراء و ألقت في وجهه المال و قالت بصوت خاڤت:

“يخربيت تقل دمك يا أخي”.

 

غادرت الصيدلية علي الفور و كادت تعبر الشارع الملئ بالماء الراكدة، عبرت سيارة سوداء فارهة قامت عجلاتها بنثر المياه عليها، شهقت و صاحت:

“إيه الغباء ده يا أعمي”.

 

توقفت السيارة فجأة ثم عادت ببطئ حيثما تقف سندس التي رفعت طرف الإسدال قليلاً و تنظر بضيق إلي بقع المياه علي ثيابها، أنتبهت إلي صوت رجولي أجش:

“إيش بتقولين؟”.

 

رفعت وجهها و نظرت إلي صاحب الصوت الذي يرتدي نظارة سوداء قاتمة، يبدو من مظهره و لهجته غير مصري.

 

خلع نظارته ليتمكن من رؤيتها جيداً، غر فاهه يتأمل عينيها اللوزية ذات اللون العسلي تزينها أهداب سوداء كثيفة، يحاوط وجهها المستدير و وجنتيها المكتنزة و شاحاً باللون الأسود و كأنها بدر منير تحيطه سماء مظلمة.

 

“ماشاء الله تبارك الله، سبحان ما أبدع و سوي هذا الچمال، بس يا خسارة”.

 

رمقته بإمتعاض و صاحت في وجهه:

“أنت أتهبلت يعني غلطان باللي عملته فيا بسبب عربيتك و كمان بتعاكس! “.

 

رفع يديه و قال:

“أنا ما صبي لأچل أعاكس كيف ما بتقولين، ممكن إيش هو اسمك؟”.

 

اتسعت عيناها پغضب، لم تجد إجابة سوي الصمت و همت بالذهاب، لكن منعها من الذهاب بفتح باب السيارة أمامها ثم نزل من السيارة و وقف أمامها مباشرة، تراجعت إلي الخلف ثم تعثرت في حجرة بارزة من الأرض، كادت تقع فأمسك عضديها و عيناه كانت تخترق روحها و ليست عيناها.

 

“أنتِ بخير؟”.

أومأت إليه بنعم ثم نفضت يديه عن ذراعيها و ركضت في الإتجاه المعاكس، بينما هو كان مازال يقف يتابعها بنظرة غريبة، رفع زاوية فمه جانباً بإبتسامة ذئب قد وجد فريسته، و عقب قائلاً:

“يا خسارة”.

ـــــــــــــــــ

صعدت علي الدرج بسرعة الريح، أخذت تضغط علي زر الجرس عدة مرات حتي فتحت والدتها:

“مالك بترني الجرس كذا مرة ورا بعض ليه كدة؟”.

 

دخلت و جذبت حجابها:

“أصل، أصل كنت عطشانة أوي”.

قالتها و ذهبت إلي غرفتها، كانت تنظر إليها والدتها بتعجب:

“علي فكرة التلاجة في المطبخ”.

 

و بعد مرور وقت، كانت تمكث داخل غرفتها، مازالت نبضات قلبها تخفق بشدة منذ رؤيتها إلي هذا الغريب، أدركت من لهجته إنه من سكان الخليج العربي، أنتابتها ضحكة لا تعلم سببها عندما تذكرت الموقف مرة أخري.

 

طرق علي باب غرفتها و أتبعه دخول والدتها:

“لسه نايمة؟”.

 

نهضت سندس و أزاحت الغطاء من فوقها:

“تعالي يا ماما”.

 

جلست أمينة بجوارها و كانت عيناها تنضح بسؤال تلفظ به لسانها:

“مش عايزة تقولي إيه اللي جابك من برة مستعجلة و زي ما بتقولي عطشانة و جيتي لا شربتي و لا حتي فطرتي معايا، دخلت لاقيتك نايمة، حد ضايقك برة؟”.

 

هزت رأسها برفض ثم تابعت:

“لاء مفيش، بس كنت تعبانة شوية و عايزة أنام”.

 

أطلقت الأخري تنهيدة:

“ماشي براحتك، أنتِ من نفسك هتيجي تحكي لي، أنا أصلاً بصحيكي عشان أقولك خالك عازمنا علي الغدا بمناسبة نجاحك “.

 

رفعت زاوية فمها بسخرية و قالت:

“و جاي علي نفسه ليه كدة؟، هتلاقيكِ بعد ما عرفتيه إن نجحت افتكر إنك مستنية منه هدية ليا، أنا هقوم و هاروح معاكِ بس مش واخدة منه أي حاجة، عايزة يديكِ أنتِ براحتك أنا لاء”.

 

ضړبتها والدتها بخفة علي ظهرها و قالت:

“قومي يا غلباوية جهزي نفسك عشان ما نتأخرش عليه”.

 

نهضت من الفراش و ذهبت إلي الخزانة و أنتقت ثوب أسود و حجاب أحمر قرمزي.

و بعد قليل وقفت أمام المرآة تنظر إلي مظهرها و تضبط من وضع حجابها، كلما ترتدي شيئاً تزيده جمالاً من حُسنها و بهائها الخلاب.

ـــــــــــــــــــــ

و في منزل مرعي، يجلس في غرفة الضيوف مع زائر لديه

“و الله يا فراس باشا لو كان بإيدي كنت جبت لك طلبك، لكن أنا بطلت الشغلانة دي من زمان بسبب ۏجع الدماغ و المشاكل اللي بتحصل بين أهل العروسة و جوزها ده غير بقي عندكم البهوات صعبين أوي في المعاملة، و أنا الحمدلله دلوقت بقيت صاحب عقارات عندي اللهم بارك برجين و شغال في التالت”.

 

أخذ الأخر يضحك و قال:

“الله يطول عمرك حاچ مرعي، أنا چيت لك بعد ما خبرني الشيخ مرشود أن هلاجي طلبي عندك، أنا بصراحة لاقيتها، بس ما عارف هي مين ممكن تكون چارتك”.

 

قطب مرعي ما بين حاجبيه:

“جارتي!، هو أصلاً مفيش حد في الشارع أو الجيران عندهم بنات للجواز غير الولية أم حسونة و دي بنتها بعيد عنك مجذوبة، و الباقي يا بنات صغيرين يا إما متجوزين، ألا قولي مش غريبة أن حضرتك شاب في التلاتينات و جاي عايز تتجوز بنت ١٦ سنة، أصل معظم زبايني كانوا من سن الـ ٤٥ لحد ٨٠ سنة، عمري ما جالي شاب في سنك، ما تروح أتجوز كتكوتة روسي شقرا علي الأقل مش هتحتاج تركب كهربا خالص”.

 

رمقه فراس بعدم فهم و سأله:

“ليش؟ “.

 

أجاب الأخر:

“عشان بتنور لوحدها يا خفيف”.

 

و أطلق قهقهة، فأتاه صوت زوجته:

” مرعي، يا مرعي”.

 

أخفض صوته و أشار له بيده:

“أعوذ بالله الولية مراتي بتشم علي طول، مجرد لما بجيب سيرة أي كائن انثي إن شاء الله تكون سحلية تعرف علي طول، و لا أجدعها كلب بوليسي، عن أذنك هاروح أشوفها عايزة إيه”.

 

ضحك الأخر:

“تفضل “.

 

ذهب مرعي إلي زوجته التي ترمقه پغضب قائلة من بين أسنانها:

“لما أنت عندك ضيوف عزمت أختك و بنتها ليه علي الغدا؟”.

 

“ما تهدي يا مديحة، الراجل كان جاي في مصلحة و ماشي، عايزاني أطرده!، خلاص كلها دقيقتين و هيمشي”.

 

في تلك الأثناء جاء إتصال هاتفي إلي فراس، فخرج يتحدث خارج المنزل، بينما في الشرفة بالأعلي كانت تقف تنظر إلي المارة في الشارع،

أنتهي من المكالمة و قبل أن يدلف إلي البناء لفت نظره رؤيتها و هي تقف خلف سور الشرفة، تلاقت عينيها في عينيه و قال:

“أخيراً لاقيتك يا بدر البدور”.

 

༺الفصل الرابع༻

“مش موافقة”.

كانت جملة أمينة لشقيقها الذي كان يخبرها عن ثراء المدعو فراس، و كيف هو يريد ابنتها بشدة.

 

“فكري و أعقليها كده ياختي، دي فرصة جايه لك من السما و ما تتعوضش، الراجل شاري بنتك و قالي كل اللي تطلبوه مُجاب، شقة و عربية و فلوس و دهب، فوق كل ده الشاب صغير في التلاتينات يعني مش واحد من المشايخ العواجيز اللي كانوا بيجوا لي عايزين واحدة قد عيلة من أحفادهم”.

 

جلست أمينة علي الأريكة و قالت:

“ما هو ده اللي مقلقني و مخوفني أكتر، إيه اللي هيخلي شاب زيه زي القمر و غني يجي يتجوز واحدة من عندنا علي قد حالها، ما تقولش عجبته بنتك عشان جميلة، الحلويين كتير في بلده”.

 

زفر الأخر و قد أوشك صبره علي النفاذ قائلاً:

“الراجل كيفه كده، و مادام هيكتب عليها عند محامي هنضمن لها حقوقها، وافقي بقي بنتك هتنقلك لعيشة تانية عمرك ما حلمتي بيها، أهو علي الأقل هتبطلي تخدمي في البيوت”.

 

وقعت في حيرة لكن قلبها لا يطمئن بتاتاً لتلك الزيجة، فأخبرته:

“الحمدلله راضية بقسمتي و نصيبي من الدنيا، بس تبقي البت في حضڼي، حتي لو أتجوزت بس علي الأقل هنا اقدر اشوفها وقت ما أحب، لكن تروح بلد تانية الله أعلم هيعمل فيها إيه جوزها ده يخليني أتمسك برأيي أكتر و أرفض بالتلاتة”.

 

و قبل أن يجيب شقيقها، خرجت سندس من غرفتها و قالت بحسم:

“أنا موافقة يا أمي”.

 

غر الخال فاه بسعادة، رفع يديه مهللاً:

“الله أكبر، شوفتي بقي العروسة نفسها موافقة و راضية”.

 

حدقتها والدتها بإمتعاض:

“و أنتِ كنتِ تعرفيه و لا تعرفي عنه حاجة عشان توافقي!”.

نظرت إلي أسفل ثم قالت:

“يعني أي واحد هيتقدم لي غيره، هكون عرفاه و لا اعرف عنه حاجة، بصراحة أنا شايفاه عريس فيه كل المواصفات اللي أي بنت تتمناها”.

 

اقتربت من والدتها و امسكت بيدها فأردفت:

“بصراحة يا أمي، عايزه أريحك من شغلك و ده يقولك كلمة و دي تبص لك بنظرة بتحرقني قبل ما تضايقك، مش يمكن ربنا بعت لي فراس ده تعويض ليكِ و ليا”.

 

ابتسمت والدتها و قالت بتهكم مازحة:

“فراس!، لحقتي تحفظي اسمه!، ماشي يا سندس، ما دام عاجبك و موافقة مش هقف في طريقك، بس قدام خالك شاهد علي كلامي و عليكِ، لو جيتِ لي في يوم تشتكي و تقولي لي جوزي سوي و عمل فيا هقولك ده أختيارك و أتحمليه، أنا كل اللي عايزاه أشوفك متهنية و سعيدة”.

 

عقب شقيقها قائلاً:

“اطمني ياختي، أنا هخليه يكتب لها مهر و مؤخر بمبلغ محترم، و يشتري لها شقة و عربية باسمها و دهب، عشان لو في يوم حب يلعب بديله أو غدر بيها تكون بنتنا متأمنة”.

 

حدقته شقيقته بنظرة قلب لا يعرف الطمع:

“انا أهم حاجة عندي بنتي، و لا مال الدنيا يسوي دمعة من عينها”.

 

ألتفت إلي شقيقها و اردفت:

“خلاص يا اخويا، كلمه و قوله إننا موافقين بس علي شرط إنها تكمل تعليمها إن شاء الله تكمله منازل و تنزل علي الإمتحانات”.

 

ردد الأخر بدون صوت مسموع:

“و هي بنتك بعد العز ده كله هتبص للعلام وللشهادة، ده أنتِ ست فقرية بصحيح، علي رأي المثل يدي الحلق اللي بلا ودان “.

ـــــــــــــــــــــ

و في خلال أيام تمت الخطبة في أجواء عائلية، و تعالت زغاريد زوجة خالها التي بداخلها كانت تتمني لابنتها بزيجة مثل تلك، لا سيما عندما رأت الحلي الذي أشتراه فراس إلي سندس، خواتم و آساور ملأت يديها و سلسلة ثقيلة الوزن تتوسطها قلادة.

 

و بعد أن أنتهت المراسم، طلب فراس أن يأخذها إلي نزهة قصيرة و سيعود بها سريعاً، لكن والدتها قد رفضت ذلك و اكتفت بسبب إنها مجرد خطبة و لم يتم عقد القران.

 

هذا جعل فراس قدم بميعاد الزفاف و قام بشراء كل شئ لها، منزل و سيارة و أموال لوالدتها و خالها أيضاً، و برغم كل هذا كان يزيد من قلق أمينة التي ظلت تدعوا ربها أن يحدث أي شئ يفسد هذا الزواج المثير للريبة.

 

و ها قد أتي موعد الزفاف، بداخل قاعة كبيرة و حفل زفاف أسطوري، حضره جميع أفراد عائلتها، و أتي والدها الذي تقدم في العمر من أجل كتابة عقد الزواج الذي كان عبارة عن ورقة أعدها المحامي بعلم مرعي الذي أخفي عن شقيقته و أخبرها إنها قسيمة زواج و تم بواسطة محامي و ليس مأذون من أجل ضمان حقوقها.

 

ترتدي سندس ثوب أبيض فاخر و رائع، أشتراه لها خصيصاً من إحدي دور الأزياء الشهيرة في مصر، بينما فراس في أبهي طلة، يرتدي الزي الخاص ببلاده و هي الدشداشة «عباءة بيضاء طويلة الأكمام» يعلوها البشت «عباءة سوداء دون أكمام، يزين تلابيبها تطريز ذهبي»، و علي رأسه غترة«قطعة قماش مربعة بيضاء» يعلوها عقال.

 

كانت الأجواء مليئة بالفرح، و البسمة لا تفارق ثغر سندس التي عندما رأت والدها دون تردد ارتمت بين ذراعيه، عانقها بقوة قائلاً:

“ألف مبروك يا حبيبتي”.

 

بادلته العناق:

“الله يبارك فيك يا حبيبي”.

 

صافح زوجها و أوصاه كثيراً علي ابنته، فطمأنه فراس بأن ابنته سوف تكون أميرة في مملكته.

 

انتهت أجواء الحفل و بعدها أستقل فراس و عروسه السيارة و خلفهما سيارة خالها، جميعهم إلي المطار.

 

و أمام الطائرة كانت تعانقها والدتها و تبكي إنها سوف تبتعد و تمكث في بلد بعيد:

“خدي بالك من نفسك يا ضنايا، و زي ما وصيتك، حطي جوزك في عينيكِ يشيلك فوق راسه، وقت الڠضب ابعدي عنه و لما يصفي عاتبيه عتاب محبة، جوزك علي ما تعوديه، خليكِ ديماً أحلي واحدة في عينيه، سركم ما يخرجش لأي حد مهما كان، ما يشوفش منك غير الحلو، أوامره طاعة إلا في معصية ربنا، لو عملتي كل اللي قولت لك عليه هترتاحي، و ربنا يكتب لك اللي فيه الخير يا بنتي”.

 

“يارب يا أمي، يارب”.

قالتها و قامت بوداعها و كذلك ابيها و خالها ثم صعدت إلي الطائرة التي سوف تقلع إلي إمارة دبي.

ــــــــــــــــــــــــ

و بعد رحلة سفر قد أستغرقت ثلاث ساعات من مطار القاهرة إلي مطار دبي، غادرت سندس الطائرة برفقة فراس الذي مد ساعده إليها و أستندت عليه حتي غادر كليهما المطار، كانت في إنتظارهما سيارة سوداء فارهة، بمجرد أن دخل الأثنين من كلا البابين أنطلقت السيارة.

 

أخذت تنظر إليه من طرف عينيها، من المفترض أن يكون جالساً جوارها مباشرة، بينما هو كان يجلس محتفظاً بمسافة بينهما، ينظر في شاشة هاتفه، يبدو إنه يجري مكالمة هاتفية

“سلام عليكم يا شيخ، وصلنا بالسلامة و هالحين متچهين للـ hotel ”

……

“أمرك يا شيخ، تسلم، مع السلامة”.

 

و بعد أن أنهي مكالمته سألته بعفوية:

“والدك اللي كنت بتكلمه؟”.

نظر إليها لثوان ثم هز رأسه بإيجاب قائلاً:

“أي، والدي”.

 

و عاد ببصره ينظر إلي الأمام، أمر السائق بصوت مرتفع:

“هياي، أسرع”.

ـــــــــــــــــ

وصلت السيارة أمام برج شاهق، كان من أشهر الأبراج الفندقية في الإمارة، ركض إحدي الرجال ذوي البذة السوداء و الأجساد الضخمة، فتح الباب فنزل فراس الذي عاد ينظر إليها و قال:

“ليش قاعدة مكانك، هيا أنزلي؟”.

 

تريد أن تخبره أن ثوبها الكبير يعوق حركتها، ألتفت إلي الجهة الأخري حيث الباب التي تجلس بجواره، و قام بفتحه مد يده إليها، وضعت يدها في راحة خاصته و نزلت من السيارة، في تلك اللحظة سرت في جسدها قشعريرة، لا تعلم هل من ملامسة يده ليدها، فهذه ثاني مرة يمسك يدها بعد المرة الأولي عندما كان يضع الحلي الذهبية في يديها، أم من المجهول و لإنها في بلدٍ غريب و أناس لا تعلمهم!

 

سارت بجواره و خلفهما الحرس، أدركت إنه. شخصية هامة مثل رجال الأعمال التي تراهم في التلفاز، لا تنكر هذا جعلها سعيدة، لكن مازال شعور الخۏف و القلق يلازمها.

 

و بعد أن أستقل كليهما المصعد الزجاجي و بدأ في الصعود، أنتفضت بفزع و تشبثت كالهرة في ذراعه، ضحك و قال لها:

“هذا بيصير معك أول مرة، بعدين تتعودين عليه”.

 

اخفت توترها خلف ابتسامة زادتها جمالاً، بادلها تلك البسمة و قال:

“خلاص وصلنا”.

 

غادرا المصعد، تقدم بخطوة و هي بجواره تلحق به و تمسك طرف ثوبها من الجانبين بسبب ثقل وزنه.

توقف أمام الباب فجاء إحدى الحراس و أعطاه بطاقة المفتاح الألكتروني، قام بتمريرها و فتح الباب، أشار إليها نحو الداخل:

“تفضلي يا عروسة”.

 

نظرت إليه و كأنها كانت تنتظر شيئاً، ربما خُيل إليها بأنه سوف يحملها علي ذراعيه و يدخل مثلما تري في المسلسلات و الأفلام الرومانسية، عادت من سماء خيالها إلي أرض الواقع حين سمعت صوته:

“ايش تنتظرين، قصدي واقفة ليه؟”.

 

ابتسمت و ولجت نحو الداخل، أهتزت حينما سمعت صوت غلق الباب، تذكرت وصايا والدتها و حديث زوجة خالها التي أخبرتها بما سوف يحدث بينها و بين زوجها في تلك الليلة، ضړبت حمرة الخجل خديها و قلبها يخفق بقوة.

 

ظلت واقفة تنتظره لكنه يقف بالقرب من الباب و يمسك بهاتفه يتحدث فيه مرة أخري:

“كل شىء چاهز و تمام، بالسلامة”.

 

استدارت إليه و سألته:

“إحنا هنقعد هنا علي طول؟”.

 

أجاب ببرود:

“علي حسب الأحوال، و كيف ما يقرر سمو الشيخ”.

 

تعجبت من حديثه الذي لم تدرك منه سوي إنه يأخذ الأمر من والده، فكادت تتفوه لكنه قام ببتر كلماتها:

“لو تبغين تبدلين ثيابك، روحي و عندك الطعام علي الطاولة، أنا خارچ و ما أعرف متي أعود، ما تنتظريني”.

 

ظل يتأملها لمدة دقيقة و أردف:

“يا خسارة”.

 

لم يمهلها أن تسأله إلي أين تذهب و كيف يتركها بمفردها في ذلك الجناح و الفندق الكبير!

 

༺الفصل الخامس༻

 

غادر و أصبحت وحيدة بين تلك الجدران و الفراش الوثير، ذهبت تبحث عن خزانة فوجدت غرفة صغيرة جانبية داخل الجناح، بها الكثير من الثياب و من ماركات عالمية، أخذت تقلب الأثواب المعلقة علي المشجب بدهشة و إبهار، فمها مفتوح و عينيها متسعة بتعجب، تذكرت كلمات خالها حين أخبرها أنها سوف تعيش حياة الأثرياء.

 

لاحظت أن هناك ثياب أخري خاصة بتلك الليلة، شعرت بالخجل و هي تتأمل كل قطعة و ثوب منها، أختارت أكثر ثوب حشمة، و كان عبارة عن ثوب من الدانتيل الأبيض ذو حمالات رفيعة و يصل إلي الركبتين، شبه شفاف يصف الجسد و يظهر ما أسفله، يرافقه سروال رفيع دانتيل أبيض أيضاً و يعلو كل هذا مأزر من الحرير الناعم و الأبيض، مطرز علي الحواف بالكريستال الصغير.

 

خلعت الثوب بصعوبة و كذلك الحجاب الأبيض، أرتدت القميص و المأزر الخاص به، أطلقت خصلاتها علي كتفيها، و تركت مستحضرات التجميل كما هي علي وجهها، فهي إذا قامت بمسحها لم تستطع أن تضع مثلها بذلك الإتقان و الجمال.

 

أخذت تتجول في الجناح، شعرت بالجوع خاصة بعد أن أصدرت معدتها صوتاً.

 

سارت نحو الطاولة المليئة بالطعام، تكشف الغطاء عن كل طبق فوجدت العديد من الأصناف تعرف بعضها و البعض الأخر تجهله، تحدثت مع ذاتها و تجلس علي الكرسي:

“هاموت من الجوع و هو قالي مش عارف هيرجع أمتي”.

 

تناولت قطعة دجاج بيدها و تأكلها بإستمتاع و لذة، ألتقطت قطعة أخري، و ملعقة أرز و القليل من المقبلات، كانت في حيرة من أمرها تأكل ذلك أم تلك!

 

شعرت بالتخمة و تناولت المحرمة مسحت يديها، نهضت و سارت تبحث عن المرحاض، و عندما وجدته أخذت تتأمل جدرانه المكونة من البورسلين الفاخر و المرآة المحاوطة بإضاءة ساحرة، وقفت أمام الحوض و المرآة، تنظر إلي هيئتها و جمالها الفاتن، قامت بغسل يديها و فمها أيضاً ثم عادت إلي الغرفة، جلست علي الفراش و تمددت بأريحية، فهي تشعر بالتعب أستيقظت منذ الصباح الباكر و مراسم الزفاف و يليها السفر، كل هذا كفيل يجعل جسدها ېصرخ من أجل أن ينعم بالراحة، مرت ساعة تلو الأخري حتي غفت في نوم عميق.

 

و في ساعة متأخرة من الليل، فُتحَ باب الجناح و دلف منه رجل ضخم البنية يرتدي الزي الوطني للرجل الإمارتي، رجل يبدو من ملامحه و التجاعيد التي تغزو ملامحه بكثرة إنه في منتصف العقد السادس من عمره، كان يخلع العقال و الغترة ثم البشت السوداء و قام بوضعهم جانباً.

وقف بالقرب منها و هي نائمة كالملاك في تلك الثياب البيضاء

“ماشاء الله، تبارك الله، و الله ما كذبت يا فراس، كيف ما قولت بدر البدور”.

 

اخرج من جيب عبائته شريط أقراص و تناول حبة زرقاء اللون و يليها أخذ من فوق الكمود كوب و سكب الماء بداخله من دورق الماء.

 

جلس بجوارها و هي من فرط التعب لم تشعر بوجوده، مد يده ېلمس خدها و خصلاتها ثم هبط بأنامله إلي عنقها نزولاً إلي تلابيب المأزر، فقام بفك الحزام، أنكشف له أعلي مفاتنها المكتنزة، أنحني عليها و يزدرد لعابه، يقترب بشفتيه الغليظة إلي خاصتها ذات الحمرة القانية التي برزت جمال شفتيها و كأنها حبات فاكهة الكرز اللامعة.

 

تناول شفتيها في قبلة بدأت ناعمة، بدأت تشعر بشيئاً جاسم فوقها، و يقوم بتقبيلها، ظنت إنه فراس، تحركت و قالت بصوت يغلبه النعاس دون أن تفتح عينيها:

“فراس، أنت جيت أمتي؟”.

 

أجاب الأخر بصوته الغليظ:

“فراس منو يا بنت، أنا الشيخ راشد”.

بمجرد أن قال هذا، فتحت عينيها و رأته وجهاً لوجه، أطلقت صړخة دوي صداها بين جدران الجناح!

ـــــــــــــــــ

شهقت أمينة بعد أن أستيقظت پذعر من نومها:

“أعوذب بالله من الشيطان الرچيم”.

ظلت ترددها أكثر من مرة ثم نهضت و نظرت في ساعة هاتفها ذو الطراز القديم، تلتقط أنفاسها إثر الفزع الذي شعرت به.

 

حديث دائر في نفسها:

“الساعة لسه أتنين بالليل، نفسي أطمن علي البت، طب أكلمها و لا أعمل إيه، خاېفة لتكون هي و جوزها مش فاضيين أو بالتأكيد ناموا من السفر”.

 

تنظر إلي الفراغ بـ حيرة:

“أنا قلبي بيقولي إن البت مش بخير، إهدي يا أمينة هو بس عشان أول مرة تبات بعيد عن حضنك، و زمانها في حضڼ جوزها”.

 

أطلقت تنهيدة و قالت بصوت مسموع:

“ربنا يسعدك يا ضنايا و يبعد عنك كل شړ”.

ـــــــــــــــــــــ

دفعته بكل قوتها و تصرخ منادية علي زوجها،تضم تلابيب مأزرها بقوة:

“يا فراس؟”.

 

صاح هذا العجوز غاضباً:

“أنتِ ما تفهمين يا بنت!، قولت لك مائة مرة، فراس مچرد إسم علي عقد الزواچ، و أنا اللي متكفل بكل شئ أشتراه و چلبه لكِ، هاالغبي فهمته إنه يخبرك و يمهدلك السالفة قبل ما تيچوا هون”.

 

لم تتقبل ما تسمعه أو هذا أثر الصدمة التي وقعت علي رأسها، أخذت تصرخ:

“أنت كداب، فراس جه و أتقدم لي و طلبني من خالي و أمي، و جاب المحامي و كتب كتابنا في الفرح، يبقي أنت إزاي تتجرأ و تدخل هنا و جاي تتهجم عليا، أطلع بره”.

 

لم يجد نفعاً من الحديث معها، هل تتظاهر بالغباء و بعدم فهم الحقيقة المريرة التي أخبرها بها للتو، أم الصدمة جعلت التفكير لديها قد توقف!

أخرج هاتفه من جيب العباءة و تحدث إلي فراس الذي أجاب علي الفور:

“ألو شيخ راشد، سبع و لا ضبع؟”.

 

صاح الأخر به:

“سبع كيف و أنت بغبائك خربت لي الليلة، الله يقصف عمرك، أنا هضغط علي مكبر الصوت و خبر سندس أنا أبقي مين، ضليت أشرح لها و هي لا تبي سماع شئ و تصرخ و تنادي بإسمك”.

 

ضغط بطرف إبهامه علي مكبر الصوت، و بدأ الأخر يتحدث ببرود و كأن الأمر غير هام:

“اسمعي يا سندس، الشيخ راشد ريال «راجل» إلو وضعه و مكانته و من كبار المشايخ في الإمارة، و بسبب هذي المكانة ما كان ينفع إنه يچي و يتچوزك بـ ذاته، أخترني أكون وسيط، و لو كنت أتحدثت بهذا الأمر مع خالك أو والدتك كانوا ما قبلوا بالوضع هذا”.

 

نظر راشد إلي التي تقف كالتمثال المتحجر بعد أن سمعت كل ما أخبرها إياه فراس:

“أظن كل شىء أصبح واضح قدامك وايد”

 

ابتعد بمسافة و عاد للحديث إلي فراس بصوت خاڤت بعد غلق مكبر الصوت:

“الظاهر هذي البنت عنيدة و هتتعبني وياها وايد”.

 

رد الأخر:

“ما تقلق يا شيخ، أترك لي هذه المهمة، لأخليها تكون طوع يديك”.

 

“يلا روح أتركني هالحين، سلام”.

كاد أن ېلمس علامة إنهاء المكالمة و يلتفت ليعود إليها، باغتته بيد مرتجفة طعڼة من سکين قد أستلتها من الطاولة، أطلق صړخة ألم وصلت إلي فراس الذي أخذ ينادي و لم يجد إجابة من شيخه.

 

༺الفصل السادس༻

 

تجلس علي أرض الجناح تبكي، يقف أمامها الضابط يسألها بعد ما نفذ صبره:

“ياريت تچاوبين علي سؤالي يا مدام، كيف حدثت إصابة الشيخ راشد؟”.

 

هدأت عن البكاء قليلاً، نظرت إليه في تردد قبل أن تجيب، و في لحظة طرق باب المكتب و ظهر فراس قائلاً:

“السلام عليكم”.

 

فقال الضابط له بترحاب:

“هلا و الله بفراس بيه، تفضل”.

 

دخل الأخر و جلس علي أقرب كرسي، كان يحدقها بنظرة تحذيرية حتي لا تتفوه بكلمة، أجاب علي ترحيب الضابط له:

“هلا بيك يا ماچد بيه، أبغي أقعد ويا الأستاذة سندس شوي علي إنفراد”.

نهض الضابط قائلاً:

“علي راحتك، أنا كل اللي أبغاه المدام تچاوبني علي عدة أسئلة، و كل اللي تسويه هالحين تبكي و تهذي بكلمات غير مفهومة بالمرة”.

 

هز فراس رأسه و قال:

“أتركها لي، و أي چواب أكيد هقوله لك”.

 

رد الضابط:

“تكرم، الله معك”.

 

و بعد ذهاب الضابط، أجهشت سندس بالبكاء:

“و الله يا فراس ما قټلته، بالله عليك خرجني من هنا، أنا عايزة أرجع لأمي و أوعدك مش هقول أي حاجة لأمي أو خالي، هقولهم اللي أنت هتقولي عليه”.

 

يحدقها بابتسامة قناص ينصب شباكه و يحبُكها جيداً حتي لا تستطيع الفريسة أن تفكر في الفرار، تركها تثرثر قدر ما تشاء، مال بجذعه و أخبرها:

“أنا هتكلم معك بلهجة بلدك عشان تفهمي كل كلمة و تضعيها قصدي تحطيها حلقة في ودانك، بكلمة واحدة مني ممكن أخليهم يرموكِ چوه السچن و محدش يعرف عنك حاچة و مهما حكيتِ محدش هيصدقك، قدامك أختيار من الأتنين يا تقبلي بالوضع و تكوني رفيقة الشيخ راشد يا إما هاقول للضابط اللي منتظر مني أي جواب، إنك أنتِ اللي حاولتي تقتلي الشيخ، و ديري بالك سمو الشيخ من عائلة كبيرة و لهم نفوذ و علاقات، بكلمة منهم لمعارفهم في مصر يقدرون يسون في أهلك اللي ما يخطر علي بالك و أنتِ هاتكوني السبب”.

 

وضع ساق فوق الأخري و رمقها بتكبر و تعالي ثم أردف:

“الشيخ نقلوه علي المشفي و الحمدلله لحقوه قبل ما ينفد دمه، و الموضوع تحول لمحاولة قتل يعني چريمة، الخيار بين يديكِ”.

 

تحاول إستيعاب ما حدث و تشعر بالندم الشديد علي كل شئ، منذ موافقتها علي الزواج برغم عدم إرتياح والدتها و إلي ما أقترفته دون وعي و تدافع عن نفسها، لكن هذا الشيطان المتجسد علي هيئة إنسان ينتظر أن توافق علي بيع جسدها لرجل في عمر والدها بل أكبر، أو ترفض و تجلب لعائلتها المصائب و هذا مثل ما أخبرها به فراس في تهديده إليها.

 

لا تمتلك سوي التوسل و الرجاء، قررت أن تقوم بمحاولة أخيرة، لعل توسلها إليه يجعل قلبه يرق إليها، سارت إليه و وقفت أمامه مباشرة ثم چثت علي ركبتيها، و بملامح باكية و نظرات تذرف لها القلوب الډماء:

“بالله عليك ساعدني، أنا مليش غير أمي و لما وافقت علي الجواز، ده عشان أعجبت بيك زي أي بنت شافت شاب وسيم و معاه فلوس و لما طلبت تتجوزني حسيت إن بحلم، إزاي واحد بمواصفاتك و بالغني اللي أنت فيه ده كله يقبل يتجوز واحدة فقيرة زيي و عايشة في حتة شعبية، أفتكرت إن ده يمكن الحب اللي بيقوله عليه من أول نظرة، بالله عليك يا فراس رجعني لبلدي، أنا مقدرش أعيش و لا أعمل حاجة حرام مع الراجل العجوز ده”.

 

ابتسم بجانب فمه بسخرية قائلاً:

“يبقي الإختيار الثاني، علي راحتك”.

 

أمسكت يده و قالت بدون تردد أو تفكير:

“أنا موافقة، بس هاكون زوجة ليك أنت”.

 

أطلق قهقهه بصوت دوي في الأرجاء، مال بجذعه عليها و أخبرها پصدمة بمثابة صڤعة قوية قائلاً بصوت أخترق روحها قبل مسامعها:

“تعرفين ليش كل ما كنت أنظر لكِ كنت أردد يا خسارة”.

 

أقترب بشفتيه من أذنها و أردف:

“لأني ما أهوي سوي الرييايل «الرجال»”.

 

جحظت عيناها و كادت تقفز من محجريهما عندما سمعت تصريحه الفاجر هذا، لقد وقعت ضحېة لرجل «شاذ»!

ـــــــــــــــــــــ

في الصباح الباكر، ذهبت أمينة إلي شقيقها لتأخذ منه رقم هاتف زوج ابنتها، بينما الأخر أخبرها:

“و الله ياختي، رقمه اللي معايا كان شغال لما كان هنا في مصر، و بصراحة نسيت أسأله علي رقمه اللي بيستخدمه في بلده”.

 

ردد الأخري بقلة حيلة:

“و خط البت سندس كمان بالتأكيد مش شغال، طب و العمل هاطمن عليها إزاي؟، ده أنا قلبي واكلني عليها”.

 

ربت شقيقها علي يدها و قال لها:

“اطمني، هي ممكن تكلمك عشان تطمن عليكِ و تطمني عليها، ما يبقاش قلبك رهيف كده ياختي”.

 

نظرت إليه بحزن و عقبت علي تهكمه:

“عشان مليش غيرها يا مرعي، دي اللي طلعت بيها من الدنيا، و يعلم ربنا بخاف عليها من الهوا، ده أنا أتطلقت من أبوها بسبب اللي عملته أخته زمان فيها و أقسمت لأربيها بنفسي و مش هخلي مخلوق ېجرحها و لو بنظرة، دي شافها قلبي قبل عيني”.

 

تنهد مرعي و قال لها:

“وحدي الله ياختي و إن شاء الله هاتكون بخير، و زمانها متمرمغة في عز و هنا عمر ما أهلينا شافوه و اللي إحنا هانشوفه”.

 

نظرت إليه بإمتعاض بسبب ما تفوه به ثم قالت:

“ربنا يرجعها بألف سلامة و يحفظها من العين “.

ــــــــــــــــــــــــــ

و بالعودة إلي فراس الذي مازال يجلس مكانه، يتصفح الأنترنت

“كل هذا الوقت تفكرين!، الضابط ما عنده صبر علي الإنتظار “.

 

نهضت و وقفت لتبلغه بإستسلام تام:

“موافقة علي الإختيار الأول”.

 

ابتسم بزهو و فخر، فكان يراهن علي موافقتها فهي لم تعد مخيرة بل كان الوضع إجباري لها و عليها الطاعة.

“كنت أعلم بإختيارك منذ البداية، برافو عليكِ”.

 

“بس أنا ليا طلب”.

أخبرته هكذا، حدقها بإستفهام:

“حلو كلمة طلب، الأصح تقولين شرط، علي كل الأحوال إيش هو طلبك؟”.

 

أجابت بهدوء و أعين قد جف بها الدمع:

“تاخدني أشوف الشيخ راشد، أطمن عليه إنه بخير و عايزة أبلغه حاجة ما بيني و بينه، ده طلبي عشان أوافق”.

 

ظل ينظر إليها ثم قال:

“أمرك، لكن ديري بالك، لو سويتي أي شئ غير اللي قولتي عليه لا تلومي غير حالك، العقاپ لدينا صعب وايد و سوف تتمني جنة الشيخ راشد و لا چحيم هذا العقاپ”.

 

بالفعل نفذ لها رغبتها و هذا بعد أن أمرها ترتدي زي معظم النساء هنا، عباءة سوداء و حجاب أسود، وجدت نظارة شمسية سوداء، أرتدتها لتخفي حمرة جفونها إثر البكاء.

 

أستقلت برفقته السيارة و تعجبت من عدم وجود الضابط الذي من المفترض أن يكون في الإنتظار، سألته:

“هو الظابط مشي؟”.

 

ابتسم و أخبرها بفخر من نفوذه هو و رب عمله:

“كيف ما قولت لك، الشيخ راشد عنده نفوذ و سلطة”.

ــــــــــــــــــ

بعد أن وصلوا إلي مشفي شهير في الإمارة، أشار لها فراس بأن تتوقف أمام باب غرفة يشبه أبواب الفنادق الفاخرة.

 

“أنتظري هنا و لا تتحركِ”.

و أشار إلي الحارسين اللذان قد أتوا معهما و هذا من أجل ضمان عدم تمكنها من الفرار، و أخبرهما بأمر:

“ديروا بالكم عليها”.

 

أجاب أحدهم بصوته الأجش الغليظ:

“أمرك يا فراس بيه”.

 

و بعد أن دلف إلي الشيخ، سألت الحارس:

“فين الحمام؟”.

 

أدرك من سؤالها إنها تريد الذهاب إلي المرحاض، فأخبرها بحسم:

“ممنوع “.

 

و في نهاية الرواق تسير ممرضة آتية نحوهم، فباغتت رأس سندس فكرة لعلها تكون المخرج الوحيد من هذا الچحيم، تظاهرت بأن أصابها دوار و أخذت تترنح، أرخت جسدها الذي كان علي وشك السقوط، رأت الممرضة هذا و ركضت إليها لتلحق بها و تسألهما بالإنجليزية:

” يا إلهي، ماذا حدث لها؟”.

 

اجاب كليهما:

“ليس لدينا علم”.

 

قامت الأخري بأمر بعض الممرضات بنقل سندس إلي غرفة أخري لفحصها و الإطمئنان عليها، طلبت الممرضة من الحارسين الإنتظار في الخارج ريثما تنتهي من فحصها مؤقتاً حتي يأتي الطبيب.

 

و قد شاء القدر إلي صالحها في تلك المرة، فكانت الأجواء خارج الغرفة مليئة بالضجة و أصوات الطلب و الإستغاثة ربما بسبب هذا المصاپ و في حاډث سير و أتوا به إلي هنا.

 

نهضت تحت نظرات الممرضة التي تعجبت لما تفعله، أقتربت من الباب بحذر و أسترقت السمع فوجدت كلا الحارسين يتجادلان في ما يحدث بالخارج.

 

صدح رنين أحدهم و أجاب، و من جوابه المقتضب علمت إنه فراس المتصل، خفق قلبها پخوف و هي مقبلة علي الهروب، و بعد أن أنهي المكالمة، قال لصاحبه:

“أنا رايح أشوف فراس بيه ايش يريد مني”.

 

عادت إلي الممرضة و قالت:

“لو سمحت ممكن خدمة، أنا مش من هنا، أنا أنضحك عليه المفروض كنت متجوزة من واحد اسمه فراس و طلع كان بيضحك عليا و جايبني لواحد عجوز عايز يعيش معايا في الحړام، أرجوكِ ساعديني اهرب من هنا و أنا هاحاول أتصرف عشان أوصل لأهلي”.

 

كانت تقف الأخري و تحدقها بذهول لما تسمعه من تلك الفتاة، أمسكت سندس يدها و بأعين باكية توسلت إليها:

“أبوس إيدك ساعديني، أنا مليش حد هنا غير ربنا”.

 

ربتت عليها و تشعر بالشفقة حيالها:

“إهدي أنا هساعدك تفلي، الأول إتركيني ألهي البودي جارد اللي ناطرك بره، و أول ما أرسلك إشارة تچري علي طول من غير ما يحس فيكِ، إتفقنا؟”.

 

هزت الأخري رأسها، ابتسمت لها من بين دموعها و قالت بإمتنان:

“شكراً أوي، ربنا يخليكِ”.

 

خرجت الممرضة و أخرجت من جيبها ورقة و مدت يدها بها إلي الحارس، تقول بدلال:

“لو سمحت، ممكن تساعدني و تچيب لي الأشيا اللي في الورقة من الصيدلية اللي بالدور الأرضي، محتچاهم ضروري كتير قبل ما الدكتور يچي”.

 

تردد في الموافقة، لكن الأخري نجحت في التأثير عليه عبر نظراتها التي أصابت قلبه، أخذ الورقة و قال:

“أمرك مچاب يا قمر”.

 

و بمجرد أن أختفي عن نظرها فتحت الباب و اشارت إلي سندس و بصوت خاڤت قالت لها:

“هياي تعالي يلا فلي بسرعة، روحي من هون أنزلي الدرچ حتي توصلي لباب الخروچ هيوصلك للشارع الرئيسي، الله معك حبيبتي”.

 

“بجد مش عارفة أشكرك إزاي، ربنا يبارك لك”.

أطلقت ساقيها للريح، تركض بكل ما أوتيت من قوة حتي وصلت إلي الطريق الرئيسي كما أخبرتها الممرضة، أخذت تتلفت من حولها لا تعرف أين سوف تتجه أو ماذا تفعل، كانت كالشريدة و الضائعة، لكن چحيم الضياع بالنسبة إليها أكثر رحمة من جنة هذا الشيطان فراس و العجوز راشد.

 

ظلت تركض تارة و تسير تارة أخري حتي وجدت نفسها في طريق خالي من المارة لا يوجد به سوي سيارات، وقفت علي الجانب و تشير إلي كل سيارة تمر بالقرب منها، مرت سيارة و أخري، حتي وجدت سيارة سوداء ذات دفع رباعي تسلط نحوها ضوء الكشافات المزعجة للعين، و حين أقتربت منها أخذت تركض و تصرخ، توقفت أمام جدار و لم تجد مفر، استدارت لتجد إنها محاصرة ما بين ذلك الجدار و بين السيارة التي تسرع نحوها، ظنت إنه سوف يدهسها بالسيارة، رددت الشهادة و أغلقت عينيها، توقفت السيارة أمامها مباشرة علي بعد مسافة أقل من نصف متر، ترجل من السيارة و في عينيه الغدر، قبض علي عضدها پعنف قائلاً:

“قولت لك قبل هيك، لا تلومين غير حالك”.

كان الخۏف و الړعب اللذان يسيطران عليها كليهما كفيل بجعلها تفقد وعيها و تقع مغشي عليها، حملها و أدخلها السيارة ثم أنطلق.

༺الفصل السابع༻

 

مرت أكثر من ثلاثة أيام حبيسة غرفة مظلمة، منذ أن أفاقت وجدت نفسها داخل تلك الغرفة ذات الإضاءة الخاڤتة، تدخل إليها خادمة تجهل هويتها لكن ملامحها تشبه ملامح سكان شرق آسيا، تحمل لها وجبات الفطار و الغداء و العشاء، بينما هي لم تأكل سوي قطعة خبز عندما هاجمها الجوع و تكتفي بالمياه فقط.

 

رأت المقبض يتحرك و ظنت إنها الخادمة، وجدته هو الزائر تلك المرة، تقدم منها فوجدها ترجع إلي الوراء و كأنها تحتمي منه، ضحك و قال لها:

“إيش فيكِ!، خاېفة ليش، قولت قبل سابق أنا ما لي في النساء، لكن بقدر أعيد تربيتهم من أول و چديد”.

 

رأي الخۏف في عينيها حينما شعرت بالټهديد في حديثه، فأردف بتهكم و نظرة تشفي:

“الشيخ راشد رچع من المشفي بالسلامة من البارحة، و اليوم طلبك رايد يجتمع بعروسه، و كيف ما بيقولوا عندكم في مصر، أبقي وريني هتهربي المرة دي إزاي!، الحراس في كل مكان يعني النفس اللي بتتنفسينه عندي علم بيه”.

 

صاح منادياً:

“چومانه، يا چومانة؟”.

 

دخلت إمرأة و برفقتها أخري فقال لهما بأمر:

“خذوها علي الغرفة و أجعلوها عروسة في ليلة الزفاف و لما تنتهوا من العمل، بلغوا الحارس يخبرني”.

 

اومأت له المرأة:

“أمرك فراس بيه”.

 

ذهبت معهما في صمت و بعد أن دلفت إلي غرفة ذات فراش و أثاث وثير، أخذتها المرأة أولاً إلي المرحاض لتستحم، كانت كالدمية في يديها تتحرك كيفما تشاء.

 

و بعد قليل جلست أمام مرآة كبيرة و بدأوا يضعون لها المستحضرات التجميلية، تجلس بصمت و وجه بلا مشاعر.

 

بعد إنتهائهن من إعدادها و قامت السيدة بإبلاغ الحارس، أتي فراس تأملها من أعلي رأسها إلي أخمص قدميها بنظرة إعجاب من هيئتها، أشار إليها قائلاً:

“سيري أمامي و ديري بالك، حركة تالتة غير اللي سويتيهم و هايكون العقاپ أسوأ مما تتخيليه”.

 

فتح باب كبير علي مصراعيه و جعلها تدخل فوجدت هذا الشيخ ينتظرها و كأن لم يصبه شئ منذ أيام، يرتدي منامة و يعلوها مأزر من الحرير، أشار إلي فراس بالإنصراف و أقترب منها:

“تعلمين، أنا بمۏت وايد في المرة اللي ما بتستسلم بسهولة، جعلتيني أبغيكِ مهما كلفني الثمن”.

 

جذبها بين ذراعيه و أخذ يُقبل كل إنش في وجهها ثم عنقها و يديه أنطلقت بحرية علي جسدها حتي وصل إلي تلابيب ثوبها و قام بتمزيقه، بينما هي كالصنم المتحجر، لم يتحرك بها سوي عبرتها التي أنسدلت للتو علي خدها.

 

و حدث ما كانت تمقته، سلب عذريتها بكل ۏحشية و لم يكتفِ بهذا، قام ببعض الممارسات الشاذة فكانت تصرخ و تبكي بين يديه و لن يكترث لها، كلما بكت و صړخت زاد فيما يفعله.

ـــــــــــــــــــــــ

أستيقظت في الصباح علي صوت الخادمة الآسيوية:

“مدام، مدام، سيد فراس ينتظرك في الخارج”.

 

حاولت أن تنهض لكن ألم جسدها داهمها و عاد من جديد، و كأن عظامها تحطمت تماماً، لابد أن تتحمل علي أوجاعها و تقابل هذا الشيطان حتي لا يأتي لها بنفسه و يراها في تلك الحالة التي يرثي لها، عاړية بلا ثياب و جسدها مليء بآثار أنامل ذلك الشايب الذي تعمد أن يترك علي جسدها آثار يديه و قبضته الغليظة.

 

خرجت إلي فراس مرتدية عباءة سوداء و حجاب من ذات اللون، كان يبتسم لها و قال:

“صباح مبارك يا عروس، أعذريني إن چيت لك في هالوقت الباكر، لكن ما باليدي حيلة،خالك يبغي يكلمك و يطمن عليكِ هو و والدتك”.

 

شعاع أمل أخترق قلبها عندما أخبرها هذا الجائر بما تفوه به الآن، رأي بريق عينيها و طيف ابتسامة علي ثغرها سرعان ما أختفت حين أردف:

“هالحين هاعطيكِ الهاتف تطمنيهم عليكِ، و أي محاولة منك لم أخبرك ما هاسويه سواء فيكِ و في أهلك، اتفقنا؟”.

 

أومأت له بالموافقة، قام بإجراء الإتصال علي خالها:

“يا هلا بالخال، كيفك؟”.

……

 

نظر إليها و قال:

“حبيبتي سندس، زينة البنات الحمدلله بخير، شايلها چوه عيوني، أتفضل أتحدث وياها هي معك”.

 

أعطاها الهاتف و دنا من أذنها هامساً:

“كيف ما قولت لك، إحذري”.

 

“ألو، أزيك يا خالو عامل إيه؟”.

…..

“أنا الحمدلله بخير، أمي عامله إيه؟”

 

أخذت والدتها الهاتف من شقيقها و تحدثت بلهفة:

“عاملة إيه يا سندس، وحشاني أوي يا ضنايا”.

 

أجابت الأخري و تنظر في عين فراس، تريد أن تصرخ و تخبر والدتها بكل شئ، لكن تهديده لها جعلها تلتزم الصمت عن كل ما حدث لديها.

 

“الحمدلله يا أمي أنا كويسة، أنتِ عامله إيه، و أبويا عامل إيه؟”.

 

كانت أمينة تستمع لنبرة صوت ابنتها الهادئة و قلبها يخبرها بأن هناك أمر سئ يحدث لإبنتها

“أنا الحمدلله، بس مش بخير و أنتِ بعيدة عني، ياريتني ما وافقت علي جوازتك دي خالص و منعتك”.

 

تدخل شقيقها قائلاً:

“إيه اللي بتقوليه للبت ده يا أمينة، عايزة تخربي عليها! “.

 

لم تهتم للإجابة عليه و قالت:

“ركزي معايا يا قلب أمك، جوزك كويس، بيعاملك حلو، ابن حلال و لا؟”.

ابتسمت سندس و رددت في نفسها:

“اه يا امي، ياريتني سمعت كلامك و ما جريتش ورا المظاهر الخداعة، دلوقتي بدفع تمن اختياري غالي أوي”

 

اجابت بصوت مسموع:

“اه يا أمي، فراس بخير و بيحبني و بېخاف عليا”.

 

ابتسم الأخر لها و يشير لها بتحية، رمقته بإزدراء

 

“خدي بالك من نفسك يا سندس، و لو في أي حاجة اتصلي علي خالك”.

 

أجابت و عينيها تذرف دموعاً و القلب ېنزف دماء:

“حاضر يا أمي”

اختطف فراس الهاتف من يدها:

“أهلين بحماتي، كيف حالك؟”.

 

“الحمدلله، بالله عليك يا بني خد بالك منها و حطها في عينيك، دي ملهاش حد في بلدك غيرك بعد ربنا”.

 

أجاب علي مضض:

“حاضر، عيوني، تمام، مع السلامة”.

 

لم تتحمل أكثر من ذلك تركته و ركضت إلي الغرفة تبكي و تصرخ پألم

ــــــــــــــــــ

و جني الليل ليأتي العڈاب من جديد، كانت تغفو من التعب و البكاء، لكن قررت تلك المرة لم تستسلم إلي هؤلاء الشياطين.

شعرت بحركة في الغرفة و أقترب منها بعد أن جاء من الخارج، يقترب منها و يستنشق رائحتها:

“مازالت تنعسين لهالحين، هيا انهضي حبيبك راشد رچع و كله شوق، أبغي أنهال من چمالك حتي الصباح”.

 

أخرج من جيبه علبة صغيرة و تناول منها قرص غريب الشكل و ابتلعه و تناول عقبه كوب ماء، أزاح الدثار من فوقها و كاد يقترب، سحبت السکين من أسفل الوسادة قد خبأتها عندما تناولت وجبة الغداء.

 

أشهرت السکين أمام وجهه صاړخة بټهديد:

“أقسم بالله لو قربت مني لهخلص عليك المرة دي و بعدها هقتل نفسي”.

 

༺الفصل الثامن༻

 

ألقاها فراس بقوة أسفل قدمي تلك المرأة ذات الملامح الحادة، تنفث دخان الأرجيلة و تنظر إلي ملامح سندس الباكية، حولت بصرها إلي فراس تحدقه بنظرة إستفهام بمعني مَنْ هذه؟

 

“مليكة، أبغي تسوين فيها كل شئ، كيف ما تبغي أجعليها ټندم و تبوس رچلك من أچل إنك ترحميها و تعرف قيمة أسيادها”.

 

ابتسمت الأخري بمكر و قد أدركت مدي ڠضب فراس و علمت تلك أوامر رب عمله:

“أي فهمت عليك، سمو الشيخ ڠضبان عليها و بدو إياها تتربي من أول و چديد”.

 

تركت ما بيدها و نهضت و عينيها صوب أعين سندس التي تحدق إليها بنظرات ما بين الخۏف و الإستغاثة

 

“المال هيتحول علي حسابك، و كيف ما أتفقت وياكِ، أنا ذاهب هالحين، لو فيه شيء هاتفيني في الحال”.

 

اومأت إليه بعينيها و قالت:

“ok “.

 

رحل من ذلك المنزل الكبير و المليئ برائحة عطور غريبة، وقعت عينيها علي بار مليئ بزجاجات الخمر و حراس داخل المنزل!

شعرت بقبضة في قلبها بأن هناك کاړثة في إنتظارها، أنتبهت إلي صوت مليكة و هي تشير إليها بإصبعها قائلة بأمر:

“تعي ورايا”.

 

نهضت بصعوبة، تشعر برجفة في أطراف يديها و قدميها، ظلت تتبع تلك السيدة ذات المظهر المريب، عبرت رواق كبير و توقفت في نهايته

“حظك اليوم ما في شغل”.

 

فتحت الباب و دلفت إلي الداخل، أشارت إليها بأن تدخل:

“من وين أنتِ؟”.

 

نظرت إليها بتوتر و قالت بصوت خاڤت:

“من مصر”.

 

لاحظت الخۏف في عينيها فأخبرتها بإبتسامة لأول مرة تظهر علي ثغرها منذ رؤيتها:

“ما تخافي، كان لازم بقوله هيك مشان يتركك”.

 

سألتها الأخري بتوجس:

“هو أنتم هاتعملوا فيا إيه هاتقتلوني؟”.

 

ابتسمت مرة أخري رغماً عنها و قالت:

“إحنا ما بنقتل و لا بنأذي، أنتِ هون في بيت مليكة، يعني المتعة اللي أي رچال بيتمناها ما هيلاقيها غير عندنا و بس”.

 

توقفت غصة في حلقها بعدما أدركت أين تكون و تخشي أن تعلم ما دورها في هذا المكان الماجن.

“هو ده يبقي بيت…

لم تستطع أن تتفوه بالكلمة الأخيرة، فأجابت الأخري بكل فخر و سعادة:

“أي، هاد بيت ډعارة ،كل الزباين عندنا من كبار رچال الأعمال، أمراء، شيوخ عرب، و أچانب”.

 

تراجعت سندس إلي الوراء پصدمة، بعد أن وقعت في فخ فراس و أتي بها في تلك البلاد الغريبة إليها من أجل أن تكون عشيقة الشيخ راشد، فها هي الآن في بيت لممارسة الپغاء و يريدون منها أن تكون عاهرة و ماذا بعد!

 

اقتربت مليكة منها لتحذرها بابتسامة مخيفة لا تليق سوي علي ملامحها الحادة:

“ديري بالك منيح، البيت چوه و بره مليان رچال حراسة، يعني أي محاولة مشان تفلي من هون هتنتهي بالفشل، أنا مو هسوي فيكِ كيف ما وصاني فراس عليكِ، حرام هالچمال يضيع في الخدمة”.

همت بالذهاب و أردفت مرة أخري قبل أن تذهب:

” اتركك ترتاحي و بعد ساعة هچي لك لتچهزي حالك مشان الشغل”.

ـــــــــــــــــــــ

تركض في غابة مظلمة و تبكي، خلفها ذئاب تلحق بها، ذئاب بشړية تريد الفتك بها، وقعت علي الأرض بين الحشائش و ألتفتت تنظر پذعر و تزحف إلي الوراء، لكنهم لم يرأفوا بضعفها و حالتها، أنقضوا عليها بلا شفقة ېمزقون ثوبها.

 

شهقة أطلقتها أمينة بعد أن راودها هذا الکابوس:

“أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، يارب سلم، بنتي بالتأكيد مش بخير”.

 

حاولت الإتصال علي رقم فراس الذي أخذته من شقيقها عندما أتصل بهما الأخر، لكن سمعت رسالة بأن هذا الرقم مغلق.

 

نهضت فوجدتها الثانية عشر منتصف الليل، أرتدت ثيابها و الحجاب و ذهبت في الحال إلي شقيقها.

 

أخذت تطرق الباب و تضغط علي الجرس، أتاها صوت ابنة أخيها:

“حاضر”.

 

فتحت الباب فقالت:

“عمتي، أتفضلي”.

 

دلفت و سألتها:

“فين أبوكِ؟”.

 

“ثواني يا عمتو، هاروح أقوله”.

ذهبت لتخبر والدها الذي كان سوف يغفو، زفر بضيق و ضجر قائلاً:

“هتقرفني بقي ببنتها اللي زمانها غرقانة في العز و الفلوس”.

 

أستيقظت زوجته من النوم فسألته:

“فيه إيه يا مرعي، بتكلم نفسك و لا إيه؟”.

 

“خليكِ في حالك و أتخمدي، نسوان ما بيجيش من وراها غير الهم و ۏجع القلب”.

تركها و ذهب إلي شقيقته التي تنتظره في الردهة، تنحنح و سألها:

“خير يا أمينة، فيه حاجة ياختي؟”.

 

نظرت إليه بأعين تنضح بالقلق و الخۏف:

“عايزة أطمن علي بنتي، بتصل علي جوزها الرقم مقفول”.

 

صاح الأخر پغضب:

“يعني أنتِ جاية تصحيني في نص الليل، عشان عايزة تكلمي بنتك!، أديكِ بتقولي الرقم مقفول، المطلوب مني إيه ما هو الرقم اللي معاكِ هو اللي معايا”.

 

“طب معلش شوف يمكن يكون عنده اللي بيقولوا عليه واتس علي رقمه، لو عنده معلش ابعت له عليه إن أول ما يفتح يتصل عليا و يطمني علي سندس، أنا موبايلي قديم و ما بعرفش في النت و الحاجات دي”.

 

أطلق زفرة بنفاذ صبر، أمسك بهاتفه يبحث في تطبيق الدردشة عن حساب فراس، فوجد بالفعل إنه يمتلك حساب، قام بإرسال إليه:

“لو سمحت يا فراس بيه، أول ما تفتح كلمني نطمن علي بنتنا سندس ”

و ضغط علي علامة الإرسال، رفع الشاشة أمام أعين شقيقته و قال:

“أنا بعت له أهو، أول ما هيفتح هيشوفها، خلاص أرتاحتِ؟”.

 

هزت رأسها بالنفي و قالت:

“عمري ما هرتاح طول ما ضنايا بعيدة عني”.

ـــــــــــــــــــــــ

توقفت سيارة فارهة أمام المنزل، ترجل منها السائق و فتح الباب الخلفي لينزل منها سيدهُ، رجل ذو هيبة و برغم وسامته لكن طابع الجدية يغلب علي ملامحه.

تقدم إليه إحدى الحراس و بترحيب قال له:

“أهلين مراد بيك، دبي نورت “.

 

ابتسم الأخر و أجاب:

“منورة بأهلها”.

 

فتح الأخر الباب و ولج مراد فوجد مليكة تقف في إنتظاره، تفتح ذراعيها و بحفاوة قالت:

“يا ربي، مراد صفوت هون!، ما بصدق حالي”.

 

بادلها عناق اللقاء، فقامت بتقبيل خده:

“أخيراً عرفت أخد أجازة، و قولت أنتِ أول واحدة لازم أشوفها”.

 

أمسكت بذراعه:

“أحلي مفاچأة، تعالي ناكل سوا، و بعدين بخلي الصبايا يسو لك جلسة مساچ”.

 

أخذ يتناول الطعام برفقتها و يتبادلان الأحاديث، سألته بإهتمام:

“خبرني، شو هو مخطط رحلتك في دبي؟”.

 

أنتهي من تناول الطعام و مسح فمه بالمنشفة و أخبرها:

“أنا مش جاي في جولة سياحية، أنا عايز أقضي يومين حلوين و ياريت في اليومين دول ترافقني واحدة أنسي معاها نفسي”.

 

تركت الشوكة و السکين، أستندت بمرفقيها أعلي المائدة ثم وضعت يديها أسفل ذقنها، تسأله بلهفة و عينيها تنظر إليه بشوقٍ:

“يا تري مين هي اللي بدك تكون وياها؟”.

 

“بنوتة جميلة من عندك تكون هادية و رومانسية…

كانت تستمع إليه پصدمة لكن تتصنع بسمة علي ثغرها، قاطعها دخول الخادمة قبل أن تجيب، دنت منها لتخبرها بهمس بأمر ما، نهضت الأخري و تبدلت ملامحها إلي الڠضب:

“اتركوها و أنا بتصرف وياها”.

 

همت بالذهاب و قالت إلي الأخر قبل أن تذهب:

“عن إذنك مراد، دقايق و راچعة”.

 

ذهبت إلي الغرفة التي تمكث بها سندس التي تصرخ و تبكي، و ترفض تناول الطعام، دخلت مليكة إليها و ملامحها لا تنذر سوي بالشړ:

“شو فيه؟، العمي بقلبك، ليش كل هاد البكي و الصړاخ!، أنا عطيتك فرصة يومين و رأفت بحالك، لكن من هالليلة هتنزلي شغل متل أي صبية هون، لإما أخلي رچال الحراسة يتسلوا فيكِ من هلا للصبح”.

 

“حرام عليكم أنا عملت لكم إيه، رجعوني لأهلي ”

كانت تلك الكلمات التي تقطع نياط القلوب الرحيمة ما عدا قلب تلك المرأة التي لم ترأف بحالها أكثر من ذلك، فقامت بمناداة مساعدتها:

“نوران، تعالي لهون”.

 

أتت الأخري و قالت:

“أمرك سيدة مليكة”.

“أتصلي بفريد بيه و خبريه إن طلبه چاهز و كيف ما بدوا”.

 

ثم عادت تنظر إلي سندس:

“بدك صړاخ و بكي، الرچال اللي رايحه لإلو بيعشق هيك الحكي، بيخليكي تبكي كيف ما بدك”.

 

و قبل أن تترك الغرفة قالت للمساعدة:

“ضلي معها لحد ما تچهز حالها و تخلي الحارس ياخدها بالسيارة و يوصلها و يضل ناطرها و يرچع بيها لهون”.

 

اومأت إليها:

“أمرك سيدتي”.

 

༺الفصل التاسع༻

 

كان يقف في البهو بالخارج يتحدث في الهاتف، بينما هي تجلس علي الكرسي بجوار البار تحتسي الخمر و تنظر إلي مراد و قلبها ېحترق، ربما ڠضبها الذي أطلقته علي سندس نتيجة ما صرح به الأخر إليها، يريد رفقة فتاة غيرها.

 

دوي صړاخ المساعدة و هي تأمر الحراس:

“أمسكوها”.

 

تركض سندس بكل ما أوتيت من قوة حتي اصطدمت بصدر مراد و سرعان ما وقفت خلفه عندما حاوطها الحراس، تصرخ برفض تام:

“مش هاروح، ابعدوا عني”.

 

كانت ترتجف و تتشبث به دون أن تنظر إليه، أشار مراد إليهم:

“محدش يقرب منها”.

 

صاحت مليكة پغضب و حنق في آن واحد:

“مراد، خليك بحالك”.

 

ألتفت بزاوية و نظر إلي سندس التي ظلت تنظر إليه و كأنها تطلب أن ينقذها من براثن هؤلاء الشياطين، و دون إدراك أومأ لها بعينيه و قال لها:

“ما تخافيش، مش هخليهم يقربوا منك”.

 

عاد ببصره إلي مليكة و سألها بحزم و جدية:

“أنتوا خاطفينها؟”.

 

زفرت بضيق و أجابت:

“من إمتي و أنا بخطڤ و لا بسوي هالأشياء، اللي چابها لهون واحد إسمه فراس مساعد الشيخ راشد و كان بدو مني أخليها تعمل خدامة، و أنا رأفت بحالها”.

 

عقب مراد بسخرية:

“فقولتي حرام تشغليها خدامة لاء تستفيدي منها و تخليها عاهرة و تجيب لك دولارات!”.

 

رفعت حاجبها قائلة بكبر:

“ما إلك فيه، أتركها فريد بيه زمانه ناطرها”.

 

أتسعت عينيه و صاح پغضب مرة أخري:

“أنتِ اټجننتي!، عايزة توديها لفريد العسال الساډي المچنون!، ما حرمتيش لما مۏت لك واحدة السنة اللي فاتت من كتر ما كان بيعذب فيها و كنتِ هاتروحي في ستين داهية و لولا حبايبك كان زمانك مرمية في السچن!”.

 

أشاحت الأخري وجهها و لم تتحدث بكلمة، فأردف الأخر يخبرها بحسم:

“أنا هاخد البنت دي”.

 

حدقت إليه پصدمة:

“شو؟”.

 

“زي ما سمعتي، و هادفع لك اللي هاتطلبيه”.

 

نزلت من فوق الكرسي المرتفع و اقتربت منه و قالت:

“أنت اللي ما سمعت منيح، خبرتك إنها تبع الشيخ راشد، يعني مچرد ضيفة و هارچعها لإلو مرة تانية”.

 

حدقها بإصرار و عزم:

“و أنا قولت هاخدها يعني هاخدها، مش كنتِ هاتبعتيها لفريد و الله أعلم مين تاني، أنا هعوضك عن كل دول”.

 

تركته سندس و ابتعدت پخوف، ألتفت لها و بدون أن يتكلم غمز بعينه، بينما هي فهمت ماهية ما يفعله، لا تعلم من أين جاءت بتلك الثقة في هذا الرجل الغريب، يكفيها موقفه الآن عندما قام بالدفاع عنها أو ربما علي الأقل إنه أنقذها من هذا الفريد و ما سمعته عنه الآن و جعلها ترتجف أكثر عندما تخيلت إنها بين يدي هذا الرجل الساډي.

 

أخرج من جيبه محفظة جلدية و سحب من داخلها بطاقة ائتمانية، أشارت مليكة إلي مساعدتها، ذهبت الأخري و جلبت ماكينة صغيرة و عادت إلي مراد، تناولت منه البطاقة و وضعتها في تلك الماكينة ثم أعطتها إلي مليكة و التي قالت:

“عشر آلاف دولار”.

 

حدقها بتحدي و تصميم جعلها تهز ساقها بحنق عندما أجاب:

“موافق”.

ـــــــــــــــــــــ

فتح باب شقته و قال لها:

“تعالي، ما تخافيش مش هعملك حاجة”.

 

وقفت بتردد فسألته بتوجس:

“و أنا إيه اللي يضمن لي، ما أنت دفعت للي اسمها مليكة و دلوقتي عايزني أدخل معاك شقتك”.

قام بالنداء:

“چاكلين، چاكلين؟”.

 

أتت سيدة ذات الخمسون ربيعاً، يبدو إنها أجنبية من ملامحها و عينيها الزرقاء، أجابت بالإنجليزية:

“نعم سيد مراد”.

 

فقال لسندس:

“أنا هنا مش لوحدي، چاكلين تعتبر أمي التانية اللي ربتني، أنا لو كنت ناوي علي أي حاجة من اللي في دماغك مكنتش جيبتك هنا، كنت علي الأقل خدتك علي أي فندق”.

 

نظر إلي چاكلين و قال لها بالإنجليزية:

“هذه…

 

يجهل اسمها فنظر إلي الأخري و سألها:

“اسمك إيه؟”.

 

أجابت ببراءة:

“سندس عبدالحي”.

ـــــــــــــــــ

خرجت من المرحاض بعد أن قامت بالإستحمام و أزالت كل مساحيق التجميل و أبدلت الثياب الڤاضحة التي أجبرت عليها أن ترتديها لدي مليكة، أبدلتها بأخري أكثر حشمة قد أعطتها لها چاكلين، لم تجد ما يناسب أن تضعه حجاباً فوق رأسها، وجدت غطاء رأس تابع لمأزر الحمام، أرتدته و خرجت تشعر بالجوع.

 

انتبهت إلي صوت مراد الذي يجلس علي رأس المائدة:

“تعالي يا سندس، كولي قبل ما الأكل ما يبرد”.

 

تقدمت علي استحياء، كم هي تشعر بالخجل منه، جلست علي الكرسي وجدته يشرب القهوة و لم يأكل، بينما هي شعرت بالحرج، نهض و قال لها:

“هاسيبك تاكلي براحتك، أنا خلاص شربت قهوتي، لما تخلصي هستناكِ في الليفينج عايز أتكلم معاكِ شوية”.

 

و بعد قليل انتهت من تناول الطعام و غسلت يديها ثم ذهبت إليه كم طلب منها، جلست علي مقربة منه و نظرت إلي أسفل.

 

“أنا مش هطول عليكي و هاسيبك تروحي تنامي، هو سؤال واحد و عايز أعرف إجابته أنتِ إيه علاقتك بالشيخ راشد و ليه وداكِ عند مليكة؟”.

 

و كأنه قام بفتح چرح لم يندمل بعد، بدأت تسرد له من هي و أين تسكن و من عائلتها و حلمها بأن تدخل الجامعة، كيف تعرفت إلي فراس الذي من المفترض إنه زوجها علي الورق و حقيقته التي علمت بها بعد ذلك، كان مجرد وسيط ليأتي بها إلي الشيخ راشد الذي لا يريد أن يُلطِخ اسمه و اسم عائلته إذا ذهب إلي دور الپغاء أو تزوج فتاة من عمر أصغر بناته.

كما سردت محاولاتها الجسورة و كيف قامت پطعنه لكنه لم يتركها و عندما تماثل للشفاء قام بالإعتداء عليها و عندما أراد تكرار ما فعله قامت بتهديده بالسکين بأنها لم تتردد في فعلها مرة أخري و التخلص من نفسها.

 

ينصت مراد بإهتمام بالغ، و لم يصدق مدي القسۏة و البشاعة التي تعرضت إليها سندس، كيف وقعت ضحېة بين يدي شياطين الشړ عنوان دروبهم المليئة بالأشواك.

و في نهاية سردها أخبرته:

“أنا نفسي في حاجة واحدة بس، نفسي أشوف أمي، مش عايزة أكتر من كدة”.

 

تنهد مراد و يتذكر أمر ما:

“بصي هو أمر جوازك من فراس و أنتِ لسه ما تمتيش ال١٨ سنة، أنتِ كده في نظر القانون المصري جواز قاصرات، غير إنه جواز مسيار، بالمختصر أنتِ لسه آنسة في نظر القانون حتي لو تم الجواز عن طريق محامي، ملكيش أي حقوق زي اللي أتجوزت عرفي بالظبط، بصي هو مفيش غير حل واحد عشان ترجعي”.

 

نهضت و نظرت إليه كالغريق الذي يتعلق في قشة:

“أي هو؟”.

 

أجاب قائلاً:

“أطلع لك باسبور بإسم غير اسمك، عشان معكيش بطاقتك و لا أي حاجة تدل علي هويتك”.

 

“أنا موافقة علي أي حاجة بس المهم أرجع بلدي و لأمي، و أوعدك أول ما هارجع أي فلوس دفعتها عشاني هارجعها لك”.

رمقها بعتاب و قال:

“أنا مش هاخد علي كلامك لأنك لسه طفلة”.

 

عقدت ما بين حاجبيها بحنق ثم تذكرت أمر ما فسألته:

“ممكن أنا بقي أسألك سؤال، هو ليه حضرتك ساعدتني و أنت مكنتش تعرف حتي إسمي؟”.

 

تظاهر إنه يفكر قليلاً، نهض و وقف أمامها:

“مش عارف، يمكن نفس السبب اللي خلاكِ لما جريتي و بتتحامي فيا، أو نظرة عينيكِ و هي بتطلب مني الأمان”.

 

انتابها التوتر و قشعريرة دبت في خلاياها، سألته و تتحاشي النظر إليه مباشرة:

“أنا هسافر إمتي؟”.

 

ابتسم و أخبر ليطمئن قلبها الذي سمع دقاته القوية:

“في خلال يومين بإذن الله هايكون عندك الباسبور و تقدري تسافري”.

 

༺الفصل العاشر و الأخير༻

 

جاء اليوم المنتظر، كانت تجلس في الردهة تنتظره علي أحر من الجمر، أخيراً سوف تسافر بعد رحلة عڈاب.

 

ترتدي ثوب قصير و بأسفله بنطال و يغطي رأسها حجاباً، قد أشتري لها تلك الثياب منذ أمس.

و لدي مراد بعد أن استلم جواز السفر الخاص بها، و في عودته جاء إليه إتصال من مليكة، لم يرد في المرة الأولي، و عندما تكرر الإتصال أخبره حدسه بأن عليه الإجابة لعل أن هناك أمر خاص بسندس

“ألو يا مليكة؟”.

 

جاء صوتها إليه و تحذره:

“فراس كان عندي و معه رچال الشيخ راشد، و لما خابر إن سندس مو هون، هددني پالقتل و ما كان بإيدي شئ غير خابرته إنها معك، و هو هلا بالطريق لعندك”.

 

أنهي المكالمة علي الفور و زاد من سرعة السيارة ليصل سريعاً إليها.

و عند وصوله إلي منزله، فتح الباب و وجدها في إنتظاره فأخبرها علي عجلة من أمره:

“يلا هاتي شنطتك و تعالي نمشي بسرعة، فراس و رجالته جايين علي هنا”.

 

قامت بتنفيذ أمره فوراً و تشبثت بيده حتي وصلت إلي سيارته و دلفت إلي داخلها، قام هو بالقيادة و أنطلق.

 

“أول ما هنوصل للمطار و تعدي لو حد سألك قولي له الإسم اللي في الباسبور، خدي الشنطة دي فيها كل حاجة و موبايل عشان لما توصلي اطمن عليكِ”.

 

فتحت الحقيبة التي أعطاها إياها فوجدت ما أخبرها به، كما وجدت نقود فنظرت إليه، فقال لها:

“ده مبلغ كده تدبري بيه حالك لحد ما توصلي بالسلامة، و أول ما هتخرجي من المطار هتلاقي عربية مستنياكِ هتوصلك لحد بيتك”.

 

قطع الطريق إلي المطار في خلال نصف ساعة قبل أن يلحق به فراس الذي كان بالفعل يقود سيارته متجهاً إلي المطار، لكن وصل الأخر و سندس أولاً، توقفت قبل أن تتركه و تولج إلي داخل المطار

“مراد بيه، أنا بشكرك جداً علي وقفتك معايا، بدعي لك من كل قلبي”.

 

ابتسم و أخبرها:

“عايزة تشكريني بجد، ماتنسيش أول ما ترجعي بيتك تطمنيني عليكِ، و تحققي حلمك بأنك تكملي تعليمك و تدخلي الكلية اللي نفسك فيها، وعد؟ “.

 

أومأت إليه و قالت:

“وعد”.

 

مضت خطوة ثم عادت إليه لتسأله و لا تعلم لما فعلت:

“هترجع مصر أمتي؟”.

 

أجاب مبتسماً:

“لما يجي الوقت المناسب”.

 

أقلعت الطائرة و في نفس اللحظة وصل فراس و لم يلحق بها فعاد أدراجه خالي الوفاض.

ــــــــــــــــــــ

عادت إلي أرض وطنها بسلام و كانت في إنتظارها سيارة كما أخبرها مراد، أجرت إتصالاً به لتخبره و أطمئن بعودتها و قال لها بأن تذهب مع السائق إلي منزلها.

 

و عندما وصلت ترجلت من السيارة و تستنشق نسيم الهواء المختلط برائحة غبار الوطن الذي لا يعرف قيمته سوي المغترب.

 

صعدت الدرج و قلبها يقفز من الفرح، ضغطت علي زر الجرس، فتحت والدتها التي تفاجأت و لم تصدق عينيها إنها تري ابنتها أمامها، ارتمت سندس علي صدرها و أخذتها في عناق قوي:

“وحشاني يا أمي”.

 

أجهشت أمينة في البكاء من الفرحة:

“حمدالله علي السلامة يا ضنايا، الحمدلله رجعتي لي، ربنا يعلم مكنش بيجي لي نوم طول غيابك”.

 

شاركتها ابنتها البكاء قائلة:

“و لا أنا يا أمي، حقك عليا”.

چثت علي ركبتيها لتقبل قدم والدتها و التي دنت منها لتمسك بها و تحاوط خديها بين يديها الحنونة، حدقتها بلهفة قلب أم كانت بين نيران الخۏف و القلق علي ابنتها، و ها هي بين يديها.

ـــــــــــــــــــ

و بالعودة إلي دبي، في مكتب الشيخ راشد كان يقوم بإمضاء توقيعه علي عقود صفقة قام بإتمامها للتو مع إحدي رجال الأعمال و الذي قام بتهنئته و يصافحه:

“ألف مبارك يا شيخ راشد “.

 

رد الأخر بسعادة:

“الله يبارك فيك و بإذن الله لا تكون أخر صفقة “.

 

“إن شاء الله، كنت ابغي أقعد معك لكن هالحين عندي موعد لا يحتمل التأچيل، مع السلامة”.

 

و بعد مغادرة هذا الرجل ولج فراس و علي وجهه السعادة، ينظر إلي سيده قائلاً:

“ألف مبارك يا شيخ”.

 

رد الأخر دون إكتراث و يقرأ ورقة بين يديه:

“الله يبارك فيك”.

 

جلس أمام المكتب و يسأله:

“وين الشيك حجي؟”.

 

ترك الأخر ما في يده و حدقه بإزدراء، يحدثه بتوبيخ:

“حجك و وين حجي و المال اللي أنفقته كله علي الهانم اللي هربت و ما عرفت ترچعها و الله أعلم خبرت أهلها و لا لاء، و هناك أمر تاني، ياريت تكفي و تبعد عن القذارة اللي أنت بتسويها ويا العيال المخنثين، صار القاصي و الداني يعرف بسوالفك القڈرة، هذا يچعلني بفكر أطردك كيف الكلاب بالشوارع”.

 

كان يستمع إليه و ألسنة اللهب تندلع في عينيه، نهض و أخبره پغضب:

“الأمر الأول سويت و كفيت و ما قدرت أسوي أكتر من هذا، الأمر التاني أنت أخر واحد يتحدث فيه، نسيت مين السبب و اللي چعلني أشتهي الريال «الرَجُل» و بقيت شاذ قذر، الفضل يرچع لك يا للي كنت بمثابة أبي و بتراعيني، لكن تربيتك غير، تحب أذكرك إيش كنت بتسوي معي من و أنا صغير لحد ما بقيت شاب!، و علي طول ټهديد و وعيد، و النهاية أصبحت قذر و تيچي تعايرني الحين، يا للعچب!”.

 

نهض الشيخ راشد و أشار إليه بټهديد:

“أقسم بالله العظيم، لو عيدت هاد الحديث مرة تانية، لأقتلك بيدي هذي، و أؤمرهم يدفنوك بالصحرا و تصير طعام للذياب”.

 

و بعد أن رأي فراس الغدر في عيون سيده، قام بالھجوم عليه، أمسك بسلك الهاتف علي المكتب و قام بلفه علي عنق راشد:

“كنت ناويها لك من زمن، و هالحين الوقت المناسب قبل ما تغدر بي”.

 

أطلق الأخر صياح بطلب إستغاثة و وجهه محتقن، لكن لم يولج إليه الحراس، فقال له فراس بفحيح:

“ما تتعب صوتك اللي مثل نهيق الحمار، ما يسمعونك أنا أمرتهم يبعدوا عن المكتب”.

 

حاول راشد أن يصل بيده إلي زر أسفل مكتبه، فتمكن من الضغط عليه، لم يتحمل أكثر من ذلك و فارق الحياة في لحظة وصول الحراس و عندما رأوا فراس يقترف هذا أطلقوا عليه الړصاص في التو و هكذا كان اڼتقام القدر!

ــــــــــــــــــــــــ

بعد شهور…

 

ألتحقت سندس بكلية تجارة و إدارة أعمال، و في خلال تلك الفترة كان مراد علي تواصل معها من حين لأخر و في حدود، يطمئن عليها حتي أنقطع إتصاله و لم تعلم عنه شئ منذ عشرة أيام.

 

و اليوم كان إعلان نتيجة الترم الأول و حصلت علي تقديرات تتراوح ما بين الإمتياز و الجيد جداً، عادت بمرح و سعادة، تفتح باب منزلها، تهلل بفرح:

“يا مامـ…

 

صمتت عندما تفاجأت من هذا الجالس في الردهة و أمامه علي المنضدة باقة من الأزهار قال لها:

“مش أنتِ سألتيني هترجع مصر أمتي؟، اديني رجعت في الوقت المناسب”.

 

توقف لسانها عن الحركة من هول المفاجأة، فقالت والدتها:

“تعالي يا سندس، مراد بيه جاي عشان يقولك أخبار حلوة أوي”.

 

تقدمت و جلست علي اقرب كرسي لها، فأخبرها مراد:

“أولاً ألف مبروك علي النجاح، أنا كنت عارف من إمبارح قبل إعلان النتيجة و مارضتش أقولك و أسيبك تتفاجئي، ثانياً موضوع فراس أنتهي تماماً، جات لي أخبار أن بعد ما فراس ضربوا عليه ڼار، فضل عايش علي الأجهزة في غيبوبة، فضل شهور لحد ما الدكاترة فقدوا الأمل و شالوا منه الأجهزة يعني لو لسه موضوعك فيه قيل و قال خلاص هو ماټ و أنتِ بقيتي حرة، نيجي بقي للأهم”.

 

تنحنح ليستعد لما سوف يقوله الآن:

“أحب أعرفك بنفسي من أول و جديد، أنا مراد محمد صفوت، ٣٠ سنة، رجل أعمال و عايش في أمريكا من ٨ سنين، والدتي أتوفت و أنا صغير، و والدي أتوفي من خمس سنين، أتجوزت من هناك و محصلش نصيب و أنفصلنا، أنا بفتخر إن بنيت نفسي بنفسي و ما أعتمدتش علي فلوس والدي الله يرحمه، مليش أخوات و وحيد، و أتمني تكونوا أهلي، و أنتِ تكوني مراتي، تتجوزيني يا سندس؟”.

ـــــــــــــــــــــــ

و بعد مرور سنوات في حديقة المنزل، تتجمع عائلة مراد حول المائدة، سندس تجلس بجواره، يضع قطعة اللحم في فمها و تشاهدهما أمينة و الفرح في عينيها، ابنتها أمام عينيها تزوجت من رجل يعشقها و يجعلها ملكة و قد رزقهما الله بولد و ابنة توأم أصبحا الآن في عمر الست سنوات، و آخر العنقود ذات عمر السنتين تجلس فوق فخذيها.

 

تغمرهم السعادة بعد أن مروا في شقاء و بؤس لسنوات و ما حدث لسندس، حكاية خط الزمن سطورها و أصبحت ذكري كلما تذكرتها تتنهد و تتأمل حالها الآن و كيف نالت جزاء الصبر، يكفي إنها تعيش الآن مع من تحب والدتها و ابنائها و زوجها الذي أنقذها من سوق إبليس التي كانت تُباع و تُشتري به و كأنها جارية في سوق النخاسة.

تنظر إليهم جميعاً الآن و تردد:

“الحمدلله”.

 

تمت بحمدالله.