رواية وريث آل نصران الجزء الثالث للكاتبة فاطمة عبد المنعم الفصل الحادي والخمسون
يا مالك الفؤاد، قل لي بالله عليك
هل تصدقني الجواب؟، أم تبعدني يديك؟
عن حلمِ قلب تاه وطريقهُ إليك، ظن الأملَ مباح
حرمته عليه
يا مالك الفؤاد، قلبي مزقتهُ
وتركتَ الروحَ تبكي، وتتيه في الهموم
وظننت أني أحيا، والظن لا يدوم
ونزفت بقلبي دمعًا، ورثيتك للنجوم
شهدت يومًا عليك حين كنت تقول: آت دوما إليكِ
يا خالف الوعود
باحت نفسي لنفسك، ونسيت أن أبوح
إن الحب عذاب، لا يرحم النفوس
آه وألف آه
من حلمٍ لا يدوم.
في أكثر وقت لا نريد به هذا، يتفنن المزعجون في مضاعفة إفساد مزاجنا بكل ما هو غبي.
أراد طاهر اللحاق بوالده و عيسى بعد أن خرجا بسرعة أثارت ريبته من منزل منصور دون حتى الاستئذان ولكن منع خروجه يد منصور الذي قال: استنى هنا.
لم تكن إلا نبرة مليئة بالحقد عليه والبغض له، وتلقاها طاهر بثبات وتوقف يطالعه بنظرات تتحدث عن صاحبها، عن أنه يعلم أن الواقف أمامه ويدعي المودة لو طال الآن لأزهق روحه وبدم بارد.
حرر طاهر ذراعه سائلا بانزعاج: خير؟
تصنع منصور الضحكة ونافقه بقوله: عايز اسأل عن أحوالك يا حبيب أبوك، ولا تحب أقول عمك؟
نجح في إثارة غضبه وبان هذا في نبرة طاهر الذي رد هاتفًا: أبويا من عمي متفرقش، المهم إنه رباني، غيره معرفش يربي وجاب قلة القيمة لنفسه وابنه اتضرب في وسط البلد واللي رايح واللي جاي اتفرج عليه.
احتدت نظرات منصور وهو يعلق بحقد: عندك حق، بس مفيش حد مبيغلطش، ابني غلط وحقك خدته، ولو كل غلطان بقى قليل الرباية، يبقى كل اللي على الأرض كده.
تنهد طاهر بضجر، أدرك أن منصور لا ينساها، لا ينسى ما حل به وبابنه أمام أعين من اعتبره أغلبهم كبيرهم، الغل في عينيه يفضح كل شيء، ولم تستطع ابتسامته المُغتصبة أن تداريه وهو يقول: فرحك امتى؟
تساءل طاهر ساخرا: ليه هتيجي؟
وكان الرد أن ربت على كتفه وهو يخبره: وهنقط كمان، هو أنت شوية، ده أنت فرحة الحاج نصران الكبيرة، وواجب زي ده ميفوتنيش.
لم يطمئن طاهر لحديثه، وأظهر اللامبالاة في قوله: تنور.
ثم غادر ولم يترك له فرصة اخرى لاستكمال حديثه، كانت رزان على الأريكة تسرق النظرات لتراهما، حتى عاد إليها منصور وحده وحثها بامتعاض: قومي يا بت أنتِ اطلعي على فوق، ولما اندهلك ابقي انزلي.
قامت من مكانها واستجابت له وهي تنعته في داخلها بكل ما هو بشع ولكن ما من حيلة الآن لتصرخ بما يجول في خاطرها للعلن.
ارتبكت الأوضاع، لا تعلم سهام ما حدث لابنها، فقط وجدته أمامها هكذا، مُلقى على الأرضية، وشبه لا تصدر أنفاسه، استغاثت بكل من في المنزل، ولم يسعفها سوى ميرت التي جلست جواره على الأرضية وحين تيقنت من انقطاع أنفاسه، استخدمت يديها وبدأت بالضغط على صدره تحت نظرات والدته وشقيقته و تيسير وقد أصابهم الهلع، استمرت ميرت فيما تفعله، وكان فعلها مجديًا، وبدأ بالفعل في استعادة وعيه تدريجيا، فتحت أزار قميصه، وحرصت على أن يبقى مستلقي ونطقت ونادت والدته من الخلف بلهفة: حسن.
حضر والده ولم يمر الكثير حتى حضر الطبيب، لم يطمأن أحد حتى فحصه الطبيب وأخبر بهدوء: ضغطه مش مظبوط، هو السبب في اللي حصل ده
كتب شيء ما في ورقة وأعطاها لنصران متابعًا: الدوا ده هيظبطه إن شاء الله، والسوايل ياريت متتقطعش، وأول ما يبقى كويس ان شاء الله عايز أشوفه.
جملته الأخيرة هذه تسببت في قلق عيسى فسأل: ليه يا دكتور هو في حاجة؟
قدر قلقه وطمأنه بقوله: مفيش حاجة اهدى، أنا بس عايز اتأكد إن كل حاجة تمام.
سار معه عيسى إلى الخارج، وأخذ طاهر الورقة التي دون بها الدواء ليُحضره، بينما في غرفة حسن جلست والدته جواره تمسح على رأسه سائلة بخوف: أنت كويس دلوقتي؟
فأشار لشقيقته طالبا برجاء: يا رفيدة هديها بقى، مفيش حاجة يا ماما متقلقيش، أنا كويس والله، أنا الأيام اللي فاتوا مكنتش مظبوط وبفكر كتير فأكيد من الإرهاق مش أكتر.
انتبهت سهام لميرت فشكرتها بحرارة: شكرا، أنا من غيرك مكنتش هعرف اتصرف.
فردت عليها بابتسامة: ولا يهمك، المهم إنه كويس.
تركت والدته مكانها جواره، وجلست بدلا منها رفيدة، لم تتحدث فاستدار ناحيتها يسألها: ده أنتِ زعلانة بقى؟
ومش طايقاك، بس خلاص هسامحك، هعمل إيه ما أنت قدري.
ضحك على ردها وتابعت هي: ده ذنب عز اللي غلطت فيه وهو معملكش حاجة.
فاحتضنها طالبًا برجاء: خلاص بقى عديها متزعليش، حقك عليا.
ثم أشار لميرت يحثها: قوليلها حاجة.
كانت سهام تقف في الخارج أمام نصران، لم تمنع انهيارها بل تحدثت بكل ما لديها: عاجبك كده، هيبقى كويس لما يضيع، اشمعنا هو، مفيش حد في اخواته بتشد عليه كده، حتى البنت، أسلوبك ده كان هيخليه يروح مني.
فجاوبها بانزعاج وقد تلفت أعصابه إثر ما حدث: أنا مش هرد عليكي علشان مقدر حالتك، بس هقولك إن لو حد هيضيع الواد ده هيبقى اللي بتعمليه ده.
تخطاها واقترب من غرفة ابنه، ألقى عليه خلسة نظرة من الخارج، بانت اللهفة في عينيه، تيقن من أنه بخير يمازح شقيقته فاطمئن قلبه ورحل متجها إلى الأسفل.
الابتزاز، شيء يعرفه شاكر بل ويحفظه عن ظهر قلب، لطالما فعله، والآن يفعله به ثروت، لا يعطيه معلومة واحدة حول ما حل بشقيقته، وأجبره على القدوم معه لإحضار بيريهان، وصلا إلى حيث المنزل وتقدم شاكر، وتبعه والد زوجته، فتح الباب وما إن رأته بيريهان حتى هرولت ناحيته سائلة بعتاب: كنت فين كده وسايبني؟
رأت والدها في الخلف فهرولت نحوه تحتضنه هاتفة باشتياق: وحشتني أوي.
طالعها ثروت بنظرات متفحصة، حالتها عادية، لا دليل على أنه يحتجزها أو يعنفها هنا، كل شيء يقول أنها هنا بإرادتها الحرة وهذا بان حين سألها: ندى قالتلي إن أنتِ و شاكر اتخانقتم خناقة كبيرة، وإيده اتمدت.
طالعه شاكر باستياء، وبررت هي بعدما ألقت نظرة على زوجها: خلاص يا بابا هو اعتذر، ووعدني مش هتحصل تاني.
اخرجي يا بيري استنيني في عربيتي.
قال هذا ثروت بحزم، ومنعه شاكر حين أمسك بمرفقها وهتف: بيري مراتي، ولو فاكر إن اللي بتعمله ده هيبعدها عني تبقى بتخسرها وبتخسرني
ثم طالعها هاتفا بحزن برع في تجسيده: عايز يبعدك عني، أختي في خطر وهو عارف مكانها ومش راضي يقولي وبيبتزني بيكي.
توسعت عيناها بغير تصديق واستدارت مسرعة ناحية والدها تسأله بذهول: الكلام ده صح؟
هاجمه ثروت يُلقي على مسامعه كل ما تفضل به عليه: أختك في خطر وببتزك بيها، وبنتي إيه؟، كنت عايز تورطها معاك ومفكر إنك هتعرف تلاعبني
دفعه يذكره بحدة: أنا اللي عملتك يلا، وأختك دي لولايا كان زمانك بتدفنها، أنا هديك مكانها ومش عايز أشوف وشك تاني سامع.
لا يا بابا.
قالت هذا بيريهان بخوف وهي تتشبث بزوجها، لمعت الدموع في عينيها وهي تسأل والدها: أنت عرفت عليه حاجة؟
وحين لم يأت رد طالبته بتوسل: علشان خاطري اقف جنبه، شاكر كويس والله.
هو بس مضغوط، و أعصابه بايظة من ساعة فتح القضية، قبل كده كانت كل حاجة ماشية كويس.
كان شاكر يطالعه بغل دفين، امتزج بشماتته، ابنته الآن هي من تتمسك به وترفض رحيله، قدرها لها، جذبها شاكر برفق وطلب منها: تعالي معايا يا بيريهان دقيقة.
لم يرض والدها أبدا، فمسح شاكر الدموع عن وجنتيها وهو يرجوها بما لم يرده: ارجعي مع بابا، كده أحسن دلوقتي.
طب وأنت؟
كاد سؤالها هذا يقضي على الباقي من ثباته، الصدق في عينيها نجح في إخضاع حتى غدره الذي ظن أنه لا يُخدع، احتضنها ومال عليها يطمئنها: متخافيش، أنا هروح لعلا، وهرجع.
وكل حاجة هتتحل إن شاء الله، بس عايزك توعديني، اوعديني إنك هتفضلي في ضهري
هزت رأسها سريعا تعطيه ما أراد بكل سماحة: أوعدك.
قبل رأسها وصرح بها لها: بحبك.
ثم تخطاها وذهب ناحية والدها طالبًا: بيري هترجع معاك، اديني عنوان المكان اللي فيه اختي اتطمن عليها، وبعدها هجيلك ومش هعمل غير اللي أنت عايزه.
خضع له مُجبرًا، وكيف لا يخضع ومصلحته معه الآن، ولكن قبل أن يفعلها جعله يرى بعينيه، تعلق ابنته الشديد به، يحاول جاهدا أن يؤثر عليه ليدرك أن عليه حمايته لعله يهتم لأمر ابنته ويعلم أن أي ضرر يصيبه يعني تعاستها وربما للأبد.
أحضر طاهر الدواء، كان سيتوجه إلى الأعلى ولكنه لاحظ وجود والده في غرفة مكتبه، دق الباب عليه وما إن سمح له حتى دخل، جلس طاهر على المقعد المقابل لوالده وسمعه يسأل: جبت الدوا يا طاهر؟
هز طاهر رأسه يؤكد إحضاره، ثم طالع والده بشك واستفسر: هي ماما قالت حاجة ضايقتك؟
تنهد نصران بتعب فتيقنت شكوك طاهر مما جعله يقول: بابا أنت مغلطتش، حسن كان لازم حد يوقفه، وبعدين أنت عارف هو حبيب أمه شوية لو جاله دور برد بتقلب الدنيا، فمش علشان ضغطه وطي شوية هتضايق كده، هو أصله عايش بقاله يومين في دور المكتئب فأكيد بسبب كده، أنت مقصرتش معاه يا بابا
نفسي حاله يتصلح، لكن ده كل ما أقول حاله اتصلح ألاقيه بيسوء أكتر.
شاركه نصران بهمه فهونه عليه طاهر قائلا بابتسامة: والله بكرا هيتصلح، وهتلاقيه زي ضلك، كلنا جت فترة وكنا طايشين، وقرصت علينا علشان نتعدل
أثناء ذلك اهتز هاتف طاهر الموضوع على الطاولة، انتبه نصران له، فرأى اسم جعله يقول بحدة: وشكلك محتاج يتقرص عليك تاني، فريدة بتتصل بيك ليه يا طاهر.
تأفف طاهر بانزعاج وأغلق هاتفه وهو يصارح والده: كلمتني من كام يوم، مكنتش برد لحد ما اتصلت من الرقم ده ومكنتش أعرفه فرديت، لقيت جويرية بنتها هي اللي بتكلمني، والبنت عماله تعيط ووحشتني، وعايزة أشوفك ونلعب أنا و يزيد، أنت عارف أنا كنت بعتبر البنت دي بنتي، وفجأة لقتني بتدبس من فريدة بإنه نتقابل في النادي علشان الولاد يلعبوا شوية مع بعض، قولتلها معلش مش فاضي، إن شاء الله لما تيجي فرصة يبقوا يشوفوا بعض، بس أنت عارف بقى الزن، وبسبب ده مش عارف أودي الواد النادي.
أبدى والده ضيقه من الوضع بأكمله وحذره بهدوء: اللي بيحصل ده يا طاهر غلط، و شهد غيارة وهتعمل مشاكل لو عرفت الكلام ده
وهذا دفع طاهر ليردف بقلة حيلة: وأنا اعمل إيه يعني يا بابا؟، ما أنا قولتلك إني مكنتش برد، وقولتلها مش فاضي.
خلص واتجوز علشان نقطع الكلام ده خالص.
كان هذا اقتراح نصران الذي رد عليه طاهر بضيق وهو يرى عيسى يدخل: ياريت ده كان ينفع، بس أنا اتفقت مع الست هادية إنه بعد ما شهد تخلص، وبعدين إيه علاقة ده بفريدة، بابا أنا عايز أقولك إن فريدة معندهاش مشكلة ترجع حتى لو أنا اتجوزت شهد.
ضحك نصران، وعلق عيسى: جدع، اتجوزها بقى علشان بدل ما دبرت لخطف يزيد المره اللي فاتت، تسم اللي في البيت المره دي.
طالعه طاهر بضجر، ثم رد عليه: هو أنت سمعتني بقول إني هرجعها؟، ولا جه على بالك تشتغل سيناريست.
فتح عيسى البراد وأخرج منه زجاجة من مشروبه المفضل ثم تمدد على الأريكة مصرحا بابتسامة: لا، جه على بالي أعرف السيناريو بتاعكم أنتوا لحياتي، قولولي كده خط سيرها هتمشوه ازاي علشان أنا مكسل أمشيها، ولا إيه يا حاج؟
ابتسم نصران بهدوء ولم يبال بأي من تلميحاته فأكمل عيسى: محدش فينا بيقدر ينفذ كلمة من وراك، فأكيد طاهر مخدش خطوة غير بمباركتك.
طاهر عاقل، عارف المصلحة فين، وبقوله الكلمة بيسمعها حتى لو مش عايزها، ليه كبير بيرجعله، إنما أنت كبيرك فين يا عيسى؟
ألقى نصران على مسامعه حديثه هذا فتبادل ثلاثتهم النظرات وقد خيم على هذه الجلسة التوتر.
لم يعطه فرصة الذهاب وحده، بل أمر ثروت أن يرافقه حارسين، قاده أحدهما إلى حيث مكان شقيقته، كان المكان منعزل، بدا من الخارج بدائيا لحد كبير، وكأنه غرفة لحفظ كل ما ليس له فائدة بها، وكأنه يسابق الزمن في الدخول إليها، وجد فراغ تخطاه متوجهًا نحو ممر صغير، وبعد ذلك وجد فراش شقيقته ممدة عليه ويجاورها والدته و ندى وقد أحضرهما ثروت إلى هنا، هرع إليها، بدت حالتها سيئة، شاحبة وكأنها تلفظ أنفاسها الأخيرة، اقترب منها بخوف، وهمس متلهفًا: علا.
كانت غافية ومنعته ندى عن التسبب في قلقها حين حذرته: بلاش تقلقها، احنا ما صدقنا إنها نامت، الدكتور اللي عمو جابوا قال نسيبها الأيام دي ترتاح أفضل.
لا حظ رسغ يدها فسأل بذعر: إيه اللي حصلها.
هاتلي حق بنتي يا شاكر.
صاحت بها كوثر فردعتها ندى عن ذلك، تركتها بمفردها معها ورافقت شاكر إلى الخارج، طالعته تواجهه بنتاج صداقاته: صاحبك الحقير كان بيحاول يعتدي عليها، روحنا هناك لقيناها ضرباه بسكينة، وبتحاول تخرج من المكان المقرف اللي كانت فيه، بمجرد ما دخلنا انهارت وحاولت تقطع شاريينها وبالعافية لحقناها وجبناها على هنا.
سمعا صرختها من الداخل فهرعا إليها، أشفقت ندى على حالتها بشدة وهي ترى تشنجاتها، وأشفقت أكثر وهي تسمع كوثر تسألها ضاغطة عليها: انطقي ردي عليا لمسك ولا لا؟
هرولت ندى تحتضن علا وطالعت كوثر باشمئزاز سائلة: أنتِ أم بذمتك؟
ابتعدت علا وصاحت وقد كانت دموعها في سباق: متخافيش، ملحقش يجي ناحيتي، ضربته بالسكينة اللي كان بيهددني بيها، بس عايش مماتش، عايش علشان لما يفوق ترميني ليه ياما.
ثم أخذت تنتفض وهي تصرخ بانهيار: وحاولت اخلص نفسي من الدنيا دي كلها، حرام عليكوا يا ندى، كنتي سيبتيني أغور منها.
لم يمنع انتفاض شقيقته هذا إلا احتضانه لها، حاوطها ونجحت محاولته لتسكن، ولكن نحيبها لم يتوقف، أسند ذقنه على رأسها وأغمض عينيه بألم، تسارعت أنفاسه، وأخيرا نطق: مشيك ورا اللي بيحفرولي قبري هو اللي وصلنا هنا.
فابتعدت ودافعت باستماتة: بشير ده أنضف انسان قابلته، إياك تجيب سيرته بنص كلمة.
مما جعل والدتها تهتف بانفعال: الله ياخده، وياخد نصران وعياله كلهم، الواد ده مش بعيد يبقى هو اللي وز عليكي علشان يوقعوا أخوكي
ثم طالعت ابنها وأخبرته: أنا شوفته يا شاكر، جه هو و عيسى عند محسن وانا عنده، أكيد لما شافوني عملوا نفسهم بيتخانقوا معاه، وهما في الاصل بيتفقوا على ابني وبنتي، الله ياخدك يا محسن.
لم تتحمل علا أقاويلهم، انهارت وطالبت ندى بأن تبقى بمفردها وبالفعل استجابت لها، سأل شاكر عن محسن وعلم أنه بالمشفى ويرافقه أحد حراس ثروت حتى لا ينطق بأي شيء إن فاق، فهم من ندى بأنه لن يستطيع استجوابه في أي كلمة، لم يفق حتى الآن، اكفهر وجهه وسأل والدته بحدة: قوليلي اللي حصل بالظبط لما كنتي في بيته.
لقد تفوهت بما نشط دفاعاته، حفزته ناحية الهلاك أما عنه الآن، فأكثر ما يحبه هو الاستجابة لهذا التحفيز.
راسلها وطلب منها أن تنتظره هنا، لا تستطيع حتى الآن مسايرة جنانه هذا، تأففت ملك بملل وهي تنتظره قرب الجسر، منذ أن استيقظت ولا تعثر عليه في المنزل، وبعدها وجدت رسالة على هاتفها منه يطلب فيها أن تنتظره عند الجسر، كان الغروب قد أوشك على القدوم، وهناك نسمات باردة في الأجواء جعلتها تشعر بالبرد قليلا، سأمت وأخرجت هاتفها، طلبت رقمه وما إن رد حتى قالت بضيق: أنت فين يا عيسى بقالي ساعة مستنياك.
معلش يا ملك أنا مش هعرف اجي روحي.
ورده لم يقنعها فسألته بغير تصديق: بتهزر صح؟
ولكنه أكد قوله: لا بجد، جالي مشوار فجأة، ارجعي البيت وأنا لما…
قاطعته وهتفت بانزعاج وقد أحزنها ما حدث: بعد كده ابقى راجع مشاويرك قبل ما تبعتلي حاجة.
أغلقت الهاتف في وجهه، وتنهدت بغضب وهي تطالع المياه، وعلى حين غرة وجدت من يتشبث بها من الخلف فانتفضت وقبل أن تصرخ كان يديرها لتراه فاتسعت ضحكتها ولكن سريعا ما وأدتها وهي تسأله: بتضحك عليا؟
توعدها قائلا: بقى بتقفلي التليفون في وشي أنا؟
هزت رأسها بتأكيد تخبره: اه علشان بتضايقني، وكنت هعيط لو مجتش لإني بقالي كتير واقفة.
تجاهل ما قالت وأشار لها ناحية السماء هاتفا بابتسامة: حتى لو مكنتش جيت، كنت هبقى عملتلك خدمة وخليتك اتفرجتي على الغروب.
وكزته في صدره قائلة بضحك: كنت هتفرج عليه من الشباك مش لازم مشاوير، المهم قولي جايبني هنا ليه؟
بدا كمن هرب الحديث منه، هو صاحب اللسان الطليق، تنهد واستجمع نفسه قبل أن يصارحها: أنا فكرت في كلامك وشكلي كده هوافق.
فكنت عايزك تعرفي يعني
لمعت عيناها بفرح وهي تسأل بلهفة: موافق على إيه؟
جاوبها بابتسامة: أنا قولت شكلي هوافق، موافقتش لسه.
بس هو عموما هيبقى على نوع الحياة اللي أنتِ اختارتيها لو حابب إني أكمل ويكون في بيننا طفل.
قفزت من الفرحة، ثم سريعا ما استرجعت ما قال فطالعته وقد نفذ صبرها منه وهددته: أنت هتوافق غصب عنك، بدل ما هتطلق منك
وهشردك في محاكم الأسرة علشان تلف على حق بقى.
فرفع حاجبيه وهو يخبرها بلا مبالاة: مش مهم، طالما في لف هبقى مبسوط.
ابتسمت على جملته واحتضنته سائلة بأمل: كل حاجة هتبقى كويسة صح؟
تاهت في عينيه وهو يهز رأسه مؤكدًا لها أن كل شيء سيكون بخير، فقط برفقتها تصبح كل الأشياء بخير، أعلمها بأنه سيذهب للقاهرة منفردًا الآن، سينهي شيء ما طارىء في عمله برفقة بشير وسيعود في الصباح، لم يكن يعلم أن أفكاره كلها ربما تتغير بعد ساعات، لم يعلما أن هذه الليلة ليست كأي ليلة، ليلة ستغير حياتهما، سافر إلى القاهرة وأثار استغرابه عدم وجود صديقه في المعرض، حدثه في الطريق وعلم منه أنه سيكون هناك، أين هو الآن!
قرر الذهاب إلى بيته، ولم يأخذ الأمر الكثير حتى كان هناك، دق على الباب ولم يفتح له صديقه، فأعاد ذلك مرتين، أخيرا فتح له بشير والدموع في عينيه، كان على وجهه أثار تنذر بخطب ما، فسأل عيسى بقلب وجل: إيه اللي حصل
ذهب بشير إلى إحدى الغرف، ذرف العبرات ثم حمل كلبه، وخرج به، هوى فؤاد عيسى أرضا وهرول ناحيته يسأل: ماله؟
اوعى يا عيسى خليني أنزل ألحقه، يمكن يعيش.
بالفعل بعدما قال هذا تخطى صديقه وخرج من المنزل فلحق عيسى به مسرعا وهو يستفسر وعيناه لا تفارق الكلب: قولي إيه اللي حصل طيب.
فأخبره بشير وهو في سباق مع الدرج: شاكر جه هنا وكان معاه اتنين بلطجية، معرفش طلعوا ازاي، وزي ما أنت شايف كده، قعد يهرتل بكلام عن محسن مفهمتش منه حاجة، كل اللي عرفته إن علا مش كويسة، الكلب حاول يدافع عني قام ال ضربوا عليه نار.
كان قد وصل إلى الأسفل، وقبل أن يركب سيارته، مسح عيسى على كلبه الذي تعلقت عيناه به هو الآخر وهمس وقد تجمعت العبرات في عينيه: هتبقى كويس.
لا يرحب به الآن، لا يهرول ناحيته ليقفز هنا وهناك، رحل بشير به سريعًا، ولم ينتظر حتى عيسى، هذا الذي وقف تائهًا وكأن الدنيا تميد به، دخل سيارته، جلس بها وأسند رأسه على عجلة القيادة يبكي بصمت، يتذكر أول كلب ابتاعه في حياته وعانى مرارة فقدانه، ثم إحضاره لهذا ومهاداة بشير به، يسمع صوته الآن وهو يقول لملك حين رأته وخافت منه: متخافيش ده أليف، مش من نوعية شاكر.
شاكر من يملكه منه الآن سيدفع له عمره، أمنية تمناها عيسى وتحققت له حين وجد أحدهم يقتحم عليه سيارته ويركب في المقعد المجاور قائلا: كنت عارف إنك هتيجي، فقولت لازم استناك.
مينفعش امشي من غير ما اشوفك، وحشتني يا شيخ.
سرت الرعشة في كف عيسى، بوادر نوبته تمكنت منه، لم يكن يرد كان يتبادل النظرات مع شاكر، يطالعه بغل، رويدًا رويدًا يفقد تعقله، وسيطرته على الأمور، يفلت منه كل شيء، وتتحكم نوبته، سأل بهدوء ما قبل العاصفة: أنت تعرف عيسى؟
استغرب شاكر السؤال، واستغرب حالته هذه، شعر بالريبة حياله، واستكمل عيسى يخبره: لو كنت تعرفه مكنتش ركبت هنا بعد اللي عملتوه فوق، عيسى هو الانسان اللي لو حطيت في دماغك 100 احتمال لردة فعله، هيعمل ال 101 اللي مجاش في دماغك أصلا.
تمكنت نوبته منه تماما وبان ذلك في عينيه، كانت حانية قبل ساعات مع ملك، والآن غاضبة، كبركان ثائر وصاحبه يتوعد بشراسة: ودلوقتي هتتفرج على الاحتمال ال 101.
بدأ في قيادة سيارته قيادة جنونية، لم يعد يرى أمامه، حين يغيب العقل ويتحكم الغضب ربما يبيع الانسان عمره وهذا ما يفعله هو الآن، حتى عمره لا يفرق معه، حاول شاكر أن يقوم بإيقافه ولكن لم يجد منه إلا أن سبه، فصرخ فيه: اللي أنت بتعمله ده مش هيأذيني لوحدي، هدي سرعة العربية.
المهم إنه هيأذيك.
قالها عيسى بتشفي، وضاعف سرعته، وهو يخبره: هو ده عيسى اللي أنت متعرفهوش.
شحب وجه شاكر وهو يراقب الطريق، من يجاوره ينوي على هلاكهما لا محالة، كادت السيارة أكثر من مرة أن تصطدم بسيارات اخرى، أضاء هاتف عيسى باسمها ملك، هل تكون آخر لحظاته الآن ولا تتحقق أمنيته بأن تكون عيناها آخر ما يراه قبل موته، حتى أمنيته هذه، ودموعه الحبيسة في عينيه تغلبت نوبته عليهما، فازت كتلة الغضب والغل بداخله، الكتلة التي لطالما عانى من أنها تدفن الطفل الذي يحب أن يكونه وتحوله لآخر، وأمام الغضب تنعدم الرؤية، قال للجالس جواره ينتظر لحظة موته وهو يراقب كل تفصيلة في الطريق: لو شوفت فريد قبلي، قوله أخوك جاب حقك…
مريحنيش في عيشة، ولا سابني أموت مرتاح.
لو حد هيموت دلوقتي، هيبقى أنت، أنا هعيش يا عيسى، ملك هتبقى معايا وفي حضني في الآخر.
حاول شاكر استفزازه بهذه الكلمات عله ينجح في إيقافه، ولكن كنتيجة طبيعية لكل ما يحدث، كنتيجة طبيعية لغياب تعقله وسيطرته، وتحكم اضطرابه، تملك انفجاره، انقلبت السيارة بهما، انقلبت بهما في المياه نتيجة لسرعته المهولة وفقدانه السيطرة، في مشهد درامي، لو كان في حالته الطبيعية ربما لم يحدث أبدًا، اعتاد المغامرة واعتاد أن يدفع ثمنها الغالي، ولكن هذه المرة كان الرهان مفجع، غامر حتى بعمره ولم يفكر في أي عواقب، والنتيجة سيارة فقدت مسارها وسقطت في المياه، وكان قائدها هو، وكلما ظننا في ليلة أنه لن يأتي مثلها أبدًا، أتت غيرها لتبرهن لنا على أنها تفوق ما قبلها، على أن ما حدث فيها لن ننساه أبدا، ولكن يكفي عنده أن آخر ما فكر فيه قبل أن يواجه مصيره هو ملك.
تحميل تطبيق شام كاش 2025: أحدث إصدار لحل مشاكل تسجيل الدخول بسهولة Sham Cash الجديد
مواعيد الدوام الصيفي في تبوك 1446: التوقيت الرسمي لبداية اليوم الدراسي والتوجيهات الجديدة
عاجل| حالة الطقس ثالث أيام عيد الفطر: مائل للحرارة نهارًا والقاهرة تسجل 27 درجة
مشاهدة فيلم شباب البومب 2 2025 كامل بجودة HD: رابط مباشر وتحميل رسمي بكل سهولة
توقيت الدوام الصيفي بالطائف 1446-2025: المواعيد الجديدة والتنظيمات الرسمية لكل المراحل الدراسية
هاتف Honor 2025: إمكانيات خارقة وسعر مذهل مع شاشة رائعة وبطارية جبارة!
كيفية تسجيل التلاميذ الجدد بالسنة الأولى ابتدائي في المغرب 2025-2026 عبر منصة مسار
موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى 2025: التوقيت الرسمي والاحتفالات بالدول العربية والإسلامية